الذكر الثالث كنى الإمام الحسين (عليه السّلام)
عرفت أنّ كنى الإمام وألقابه من أرقى التعاليم الشريفة والكريمة التي نتعلّمها من ذكر الإمام الحسين (عليه السّلام) وألقابه وكناه ، وبها يتمّ التذكّر والرجوع لتعاليم الدِّين ومن ثَمّ التفكّر بها والتحقّق بمعناها الشريف ، فإنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) ما ذكره أحد إلاّ وناداه : يا أبا عبد الله ؛ ليعلّمنا إنّ إطاعته (عليه السّلام) والإقتداء به هي الموصلة لمعرفة الله تعالى وحقيقة تعاليمه ودينه وهداه ، ومن ثمّ إقامة العبوديّة المفروضة الصحيحة له تعالى . أو ينادي المؤمنُ الحسينَ (عليه السّلام) : يا أبا المساكين . وكلّنا مساكين للحسين (عليه السّلام) نحتاج لهداه والإقتداء والتأسّي به لتعلّم معالم الدِّين ، ونخلص أنفسنا من المسكنة في المادّة أو الخنوع لظلم الظالمين والمتعدين وأئمّة الكفر والخضوع لضلالهم ولشهواتهم ، والارتفاع عن هوى النّفس والانتكاس في الفسق والفجور وعصيان ربّ العالمين . فمن الإمام الحسين (عليه السّلام) نتعلّم الانتفاض لتعلّم معارف الدِّين ودروس العزّة والكرامة والسَّير في هداه ، ولننتقل من نداء الحسين بـ ( أبي المساكين ) إلى معرفة شريفة ، وهي أن نكون من الساكنين والمتمسكنين في المعارف الإلهيّة والعلوم الربّانيّة الفاضلة الكريمة والمتمسّكين به وبآله أئمّة الحقّ للوصول إليها . وقد ذكر الحرّ العاملي (رحمه الله) في الوسائل أحاديث في استحباب وضع الكنية للولد في صغره ، ووضع الكبير الكنية لنفسه وإن لَم يكن له ولد ، وأن يكنّى الرجل باسم ولده(4) . كما ذكر في الباب 29 كراهة كون الكنية أبا مرّة و أبا عيسى و أبا الحكم و أبا مالك و أبا القاسم للذي اسمه محمّد ، وذكر في الباب 30 كراهة ذكر اللقب والكنية اللذَّين يكرههما صاحبهما أو يحتمل كراهته لهما . وهذه من سنن التعاليم الإسلاميّة ومعارف أهل البيت (عليهم السّلام) ؛ ولذا ترى لهم كنى وألقاباً جميلةً تعلًمنا الاقتداء بهم في التسمية وذكر الكنية للطيّبين من أتباعهم وأوليائهم ، وهذه من المسائل الفقهيّة والآداب الدينيّة التي شرّفونا بها وكرّمونا بمعرفتها والتحقّق بها ، ويجدها مَن يحبّ المعرفة الواسعة الرجوع لها في الرسائل العمليّة للمجتهدين وأحاديث المعصومين (عليهم السلام) . والكنية هي من الأسماء ، ينادى بها الإنسان باسم الابن أو البنت له على نحو الحقيقة أو التقدير والفرض ، أو كنية تأتيه من عمل له شريف وفاضل قام به ، وغير أهل البيت لهم كنى مثل أبو جهل و أبو مرة و أبو معاوية ـ جرواً ـ وغيرها أبعدنا الله منهم ، وللسنّة الحسنة التي دعت لها تعاليم الدِّين اعتاد المؤمنون عندنا في العراق أن يكنّوا مَن اسمه علي ينادى أبو حسين ؛ لكون مرقدي الإمام علي والإمام الحسين (عليهما السّلام) في العراق وفي قلوب المؤمنين ، يزورها ويجددون العهد معهم وعقد العزم على الإقتداء بهم والسير على صراطهم الموصل لله وطاعته كلّما سنحت الفرصة وغنمت ، كما أنّ بعض البلاد يكنّون مَن كان اسمه عليّاً بأبي حسن أو أبو الحسنيين ، وإمّا في ذكر أحاديثه فيقال مثلاً قال أمير المؤمنين وهو لقبه الخاصّ أو يقال : أبو الحسن وهذا الغالب في ندائه بالكنية (عليه السّلام) . وإمّا مَن كان اسمه حسين فإن يكنّى : أبو علي ؛ لكون ثلاثة من أولاد الإمام الحسين (عليه السّلام) اسمهم علي ؛ علي الأكبر وعلي الأصغر استشهدا معه في يوم الفاجعة الكبرى في كربلاء ، وعلي الأوسط وهو إمام الحقّ الرابع ، علي بن الحسين السجّاد (عليه السّلام) ، وفي كنيته (عليه السّلام) إشارة وتعليم لمعنى العلوّ والمجد والعزّة والكرامة والفضيلة والشرف والسعادة والخير ، وهكذا نتكنى ونتلقب بألقاب آل الحسين الكرام صادق وكاظم وجواد وهادي ومنتظر وغيرهن . فالإمام الحسين بل وآله الكرام قدوة لنا وأسوة في اسمهم وكنيتهم ولقبهم وكل ما يوصلنا لسلوك هدى الله وتعاليمه ، كما إن اسم الحسين عليه السلام ولقبه وكنيته فيها معاني شريفة لتعاليم المؤمنين السنة الحسنة من المفروض فيها باستحباب التكني بالأسماء الحسنة والجميلة ، وجعل كنية للابن قبل زواجه فضلاً عن تسمي الإنسان ونداءه بأسماء أطفاله ، ولا يقتصر التكني بكنى الحسين عليه السلام كما عرفت . إذ يمكن من الإمام الحسين عليه السلام الانتقال للتكني والتعلم من كل آله الكرام آل البيت النبوي الطاهر ، ومن خواص صحبهم الكرام أو الأسماء الجميلة التي تدل على الكرامة والشرف والعز والخير والفضيلة ، والتي فيها تعاليم الدين ، ولكل منها جماله ولا أجمل من كنى أهل البيت عليهم السلام ، وهذا مذكور في تعاليمهم الشريفة وأخلاقهم الكريمة .
وأمّا كنى الإمام الحسين (عليه السّلام) حَسَب ما ذُكر في الكتب فهي : كنيته أبو عبد الله ، وأبو الأئمة ، أبو المساكين . وفي المناقب : وكنيته أبو عبد الله ، والخاصّ أبو علي . وفي كشف الغمّة : قال كمال الدِّين بن طلحة : كنية الحسين (عليه السّلام) أبو عبد الله لا غير . وقال ابن الخشاب : يكنى بأبي عبد الله(5) . وفي الإرشاد : وكنية الحسين : أبو عبد الله(6) . أقول : ويكنّى الإمام الحسين (عليه السّلام) عند بعض الثوّار الطيّبين والمؤمنين بكنى إمّا جاءت في أحاديثه الشريفة أو في معنى متجدّد مستفاد من ثورته وتضحيته (عليه السّلام) وهي مثل : أبو الأحرار ؛ لحديثه يوم عاشوراء : (( كونوا أحراراً في دنياكم )) . أبو الثوّار ؛ لكون من يقتدي بثورته يكون مصلح وتابع له في طلب إقامة الحقّ والهدى والعدل والخير والفضيلة والعزّ . وهكذا مثل أبو المؤمنين ، أبو المصلحين ، أبو المجاهدين ، أبو المعصومين .
