تعليق ثاني على الجواب السابق وجوابه :
السؤال : وهل يمكن القول : بأنّ الإمام نبيّ أيضاً ، لأنّ جوابكم السابق قد يفسّر هكذا ، أرجو التوضيح ، وشكراً .
الجواب : ليس كلّ نبي إمام ، بل بعض الأنبياء اتّسموا بصفة الإمام أيضاً ، كما أنّه ليس كلّ إمام نبيّ ، فأئمّتنا (عليهم السلام) أئمّة وأوصياء ، وهم ليسوا بأنبياء .
( حميد . عمان . ... )
الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين :
السؤال : ما هو الدليل على أحقّية الإمام علي بالخلافة دون سواه ؟
الجواب : سألت عن أمر هو بالحقيقة نقطة الافتراق الرئيسية بين الشيعة وأهل السنّة ـ وإن كان هذا لا يعني النزاع والتشرذم ـ فكما يقال : إنّ اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية .
فأهل السنّة ذهبوا إلى أنّ الخلفاء بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) أربعة : أوّلهم أبو بكر وآخرهم علي (عليه السلام) .
أمّا اتباع أهل البيت (عليهم السلام) فذهبوا إلى أنّ الخلافة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بلا فصل ، ومن بعده أبنائه الأحد عشر ، آخرهم الإمام المهديّ المنتظر (عليه السلام) .
واستدلّوا في اختصاص الإمام علي (عليه السلام) بالخلافة دون سواه بأدلّة كثيرة ، نقتصر على بعضها :
1ـ من القرآن الكريم .
قال تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } (1) .
حيث ذهب مفسّرون وعلماء من الفريقين إلى أنّها نزلت في حقّ علي (عليه السلام) ، حينما تصدّق في أثناء الصلاة (2) .
____________
1- المائدة : 55 .
2- أُنظر : شواهد التنزيل 1 / 219 ح 227 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 357 ، أنساب الأشراف : 150 ح 151 .
|
الصفحة 340 |
|
ودلالة الآية الكريمة على ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) واضحة ، بعد أن قرنها الله تعالى بولايته وولاية الرسول ، ومعلوم أنّ ولايتهما عامّة ، فالرسول أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فكذلك ولاية علي بحكم المقارنة .
2ـ من السنّة الشريفة .
أ ـ حديث المنزلة : وهو قول الرسول (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : " ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي " .
وهو من الأحاديث المتواترة ، فقد رواه جمهرة كبيرة من الصحابة ، ومصادره كثيرة (1) .
ودلالته على ولاية علي (عليه السلام) وإمامته بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) واضحة ، إذ إنّ هارون كان خليفة لموسى (عليه السلام) ونبيّاً ، وقد أثبت رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفس المنزلة لعلي (عليه السلام) باستثناء النبوّة ، فدلّ ذلك على ثبوت الخلافة له (عليه السلام) .
ب ـ حديث الغدير : وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع ، حينما قام في الناس خطيباً في غدير خمّ ـ في خطبة طويلة ـ : " يا أيّها الناس ، إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه ، فهذا مولاه ـ يعني علياً ـ اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ... " .
وقد روى هذا الحديث جمهرة كبيرة من الصحابة ، وأورده جمع كبير من الحفّاظ في كتبهم ، وأرسلوه إرسال المسلّمات (2) .
ودلالة الحديث على خلافة وولاية علي (عليه السلام) واضحة ، فلا يمكن حمل الولاية على معنى المحبّ والصديق وغيرهما ، لمنافاته للمطلوب بالقرائن الحالية والمقالية .
أمّا المقالية : فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر ولاية علي بعد ولاية الله وولايته ، ثمّ جاء بقرينة واضحة على أنّ مراده من الولاية ليس هو الصديق والمحبّ وما شاكل ، وذلك بقوله : " وأنا أولى بهم من أنفسهم " فهي قرينة تفيد أنّ معنى ولاية الرسول ، وولاية الله تعالى ، هو الولاية على النفس ، فما ثبت للرسول
____________
1- فضائل الصحابة : 13 ، شرح صحيح مسلم 15 / 174 ، مجمع الزوائد 9 / 109 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 161 ، مسند أبي داود : 29 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 406 و 11 / 226 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 496 و 8 / 562 ، مسند ابن راهويه 5 / 37 ، مسند سعد بن أبي وقّاص : 51 و 103 و 139 ، الآحاد والمثاني 5 / 172 ، كتاب السنّة : 551 و 586 و595 و 610 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 44 و 108 و 113 و 120 و 125 و 144 ، خصائص أمير المؤمنين : 48 و 64 و 76 و 80 و 85 و 116 ، مسند أبي يعلى 1 / 286 و 2 / 66 و 86 و 99 و 132 و 12 / 310 ، أمالي المحامليّ : 209 و 251 ، صحيح ابن حبّان 15 / 16 و 371 , المعجم الصغير 2 / 22 و 54 ، المعجم الأوسط 2 / 126 و 3 / 139 و 4 / 296 و 5 / 287 و 6 / 77 و 83 و 7 / 311 و 8 / 40 ، المعجم الكبير 1 / 148 و 2 / 247 و 4 / 184 و 5 / 203 و 11 / 63 و 12 / 15 و 78 و 24 / 146 ، نظم درر السمطين : 107 ، موارد الظمآن : 543 ، كنز العمّال 5 / 724 و 9 / 167 و 11 / 599 و 603 و 13 / 106 و 158 و 163 و 192 و 16 / 186، فيض القدير 4 / 471 ، كشف الخفاء 2 / 382 ، شواهد التنزيل 1 / 192 و 2 / 35 ، الجامع لأحكام القرآن 1 / 266 و 7 / 277 ، الطبقات الكبرى 3 / 23 ، تاريخ بغداد 7 / 463 و 8 / 52 و 11 / 430 و 12 / 320 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 31 و 13 / 151 و 20 / 360 و 21 / 415 و 30 / 359 و 38 / 7 و 39 / 201 و 41 / 18 و 42 / 42 و 53 و 100 و 111 و 115 و 139 و 145 و 152 و 159 و 165 و 171 و 177 و 182 و 54 / 226 و 59 / 74 و 70 / 35 ، أُسد الغابة 4 / 27 ، تهذيب الكمال 20 / 483 و 25 / 423 و 32 / 482 و 35 / 263 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10 ، سير أعلام النبلاء 1 / 361 و 7 / 362 و 12 / 214 و 14 / 210 و 15 / 42 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الإصابة 4 / 467 ، أنساب الأشراف : 94 ، و 106 ، البداية والنهاية 5 / 11 و 7 / 251 و 370 و 374 و 8 / 84 ، جواهر المطالب 1 / 58 و 171 و 197 و 212 و 296 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 441 و 11 / 291 و 296 ، ينابيع المودّة 1 / 112 و 156 و 160 و 309 و 404 و 2 / 97 و 119 و 153 و 237 و 302 و 389 و 3 / 211 و 369 و 403 .
