معالجة ما يعارضها في صحيحة زرارة :
السؤال : ذكر الشيخ السبحانيّ في المسح على الخفّين على ضوء الكتاب والسنّة :
1ـ روى الشيخ الطوسيّ في التهذيب بسند صحيح عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : هل في مسح الخفّين تقيّة ؟ فقال : ( ثلاثة لا أتقيّ منهن أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفّين ، ومتعة الحجّ ) (1) .
ووجدت في العروة الوثقى : ( يجوز المسح على الحائل ـ كالقناع والخف والجورب ونحوها ـ في حالة الضرورة من تقيّة ، أو برد يخاف منه على رجله ... ) (2) .
والسؤال هو : أنّ في الحديث يقول الإمام بعدم جواز التقيّة في المسح على الخفّ ، وفي المسألة عكس ذلك ؟ ودمتم موفّقين .
الجواب : الأحكام الفقهيّة لا تستنبط عادةً من رواية واحدة وإن كانت صحيحة ،
____________
1- تهذيب الأحكام 1 / 362 .
2- العروة الوثقى : 69 .
|
الصفحة 191 |
|
بل من مجموع النصوص الواردة في المسألة ، أي يجب على الفقيه أن يتتبّع كافّة الأحاديث المتعلّقة بالموضوع ، ثمّ يميّز المعتبر منها ، ويرى وجه الجمع بينها إن كانت متعارضة من حيث الدلالة ، ثمّ يخرج بالنتيجة التي تعتبر فتواه .
فلربما حديث صحيح سنداً ، ولكن لا يمكن الاعتماد عليه بسبب معارضته بمثله مدلولاً ، فيطرح في مقام الاستدلال .
وفي موضوع السؤال : وردت روايات كثيرة ـ فيها معتبرات ـ على جواز أو وجوب التقيّة مطلقاً ـ أي في كافّة الموارد ـ فيتعارض إطلاق هذه الأخبار مع صحيحة زرارة .
وفي هذا المقام ذكر الفقهاء عدّة وجوه للجمع بين الطرفين :
منها : أنّ صحيحة زرارة تحمل على نفي وجوب التقيّة في تلك الموارد ، والأخبار المطلقة تنصرف إلى جواز التقيّة من دون وجوب ؛ فتكون التقيّة في هذه الموارد الثلاث جائزة ، وفي غيرها واجبة .
ولعله مراد زرارة حيث علّق في ذيل الصحيحة المذكورة فقال : ولم يقل (عليه السلام) : الواجب عليكم أن لا تتّقوا فيهن أحداً .
منها : المراد من نفي التقيّة في هذه الموارد المذكورة ، نفيها موضوعاً لا حكماً ؛ أي لا فرض للتقيّة غالباً في تلك الموارد ، لاختلاف مذاهب المخالفين فيها ، فلا يكون في ترك المسح على الخفّين خوف الضرر .
وبعبارة أُخرى : بما أنّ غير الشيعة يختلفون في هذه المسألة ، فتوجد هناك مندوحة ورخصة عملية في ترك المسح على الخفّ ، بل المسح على البشرة ، فإن اطلع على هذا العمل أحد منهم ، يتوهّم أنّه على مذهب من مذاهبهم .
|
الصفحة 192 |
|
( ... . أمريكا . ... )
السؤال : أُودّ أن أشكركم على الجهود التي تبذلونها لوجه الله تعالى في الردّ على بعض الشبهات ، التي نقابلها من بعض الجماعة الذين عندهم حبّ استطلاع عن مذهب آل البيت (عليهم السلام) ، ماذا يكون ردّنا على هؤلاء ، من يقول بأنّ الشيعة تختلف عن بقية المذاهب في الصلاة ، حيث أنّ الشيعة يسبلون وغيرهم يتكتّف، أو يشبك اليدين عند القيام ، وجزاكم الله عنّا خيراً .
الجواب : الإسبال عندنا في الصلاة واجب ، لورود مجموعة من الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) .
وأمّا التكتّف في الصلاة ـ أو ما يسمّى التكفير ـ فالظاهر أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي أحدثه ، كما جاء في جواهر الكلام : ( حكي عن عمر لمّا جيء بأُسارى العجم كفّروا أمامه ، فسأل عن ذلك ، فأجابوه : بأنّا نستعمله خضوعاً وتواضعاً لملوكنا ، فاستحسن هو فعله مع الله تعالى في الصلاة ، وغفل عن قبح التشبيه بالمجوس في الشرع ) (1) .
ولابدّ لهذه الحكاية المنقولة من وجه ، مع النظر إلى إنكار المالكيّة وجوبه، بل وترى كراهيّته في الفرائض (2) ، خصوصاً أنّ الشافعيّ وأبا حنيفة ، وسفيان وأحمد بن حنبل ، وأبا ثور وداود ، كانوا يذهبون إلى استحبابه لا
____________
1- جواهر الكلام 11 / 19 .
2- أُنظر : المدونة الكبرى 1 / 74 ، بداية المجتهد 1 / 112 ، المجموع 3 / 311 ، نيل الأوطار 2 / 200 ، المغني لابن قدامة 1 / 513 ، المبسوط للسرخسيّ 1 / 20 .
|
الصفحة 193 |
|
وجوبه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الإسبال (1) .
