في غاية الغموض والتضارب :
السؤال : وبعد ، في قضية تزويج عمر من أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أرجو منكم الردّ السريع على أسئلتي :
1ـ ذكرتم بعض المصادر الحديثية ، والتي ليس لها صلة بواقع القضية ، والسبب أنّ القضية تاريخيّة ليست حديثية ، ووقعت بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى ما يبرّره أهل السنّة من أنّ زواج عمر منها ، هو أن يحظى بالقرب من البيت الطاهر ، مستدّلاً بذلك المروي عن رسول
____________
1- الإصابة 8 / 465 ، الاستيعاب 4 / 509 .
|
الصفحة 141 |
|
الله : ( كلّ سبب ونسب مقطوع إلاّ سببي ونسبي ) ، فما هو الردّ على ذلك ؟
2ـ ما المقصود في قولكم : ما ليس فيه فليس بصحيح ، هل هو مسند أحمد ابن حنبل أم ماذا ؟
3ـ في قولكم : بالإضافة إلى أن جميع مسانيد الخبر ... نفس علمائهم ، أرجو التوضيح والتفصيل .
4ـ هل أنّ قضية تزويج أُمّ كلثوم مروية بسند صحيح في كتبنا ، وما هو المقياس في ذلك ؟
الجواب : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول : لا يخفى أنّ القضايا التاريخيّة يعتمد فيها على كلّ مصدر نقل خبراً ، أو يستفاد منه نقل الخبر ، فالقرآن والحديث فيهما الكثير من نقل قضايا تاريخيّة ، يمكن أن يستفاد منها في التاريخ ، بل هما أولى من غيرهما .
وقضية تزويج أُمّ كلثوم ، وأن كانت تاريخيّة ، ولكن لأهمّيتها صارت من المسائل العقائديّة ، وأعطاها أهل السنّة حجماً كبيراً ، ليستدلّوا بذلك على حسن العلاقة بين أمير المؤمنين (عليه السلام) والخلفاء ، وعليه فتناقلتها الكتب الحديثية عند الفريقين ، وقد بيّنا كلّ ذلك بالتفصيل في إجاباتنا على الأسئلة المختصّة في هذا الموضوع .
وأمّا تبريرات أهل السنّة فإنّها مردودة جملةً وتفصيلاً ، لأنّهم لو اعتمدوا في هذه المسألة على مصادرهم ، لشاهدوا بوضوح أنّ القضية عكسية تماماً ، لأنّ الموجود في مصادرهم الناقلة للقضية أنّ المسألة جنسية ، مع نوع من الاستهتار الذي لا يليق بأدنى الطبقات من المعتوهين ، فكيف بخليفة المسلمين على حدّ تعبيرهم ؟
وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول : الضمير في : ( ما ليس فيه فليس بصحيح ) يعود إلى مسند أحمد ، حيث أنّ أحمد وجمع من اتباعه يعتقدون بأنّ ما ليس في الصحيحين ولا في مسند أحمد فليس بصحيح ، وخبر تزويج أُمّ كلثوم لم يخرّجه أحمد في مسنده ، وليس في الصحيحين ، إذاً فليس الخبر
|
الصفحة 142 |
|
بصحيح على مبنى من يعتقد بهذا الاعتقاد .
وبالنسبة إلى السؤال الثالث نقول : معنى العبارة هكذا : بالإضافة إلى هذا ـ أي : أنّ خبر التزويج لم يخرّج في المسانيد المعتبرة ـ فإنّ جميع أسانيد خبر التزويج ساقطة عن الاعتبار والحجّية ، بسبب أنّ رواته إمّا مولى عمر ، وإمّا قاضي الزبير ، وإمّا قاتل عمّار ـ ومن يقتل عمّار هل يتوقّع منه الصدق في نقل الخبر ؟ ـ ومن رواته أيضاً : من باع دينه وآخرته للحكّام الأُمويين .
إذاً ، فرجال أسانيد الخبر بين كذّاب ووضّاع ، وضعيف ومدلّس ، وعليه فلا يصحّ الاحتجاج بخبر التزويج ، ولا يصحّ الركون إليه ، وهذه النتيجة أعترف بها نفس علماء أهل السنّة .
