أهمّيتها :
السؤال : السلام عليكم أيها الأفاضل :
كنت أتكلّم مع أحدهم حول أهمّية البحث في مسألة الإمامة ، فقال لي بأنّه لا يعتقد بأهمّية البحث ، لأنّ الفرق الإسلامية متّفقة في أشياء كثيرة ، وليس هناك اختلاف كبير ، وبالتالي كيف سيفيد هذا الاعتقاد في جعله أفضل ، وقال لي آخر نفس الكلام تقريباً ، وأضاف بأنّه يمكن الحصول على القرب الإلهيّ بالصلاة والسجود ، فما هي أهمّية الموضوع ؟
الجواب : الدين الإسلامي هو رسالة السماء الخاتمة إلى الناس ، نزل بها الوحي الأمين على سيّد المرسلين محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وأمرنا باتباع رسالته والإيمان بكلّ ما جاء به ، والتسليم له في كلّ ما يقول ، ووبّخ من يرفض الإيمان بها ، أو يؤمن ببعضها ، ويترك البعض الآخر :
قال تعالى : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامة يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ } (1) .
ووصف المتّقين بقوله : { الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ... والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } (2) .
وقال تعالى : { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ
____________
1- البقرة : 85 .
2- البقرة : 1 ـ 4 .
|
الصفحة 334 |
|
الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ ... وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ } (1) .
إذا عرفت ذلك نقول : إنّ الإمامة التي تؤمن بها الشيعة ـ تبعاً للنبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) ـ مبدؤها القرآن ، وأنّ القرآن نطق بها ، فإذاً يجب على الإنسان المؤمن أن يؤمن بها ، وإلاّ يكن ممّن لا يؤمن ببعض الكتاب ، ورادّاً لبعض ما جاء به النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وبالتالي يدخل في ضمن من أخبر الله عنه بأنّه يصيبه عذاب شديد ، بل وأكثر من ذلك كما سيتضح .
وأما كيف أنّها مبدأ قرآني ؟
فنقول : قال تعالى مخاطباً إبراهيم بعد نبوّته : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } (2) .
وقال تعالى وهو يتحدّث عن إبراهيم (عليه السلام) : { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } (3) .
وقال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } (4) .
وقال تعالى : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } (5) .
إلى هنا عرفنا : إنّ الإمامة جزء من شرع النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، جاء بها الوحي الكريم ، كما جاء بالصوم والصلاة ، وأوجب علينا الإيمان بهما ، وكذلك أوجب علينا الإيمان بالإمامة ؛ لأنّها من عند الله تعالى ، وجزء من وحيه .
ثمّ إذا ذهبنا إلى آيات القرآن الأُخرى رأينا أكثر من ذلك ، وأنّها تجعل الإمامة ، وولاية الإمام ، كولاية الله تعالى ، وولاية رسوله (صلى الله عليه وآله) ، وأنّها ترتقي إلى مستوىً أعلى من الصلاة والصوم .
قال تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ
____________
1- آل عمران : 7 .
2- البقرة : 124 .
3- الزخرف : 28 .
4- السجدة : 24 .
5- الأنبياء : 73 .
|
الصفحة 335 |
|
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } (1) ، ولا نريد الدخول في دراسة الآية كلمة كلمة ، فإنّ ذلك يطول ، لكن الآية حصرت الولاية بالله وبرسوله ، وبالذين آمنوا ، وجعلت من يتولاّهم من حزب الله تعالى .
ومن الواضح : أنّ عدم تولّي الإمام { الَّذِينَ آمَنُواْ } يخرم القاعدة التي تدخل الإنسان في حزب الله ، ومن يخرج من حزب الله ، يدخل في حزب الشيطان ، إذ لا ثالث في البين ، مع أنّا لا نجد في القرآن من يترك فرع من الفروع ولا يعمل به يكون من حزب الشيطان ، فالإمامة فوق تلك الأُمور ـ أي الصلاة والصوم ـ ووجوب تولّي الإمام كوجوب الصلاة والصوم وأكثر ، كما عرفت .
وعندما نرجع إلى الأحاديث النبوية التي وردت من طرق أهل السنّة نجد أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يوضّح لنا منزلة الإمامة والخلافة ، وأنّ الإمام له منزلة لا تقلّ عن منزلة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وسنّته كسنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وأنّه يجب الرجوع إليه ، والإيمان به ، والأخذ عنه .
فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : " فعليكم بسنّتي ، وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، وعضّوا عليها بالنواجذ " (2) .
ففي هذا الحديث عدّة أُمور :
1ـ إنّ هؤلاء خلفاء الراشدين المهديّين ، أي لا يحتاجون هداية غيرهم من الناس .
2ـ إنّ هؤلاء الخلفاء لهم سنّة مأمورون باتباعها .
3ـ إنّ سنّة هؤلاء الخلفاء كسنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، إذ قرن سنّته بسنّتهم ، ومن الواضح أن سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) معصومة لأنّه : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } (3) ، فكذلك سنّة خلفائه ، بدليل المقارنة ، والأمر بالاتباع المطلق .
ومن الواضح : إنّ هذه الصفات لا نجد انطباقها على أبي بكر وعمر
____________
1- المائدة : 55 ـ 56 .
2- مسند أحمد 4 / 126 ، سنن الدارمي 1 / 45 ، سنن ابن ماجة 1 / 16 ، الجامع الكبير 4 / 150 ، المستدرك 1 / 96 ، كتاب السنّة : 30 .
3- النجم : 4 ـ 3 .
|
الصفحة 336 |
|
وعثمان وغيرهم ، فمن هؤلاء الذين هذه صفاتهم ؟!
الجواب : إذا رجعنا إلى صحيح مسلم نجده يجيبنا على هذا السؤال ، فقد روى عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : " لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثني عشر خليفة كلّهم من قريش " (1) .
ومواصفات هذا الحديث ، وهو قيام الدين بهؤلاء الاثني عشر ، تتلاءم مع صفات الحديث السابق تمام الملائمة .
إذاً ، يجب علينا الرجوع إلى هؤلاء ، كما أمر الحديث ، لأنّهم المهديّين ، والمبيّنين للسنّة النبوية ، والذين يقوم الدين بهم .
بل عندما نذهب إلى السنّة النبوية المطهّرة نرى : أنّ عدم الإيمان بهؤلاء جاهلية، كما في قوله (صلى الله عليه وآله) : " من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية " (2) .
وقال (صلى الله عليه وآله) : " من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " (3) .
فمن لم يؤمن بالإمامة هو شخص جاهلي ، أي : على الحالة التي كانت قبل الإسلام ، وهذا يوافق الآية 55 و 56 من المائدة ، التي تلزم المؤمنين بتولّي الله والرسول ، والذين آمنوا ، الذين تصدّقوا في الركوع ، وأن من لم يتولّهم يخرج من حزب الله إلى حزب غيره ، وهو الشيطان ، فيكون ميتاً على جاهلية كأن لم يؤمن بالله وبرسوله .
فتلخّص ممّا تقدم :
1ـ إنّ الإمامة جزء من الدين الإسلامي ، فيجب الاعتقاد بها كالاعتقاد بغيرها من أحكام الدين .
2ـ إنّ الإمامة ترتقي إلى أن يكون متولّي الإمام من حزب الله ، وإلاّ يخرج منه .
3ـ إنّ الإمامة تعني القيام بالسنّة النبوية ، وبيانها للناس ، وأنّه يجب الرجوع إلى الإمام في أخذ الدين عنه ، كما أمرنا النبيّ (صلى الله عليه وآله) .
بعد ذلك كلّه ، كيف نقول : لا توجد أهمّية لبحث الإمامة ؟!
____________
1- صحيح مسلم 6 / 4 .
2- كتاب السنّة : 489 ، مجمع الزوائد 5 / 225 ، مسند أبي يعلى 13 / 366 ، المعجم الأوسط 6 / 70 .
3- كتاب السنّة : 489 ، المعجم الكبير 19 / 335 ، المجموع 19 / 190 ، المحلّى 1 / 46 و 9 / 359 ، نيل الأوطار 7 / 356 ، صحيح مسلم 6 / 22 ، كنز العمّال 6 / 52 .
|
الصفحة 337 |
|
وأمّا قولك على لسان المخالف : بأنّ القرب الإلهيّ يحصل بالصلاة والسجود فما أهمّية الموضوع ؟
فالجواب عنه : عرفت فيما تقدّم مدى أهمّية الموضوع ، وأنّ الطريق إلى توحيد الله وعبادته هو بالالتزام بأوامره ، والأخذ بسنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله) ، والتي يكون الإمام عمدتها ، وهو المبيّن لها .
