الفصل الثالث
مقارنة بين المنهج الإسلامي والمنهج المادي
في بناء الاُسرة
إذا أمعنا النظر إلى المنهج الإسلامي في بناء الاُسرة وعقدنا مقارنة بينه وبين المنهج المادي ، نستطيع أن نستخلص عدة فروق جوهرية بين المنهجين ، من حيث طبيعة كل منهج والخصائص التي يتصف بها ، والآثار الناجمة عنه ، وهي قضية جديرة بالاهتمام والدراسة حتى يزول الغبش عن عيون الذين انبهروا بمناهج الغرب واخذوا يسيرون في ركبه ولو على حساب دينهم وقيمهم ، ويضيق المجال هنا عن الغوص في التفاصيل ، وحسبنا أن نستعرض الخطوط العامة الفاصلة بين المنهجين ، والتي تتمثل بالنقاط التالية :
أولاً : الصبغة الدينية :
لاشكّ بأنّ الصبغة الدينية هي من أبرز ما يتميز به المنهج الإسلامي في مجال الاُسرة ، فمن المعلوم أن التشريع الإسلامي ـ عموماً ـ وما يتعلق منه بالاُسرة على وجه الخصوص إلهي المصدر ويتمثل بالوحي ، أما المنهج المادي فهو من صنع البشر أنفسهم ، الذين لايمكنهم الانسلاخ عن طبائعهم البشرية ، وعليه
( 80 )
فهو يعكس مصالحهم ، وينسجم مع أهوائهم وشهواتهم ، ويكون ـ في غالب الأحيان ـ قاصراً وعرضة للتبدل الدائم.
ولما كان الدين يشكل قطب الرحى في توجهات الإسلام الاجتماعية نجد التأكيد على التماثل الديني بين الزوجين عند تكوين الاُسرة. فالإسلام ـ كما هو معلوم ـ يُحرّم زواج المسلمين من عبدة الأوثان والأصنام من أتباع الديانات الوضعية ، أي الذين يعبدون الشمس والقمر والأشجار وما إلى ذلك ، فكل هؤلاء أشركوا مع الله إلهاً سواه ، قال تعالى : ( وَلأ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأََمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أعْجَبَتْكُمْ وَلأ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا.. ) (1).
فلم يبح الإسلام زواج المسلم من مشركة ؛ لأن الزواج سكينة ومودة ، ولا يمكن أن يتحققا مع الاختلاف الشاسع في الاعتقاد ، ثم إن هكذا زواج سوف يؤثر على دين الأولاد ، الذين هم مسلمون تبعاً لأبيهم ولكن وجودهم بجنب أُمهم المشركة سوف يؤدّي إلى زعزعة عقائدهم وقيمهم.
من جانب آخر لا يسمح الإسلام للمسلمة بالزواج من غير المسلم حتى ولو كان من أهل الكتاب ، وذلك لأنّ الزواج يقتضي قيمومة الرجل على زوجته ، ولا يجوز شرعاً أن يكون للرجل الكافر سلطان على المرأة المسلمة ، لقوله تعالى : ( ..وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (2).
واللافت للنظر أن الإسلام يجوّز للرجل الزواج من الكتابية ـ على الرأي القائل بجوازه ـ وذلك لأنّ المرأة غالباً ما تتأثر بأدب زوجها وديانته ، ولو أنّ
____________
1) سورة البقرة : 2 | 221.
2) سورة النساء : 4 | 141.
( 81 )
المرأة غير المسلمة طعنت في دين زوجها المسلم ، فإنه يستطيع الدفاع عن دينه بما له من قيمومة ، وبإمكانه أن يتخلّص منها بالطلاق الذي هو في عصمته.
وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام : « تزوّجوا في الشّكاك ولاتزوّجوهم ؛ لأنّ المرأة تأخذ من أدب الرّجل ويقهرها على دينه » (1).
وينبغي الإشارة إلى أن الزواج القائم على الدين يزداد قوّة ومنعة بمرور الزمان ، فحين تضعف أو تخمد فورة الشباب عند أحد الزوجين أو كليهما أو حين تعصف أعاصير المشاكل في عشّ الزوجية ، يبرز عنصر الدين ويساهم في بقاء الحب ودوام المودة.
