عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

غيبة الإمام المهدي في فكر الإمام الصادق (عليه السلام)

غيبة الإمام المهدي في فكر الإمام الصادق (عليه السلام)

 

المقدمة:

الحمـد لله ربّ العالميـن وصلّـى الله على نبيّنا محمّـد وآلـه الطيّبيـن الطاهرين، صلاة زاكية نامية متّصلة متواترة لا غاية لأمدها ولا نهاية لعددها، وسلّم تسليماً كثيراً. وبعد ..

ليست الغاية من الحديث عن دور العظماء والعباقرة في تاريخ الثقافة الإسلامية اكتشاف نبوغهم، أو تسليط الضوء على إبداعاتهم في رفد حركة الفكر الإنساني بعطاء راق خصب ثر، أو بيان منزلتهم وما كانوا عليه من كفاءات عالية وراقية، وهمم رفيعة لامعة، فحسب.

ولا الهدف من إقامة المؤتمرات والندوات العلمية في ذكراهم، موقوفاً على إظهار ما تفرّدوا به من مزايا وصفات، ولا على التغنّي بآثارهم وأمجادهم وإن كان كلّ ذلك مقصوداً; بل الغاية القصوى أبعد، والهدف الأسمى أعمق من ذلك بكثير، وتحقيقهما لا يكون إلاّ عن طريق تحويل تلك الأدوار الزاخرة بالعلم والمعرفة والعطاء بلا حدود إلى قوّة جديدة، وطاقة محرّكة للحياة، نظراً لما تركوه لنا من نقاط عديدة للانطلاق وعلى أكثر من صعيد.

وربّما قد يستوقف الباحث أمر وهو يستحضر أسماء عباقرة المسلمين فيجد اسم الإمام الصادق(عليه السلام) (83 ـ 148 هـ ) يتكرّر في مصادر شيعته بصورة لم يبلغها أحد غيره من أهل البيت عليهم السلام.

والسرّ في هذا أنّ الإمام الصادق(عليه السلام) قد عاش في عصرين مختلفين، عصر ضعف الدولة الاُموية حتى آلت إلى السقوط سنة 132 هـ على أيدي العباسيين، وعصر انشغال بني العباس في تثبيت أقدامهم بالسلطة. ومعنى هذا، إنّ الدولة الاُموية في عهد الإمام الصادق(عليه السلام) ـ الذي تولّى الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام الباقر(عليهما السلام) سنة (114 هـ ) ـ لم تكن قادرة على ممارسة نفس دورها الإرهابي في الحدّ من نشاط أهل البيت: كما كانت تمارسه في عهود آبائه:.

كما أنّ الدولة العباسية لم تعلن إرهابها على الإمام(عليه السلام) في بداية حكمها كما أعلنته عليه بعد حين وعلى الأئمّة المعصومين من أولاده: فيما بعد، وصولا إلى دورهم البغيض في غيبة آخر الأئمّة الإمام المهدي(عليه السلام).

ومن هنا وجد الإمام(عليه السلام) الفرصة النسبية سانحة للانطلاق في أرحب الميادين، ولهذا نجد اسمه الشريف يتردّد على ألسنة المؤرّخين والمحدّثين والمفسّرين والفلاسفة والمتكلّمين أكثر من سائر الأئمّة الآخرين:، ولعلّ خير ما يعبّر لنا عن هذه الحقيقة هو الإمام الصادق(عليه السلام) نفسه فيما رواه عنه أوثق تلامذته.

فعن أبان بن تغلب قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: كان أبي(عليه السلام) يفتي في زمن بني اُميّة أنّ ما قتل البازي والصقر فهو حلال، وكان يتّقيهم، وأنا لا أتّقيهم، وهو حرام ما قتل»(1).

ونحو هذا ما رواه الحلبي عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) أيضاً(2)، ونظيره ما رواه زرارة وأبو عمر الأعجمي عن الإمام الصادق(عليه السلام) من المنع عن مسح الخفّين في الوضوء تقيّة وكذلك في النبيذ ومتعة الحج(3).

فهذه النصوص وأمثالها تصوّر لنا بوضوح حالة الانفراج السياسي النسبي الذي عاشه الإمام الصادق(عليه السلام) في ظلّ الدولتين.

