النبش في المرويات عما يسيء الجانبين:
هذه هي عقيدتنا التي ندين بها إلى الله في قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وأما ما نبشه ذلك الناعق بالباطل من مرويات في بحار الأنوار وغيره، من أن القائم متى ظهر، سيقوم بهدم المساجد، ومنها الحرمان الشريفان، المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة المنورة، ويقتل العلماء، وينتقم من كل من يناصب أهل البيت العداء، وينكل بأبي بكر وعمر، ويقيم حدّ القذف على عائشة، إلى غير ذلك من المرويات، فنقول:
أولاً - إننا نجلّ العلماء أصحاب تلك الكتب التي نبش منها ذلك الناعق تلك المرويات، ولكننا لا نعتقد صحة كل ما جاء فيها، لأنها كتب سعى مؤلفوها الكرام، إلى جمع كل ما تناهى إليهم من مرويات، دون القيام بتدقيقها وتمييز الصحيح فيها من الضعيف أو المكذوب، وتركت لعلماء الحديث القيام بهذه المهمة الخطيرة، فنحن لا نأخذ عقيدتنا من هذه المرويات، وإنما نأخذ العقيدة من أقوال وكتب العلماء، الذين دققوا في الأحاديث المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وعن أهل بيته (عليهم السلام).
ثانياً - لو أردنا أن نفتش في بطون صحاحهم، وأن ننبش ما فيها لنظهر منها ما يعرفه وما لا يعرفه هذا الناعق، لاشمأزت نفسه هو قبل غيره، مما سيجد في بطون هذه الصحاح، فكيف بما سواها؟.
- من مثل ما فيها أن العين ترى الله سبحانه كما ترى القمر: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته)(7)، وفي رواية (إنكم سترون ربكم عِياناً)(8)، فالله سبحانه وتعالى محدود محصور في مكان محدد، بحيث يمكن للعين البشرية أن تراه.
- وأن الله سبحانه وتعالى يضحك، كما في قصة ذلك العبد الطمّاع الذي استدرج ربه أن يخرجه من داخل النار ويضعه عند بابها، ثم إلى خارج الباب، ثم إلى باب الجنة فقط، ثم إلى داخل الجنة: (... فيقول الله: أو ليس زعمتَ أن لا تسألني غيره؟ ويلك يا بن آدم ما أغدرك؟ فيقول : يارب لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه! فإذا ضحك منه، أذن بالدخول فيها)(9).
- وأن الله سبحانه يصعد وينزل ويتجول، كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة، أن النبي قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى من كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له)(10).
- وأن الله خلق آدم على صورته: فعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً)(11)، وإذ كان هذا الحديث قابلاً للقول بأن الصورة عائدة على آدم لا على الله سبحانه، أقفل مسلم على السنة ولوج هذا الباب من التأويل، حين روى عن أبي هريرة نفسه قول النبي: (إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته)(12)، فتأمل.
على أن الأمثلة أكثر من أن تحصى، وهذا غيض من فيض سيلها الطامي الهادر في كل منحىً ومجال، ومن أراد الوقوف على المزيد، فليرجع إلى كتاب: تأمّلات في الصحيحين، لمحمد صادق نجمي.
ثالثاً – إن المطلوب من المسلمين، أن يؤمنوا بما ثبت لديهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وصحّ نقله عنه، وليسوا مطالبين بما سوى ذلك، وقد أجمع المسلمون على الإيمان بالمهدي المنتظر، الذي سيخرج في آخر الزمان، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت جوراً وظلماً، فلنكتفِ بهذا القدر المجمع عليه من أخبار القائم المهدي (عليه السلام).
ولنترك تفاصيل ما سيمارسه وما سيقوم به من أعمال لوقت ظهوره، فلا شك أنه لن يفعل إلاّ الصواب وما يرضي الله سبحانه وتعالى، دون أي التفات إلى رضى الناس أو غضبهم، فهو الإمام المعصوم والخليفة المرضي من فبل الله ورسوله، وسيعمل في الناس بما شرع الله سبحانه لهم، لا بما شرعوا لأنفسهم، وبذلك ينتصب ميزان العدل، ويتحقق للناس الأمن والرخاء، فتنزل السماء خيراتها، وتخرج الأرض بركاتها، ويظهر الله دينه الخاتم على الأديان كلها، وبذلك تتم كلمة الله سبحانه، أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده المؤمنين، والعاقبة للمؤمنين، والخزي للكافرين والمشركين والمعاندين، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الغيبة الصغرى للسيد محمد الصدر ص282 ينقله عن إكمال الدين نسخة مخطوطة.
2- صحيح مسلم– الحديث رقم / 3393 / ورقم / 3398 / ، ومسند أحمد بن حنبل- الأحاديث ذوات الأرقام: / 19875 / و/ 19884/ و/ 19892/ و/ 19901/ و/ 19914/ و/ 19944/ و/ 20105 / و/ 20125 / ، وسنن أبي داوود- الحديث رقم / 3731/.
3- مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 281 ، سر العالمين لأبي حامد الغزالي ص 12 ، تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 29 ، الرياض النضرة للطبري ج 2 ص 169 ، كنز العمال للمتقي الهندي ج 6 ص 397 ، البداية والنهاية لابن كثير ج 5 ص 212 ، تاريخ ابن عساكر ج 2 ص 50 ، تفسير الرازي ج 3 ص 63 ، الحاوي للفتاوي للسيوطي ج 1 ص 112.
4- في الواقع أنني لم أجد هذا الحديث في مسند أحمد ، ولعله في كتاب آخر غير المسند، والله أعلم.
5- بحث حول المهدي للسيد محمد باقر الصدر ص 9 ص 10.
6- المصدر السابق ص 11 ص 12.
7- صحيح البخاري – الأحاديث رقم / 531 / و / 4473 / و / 6882 / و / 6884 / و / 6885 / وهذا الأخير حـديث طويل فيه تفاصيل عجيبة غريبة ، منها: فيأتيهم الله على صورته التي يعرفون، صحيح مسلم- الحديث رقم / 267 / - والحديث رقم/1002/.
8- صحيح البخاري - الحديث رقم / 6883 /.
9- صحيح البخاري- الحديث رقم / 6885 / ، صحيح مسلم- الحديث رقم / 267 / .
10- صحيح البخاري- الحديث رقم / 1077 / و الحديث رقم /6940 / ، صحيح مسلم- ء الحديث رقم / 1261 /.
11- صحيح البخاري- الحديث رقم / 5759 / ، صحيح مسلم – الحديث رقم / 5075 .
12- صحيح مسلم - الحديث رقم / 4731 /.