وعلى الأخصّ ذكر ابن أبي شيبة : ( أنّ الحسن والمغيرة ، وابن الزبير ، وابن سيرين ، وابن المسيّب ، وسعيد بن جبير ، والنخعي كانوا يرسلون أيديهم في الصلاة ، ولا يضعون إحداهما على الأُخرى ، بل كان بعضهم يمنع وينكر على فاعله ) (2) .
ومع هذا الاختلاف الواسع في حكمه ـ مع أنّ كيفية صلاة النبيّ (صلى الله عليه وآله) كانت بمرأى ومنظر الصحابة كلّهم ـ هل يعقل أن يكون من السنّة ؟! فالإنصاف أن نحكم بأنّه بدعة ابتدع في زمن ما ، خصوصاً بالنظر إلى الروايات المذكورة في كتب الشيعة ، بأنّ هذا كان من فعل المجوس ، وأهل الكتاب (3) .
ولا يخفى على المتّتبع : أنّ دخول الفرس المجوس كأُسارى إلى المدينة ، واختلاطهم بالمسلمين كان على عهد عمر ، فلا يبعد أن تكون هذه البدعة قد حدثت في خلافته ، ولم يردعهم هو عن ذلك ، بل وعمل بها ، فأصبحت سنّة متخذّة عندهم .
( ... . ... . ... )
ردّ أدلّة أهل السنّة في استحبابه :
السؤال : هل توجد أدلّة نقلية ، وخاصّة من الكتب السنّية ـ مثل البخاريّ أو مسلم أو غيره ـ تثبت أنّ رسول الله لم يصلّي متكتّفاً بل صلّى مسبلاً ، لأنّه تسبّب لي بعض المضايقات ، حيث يسألوني بعض الأصدقاء : لماذا أخالفهم في الصلاة ؟ وبأنّ الرسول كان يصلّي متكتّفاً ، ولم يصلّي يوماً مسبلاً ،
____________
1- فتح الباري 2 / 186 .
2- المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 428 ، المجموع 3 / 311 ، المغني لابن قدامة 1 / 513 ، الشرح الكبير 1 / 514 ، عمدة القارئ 5 / 407 .
3- الكافي 3 / 299 ، دعائم الإسلام 1 / 159 ، علل الشرائع 2 / 358 .
|
الصفحة 194 |
|
ودمتم في رعاية الله وحفظه .
الجواب : وردت روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) تنهى عن التكتّف في الصلاة ، ولهذا حكم فقهاؤنا ببطلان الصلاة به ، وللوقوف على بعض تلك الروايات ، راجع كتاب وسائل الشيعة للشيخ الحرّ العامليّ / كتاب الصلاة / باب 15 من قواطع الصلاة ح 1 ـ ح 7 .
فإنّه ورد لا تكفّر ، فإنّما يفعل ذلك المجوس . والتكتّف في الصلاة عمل ، وليس في الصلاة عمل .
ولو كان التكتّف ثابتاً عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) لشاع واشتهر ، إذ أنّ الصلاة تؤدّى في كلّ يوم خمس مرّات كفرض ، ما عدا المندوب .
هذا ويرى مالك عدم وجوب التكتّف ، بل يرى كراهيته في الفرائض (1) .
ويرى الشافعيّ وأبو حنيفة ، وسفيان وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور وداود إلى استحباب التكتّف لا وجوبه ، وهذا دليل على أنّ التكتّف ليس من واجبات الصلاة فيجوز تركه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الإسبال (2) .
ثمّ إنّ حجّة الجمهور في استحباب التكتّف هو أوّلاً : حديث وائل بن حجر ـ الذي انفرد به مسلم في صحيحه ـ أنّه رأى النبيّ رفع يديه حين دخل في الصلاة كبّر ثمّ التحف بثوبه ، ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى ، فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ، ثمّ رفعهما ، ثمّ كبّر فركع ... (3) .
وفيه : أوّلاً : كيف رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله) واضعاً يده اليمنى على اليسرى بعدما التحف بثوبه ؟
وثانياً : رؤية النبيّ (صلى الله عليه وآله) واضعاً يده اليمنى على اليسرى لا تدلّ على استحباب العمل ـ كما هم يزعمون ـ بل تدلّ على جواز العمل .
____________
1- المغني لابن قدامة 1 / 513 ، المجموع 3 / 311 .
2- فتح الباري 2 / 186 .
3- صحيح مسلم 2 / 13 .
|
الصفحة 195 |
|
والحجّة الثانية هو : حديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة . قال أبو حازم: لا أعلمه إلاّ ينمى ذلك إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، قال إسماعيل : يُنمى ذلك ، ولم يقل : ينمي (1) .
وفيه : ما هو الدليل على أنّ الآمر هو النبيّ (صلى الله عليه وآله) ؟ بل نفس الأمر شاهد على أنّه أمر طارئ وحادث لم يكن في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وإلاّ فلا يحتاج إلى الأمر به ، لأنّ رؤية صلاته (صلى الله عليه وآله) كانت كافية على الأمر به ، وإذا كان هو أمر حادث بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) فيكون بدعة ، ولا يجوز العمل به ، أو لا أقلّ التجنّب عنه عملاً بالاحتياط .
( ... . مصر . 23 سنة )