عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

الخشوع لله والبكاء على الإمام الحسين (عليه السّلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين .
قال تعالى : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ )(1) .
ألم يأن للمؤمنين ـ  الذين أنعم الله عليهم بالعقل والتمييز ـ أن يفكّروا في أنفسهم ، وينظروا إلى الآيات في الكون من السماوات والأرض بل وفي جميع ذرّات الكون ، وما جرى على الاُمم الغابرة والحاضرة .. ألم يكن ذلك كلّه سبباً وعاملاً لرقّة القلب وخشوعه وخضوعه لذكر الله .

الخشوع لله (عزّ وجلّ)

قال تعالى :(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)(2) .

في اللغة : قال الراغب الأصفهاني : الخشوع الضراعة وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح . والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ؛ ولذلك قيل فيما روى : إذا ضرع القلب خشعت الجوارح ، قال تعالى : ( وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا )(3) وقال : ( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ- وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ - وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ - خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ- أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ )(4) كناية عنها وتنبيها على تزعزعها... (1) .

وعند المتشرّعة : قال الطبرسي في تفسير الآية المباركة : ( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) أي : خاضعون ، متواضعون ، متذلّلون ، لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم ، ولا يلتفتون يميناً ولا شمالاً .
وروي أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته ، فقال : (( أما إنّه لَوخشع قلبُه ، لخشعت جوارحُه )) . وفي هذا دلالة على أنّ الخشوع في الصلاة يكون بالقلب وبالجوارح .
فأمّا بالقلب : فهوأن يفرغ قلبه بجمع الهمة لها ، والإعراض عما سواها ، فلا يكون فيه غير العبادة والمعبود .
وأما بالجوارح فهوغضّ البصر ، والإقبال عليها ، وترك الالتفات والعبث .
قال ابن عبّاس : خشع فلا يعرف مَن على يمينه ، ولا مَن على يساره .
وروي أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان رفع بصره إلى السّماء في صلاته . فلمّا نزلت الآية ، طأطأ رأسه ، ورمى ببصره إلى الأرض(2) .
وقال الطباطبائي : قوله تعالى ( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) الخشوع : تأثّر خاص من المقهور قبال القاهر ، بحيث ينقطع عن غيره بالتوجّه إليه ، والظاهر أنّه من صفات القلب ثمّ ينسب إلى الجوارح وغيرها بنوع من العناية كقوله (صلّى الله عليه وآله) - على ما روي - فيمن يعبث بلحيته في الصلاة : (( أما إنّه لوخشع قلبه لخشعت جوارحه )) . وقوله تعالى : ( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا )(5) .
والخشوع بهذا المعنى جامع لجميع المعاني التي فسّربها الخشوع في الآية ، كقول بعضهم : هوالخوف وسكون الجوارح ، وقول آخرين : غضّ البصر وخفض الجناح ، وتنكيس الرأس ، وعدم الالتفات يميناً وشمالاً وإعظام المقام وجمع الاهتمام ، والتذلّل إلى غير ذلك(3) .

الخشوع في الصلاة

وإذا كان الخشوع مطلوباً في كلّ وقت وفي كلّ شيء ، فإنّ الخشوع في الصلاة هوأهمّ كلّ شيء ولهذا قد اهتمّ رجال الإسلام بهذا الجانب ، فقد جاء في الصحيح عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السّلام) قَالَ : (( كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السّلام) إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ فَإِذَا سَجَدَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى يَرْفَضَّ عَرَقاً ))(4) .
وعَنْ جَهْمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السّلام) قَالَ (( كَانَ أَبِي (عليه السّلام) يَقُولُ : كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السّلام) إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ كَأَنَّهُ سَاقُ شَجَرَةٍ لَا يَتَحَرَّكُ مِنْهُ شَيْ ءٌ إِلَّا مَا حَرَّكَهُ الرِّيحُ مِنْهُ ))(5) .

ذكر الله (عزّ وجلّ)

قيل الذِّكر ذِكران ؛ ذِكر بالقلب وذِكر باللسان .
 وكلّ واحد منهما ضربان ؛ ذِكر عن نسيان وذِكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ .
وكلّ قَول يقال له ذكر ، فمن الذِّكر باللسان قوله تعالى : ( لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ )
(6)(6) .
ألم يأن للذين آمنوا أن يتعرّفوا على عظمة المولى سبحانه حتى تخشع قلوبهم لذكر الله ، ويتذكّروا ما حلّ بهم من مصائب وويلات ، وأنّه لا دافع ولا مانع عنهم إلاّ الله ولا نافع لهم إلاّ الله حتّى توجل قلوبهم لذكر الله .

