بيت الله الحرام
قال رسول الله’ لوصيه علي×: «مثلكم يا علي، مثل بيت الله الحرام من دخله كان آمناً، فمن أحبكم ووالاكم كان آمناً من عذاب النار، ومن أبغضكم ألقي في النار يا علي ... {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}([38])، ومن كان له عذر فله عذره ومن كان فقيراً فله عذره ومن كان مريضاً فله عذره، إن الله لا يعذر غنياً ولا فقيراً ولا مريضاً ولا صحيحاً ولا أعمى ولا بصيراً في تفريطه في موالاتكم ومحبتكم»([39]).
الرأس من الجسد
قال رسول الله’: «أجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين»([40]).
ومن هنا يتضح سلوك أنصار ومحبي أهل البيت وتعاملهم مع الأئمة الأطهار^.
إن كبار أصحاب الأئمة كانوا يسيرون على خطى الأئمة في كل حياتهم وكانوا لهم الدليل في الطريق، وهم بمثابة الرأس من الجسد، ولقد كان أصحاب الأئمة لا يخطون خطوة إلا ضمن المسار الذي رسمه أهل البيت^.
خيار العاشقين
في ليلة عاشوراء أعلن الإمام الحسين× لأصحابه وخاطبهم قائلاً: >أنتم في حلّ من بيعتي ... وهذا الليل فاتخذوه جملاً ـ أجل وضعهم الإمام× أمام طريق يعيدهم إلى ديارهم وبيوتهم لأن جيش يزيد لم يكن يطلب سوى رأس الحسين، ولقد كان بإمكان أصحاب الحسين أن يعودوا؛ لأن الإمام× جعلهم في حلّ، فماذا كان موقفهم وهم يدركون أن الموت على بعد خطوات قليلة؟
لقد رفضوا جميعاً الحياة التي لا كرامة فيها ولا شرف وانتخبوا الموت بكرامة، رفضوا الحياة مع يزيد وانتخبوا الموت مع الحسين×.
لقد أمضينا عهد الوفاء معك |
|
وقطعنا علائقنا بغيرك |
شربنا من فيض حبك وكفى |
|
وحطمنا الزقاق الكأس |
وسكرنا بعشقك أيها الحبيب |
|
وذهلنا عن أنفسنا والغريب |
وفاض في القلب من فيض عشقك فنحن سكارى |
|
وزهدنا بكل شيء سواك والتحقنا بقافلة عشقك |
موقف الحب
لا شك أن من أرادهم وأحبهم وتاق إليهم فإنّهم لن يخيبوا ظنه ومن هزّه الشوق اليهم فإنه سيجدهم وهم له مشتاقون يحتضنون من لجأ إليهم ويهدون من استرشدهم وهم له مشتاقون يحتضنون من لجأ إليهم استرشد ومن أراد طريق الكمال لا يجد أحداً يأخذ بيده سواهم فهم مصابيح الطريق، ذلك أنهم مظهر أسماء الله عز وجل وصفاته وهم كما هو سبحانه في حب من أحب الله.
وهم كرسول الله’ رحمة للعالمين أرأيت كيف كان الحسين× يوم عاشوراء في وعظه لأعدائه وكم أبلغ في النصيحة لهم وكان يتفادى القتال ويؤجل ساعة الحرب أملاً في أن يهتدي بضوئه من يهتدي ويتوب إلى الله من يتوب.
وقد ذكرت المقاتل كيف أن أبا الحتوف بن الحرث وأخاه سعد بن الحرث وهما من الخوارج تأثراً بخطبه ومواعظه فانحازا إلى جبهة الحسين في اللحظات الأخيرة قبل استشهاده عليه صلوات الله.
فإذا هما وفي لحظات ينتقلان من الظلمات إلى النور فقاتلا حتى استشهدا.
أهل البيت الصراط المستقيم
أن آيات القرآن الكريم عندما تعرّف الإنسان الإمام والقدوة فإنها تطرحه باعتباره المثال في ميدان الفكر والحالة النفسية والبعد الأخلاقي والروحي فلا تجد في سيرته وسلوكه أدنى خلل وسيرته مفعمة بحالة التوازن الكامل والطمأنينة والسكينة، فالإمام شخصية في غاية الاتزان والتعادل والثبات وهي لا تحيد عن طريقها مهما بلغت قسوة الظروف.
ولذا عندما نطالع حياة أي إمام من أئمة أهل البيت^ فإننا نجد شخصية تتمتع بكل أبعاد التكامل فهي ثابتة بالرغم من صخب الحياة والشيطان لا يستطيع أن يوقف مسيرة الإنسان المخلص إلى الله سبحانه؛ لأن حياته إلهية ربانية لا يمكن للشيطان أن يحرفها عن غايتها مهما أوتي من مكر وخداع([41]).
وحياة المخلصين العاشقين حياة مثمرة، فهم كالنور الذي يهدي الإنسان في ظلمات الليل، ولهذا فإن درجة الإمام درجة عالية رفيعة لا تتأتى إلا بعد معاناة وجهاد نفسي طويل، ولا تحصل إلا بعد امتحان واختبار.
{قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([42]).
{وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ}([43]).
