علاقة الدعاء به :
السؤال : ماذا نعني بعقيدة البداء ؟ وهل دعائنا للشخص بأن يطيل الله عمره يتعلّق بعقيدة البداء ؟ ولكم جزيل الشكر .
الجواب : تعتقد الشيعة الإمامية بالبداء ، وأنّه من المسلّمات ، وقد حثّت روايات أهل البيت (عليهم السلام) على الاعتقاد به ، وهو : أنّ الله تعالى يبدي ويظهر ما كان خافياً على الناس .
دعاؤنا للشخص بأن يطيل عمره يتعلّق بمسألة البداء ، فقد ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام) : ( عليكم بالدعاء ؛ فإنّ الدعاء لله ، والطلب إلى الله يردّ البلاء ، وقد قدّر وقضى ولم يبق إلاّ إمضاؤه ، فإذا دُعي الله وسُئل صرف البلاء صرفه ) (1) .
____________
1- الكافي 2 / 470 .
|
الصفحة 14 |
|
( ياسر بطيخ . مصر . ... )
السؤال : قد قرأت كثيراً عن مذهب الإمامية ، وتعرّفت على المذهب من كتبه ، ومن كتب الصحاح عند أهل السنّة ، فانجلى لي الحقّ ، ولكنّي توقّفت عند مبدأ البداء ، فرغم فهمي لهذا المبدأ واستيعابي له ، تبادر إلى ذهني سؤال أُريد الإجابة عنه : عرفنا أنّ البداء يكون من الله تعالى ، فمن يعلمنا بالأشياء التي يكون فيها بداء ؟ وهل يكون البداء في العبادات ، أم أنّ البداء يكون في أشياء العمر والرزق ، وما إلى ذلك ، ممّا أخبر عنه الرسول الكريم ؟
فهناك من يدّعي أنّ هذا المبدأ يخوّل إلى أيّ إمام من الأئمّة ، أن يغيّر في التشريع الإلهيّ ، بحجّة أنّ هذا ممّا بدا من الله تعالى ، وهو ـ أي الإمام ـ الوحيد الذي يعلم ذلك بحكم إمامته ، أي هل من حقّ أيّ إمام من الأئمّة التغيير في التشريع الإلهيّ المنزل على رسولنا الكريم من منطلق البداء ؟
أفيدونا جزاكم الله .
الجواب : إنّ معنى البداء ـ على التحقيق ـ هو إظهار شيءٍ في عالم التكوين ، من جانب الله عزّ وجلّ ، كان مكتوماً على الناس ، فهم كانوا لا يرونه ، أو يرون خلافه ، فبإظهاره ـ تبارك وتعالى ـ يظهر عندهم .
فالبداء إظهار من قبل الله تعالى على لسان المعصومين (عليهم السلام) .
والبداء يقع في التكوينيّات ، أي في الحوادث والوقائع الملموسة ، والخارجية التي وقعت أو سوف تقع ، ولا دخل له بالجانب التشريعيّ ، أي لا يرتبط بوظائف المكلّفين .
|
الصفحة 15 |
|
نعم النسخ له دخل بالجانب التشريعيّ ، فالمولى عزّ وجلّ لمصلحة يراها يحكم بحذف وظيفة من وظائف المكلّفين ، أو تبديلها بوظيفة أُخرى ، ولا صلة له بالحوادث والوقائع .
فالنبيّ (صلى الله عليه وآله) هو الذي نزل عليه القرآن ، وبواسطته بُلِّغ إلينا ، كما أنّ بواسطته تصل إلينا سائر أنباء الغيب من غير القرآن ، ومنها النسخ والبداء .
وبما أنّ أهل بيت النبيّ هم الأئمّة من قبل الله تعالى على هذه الأُمّة ، وهم الامتداد الطبيعيّ لحفظ الشريعة ، وذلك لقوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } (1) ، فتكون نفس المهمّة في البداء عليهم .
فالإمام لا يغيّر في التشريع الإلهيّ بحجّة أن هذا ممّا بدا من الله ! كما ذكرتم .
وهذا التعبير في غير محلّه ، لأنّ البداء لا يقع في التشريع أوّلاً ، وثانياً : فإنّ الإمام عند الشيعة هو الذي نال منصب الإمامة الإلهيّة ، وأعماله تكون إلهيّة ، يختلف عن مفهوم الإمامة لدى المذاهب الأربعة ، حيث يشترط في الإمام عند الشيعة العصمة .
لذا نقترح عليكم أن تقرؤوا عن الإمامة وحدودها أوّلاً ، لتتضح المسألة أكثر .