وهذا مختصر في مدّة عمره وزمانه في هذه الدنيا : العمر قصير ، فليكن كعمر الحسين (عليه السّلام) في تقوى الله ورضاه والتضحية والفداء بكلّ شيء في سبيل الله تعالى ، وإن لم نكن مثل الحسين (عليه السّلام) ولا نستطيع فلنشارك بما نقدر بنصر الحسين (عليه السّلام) ، فإنّ نداء الحسين (عليه السّلام) هو نداء الدِّين الذي يوجب علينا العمل بالواجبات والانتهاء عن المحرّمات . وهو (عليه السّلام) صرخة العزّ والكرامة والهدى الرافض للظلم والعدوان ، سواء ظلم النّفس أو الأهل أو المجتمع أو أي إنسان ، فالإمام الحسين (عليه السّلام) رمز العدالة وفخر الحريّة وقدوة الحياة واُسوة في المال والأهل والولد . فيا طيب إلى الحسين (عليه السّلام) في المعنى والدِّين والروح والرواح ؛ لتذكّر ربّ العالمين في كلّ زمان وحين ، ولكي لا نكون لعهد الله وميثاقه من الغافلين والنّاسين . عرفنا اسمه الحسين بن علي بن أبي طالب ، اُمّه فاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، جدّه رسول الله ، أخوه الحسن ، وهو أبو الأئمّة الأطهار والهداة الأبرار وأب روحي وحياة دين لكلّ المؤمنين الأحرار . وُلِد (عليه السّلام) في المدينة المنوّرة في يوم الثلاثاء الثالث من شهر شعبان سنة ثلاث من الهجرة . واستشهد (عليه السّلام) في يوم الجمعة العاشر من شهر محرّم الحرام سنة إحدى وستّين من الهجرة ؛ وعلى هذا يكون عمره الشريف 57 سنة .
سني عمر الإمام الحسين (عليه السّلام) الشريف في الدنيا : يتقسّم عمر الإمام الحسين (عليه السّلام) هكذا : مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سبع سنين . وفي عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) ثلاثين سنة . وفي عهد أخيه الحسن (عليه السّلام) عشر سنين . وكانت مدّة إمامته عشر سنين وأشهراً . فأتمّ (عليه السّلام) سبعة وخمسون سنة وما يقارب النّصف ، من 3/8/3 هـ إلى 10/1/61 هـ ، أي : سبعة وخمسون سنة وخمسة أشهر وسبعة أيّام . فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً . ما أقلّ العمر في الدنيا ، عدّة أيّام في عدّة أسطر ، وإن عمّرها (عليه السّلام) بوجوده الكريم وبعث فيها الحياة الكريمة . وما أطول العمر في الآخرة في رضى ربّ العالمين مع جدّه رسول الله وأبيه وآله كلّهم في المقام المحمود ، ونعيم الله الخالد في الطيّبات من قصور الدرّ واللؤلؤ والمرجان والذهب والفضّة والزعفران والمسك ، وحور العين والولدان المخلّدون وماء معين لذّة للشاربين ، ولحم طير ممّا يشتهون ، ومن كلّ شجر وثمر ونمارق مصفوفة ، وكلّ ما تلذّ به النّفس وتقرّ به الأعين ، ولله المزيد ورضى الله أكبر ، له ولحزبه المفلحون خالصاً وكلّ مَن تَبع منهجه القويم إلى يوم القيامة وانتسب له (عليه السّلام) وأخذه سبب موصل لتعاليم الله وطاعته ومعرفة دينه وعبوديّته . فسلام الله عليه يوم وُلد ويوم بَعث الحياة في دين الله ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً ، حشرنا الله معه وسلك بنا سبيله في الدنيا والآخرة . ورحم الله مَن قال : آمين . اللهمّ بالحسين الوجيه وجدّه وأبيه واُمه وأخيه والمعصومين من بنيه اجعلني مع الحسين وآله الطاهرين وأصحابه الطيّبين .
__________________ (1) بحار الأنوار 39 / 237 الباب الحادي عشر الحديث الأول . (2) بحار الأنوار 39 / 237 ، الباب الحادي عشر الحديث الأول . (3) المصدر السابق الحديث الثاني . (4) وسائل الشيعة 21 / 397 الباب 27 . (5) بحار الأنوار 39 / 237 الباب الحادي عشر الحديث الأول . (6) الإرشاد 2 / 27 .
|