هم علّة الخلق :
السؤال : سادتي الأفاضل كيف يمكننا الجمع بين ما يلي ، أرجو بيان الوجه العلمي والأُصولي لذلك : بين الآية الكريمة { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } (5) ، وبعض مروياتنا التي تجعل العلّة الغائية أهل البيت (عليهم السلام) ، وهذا في واقعه يعارض الانحصار في الآية الشريفة .
أفيدونا جزاكم الله خيراً .
الجواب : لا تنافي بين الآية الكريمة وبين كونهم (عليهم السلام) العلّة الغائية ، إذ بالتدبّر سينحلّ ما أشكل عليك ، وذلك ببيان مختصر نقدّمه إليك :
إنّ الآية الكريمة تدلّ على أنّ الغاية من الخلق هو عبادة الله تعالى ،
____________
1- آل عمران : 7 .
2- تفسير العيّاشي 1 / 163 .
3- المصدر السابق 1 / 164 .
4- نفس المصدر السابق .
5- الذاريات : 56 .
|
الصفحة 421 |
|
وعبادته تعالى هو معرفته ، ومعرفته لا تكون إلاّ عن طريق حججه وأوليائه ، وهم أهل البيت (عليهم السلام) .
فبواسطتهم يعرف العباد سبل تكليفهم ، وكيفية عبادتهم لله تعالى ، إذ هذه العبادة تكون توقيفية ـ أي موقوفة على اعتبار الشارع وأوامره ـ وهذه الأوامر والتوقيفات لا تعرف إلاّ بهم (عليهم السلام) ، فهم علّة غائية بالتبع للعلّة الغائية الأُولى ، وهي عبادة الله تعالى ، أي أنّ علّتهم الغائية متفرّعة من علّة الإيجاد ، وهي عبادة الله تعالى .
فهنا مقدّمتان كبرى وصغرى :
فالكبرى : هي أنّ علّة الإيجاد والخلق ، عبادة الله تعالى ، العبادة التي لا تكون إلاّ بالمعرفة .
والصغرى : هي أنّ المعرفة لا تكون إلاّ عن طريقهم (عليهم السلام) .
والنتيجة : هي أنّهم (عليهم السلام) علّة غائية للخلق ، بلحاظ تعريف العباد كيفية عبادتهم لله تعالى ، ولعلّ الحديث القدسي يشير إلى هذا الجمع : " يا أحمد لولاك ما خلقت الأفلاك ، ولولا علي ما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما " (1) .
فالتدبّر في الحديث ، يضيف لك وجوه الجمع المحتملة المشار إليها .
( محمّد بن أحمد العجمي . عمان )
السؤال : ما هو الحكم في إهداء سورة أو آية من القرآن الكريم إلى أرواح الأئمّة (عليهم السلام)؟ علماً بأنّهم غير محتاجين إلى الثواب من أحد إلاّ من الله عزّ وجلّ ؟
الجواب : فبحسب بعض الروايات إنّهم (عليهم السلام) يردّون هذه الهدايا بأضعاف مضاعفة إلى مهديها ، فأثر هذه الهدايا ترجع بالمآل إلى أصحابها ؛ مضافاً إلى أنّه من باب التقدير والتكريم والتعظيم لهم ، ولما تحمّلوه في أعباء الإمامة ، وعلماً
____________
1- مجمع النورين : 187 .
|
الصفحة 422 |
|
بأنّ نفس قراءة القرآن ـ بأيّ مناسبة كانت ـ لها التأثير الملحوظ في ضمير القارئ كما لا يخفى .
( أحمد جعفر . البحرين . 19 سنة . طالب جامعة )
مطهّرون قبل نزول آية التطهير :
السؤال : نشكر لكم جهودكم في الإجابة على الأسئلة .
يقول الله تعالى : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ } (1) .
يقول في الآية : { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ } ألا تعني العصمة ؟ كما في قوله تعالى : { لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } (2) ، ولم لا تكون دليلاً على أنّهم مطهّرون عن رجز الشيطان قبل نزول الآية ، بدليل قوله : { عَنكُمُ } ؟
ثمّ ألا تدلّ هذه الآية على فضيلة لجميع الصحابة ؟ لأنّ الله تعالى طهّرهم كلّهم .
الجواب : إنّ آية { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ } لا تدلّ على عصمة أصحاب بدر ، كما تدلّ آية التطهير على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) ؛ لأنّ المراد من رجز الشيطان هو الجنابة التي أصابتهم ، بينما المراد من الرجس هو اجتناب المعاصي والذنوب ، والاجتناب دليل على العصمة .
كما أنّ الآية لا تدلّ على تطهيرهم قبل نزولها ، كما دلّت آية التطهير على تطهير أهل البيت (عليهم السلام) قبل نزولها ؛ لأنّ اللام في آية التطهير لام الجنس ، بينما اللام في آية { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ } لام التعليل ، أي يطهّركم لأجل ما أصابكم من الجنابة .
قال في الكشّاف : " وذلك أنّ إبليس تمثّل لهم ، وكان المشركون قد سبقوهم إلى الماء ، ونزل المؤمنون في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء ،
____________
1- الأنفال : 11 .
2- الأحزاب : 33 .
|
الصفحة 423 |
|
وناموا فاحتلم أكثرهم .