وبالنسبة إلى السؤال الرابع نقول : ورد الخبر في كتبنا بأسانيد معتبرة ، ولكن ورد معتبراً بهذا المقدار : أنّ عمر خطب أُمّ كلثوم من الإمام علي (عليه السلام) ، وعلي اعتذر بأنّها صبية وبأعذار أُخرى ، فلم يفد اعتذاره ، فهدّده عمر بعدّة تهديدات ـ أشار الإمام الصادق (عليه السلام) إلى هذا التهديد بقوله : ( ذلك فرج غُصب منّا ) ـ إلى أن اضطرّ الإمام (عليه السلام) فأوكل أمر التزويج إلى عمّه العباس ، فزوّجها العباس ، وانتقلت أُمّ كلثوم إلى دار عمر ، وبعد موت عمر أخذ الإمام علي (عليه السلام) بيد أُمّ كلثوم ، وانطلق بها إلى بيته (1) .
أمّا هل أنّ عمر دخل بها أم لا ؟ أو كان له منها ولد أو أولاد أم لا ؟ فلا دلالة على ذلك في رواياتنا ، وأيّد الزرقانيّ المالكيّ هذا المطلب بقوله : ( وأُمّ كلثوم زوج عمر بن الخطّاب ، ومات عنها قبل بلوغها ) (2) .
وعلى كلّ حال ، فالمسألة في غاية الغموض والتضارب ، بل والتناقض ، ممّا يجعلنا نعطي بعض الحقّ لمن شكّك في أصل الواقعة ، ونفاها من أساسها .
____________
1- الكافي 5 / 346 و 6 / 115 .
2- شرح المواهب اللدنية 7 / 9 .
|
الصفحة 143 |
|
( علوية الموسويّ . عمان . 31 سنة . طالبة جامعة )
زواج أُم كلثوم وقبرها وسيرتها :
السؤال : قرأت بعض الكتب حول نساء لأهل البيت ، وبعضهم يشكّك في مصداقية وجود السيّدة أُمّ كلثوم ، والبعض يقول : أنّ اسمها زينب الصغرى ، وآخر يقول : أنّ السيّدة زينب كانت تكنّى بأُمّ كلثوم ، ولا توجد سيّدة أُخرى ، وإن وجدت فما هي سيرتها ؟ ومن تزوّجت ؟ ومن هم أبناؤها ؟ وأين قبرها الآن ؟
الجواب : هناك رأيان في السيّدة أُمّ كلثوم بنت الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) :
1ـ أنّ لفاطمة الزهراء (عليها السلام) بنتاً واحدة لا أكثر ، تسمّى بالسيّدة زينب (عليها السلام) وتكنّى بأُمّ كلثوم .
2ـ أنّ لفاطمة الزهراء (عليها السلام) بنتان لا بنتاً واحدة .
أحدهما : تسمّى بزينب (عليها السلام) ، أو تسمّى بزينب الكبرى .
وثانيهما : تسمّى بأُمّ كلثوم ، أو تسمّى بزينب الصغرى ، وتكنّى بأُمّ كلثوم ، والرأي الثاني هو المشهور عند علمائنا .
وعلى هذا الرأي الثاني ، فهل تزوّجها عمر بن الخطّاب أم لا ؟ الرأي المشهور عند علمائنا ، أنّه قد تمّ زواجها من عمر على سبيل الجبر والقهر ، ولكن عمر مات قبل أن يدخل بها ، وعليه فليس لها ولد منه .
وأمّا بالنسبة إلى قبرها ، فقيل : أنّها توفّيت في المدينة بعد رجوعها من السبي بمدّة يسيرة ، ودفنت في المدينة ، وقيل : أنّها دفنت في الشام .
وأمّا بالنسبة إلى سيرتها ، فقد شهدت مأساة كربلاء مع أختها السيّدة زينب (عليها السلام) ، ورافقتها من البداية وحتّى النهاية ، واسمها يلمع دائماً في الحديث عن كربلاء ، وما تلاها من المشاهد .
جاء في خبر وداع الإمام الحسين للعائلة : أنّه (عليه السلام) أقبل على أُمّ كلثوم وقال لها : ( أُوصيك يا أُخية بنفسي خيراً ، وإنّي بارز إلى هؤلاء ) .
واستغاث الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء ، فخرج الإمام زين العابدين (عليه السلام)
|
الصفحة 144 |
|
من الخيام وبيده عصا يتوكّأ عليها ، وسيفاً يجرّه في الأرض ، فخرجت أُمّ كلثوم خلفه تنادي : يا بني أرجع ، وهو يقول : ( يا عمّتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله ) ، فقال الحسين (عليه السلام) : ( يا أُمّ كلثوم خذيه لئلاّ تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ) (1) .
دخلت أُمّ كلثوم الكوفة في عهد أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن جعلها عاصمة دولته ، فكانت في نظر أهلها ابنة قائد المسلمين وأميرهم .