( ... . ... . ... )
السؤال : أنا شيعية ، ولكنّي أجهل الكثير عن البداء ، حاولت أن أقرأ فقرأت كتب جعلتني أشعر بالغموض أكثر ، لأنّ الكتب تتحدّث بأسلوب أعلى من
____________
1- المائدة : 55 .
|
الصفحة 16 |
|
مستوى فهمي ، بل أنّي لا أستطيع الاعتقاد به ، لأنّه يبدو متناقضاً ؟
أفيدوني جزاكم الله ألف خير .
الجواب : إنّ البداء لغة هو ظهور الشيء بعد خفائه ، واصطلاحاً كما لو بدا للإنسان رأي جديد في شيء ، وكان قد عزم على عمله من قبل ، ثمّ تجلّت مصلحة قد غفل عنها لجهله بها ، وعدم إحاطته بعلل الأشياء وأسبابها ، ثمّ بدا له أن يستأنف العمل على حسب ما ظهر له من صلاح ، وكلّ هذا غير جائز على الله تعالى ؛ ذلك لمطلق إحاطته تعالى بعلل الأشياء وأسبابها ، وشرائط الأُمور وعواقبها .
فلا نقص في إرادته تعالى ولا تبدّل في عزمه ، ولا فراغ عن الأمر بعد خلقه ، ومن نسب إلى الله تعالى إنّه تُبدى له الأُمور بعد جهله بها فهو كافر ، فالله تعالى محيط بكلّ الأشياء لا يعزب عنه شيء ، ولا يغيب علمها عنه .
وقد تبعت الإمامية في ذلك أئمّتهم الهداة (عليهم السلام) ، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال : ( إنّ الله لم يبد له من جهل ) (1) ، وقوله (عليه السلام) : ( من زعم أنّ الله بدا له في شيء اليوم ، لم يعلمه أمس فأبرؤا منه ) (2) ، وقوله (عليه السلام) : ( من زعم أنّ الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة ، فهو عندنا كافر بالله العظيم ) (3) .
كما إن الإمامية تعتقد أنّ الأشياء تتحقّق بشروطها وأسبابها ، ويتّفق في ذلك معهم كافّة العقلاء ، فإنّ أُموراً تُسْتَحَقّ عند توفّر شرائطها ، كما لو أنّ شخصاً كان من المقدّر أن يعيش ثلاثين عاماً ، إلاّ أنّ الله تعالى جعل شرطاً لطول العمر التصدّق ، أو صلة الرحم ، أو فعل الخير ، فلما تصدّق هذا الشخص ، أو وصل رحمه ، أو فعل خيراً ، فإنّ الله تعالى جازاه على ذلك ، فزاد في
____________
1- الكافي 1 / 148 .
2- الاعتقادات للشيخ المفيد : 41 .
3- نفس المصدر السابق .
|
الصفحة 17 |
|
عمره ثلاث سنوات مثلاً ، فصار ثلاث وثلاثين سنة ، وخلاف ذلك أي لو قطع الإنسان رحمه ، أو فعل الظلم والبغي ، عاقبه الله تعالى ، وأنقص من عمره ثلاث سنوات، فصار عمره سبعاً وعشرين عاماً، هذا بحسب التقدير الظاهريّ، وإن كان الله تعالى في علمه في اللوح المحفوظ ، يعلم أنّ الإنسان كم يعيش في هذا العالم ، فهذا هو البداء الذي تقول به الإمامية .
واعلميّ أيّتها الأُخت : أنّ البداء مثل النسخ الذي يقول به المسلمون ، فالنسخ في القضايا التشريعيّة ، والبداء في القضايا التكوينيّة .
هذا هو البداء ، ولا نريد أن نزيد عليك لئلا يختلط مفهومه ، ولا تتّضح مطالبه ، ولا عليك أن تعاودي السؤال فيما إذا لم يتّضح لديك ذلك .
|
الصفحة 18 |
|
( أحمد الخاجة . البحرين . 15 سنة . طالب ثانوية )
السؤال : ما هو تعريفكم للبدعة ؟
الجواب : إنّ للبدعة تعاريف كثيرة ، تكاد تتّفق لفظاً ومضموناً ، وإن اختلفت في زيادات أوردها البعض .
ولكن أجمع التعاريف وأكثرها دلالة على حدّ البدعة ومفهومها ، هو تعريف الشريف المرتضى (قدس سره) حيث قال : ( البدعة : زيادة في الدين ، أو نقصان منه من إسناد إلى الدين ) (1) .
( محمّد . ... . 27 سنة )
السؤال : بارك الله في جهودكم ، قد عرّفتم البدعة هي الزيادة في الدين ، أو النقيصة منه ، فكيف تتصوّر سيّئة تارة وحسنة أُخرى ؟
الجواب : لقد جاء تقسيم البدعة إلى حسنة وسيّئة في كلمات علماء أهل السنّة ، والأصل في ذلك هو قول عمر بن الخطّاب ، حيث روى البخاريّ وصف عمر في إقامته لصلاة التراويح جماعة ـ والأصل فيها أن تصلّى فرادى ـ بأنّها نعم
____________
1- رسائل المرتضى 2 / 264 .
|
الصفحة 19 |
|
البدعة هذه (1) .