فقال لهم : أنتم يا أصحاب محمّد ! تزعمون أنّكم على الحقّ ، وإنّكم تصلّون على غير الوضوء وعلى الجنابة ، وقد عطشتم ، ولو كنتم على الحقّ ما سبق عليكم هؤلاء على الماء ، وما ينتظرون بكم إلاّ أن يجهدكم العطش ، فإذا قطع العطش أعناقكم مشوا إليكم ، فقتلوا من أحبّوا ، وساقوا بقيّتكم إلى مكّة، فحزنوا حزناً شديداً وأشفقوا ، فأنزل الله مطراً ، فمطروا ليلاً حتّى جرى الوادي ، واتخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه الحياض على عدوة الوادي ، وسقوا الركاب ، واغتسلوا وتوضّؤا ، وتلبّد الرمل الذي كان بينهم وبين العدو حتّى ثبتت عليه الأقدام ، وزالت وسوسة الشيطان ، وطابت النفوس " (1) .
ثمّ إنّ هذه الآية تدلّ على فضيلة لبعض الصحابة لا لجميعهم ، وهم الذين كانوا في بدر .
( حسين حبيب عبد الله . البحرين . 20 سنة . طالب جامعة )
السؤال : سؤالي يدور حول آية التطهير ، فأبناء السنّة يقولون : إنّ الآية كانت عادية ، فلم ترفع أهل البيت إلى مستوى العصمة ، واستدلّوا بقوله : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ } ، ويقولون : إنّ التطهير كان في هذه الآية للمؤمنين ، كما سبق في آية التطهير ، فما الفرق بين الآيتان .
الجواب : إنّ التطهير في قوله : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ } (2) ، وكذا في قوله : { مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ } (3) ، يختلف عنه في قوله : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } (4) .
لأنّه هناك عامّ لجميع المسلمين ، والمقصود منه فيهما رفع الحدث ، سواء
____________
1- زبدة البيان : 31 .
2- الأنفال : 11 .
3- المائدة : 6 .
4- الأحزاب : 33 .
|
الصفحة 424 |
|
الوضوء كما في آية المائدة ، أو الجنابة كما في آية الأنفال .
أمّا آية التطهير ففيها خصوصيات كثيرة ، تجعلها لا تشابه أية آية أُخرى في ذكر التطهير ، منها :
1ـ أداة الحصر { إِنَّمَا } فهي تدلّ على حصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير .
2ـ كلمة { عَنْكُمْ } في الآية قُدّمت وهي تستحق التأخير ( ليذهب الرجس عنكم أهل البيت ) ، وفي ذلك دلالة على الحصر ـ كما ذكرنا في محله في أدوات الحصر ـ أي حصر إذهاب الرجس بأهل البيت .
ففي الآية في الحقيقة قصدان : قصد الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير ، وقصد إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت (عليهم السلام) .
3ـ قوله : { وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } يدلّ على العصمة ، لأنّ المراد بالتطهير المؤكّد بمصدر فعله ، هو إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله ، ومن المعلوم أنّ ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحقّ ، فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحقّ في الاعتقاد والعمل ، ويكون المراد بالإرادة أيضاً غير الإرادة التشريعية .
4ـ اللام في كلمة { الرِّجْس } لام الجنس ، والمراد من الرجس كل ما يشين كما ذُكر في كتاب اللغة .
ففي الآيات الأُخرى من القرآن تتكلّم عن التطهير من النجاسات المادّية أو المعنوية ، كالغسل والوضوء ، أمّا في هذه الآية ، فالطهارة هنا أعمّ وأشمل من كلّ نجاسة وقذر ومعصية وشرك وعذاب ، فهي تتكلّم عن أعلى مراتب الطهارة لا مرتبة بسيطة من مراتب الطهارة ، كما في الآيات الأُخريات .
وبالتالي فآية التطهير تدلّ على الطهارة بأعلى درجاتها ، وهي ما نسمّيه بالعصمة ، وأمّا ما سواها من الآيات التي تذكر تطهير المؤمنين فلا ترتقي قطعاً لهذه الآية ولا تشابهها ، وإنّما تدلّ على طهارة مادّية أو معنوية ،
|
الصفحة 425 |
|
كالوضوء والتيمم والغسل وما شابه .
وأدلّ دليل على مدّعانا ، ما رواه العامّة والخاصّة في الصحاح ـ كمسلم وغيره ـ من تطبيق النبيّ (صلى الله عليه وآله) لهذه الآية بدقّة عالية من جمع أهل البيت (عليهم السلام) المخصوصين بالعصمة معه ، ووضعه الكساء عليهم ، وعدم إدخال أحد معهم ، حتّى أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة رفض إدخالها ، مع مكانتها وتقواها ، وبيّن اختصاص أهل البيت (عليهم السلام) بهذه الآية مع طلبها الشديد ، وأخذها الكساء ، فهي تخبرنا بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) جذب منها الكساء ، وقال لها : " ابق إلى مكانك إنّك إلى خير " ، وفي رواية : " أنت من أزواج النبيّ " ، مع ما يحمله النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) من خُلق عظيم ، وعدم ردّ طلب أيّ أحد ، ناهيك عن نسائه ، بل أعزّ واتقى نسائه في زمانها ـ أي بعد خديجة ـ ولكن الحقّ أحقّ أن يُتّبع .
ثمّ إخراج يده الشريفة من الكساء ورفعها إلى السماء ، ودعاء ربّ السماء بأنّ هؤلاء هم أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فأين هذه الآية من تلك ؟
( أحمد . الكويت . 20 سنة . طالب )