ودخلتها بعد واقعة كربلاء أسيرة ، ليس معها من يحميها ، اشتدّ على أُمّ كلثوم الحزن ، وأقض بها المصاب ، وهي تشاهد الموكب الحزين ـ موكب أسرى آل محمّد ـ وزاد في ألمها أن تجد أهل الكوفة ، يناولون الأطفال بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم : ( يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام )؛ وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض (2) .
ثمّ انفجرت بخطبتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت : ( يا أهل الكوفة سوأة لكم ، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ، فتباً لكم وسحقا ... ، قتلتم خير رجالات بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ونزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا إنّ حزب الله هم الفائزون ، وحزب الشيطان هم الخاسرون ... ) (3) .
( سالم عبد الله . مصر . سنّي . 40 سنة . طالب جامعة )
السؤال : الردّ على موضوع أُمّ كلثوم لا داعي للتشكيك ، فالأمر أهون ممّا
____________
1- بحار الأنوار 45 / 46 .
2- ينابيع المودّة 3 / 86 .
3- بحار الأنوار 45 / 112 .
|
الصفحة 145 |
|
نتخيّل ، ولما الغرابة من زواج أمير المؤمنين منها ؟ وهو يطمح بنسب رسول الله ، ولا نعبأ بم أثير ، فإنّه من نزغ الشيطان ، حتّى لو سلّمنا للشيعة بما يقولون ، ربّنا يقول : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ } (1) ، وعمر خدم الإسلام ، وقدّم الكثير ، فماذا فعلنا نحن ؟!
الجواب : إنّ الذي يدعونا إلى التدقيق في موضوع زواج أُمّ كلثوم اعتباركم ذلك الزواج فضيلة لعمر ، تبنون عليها أحقيّته في أفعاله ، وقربه من بيت الرسول ، وهذا يخالف الحقيقة .
وإنّما لا يكون هناك داع للبحث إذا أظهرتم الوجه الحقيقيّ لذلك الزواج ، الذي قلنا أنّه إن ثبت فهو مثلبة ومنقصة له ، وليس له أيّ فضيلة بذلك ، ولأنّكم تبنون على ذلك الزواج الكثير ، وتتغافلون عن استياء أهل البيت (عليهم السلام) وغضبهم على أُولئك النفر الحاصل انحراف هذه الأُمّة بسببهم ، لذلك من حقّنا إزالة كلّ الشبهات التي تضعونها لمحو مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) .
ثمّ إنّ الطموح في الارتباط بنسب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابدّ أن يكون من الطريق الذي يرضي آل الرسول (صلى الله عليه وآله) لكي يرضي الله ورسوله ، وإلاّ فما الفائدة لذلك الرجل وهو داخل في عداء مع الرسول وآله ؟ ويوقع الزواج تحت وطأت التهديد والوعيد .
وإنّ اعتبارك كلّ الأدلّة السابقة التي ذكرناها في الموقع ، وأقوال علمائكم وعلماءنا من نزغ الشيطان تجاوز غير علميّ .
ثمّ إنّك إن سلّمت لنا بما نقول ، يلزمك أن تعتبر صاحبك فاسقاً فاجراً ، ويلزمك حتّى لا تكتسب مثل ما اكتسب هو ومن معه أن تخرج عن طريقتهم ، وتبحث عن طريق آخر يجعلك مؤمناً متقياً موالياً لأولياء الله ، معادياً لأعداء الله .
ثمّ أنّك تستشهد بالآية القرآنيّة ولا ترتّب آثاراً عليها ، ومعنى كلامك أنّه
____________
1- البقرة : 134 .
|
الصفحة 146 |
|
حتّى لو كان عمر ممّن اخطأ في تصرّفه فأنت وغيرك في هذا الزمن لا يحاسب على ما فعل عمر ، ونحن نوافقك على ذلك إن كان تصرّفك يغاير تصرّفات عمر الخاطئة ، فعليك أن تبحث عن تلك التصرّفات وتتجنّبها حتّى يكون ما تكتسب غير ما اكتسب ، وتكون مصداقاً للآية .
ثمّ إنّ أيّ خدمة تدّعيها لخليفتك سواء كانت للإسلام أو للبشرية أو لغيرهما ، فإنّ صاحبك مأثوم عليها ، لأنّها جاءت باغتصاب منصب ما وضعه الله فيه .
وأنت وغيرك لم يفعل شيئاً ، لأنّكم ابتعدتم عن المنهج الصحيح ، فعليكم البحث عن الحقّ الضائع ، والله يهدي ما يشاء إلى صراط مستقيم .
|
الصفحة 147 |
|
التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان :
( ... . السعودية . ... )