وهذا التقسيم باطل لو أُريد منه البدعة بمعناها الشرعيّ وهي : إدخال ما ليس من الدين في الدين ؛ لأنّ البدعة الشرعيّة لا تكون إلاّ قسماً واحداً ، وهو محرّم بالكتاب والسنّة والعقل والإجماع إلى قيام الساعة .
نعم ، البدعة بالمعنى اللغويّ ـ التي تعمّ الدين وغيره ـ تنقسم إلى قسمين ، فكلّ شيء محدث ومفيد في حياة المجتمعات من العادات والرسوم ، إذا أدّي به من دون الإسناد إلى الدين ، ولم يكن محرّماً بالذات شرعاً كان بدعة حسنة ، وإلاّ فهي بدعة سيّئة .
وأمّا ما كان محرّماً بالذات فهو محرّم ليس من باب البدعة الشرعيّة ، وإنّما هو عمل محرّم ، ولو قيل عنه : إنّه بدعة سيّئة ، فإنّما هو من باب البدعة اللغويّة ، كدخول النساء السافرات في مجالس الرجال .
وبذلك يظهر أنّ من قسّم البدعة إلى حسنة وسيّئة ، قد خلط البدعة في مصطلح الشرع بالبدعة اللغويّة .
( ... . السعودية . 35 سنة )
السؤال : ما هو الملاك والميزان في معرفة كون هذا العمل شرعيّ أو بدعيّ ؟ وشكراً لمساعيكم .
الجواب : لا يخفى عليك أنّ العنصر الذي يوجب خروج العمل عن كونه بدعيّاً هو دعم الشارع المقدّس له ، وتصريحه بأنّه من الدين ، وهذا الدعم يكون على نوعين :
1ـ أن يقع النصّ عليه في القرآن والسنّة النبويّة ، بشخصه وحدوده وتفاصيله وجزئياته ، كالاحتفال بعيدي الفطر والأضحى ، ولاشكّ أنّ هذا
____________
1- صحيح البخاريّ 2 / 252 .
|
الصفحة 20 |
|
الاحتفال قد أمر به الشرع ، فخرج عن كونه بدعة .
2ـ أن يقع النصّ عليه على الوجه الكلّيّ ، ويترك انتخاب أساليبه وأشكاله وألوانه إلى الظروف والمقتضيات .
ومثال ذلك : لقد ندب الإسلام إلى تعليم الأولاد ، ولاشكّ أنّ لهذا الأمر الكلّيّ أشكالاً حسب تبدّل الحضارات ، وقد كان التعليم والكتابة سابقاً تتحقّق بالكتابة بالقصب والحبر ، وجلوس التلميذ على الأرض ، إلاّ أنّ ذلك تطوّر الآن إلى حالة جديدة ، تستخدم فيها الأجهزة المتطوّرة ، حيث أصبح الناس يتعلّمون عن طريق الكامبيوتر والأشرطة وغيرها من الوسائل .
ولاشكّ أنّ الإسلام لا يخالف هذا التطوّر ، ولا يمنع من استخدام الأجهزة والأساليب الحديثة ، إنّما هو أمر بالتعليم ، وترك اتخاذ الأساليب إلى الظروف والمقتضيات .
وأمّا معرفة كون العمل غير شرعيّ أي كونه بدعة ، هو من خلال عدم تصريح الشارع المقدّس بكونه من الدين .
|
الصفحة 21 |
|
( كميل . عمان . 22 سنة . طالب جامعة )
لا يتنافى مع الرضا بقضاء الله وقدره :
السؤال : كيف يمكن التوفيق بين التباكي والإبكاء على الميت ، وبين الرضا بقضاء الله وقدره ؟
الجواب : لا علاقة بين الأمرين ، فإنّ الرضا بتقدير الله عزّ وجلّ وقضائه ، لا يتنافى مع البكاء والرثاء على الميّت ، لأنّ البكاء في هذا المقام هو إظهار الحزن على فقد الأحبة مثلاً ، وهذا أمر مسوغ ، بل مرغوب ومستحسن ، إذ فيه تفريغ الهمّ والغمّ ، وتكريم الميّت ، وتجديد العهد معه ، وغيرها من الآداب والشعائر الحسنة والمقبولة عند العقلاء .
وإنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) في تأبين ابنه إبراهيم قال : ( تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الربّ ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون ) (1) .
( زهراء ناصر . السعودية . ... )