لم يسم الشيعة أبناءها بهذه الأسماء :
السؤال : الإخوة في المركز العقائديّ ، مع احترامي الوافر لكم ، أُعلمكم بأنّني ممّن يتابعون موقعكم هذا باستمرار ، وقد تعرّفت على الكثير من الحقائق ، وبقيت مسألة تسمية علي بن أبي طالب أولاده بأسماء الخلفاء لم أستطع هضمها ، ولم لم يسمّي الشيعة أولادهم بهذه الأسماء ؟ مع أنّ إمامهم سمّى أولاده بها ، وذلك تسمية بأسماء الخلفاء ؟
الجواب : قد ذكرنا في الإجابات السابقة التفصيل حول هذه المسألة ، ونذكرها مرّة أُخرى بصياغة جديدة ، ومطالب أُخرى ، وذلك لأهمّية الموضوع ، فنقول : تسمية أيّ إنسان ولده باسم ما ، يكون لأحد أمرين :
الأوّل : حبّه لشخص معيّن ، فيحبّ أن يبقي ذكره بتسمية ابنه به ، كما في تسمية الإنسان ابنه باسم أبيه ، أو أيّ آخر عزيز عليه ، ومن هذا القبيل تسمية كثير من الشيعة أولادهم باسم محمّد ، وعلي ، ومرتضى ، وحسن ، وحسين .
الثاني : علاقته بذلك الاسم ، مع غض النظر عمّن تسمّى به ، ولو كان عدّواً ، فمثلاً : يسمّي ابنه بـ ( أنور ) ، لا حبّاً في أنور السادات ، ويسمّي ابنته جيهان ، لا حبّاً في زوجة السادات ، بل لميله إلى هذا الاسم .
ومن هذا القبيل تسمية كثير من الشيعة أولادهم باسم خالد أو سعد ، مع أنّ موقفهم معروف من خالد بن الوليد ، وسعد بن أبي وقّاص ، وبالتالي فلا يعني
|
الصفحة 152 |
|
التسمية باسم معيّن حبّ ذلك الشخص بالضرورة ، لأنّ الأمر دائر بين احتمالين، وهما : أن تكون التسمية من أجل حبّ الشخص المتسمّى به ، أو أن تكون لحبّ الاسم .
ولا يوجد دليل على أيّ من الأمرين ، حتّى نلتزم بأنّ التسمية كانت للحبّ ، والترجيح بلا مرجّح قبيح ، كما يقولون في علم الكلام .
فمن أين للمدّعي أن يثبت أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سمّى ولده أبا بكر حبّاً لأبي بكر ، وسمّى ابنه عمر حبّاً لعمر ، وسمّى ابنه عثمان حبّاً لعثمان ؟
هذا ، ولم يثبت أنّ تسمية أمير المؤمنين (عليه السلام) أولاده كانت بترتيب الخلفاء ، فالمعروف أنّ عثمان بن علي الشهيد بكربلاء ، هو من ولد فاطمة بنت حزام الكلابية المعروفة بأُمّ البنين ، وهو أخ العباس (عليه السلام) .
وأبو بكر الشهيد بكربلاء ، هو من ولد ليلى بنت مسعود الدارمية ، وقد أكّد الشيخ المفيد في ( الإرشاد ) (1) : أنّ أبا بكر هي كنيته لا اسمه ، أمّا اسمه فهو محمّد الأصغر ، وأمّا عمر بن علي ، فأُمّه أُمّ حبيبة بنت ربيعة .
فلا يوجد أيّ دليل على أنّ التسمية كانت بالترتيب ، ليوافق ترتيب الخلفاء ، لو قبلنا أنّ اسم محمّد الأصغر بن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو أبو بكر ، لا أنّ هذا كنيته .
ثمّ أنّ أبا الفرج الأصفهاني نقل في مقاتل الطالبيين : أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في ابنه عثمان : ( إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون ) (2) .
فهنا تصريح أنّ التسمية لم تكن لأجل عثمان بن عفّان .
فهل يوجد دليل على أنّ تسمية أمير المؤمنين (عليه السلام) أبناءه باسم أبي بكر وعمر كان لتعظيم شأن أبي بكر وعمر ؟ مع أنّ التاريخ ينقل وجود أفراد كانوا بنفس أسمائهما :
____________
1- الإرشاد 1 / 354 .
2- مقاتل الطالبيين : 55 .
|
الصفحة 153 |
|
فقد نقل ابن الأثير في أُسد الغابة : أنّ هناك ثلاثة وعشرين صحابياً باسم عمر ، سوى عمر بن الخطّاب ، ومنهم : عمر بن أبي سلمة القرشي .
وقد ذكر ابن الأثير في ترجمته (1) : ربيب رسول الله ، لأنّ أُمّه أُمّ سلمة زوج النبيّ ، وشهد مع علي الجمل ، واستعمله على البحرين ، وعلى فارس .
فلماذا لا يكون هو المقصود مثلاً ؟ إذا كنتم مصرّين على ضرورة الأخذ بالأمر الأوّل في التسمية ـ أي ضرورة وجود علاقة ومحبّة لصاحب الاسم ـ .
وهل هناك دليل على أنّ عمر بن الخطّاب هو المقصود ؟
أمّا التسمية بأبي بكر فأوّلاً : لم يعلم أنّ أبا بكر هو اسمه ، قال ابن الأثير بعد أن عنونه باسم عبد الله بن عثمان : أبو بكر الصدّيق ، وقد اختلف في اسمه ، فقيل : كان عبد الكعبة ، فسمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبد الله .
وقيل : إنّ أهله سمّوه عبد الله ، ويقال له عتيق أيضاً .