صفات المؤمنين

صفات المؤمنين عديدة وبكثرة ولكن من أهمّها هووَجَل القلب عند ذكر الله .
قال تعالى في وصوف الذين استجابوا لله في ما أراده منهم وتأثّروا : اُولئك هم ( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )(7). وقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ )(8) .
هاتان الآيتان تشكّلان أهمّ صفات المؤمنين ، فإنّ من صفات المؤمن حقّاً ، هوإنّه إذا ذكر الله عنده وسمع ذلك وَجِل قلبُه ، وإذا سمع آيات الله تُتلى عليه زادته إيماناً وتصديقاً بالله وبكُتبه ورُسله .
وكلمة ( إنّما ) وإن كانت أداة حصر فحصرت المؤمنين وقصرتهم على مَن يتَّصف بهذه الصفات وهي ؛
1- أن يوجل قلبه ، ويخضع ويلين عند ذكر الله .
2- إذا سمع آيات الله ، يزداد إيماناً على إيمانه .
3- إنّ اعتمادهم وتوكّلهم على الله .
ويمكن أن تكون هذه الصفات الثلاثة للمؤمن من أعلى الصفات له ، والآية السّابقة تكمّل تلك الصفات السّابقة .
4- الصبر على المصائب .
5- الإتمام بإقامة الصلاة مع الخشوع والخضوع .
6- الإنفاق بسخاء .

ذِكر اللهِ أكبر

قال السيّد الطباطبائي : قوله : ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ )(9) . وقال تعالى : ( فَاسعَوا إلى ذِكرِ اللهِ )(10) . يريد به الصلاة وقال : ( وأقِم الصَّلاةَ لِذِكرِي )(11) ، إلى غير ذلك من الآيات .
وقد ذكر سبحانه أولاً ذكره ، وقدّمه على الصلاة ؛ لأنّها هي البغية الوحيدة من الدعوة الإلهيّة ، وهوالروح الحيّة في جثمان العبوديّة ، والخميرة لسعادة الدنيا والآخرة ، يدلّ على ذلك قوله تعالى لآدم أول يوم شرع فيه الدِّين : ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) (12) ، وقوله تعالى : ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورا ) (13) ، وقوله تعالى : ( فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا )(14) ، ( ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ )(15) .
فالذكر في الآيات إنما هوما يقابل نسيان جانب الربوبية المستتبع لنسيان العبودية وهوالسلوك الديني الذي لا سبيل إلى إسعاد النفس بدونه قال تعالى : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ )(16)(7) .
فالذكر لا يختص بالذكر اللساني واللفظي بل الآية الأخيرة تشير إلى الذكر المعنوي وهوالالتفات إلى جانب الربوبية والتوجه إلى الله (عزّ وجلّ) ، وعدم التوجّه والغفلة عن الله هونسيان لله .. نسيان لذِكره وبعد ذلك أنّ الله ينسيهم أنفسهم وهذا هوالخطر العظيم الذي يمرّ به الإنسان في هذه الدنيا .
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السّلام) : (( أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السّلام) كَانَ يَقُولُ : طُوبَى لِمَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ الْعِبَادَةَ وَ الدُّعَاءَ وَ لَمْ يَشْغَلْ قَلْبَهُ بِمَا تَرَى عَيْنَاهُ ، وَ لَمْ يَنْسَ ذِكْرَ اللَّهِ بِمَا تَسْمَعُ أُذُنَاهُ ، وَ لَمْ يَحْزُنْ صَدْرَهُ بِمَا أُعْطِيَ غَيْرُهُ ))(8)

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الدفاعٌ عن النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم
أهل البيت النور المطلق
حديث الغدير ودلالته على ولاية أمير المؤمنين (ع)
عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي (عليه ...
عليٌ لا يحبّه منافق
سيرة الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)
خطيب جمعة بغداد: ما احوجنا اليوم لفهم مشروع ...
أربعينية الامام الحسين (ع) في كربلاء
وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)
أهل البيت^ الطريق إلى الله

 
user comment