إن العقل قاضٍ بوجوب طاعة الله من حيث ما يأمرنا به ، لا من أي طريق مهما كان ؛ لأنّه كما أنّ العقل أثبت وجوب حقّ الطاعة علينا لله كذلك أثبت وجوب طاعة الله من حيث ما يريده الله ، لا من حيث تشخيصنا نحن أو غير ذلك ، لأنّ الله هو الربّ ، وهو الذي يحدّد ، لا أنّنا نحن الذين نحدّد ، لأنّ الحقّ له ، فهو صاحب الحقّ .
( عبد الرسول عبد الله . أمريكا . 19 سنة . طالب جامعة )
السؤال : أيّ الرتب أرفع ؟ الإمامة أم النبوّة ؟
الجواب : إنّ النبوّة هي رتبة لمن يتلقّى أخبار الغيب ليوصلها إلى الناس ، والرسول هو النبيّ الذي يأتي بشريعة خاصّة ، بوحي يوحى إليه ، فهو أرفع مكانةً من النبيّ ؛ هذا عند أهل الاصطلاح ، وقد يستعمل كلّ منهما في مقام الآخر تسامحاً ومجازاً .
وأمّا الإمام فهو من كانت له مهمّة التطبيق ، وقيادة المجتمع البشري ، وتنفيذ الوحي ، فهو أعلى رتبةً من النبيّ والرسول ، وممّا يدلّ عليه ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ إنّ الإمامة أعطيت لإبراهيم (عليه السلام) بعد مدّة طويلة من نبوّته ورسالته ، وبعد خضوعه (عليه السلام) لأوامر امتحانية صعبة : { وَإِذِ ابْتَلَى إبراهيم رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًاً } (1) .
والمتيقّن أنّه (عليه السلام) كان نبيّاً ورسولاً قبل هذه الامتحانات ، لتلقّيه الكلمات من
____________
1- البقرة : 124 .
|
الصفحة 338 |
|
ربّه وحياً .
( منير . السعودية . ... )
تعليق على الجواب السابق وجوابه :
السؤال : نقول نحن الشيعة : بأنّ الإمام يكون أعلى رتبة من النبيّ ، بدليل وصول النبيّ إبراهيم (عليه السلام) إلى مرتبة الإمامة بعد مرتبة النبوّة ، ولكن كيف لا نجد الوحي مثلاً ينزل على أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ، فقد يقول قائل : بأنّ هذا دليل على أنّ النبيّ أفضل من الإمام ، فكيف نردّ عليه ؟ وشكراً لكم .
الجواب : إنّ هذا التساؤل ليس في محلّه ، فإنّنا نقول بتقدّم رتبة الإمامة على النبوّة ـ بالأدلّة المقرّرة في محلّها ـ ، والوحي من خصائص النبوّة ، فلا يرد علينا أنّه لماذا لم تحتو الإمامة على مختصّات النبوّة ؟
وبعبارة واضحة : إنّ الاستدلال في المقام يبتني على تقديم الإمامة بكافّة مميّزاتها على النبوّة بجميع مواصفاتها ، ومنها نزول الوحي ، فلا معنى حينئذٍ ـ وبعد تمامية الأدلّة ـ أن نقول : لماذا لم يكن الإمام متصّفاً بصفة النبيّ ؟ إذ لو كان كذلك كان الإمام نبيّاً ، فلا يبقى مجال للبحث والاستدلال .
هذا ، والتحقيق أنّ مجرد قابلية نزول الوحي لا تدلّ على أفضلية النبيّ على الإمام ، إذ إنّ الخلافة الإلهيّة على الأرض ـ والتي هي أعلى الرتب والمناصب ، وأقربها إلى الله تعالى ـ تتمثّل في الإمامة ، فالاستخلاف عن الله تعالى أعلى درجة من تلقّي الوحي ، ألا ترى أنّ الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) هم أرقى شأناً من جبرائيل (عليه السلام) الذي يأتي بالوحي ؟
فيتّضح لنا : إنّ مجرد الوسيط بين الخالق والمخلوق في إيصال الوحي لا يدلّ على تقديمه على الإمامة ، التي هي مقام النيابة عن الله تعالى في قيادة المجتمع وهدايته .
|
الصفحة 339 |
|
( منير . السعودية . ... )