كما أنّ ابن الأثير نقل في باب الكنى عن الحافظ أبي مسعود : أنّ هناك صحابياً آخر اسمه أبو بكر .
وذكر الشيخ المفيد في ( الإرشاد ) (2) : أنّ أحد أولاد الإمام الحسن (عليه السلام) كان اسمه عمرو ، فهل سمّاه تيمّناً باسم عمرو بن ودّ ، أم عمرو بن هشام أبي جهل لعنهما الله ؟
وأمّا : لماذا لا تسمّي الشيعة بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان ؟
فالجواب هو : أنّ كثيراً من الشيعة سمّوا بهذه الأسماء اقتداء بأمير المؤمنين ، لا بعمر بن الخطّاب ، وأبي بكر ، وعثمان بن عفّان .
ومن جملة أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) الثقات :
____________
1- أُسد الغابة 4 / 79 .
2- الإرشاد 2 / 20 .
|
الصفحة 154 |
|
أبو بكر الحضرمي ، عمر بن أذينة ، عمر بن أبي شعبة الحلبي ، عمر بن أبي زياد ، عمر بن أبان الكلبي ، عمر بن يزيد بياع السابري ، عثمان بن سعيد العمري .
بل إنّ في الثقات من أصحاب الأئمّة من كان اسمه معاوية ويزيد ، مثل : معاوية بن عمّار ، ومعاوية بن وهب ، ويزيد بن سليط .
ولم نسمع أنّ الأئمّة نهوا عن التسمية بتلك الأسماء ، نعم ورد النهي على نحو الكراهة التسمية بخالد، وحارث ، ومالك ، وحكيم ، والحكم ، وضريس، وحرب ، وظالم ، وضرار ، ومرّة ، واستحباب التسمية بما فيه عبودية الله ، مثل : عبد الله ، وعبد الرحمن ، والتسمية بأسماء الأنبياء ، وبالأخصّ اسم نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وأسماء الأئمّة ، وبالأخص اسم علي (عليه السلام) ، والتسمية باسم أحمد ، وطالب ، وحمزة .
وقد يقال : إذاً لماذا لا تسمّون الآن أبناءكم باسم أبي بكر وعمر ؟
فالجواب هو : أنّ النصّ الوارد هو استحباب التسمية باسم النبيّ ، والأئمّة والأنبياء ، والاسم الذي فيه العبودية لله ، وهذا ما نراه بوضوح في أسماء أغلب الشيعة اليوم .
ومن لا يسمّي بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان فهو بالخيار ، وقد يتعمّد في عدم الذكر ، لأنّ حقائق الأُمور في أزمنة الأئمّة الأوائل ـ كأمير المؤمنين والسبطين (عليهم السلام) ـ كانت أكثر وضوحاً ، فمن السهولة أن يعرف الإنسان موقفهما من الشيخين وعثمان ، وبالتالي يعرف أنّ وجه التسمية لا تعود إلى حبّهم للشيخين وعثمان ، بل لأنّهم كانوا يحبّون هذه الأسماء ، أو يحبّون بعض الصالحين المنطبقة عليهم من غير الخلفاء الثلاثة ، كعثمان بن مظعون .
أمّا في هذا الزمان ، فقد يختلط الأمر على البعض ، كما اختلط مثلاً على البعض هنا ، الذين يظنّون أنّ اسم أبي بكر يراد منه أبو بكر فقط ، وكذلك البقية ! ولهذا السبب لا تسمّي أكثر الشيعة أولادهم بأسماء الخلفاء الثلاثة ،
|
الصفحة 155 |
|
حتّى لا يحصل توهّم في هذا الأمر ، وخصوصاً أنّ القضية ليست محصورة ، فإمّا أن تختار أسماء هؤلاء ، وإلاّ فأنت لست من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) !!
( مروة . مصر . ... )
تعليق على الجواب السابق وجوابه :
السؤال : ردّك غير منطقيّ ، على فرض أنّ كلامك صحيح ، خلاص ضاقت الدنيا بالإمام ، فسمّى أولاده بمن اغتصبوا منه الخلافة ؟
أنا لو إبراهيم اغتصب حقّي قطعاً ، لن اسمّي ابني إبراهيم ، إلاّ إذا كان هذا الولد ولد قبل اغتصاب حقّي ، فهذا شيء آخر .
الجواب : إنّكِ تريدين أن تقولي : أنّ الإمام علي (عليه السلام) وبقية الأئمّة مثل باقي الناس ، إذا أُغتصب حقّهم فإنّهم سوف يحملون من الحقد ما لا يستطيعون بعدها من التعامل مع الخصم ، إلاّ بالكراهية والضغينة والتنفّر من كلّ ما يتعلّق بالخصم حتّى الاسم ، ولكن هذا غير صحيح في حقّ الإمام (عليه السلام) .
فأنت مثلاً : قد لا تطيقين النظر في وجه خصمك ، لكن الإمام (عليه السلام) قد تعامل مع أشدّ أعدائه بمنتهى اللين والمجادلة ، بالتي هي أحسن .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( مروءتنا أهل البيت العفو عمّن ظلمنا ، وإعطاء من حرمنا ) (1) ، فنحن يجب أن لا تقارن تصرّفاتنا مع تصرّفاتهم ، فهم أعلى مقاماً ، وأرفع شأناً ، وهدفهم الأوّل والأخير الهداية ، فهم الذين اذهب الله عنهم الرجس ، وطهّرهم تطهيراً .
____________
1- تحف العقول : 38 .
|
الصفحة 156 |
|
( عبد النبيّ الخاجة . البحرين . ... )