وقد كانت وظيفة الإمام الصادق(عليه السلام) صعبة للغاية إذ شاهد خطورة الموقف الإسلامي، وعاصر تلوّث المجتمع المسلم بالمفاهيم الدخيلة الوافدة إليه عن طريق الفلسفات الأجنبية التي تسلّلت رويداً إلى ساحته عبر القنوات الكثيرة التي شقّتها فتوحات العصر الاُموي (40 ـ 132 هـ )، وبدايات العصر العباسي الأوّل (132 ـ 234 هـ )، وما نتج عن هذا وذاك من نشوء التيّارات الفكرية الخطيرة، وانقسام المسلمين إلى مذاهب وفرق عديدة، مع بروز حركة الزندقة والإلحاد بفعل تلك الرواسب الثقافية المسمومة، فضلا عن استشراء حالة الفساد الإداري والخُلقي في عاصمة الخلافة ـ دمشق أوّلا، وبغداد ثانياً ـ ومن ثَمَّ تصدير الانحراف إلى شرائح المجتمع من قصور الخلفاء أنفسهم، ويشهد على كلّ هذا ما وصل إلينا من أدب البلاطين في ذينك العصرين، وفي كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني أمثلة لا حصر، لها تصوّر لنا حالة البذخ الاقتصادي، والترف الفكري، والتحلّل الخُلقي الذي أصاب الاُمّة على أيدي حكّامها واُمرائها في الدولتين الأموية والعباسيّة.

فليس أمام الإمام الصادق(عليه السلام) إذاً إلاّ إعادة تشكيل وعي الاُمّة من جديد، وتعبئة أكبر ما يمكن من طاقات أفرادها للنهوض بمهمّة التغيير الكبرى، وهو ما استطاع(عليه السلام) أن يحقّقه في تلك الفترة القصيرة; إذ استطاع وبكلّ جدارة أن يعيد للإسلام قوّته ونظارته، بعد أن أرسى قواعد الفكر الصحيح على أُسسه. فوقف كالطود الأشمّ بوجه تلك العواصف الكثيرة التي أوشكت أن تعصف بكلّ شيء من بقايا الحقّ وأهله، وجاهد جهاداً علمياً عظيماً، حتى تمكّن بحكمته وعطائه وعلمه وإخلاصه لله عزّ شأنه وتفانيه في دين جدّه(صلى الله عليه وآله) أن يصبغ الساحة الفكرية والثقافية في عصره ـ بعد أن تدنت بها القيم والأخلاق ـ بمعارف الإسلام العظيم، ومفاهيمه الراقية، واستطاع تحويل تلك المفاهيم إلى غذاء روحي يومي، فنقلها من الواقع النظري إلى حيّز التطبيق الفعلي مبتدئاً بذلك بروّاد مدرسته العظيمة التي كانت تضمّ ما يزيد على أربعة آلاف رجل، وكلّهم من تلامذته، حتى صاروا مشاعل نور، أضاءت لكلّ ذي عينين من أفراد الاُمّة ما اظلمّ عليه.

وهكذا استمرّت مدرسة الإمام الصادق(عليه السلام) في أداء رسالتها يغذّيها ـ من بعده ـ الأئمّة من وُلده: ، بفيض من علم النبوّة ونور الولاية، ولم يخبُ ضوؤها بتعاقب الزمان وتجدّد الملوان، ويشهد لخلودها واتّساعها أنّك واجد في كلّ عصر قطباً من أقطابها يُشار له بالبنان، وتشدّ إليه الرحال من كلّ فجّ عميق.

وما كان هذا ليتمّ بسهولة لولا الجهاد العلمي الحثيث المتواصل الذي بذله الإمام الصادق(عليه السلام) ، حتى اكتسب الواقع الثقافي الإسلامي بفضل مدرسته المباركة، مناعة قويّة ضدّ وباء الانحراف، ذلك الوباء الذي كان ضارباً أطنابه على مرافق عديدة من الفكر الإسلامي، فضلا عمّا تركه من تشويش وتضادّ في جزئيّات العقيدة، ناهيك عمّا أصاب (الإمامة) من تداعيّات خطيرة في المجتمع المسلم، حتى اُبيحت وضح النهار لكلّ جبّار عنيد، وصار كلّ من غلب بحدّ السيف إماماً مفروض الطاعة! هذا في الوقت الذي صحّ فيه عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) برواية الفريقين أنّه قال: «الخلفاء إثنا عشر كلّهم من قريش»(4)، وصحّ أيضاً قوله(صلى الله عليه وآله): «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة»(5)، كما تواتر عنه(صلى الله عليه وآله) حديث

الثقلين الذي جعل الكتاب وعترته أهل بيته صنوين متلازمين ما بقيت الدنيا، وعاصمين من الضلالة لكلّ من تمسّك بهما، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على النبي(صلى الله عليه وآله) الحوض(6).