2- مسند أحمد 1 / 118 و 152 و 4 / 281 و 370 و 5 / 347 و 370 ، الجامع الكبير 5 / 297، سنن ابن ماجة 1 / 45 ، المستدرك 3 / 109 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 495 ، مجمع الزوائد 9 / 104 ، المعجم الكبير 4 / 17 و 5 / 170 و 5 / 192 و 5 / 204 ، شواهد التنزيل 2 / 381 ، التاريخ الكبير 1 / 375 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 213 و 217 و 230 ، تهذيب الكمال 20 / 484 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الجوهرة : 67 ، البداية والنهاية 5 / 231 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 421 ، ينابيع المودّة 2 / 249 و 283 و 391 .
|
الصفحة 341 |
|
يثبت لعلي (عليه السلام) ، وذلك لقوله : " من كنت مولاه فهذا مولاه " .
وأمّا الحالية : فإنّ أيّ إنسان عاقل إذا نعيت إليه نفسه وقرب أجله تراه يوصي بأهمّ الأُمور عنده ، وأعزّها عليه .
وهذا ما صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما حج حجّة الوداع ، حيث جمع المسلمين وكانوا أكثر من مائة ألف في يوم الظهيرة في غدير خم ، ويخطبهم تلك الخطبة الطويلة ، بعد أن أمر بإرجاع من سبق ، وانتظار من تأخّر عن العير ، و بعد أمرهم لتبليغ الشاهد الغائب .
كلّ هذا فعله الرسول (صلى الله عليه وآله) ليقول للناس : إنّ علياً محبّ لكم صديق لكم؟! فهل يليق بحكيم ذلك ؟! وهل كان خافياً على أحد من المسلمين حبّ علي للإسلام والمسلمين ؟ وهو الذي عرفه الإسلام بإخلاصه وشجاعته ، وعلمه وإيمانه .
أم أنّ ذلك يشكّل قرينة قطعية على أنّه (صلى الله عليه وآله) جمعهم لينصب بعده خليفة بأمر الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } (1) .
وهنالك أدلّة كثيرة أعرضنا عنها بغية الاختصار .
نسأله تعالى أن يعرّفنا الحقّ حقاً ، ويوفّقنا لاتباعه .
( محمّد . الكويت . ... )
بلّغ النبيّ لها في بدايات دعوته :
السؤال : سؤالي هو عن رزية يوم الخميس ، القصّة تشير أنّ الكتاب الذي كان سيكتبه الرسول (صلى الله عليه وآله) كان يتوقّف عليه ضلال أُمّة وهداها ، فكيف تركه الرسول (صلى الله عليه وآله) خوفاً من الفتنة ؟ علماً بأنّه من التبليغ الذي بلّغه الله له : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى } ؟ فكيف يكون للرسول (صلى الله عليه وآله) أن يعطّل تبليغ أمر الله تعالى ؟
وإن كان يتوقّف على ضلال أُمّة وهداها ، فهو من واجبات الدين ، فكيف أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يبلّغه قبل نزول الآية : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } (2) ، وكان الدين وقت الرزية قد اكتمل ؟ آسف على الإطالة ، وشكراً .
____________
1- المائدة : 67 .
2- المائدة : 3 .
|
الصفحة 342 |
|
الجواب : إنّ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بلّغ للإمامة والإمام من بعده من يوم الدار ، حيث تشير إليه آية الإنذار : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ... } (1) ، وهو كان في بدايات الدعوة ، وتفاصيل القضية ذكر في حديث الدار ، الذي رواه الموالف والمخالف .
وكذلك حديث الثقلين ، قاله (صلى الله عليه وآله) في عدّة مواطن ، وآخرها في مرضه ، فالحجّة تامّة بآيات وروايات مستفيضة ، والوصية إنّما كانت للتأكيد أكثر على هذا الأمر المهم .
ولمّا قال عمر مقولته التي هدّت ركناً من أركان الدين ، وهي : إنّ الرجل ليهجر ، أو : إن النبيّ غلبه الوجع ، فلو كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) كتب الكتاب لقالوا : كتبه في حين الهجر ، ولأثبتوا الهجر إلى الرسول يقيناً ، وانتقصوا من مقامه الرفيع ، وبذلك ربما انتقصوا مقام النبوّة ، وشكّكوا في الوحي ، ممّا سيجرهم إلى إنكار الدين والنبوّة ، فاكتفى الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) بما قاله وكرّره قبل كتابة الوصية ، الذي تمّت به الحجّة .
( السيّد علي . إيران . ... )