معنى الصراط المستقيم
من خلال مجمل تأويل آيات القرآن المجيد فإن الصراط طريق بين الخالق والمخلوق ومن هنا فإن الصراط المستقيم مسار يتحرك الإنسان من خلاله وعلى ضوئه نحو غاية وهدف توصله إلى مقام القرب الإلهي ولقاء الحق تعالى والحصول على الفوز العظيم وبالتالي الخلاص والنجاة من العذاب الأليم والشقاء الأبدي.
يقول الإمام أمير المؤمنين علي× في توضيح معنى الصراط: «الصراط المستقيم في الدنيا ما قصر عن الغلوّ، وارتفع عن التقصير واستقام وفي الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنة»([44]).
وهذا التفسير والتوضيح لمعنى الصراط ينطبق تماماً على أهل البيت^، ذلك أنهم^ يتصفون بالاعتدال التام في كل شؤون حياتهم ومسارهم متوازن ومستقيم، وهم بعيدون كل البعد عن الإفراط والتفريط ومن خلال هدايتهم في الدنيا يبلغ المؤمنون غايتهم في دخول الجنة والخلاص من العذاب الأبدي.
المفهوم الحقيقي للصراط المستقيم
هناك مفردات عديدة في القرآن الكريم لا يمكن للعقول أن تدرك معانيها أو تفهم القصد الحقيقي من ورائها، ولهذا يتوجب معرفتها من خلال النبي’ وآله الأطهار، فهم من يفسر القرآن وهم من بين مفاهيمه ومعانيه.
إن مفردة الصراط المستقيم التي ورد استخدامها في القرآن في مناسبات عديدة هي من المفردات الهامّة التي ينبغي أن نفهم مدلولها الحقيقي.
وما نفهمه من مفردة الصراط لا يعدو سوى أن مفادها الطريق، ولكن ما هذا الطريق وأين؟ من أين يبدأ والى أين ينتهي؟ وما هي ملامح هذا الطريق ومعالمه؟ وكيفية سلوكه فهذا ما لا يمكن أن ندركه من خلال مفردة الصراط.
ولهذا وغيره نصب الله عز وجل رسوله’ وآل بيت الرسول^ في مقام تفسير كتابه وآياته وما فيها من مفردات تحتاج إلى تفسير لإدراكها، فالنبي’ مهمته الكبرى هو أن يعلم الناس الكتاب.
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُْمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ}([45]).
{فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}([46]).
وقد ورد في كتاب الكافي وفي تفسير القمي والعياشي وفي كثير من الروايات أن أهل الذكر هم أهل البيت^([47]).
أجل أن الله تبارك وتعالى أنزل كتابه في بيت النبوّة وقذف في قلوب آل البيت معانيه المضيئة ومصاديقه وألهمهم تأويله، فأشرق نور القرآن على أفئدتهم وأصبحوا خزّان علم الله وحملة كتاب الله ومفسري آيات الله.
أنظر كيف يشرح الإمام الصادق معنى الصراط في قوله تعالى:
{اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}: يقول: «أرشدنا إلى الطريق المستقيم أي أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلّغ جنتك والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب أو نأخذ بآرائنا فنهلك»([48]).
فهل بغير أهل البيت وعلومهم يمكن أن يبلغ الإنسان إلى مقام الحب الإلهي وهم أهل المعرفة بالله عز وجل وهم أهل العلم ومن قذف الله في قلوبهم حبّه وحب المؤمنين، فمن أحبهم فهو مؤمن ومن أبغضهم كان من المنافقين.
وهل بغير حصنهم الحصين في ولائهم يمكن درء أخطار الهوى النفساني والرغبات والميول المادّية والأهواء.
وهل يمكن بغير التثقف بثقافتهم والعمل بإرشادهم وبغير شفاعتهم أن ندخل الجنة يوم القيامة.
وهل يمكن معرفة الطريق إلى الله من غير اقتداء بحركة أهل البيت وهم الدليل إلى الله عز وجل؟
وإما ما قيل أنه يمكن ذلك في ظلال القرآن من دون عون من إمام هدى وإن قيل اليوم كما قيل من قبل: >حسبنا كتاب الله< وهي مقولة ظهرت من أجل إقصاء أهل البيت عن أداء دورهم في هداية الناس، فإن ذلك لابد وأن ينتهي إلى الضلال والضياع؛ لأنه من سيقرأ كتاب الله ومن سيفسر كتاب الله وقد قال سبحانه لا يمسه إلا المطهرون، أن السير من غير معالم في الطريق لا يؤدي إلا إلى الضلال ولا يقود إلا إلى الضياع.
ومن هنا فإنه يتوجب القول بكل ثقة أن الصراط المستقيم هو من حيث المعنى هو القرآن الكريم، ومن حيث المصداق هو أهل البيت الكرام^، وهما متلازمان ويفسر أحدهما الآخر، وينصر أحدهما الآخر وإنهما لن يفترقا أبداً.
إن سيرة أهل البيت^ تجسيد واضح لكل المفاهيم القرآنية وما يريده الله سبحانه وتعالى من الإنسان وأن على الإنسان أن يتخذ من أهل البيت^ أسوة وقدوة ويسير على خطاهم؛ لأن مسارهم منطبق على هدي القرآن الذي هو الصراط المستقيم.
إن علوم أهل البيت^ من النبي’ والنبي’ من الوحي وعلى قلب محمد’ نزل القرآن، وقد ورث آل البيت^ من النبي علمه وحكمته.
إن التمسك بهم والسير في هداهم يؤدي إلى والفوز في الدنيا والآخرة ودخول الجنة.