وهكذا تعيّنَ المقصود بالإثني عشر، واتضح المعنى بإمام زمان كلّ جيل من أجيال الاُمّة بما لا يحتاج معه إلى مزيد تأمّل أو تفكير. وفي الصحيح عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سُئل أمير المؤمنين(عليه السلام) عن معنى قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي) من العترة، فقال(عليه السلام): أنا، والحسن، والحسين، والأئمّة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم، لا يفارقون كتاب الله عزّ وجلّ ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله(صلى الله عليه وآله) حوضه»(7).

ولو لم يكن الأمر كما قلناه; لجعل(صلى الله عليه وآله) مناط الاعتصام من الضلالة بطاعة من وصل إلى السلطة وقاد المسلمين طوعاً أو كرهاً. وأمّا أن تكون النجاة بالتمسّك بالثقلين دون غيرهما بمنطوق الحديث ومفهومه، فالعقل يأبى أن يكون الإمام القدوة غير المنجي من الضلالة.

وفي هذا البحث مقطع قصير من مقاطع الإمامة، بل مفصل خطير من مفاصلها وهو «غيبة الإمام المهدي في فكر الإمام الصادق(عليهما السلام)»، ونظراً لاتّصال هذا الموضوع الحسّاس اتّصالا وثيقاً بحياتنا المعاصرة فكراً وسلوكاً وعقيدة; ارتأيت أن أبحث هذا الموضوع في فكر الإمام الصادق(عليه السلام) لنرى كيف طرح الإمام الصادق(عليه السلام) موضوع غيبة الإمام(عليه السلام)، وإذا كان هناك ما يوضّح لنا هويّة الإمام الغائب المنتظر بلا لبس أو إبهام; فهل وجد مثله في فكر الإمام الصادق(عليه السلام)، أو أنّه طرح موضوع الغيبة مجرّداً عن هويّة الغائب، وترك علامات استفهام حول اسمه ونسبه الشريف، فنقول:

شغلت غيبة الإمام المهدي(عليه السلام) قبل وبعد حلولها سنة / 260 هـ مكاناً واسعاً في الفكر الشيعي، وأخذت حيّزاً كبيراً في تراثهم الروائي والكلامي، وامتدّت آثارها ـ بعد وفاة آخر السفراء الأربعة محمّد بن

علي السمري (ت / 329) (رض) ـ لتشمل الفقه السياسي الروائي والمستنبط معاً، ولعلّ في ما صنّفه محدّثوهم وأعلامهم قبل عصر الغيبة الصغرى وفي أثنائها أو بعدها، خير دليل على مدى العناية الفائقة التي أولاها سائر أهل البيت: لهذا الموضوع الخطير; لأنّهم: أدركوا أنّ معنى غياب القائد هو تشتّت القاعدة; ما لم يتمّ التمهيد لغيبته(عليه السلام) بشكل مكثّف حتى يتمّ استقبالها من قبل القاعدة وهضمهم لها بشكل تدريجي، وكأنّها حدث طبيعي بحيث لا ينتج عنها شرخ في المذهب، قد يؤدّي إلى اهتزاز عقيدة أتباعه في مالو سُكِت عن هذا الأمر وواجهه الشيعة فجأة، ومن هنا تمّ ترويض ا لشيعة على قبول غيبة القائد كحقيقة آتية ولابدّ، وكان لكلّ إمام دوره الخاصّ في التمهيد لتلك الحقيقة الكبرى في تاريخ التشيّع، لا سيّما الإمام الصادق(عليه السلام) الذي كان دوره مميّزاً في ذلك; تبعاً لما ذكرناه في ديباجة البحث من الفرصة التي سنحت له أكثر من غيره للتحليق عالياً في سماء الفكر والعقيدة حتى اصطبغ مذهب الإمامية الواسع باسمه الشريف.

نعم، كتب الغيبة، شاهدة على عناية الفكر الشيعي بها منذ أقدم العصور وإلى يومنا هذا، من أمثال كتاب الغيبة لإبراهيم بن صالح الأنماطي الكوفي(8)، وكتاب ترتيب الأدلة فيما يلزم خصوم الإماميّة دفعه عن الغيبة والغائب لأحمد بن الحسين الأبي(9)، وكتاب الشفاء والجلاء في الغيبة لأحمد بن علي الرازي(10)، وكتاب الغيبة لأحمد بن محمد بن عمران المعروف بابن الجندي أحد مشايخ النجاشي(11)، وكتاب الغيبة للسيد الحسن ابن حمزة المعروف بالطبري المرعش (ت / 358 هـ )(12)، وكتاب الغيبة وذكر القائم(عليه السلام) للحسن بن محمد بن يحيى العلوي (ت/ 358)(13) وكتاب الغيبة والحيرة لعبد الله بن جعفر الحميري من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري(عليهما السلام)(14)، وكتاب الغيبة وكشف الحيرة لأبي الحسن سلامة بن محمد بن إسماعيل (ت / 339 هـ )(15) وكتاب الغيبة لأبي الفصل العباس بن هشام الناشري الأسدي أحد أصحاب الإمام الرضا(عليه السلام) ، ومات فى إمامة الإمام الجواد(عليه السلام) سنة 220 هـ أو قبلها بسنة واحدة(16)، وكتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة للصدوق الأول أحد معاصري الغيبة الصغرى كلها (ت/329 هـ ) وكتابه مطبوع، وكتاب الغيبة لأبي محمد عبد الوهاب البادرائي(17)، وكتاب أخبار القائم(عليه السلام) للشيخ علي بن محمد بن إبراهيم المعروف بعلان الكليني الرازي(18) من معاصري الإمام العسكري(عليه السلام) وهو خال ثقة الإسلام الكليني، روى عن كتابه هذا معظم أحاديث باب مولد الحجة(عليه السلام) في اُصول الكافي، وكتاب الغيبة للشيخ النعماني تلميذ الكليني وكتابه مطبوع، وكتاب الغيبة لعلي بن محمد بن علي أبي الحسن القلاّء(19)، وكتاب إزالة الران عن قلوب الإخوان في الغيبة للفقيه أبي علي محمد بن أحمد المشهور بابن الجنيد(20)، وكتاب الغيبة وكشف الحيرة لمحمد بن أحمد الصفواني البغدادي من مشاهير تلامذة الكليني(21)، وكتاب الغيبة لمحمد بن مسعود العياشي (ت / 320 هـ )(22)، وكتاب الغيبة لإبراهيم بن إسحاق النهاوندي(23)، وكتاب أخبار المهدي(عليه السلام) لعباد بن يعقوب الرواجني(24) مات; سنة 250 هـ(25)، أي: قبل حلول الغيبة الصغرى بخمس سنين، ومصنفات الشيخ المفيد في الغيبة ككتاب الغيبة، وكتاب جوابات الفارقيين في الغيبة، والرسائل العشر في الغيبة «مطبوع»، والنقض على الطلحي في الغيبة، ومختصر في الغيبة كما صرح بذلك النجاشي(26)، وكتاب إكمال الدين وإتمام النعمة للشيخ الصدوق (ت/ 381 هـ ) وهو مطبوع، وفيه من أحاديث الغيبة الكثير جداً، وله ثلاث رسائل في الغيبة(27)، وكتاب المقنع في الغيبة للسيد المرتضى علم الهدى (ت/436 هـ ) وهو «مطبوع»، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي (ت/460 هـ ) وهو مطبوع، وكتاب الاستطراف في ذكر ماورد في الغيبة في الإنصاف للكراجكي (ت / 449 هـ )(28)، وكتاب الغيبة لأبي الفرج المظفر بن علي بن الحسين الحمداني(29)، وكتاب الغيبة لمحمد بن زيد بن علي الفارسي(30)، وكتاب الغيبة وما جاء فيها عن النبي والأئمة: لتاج العلى العلوي (ت/610هـ )(31)، وكتاب الغيبة لأبي بكر محمد بن القاسم البغدادي(32)، وغيرها مما لا وسع في تتبعها.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أصحاب المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) صفاتهم ...
يا قائم آل محمد (عجل الله تعالى فرجه)
لنظرية المهدوية و صناعة التاريخ-2
الإمام المهدي عليه السلام طموح الأحرار في العالم
الحكمة التفصيلية مكتومة:
النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام يوضح ...
فرية السرداب
التمهيد للظهور (الآليات والنتائج)
کتابة رقعة الحاجة إلی مولانا صاحب العصر والزمان ...
الحرب العالمیة فی عصر الظهور

 
user comment