على هذا الصعيد نجد أن التزام المنهج الاسلامي بالصبغة الدينية يجعل من الجزاء المترتب على مخالفة التشريع الإسلامي دنيوياً واُخروياً معاً ، بينما نجد أنّ الجزاء في التشريع الوضعي يكون دنيوياً ، وعلى ضوء هذا الفارق في الجزاء بين المنهجين نجد أن خضوع الإنسان للقانون الوضعي على نحو قهري في الغالب ، لذا يحاول هذا الإنسان الإفلات منه بشتى الأساليب وخصوصاً إذا أمن العقاب.
أما خضوع الإنسان المسلم للتشريع السماوي فيكون على الأغلب اختيارياً وطوعياً ؛ لأنّه نابع من خوف العقاب الاُخروي.
جاء في صحيح مسلم : « إنّ امرأة أتت نبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي حُبلى من الزنا ، فقالت : يا نبي الله أصبت حدّاً فأقمه عليَّ ! فدعا نبيّ الله وليّها ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « أحسن إليها ، فإذا وضعت فأتني بها ، ففعل ، فأمر بها نبيّ الله فشُكّت عليها ثيابها ، ثمّ أمر بها فرُجمت ، ثم صلّى عليها. فقال له عمر : تصلّي عليها يانبي الله
____________
1) بحار الأنوار 103 : 377 عن نوادر أحمد بن محمد.
( 82 )
وقد زنت؟! فقال صلى الله عليه وآله وسلم : لقد تابت توبة لو قسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى (1) ».
فهذه المرأة تشكل مصداقاً فريداً للتسليم الطوعي للمنهج الإلهي ، وهو أمر يفتقد إليه المنهج المادي حيث يسعى المجرمون للهروب من شباك القانون بشتى الحيل والسبل.
إن عنصر التقوى الذي يتصف به المنهج الإسلامي يشكّل الضمان الأكيد لحياة اُسرية سليمة تقوم على حسن العشرة بين أفراد الاُسرة إمّا خوفاً من العقاب أو رغبة في الثواب الاخرويين ، ولأجل ذلك كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ينصح الشباب المسلم أن لا يختاروا حسن وجه المرأة على حسن دينها (2) ، وكان أهل البيت عليهم السلام ينصحون الآباء بتزويج أبنائهم من المتدينين الأتقياء (3) ؛ لأنّ التدين والتقوى يردعان الإنسان عن الظلم ويسوقانه إلى مكارم الأخلاق وخصال الخير.
وفي مقابل ذلك نرى أن افتقار المنهج المادي للوازع الديني قد مزَّق الرباط الاُسري وأضعف المناعة النفسية لأفراد العائلة الغربية ، وعلى سبيل الاستشهاد تحدث الدكتور ( إمبروس كنج ) الطبيب الاستشاري في مستشفى لندن لبحوث الأمراض السارية بين الشباب البريطاني ، عن سلبيات المنهج العلماني الذي يدير ظهره للدين إنّ أكثرية الشعب في بريطانيا لا تؤمن بدين ، وأن الأسباب في المشكلة الاجتماعية الحاضرة هي رفض الأوضاع والمستويات التي
____________
1) صحيح مسلم 3 : 1324.
2) اُنظر : كنز العمال | المتقي الهندي 16 : 301 | 44590.
3) اُنظر : مكارم الاخلاق | الطبرسي : 204.
( 83 )
تفكر الهيئات الدينية في الاحتفاظ بها ، وأضاف : إنّ الذين نصبوا من أنفسهم رواداً للفكر العلماني أخفقوا في إعطاء بديل عن الأسس الدينية المحافظة على الاُسرة » (1).
وتكاد تجمع المراجع الاجتماعية على أن السبب الوحيد وراء تفكك الاُسرة هو ضعف التوجيه الديني ، وابتعاد البشرية عن تطبيق مبادىَ الدين ، وإزاء ذلك فقد أكد المؤتمر الدولي الأول لمكافحة الجريمة الذي انعقد في عام 1955م على ضرورة استخدام العقيدة الدينية كسلاح للحد من انتشار واستفحال ظاهرة الجريمة » (2).
مما تقدم تبين لنا بأن أهم ما يمتاز به المنهج الاسلامي بالمقارنة مع المنهج المادي أنّه ذو صبغة دينية.. : ( صِبغةَ اللهِ وَمَن أحسنُ مِنَ اللهِ صِبغةً... ) (3).
ثانياً : الصفة الأخلاقية :
يعتبر المنهج الإسلامي الأخلاق الفاضلة من الدعائم الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الفاضل ، وخاصة مجتمع الاُسرة ، ولهذا فهو يحرص أشد الحرص على صيانة الأخلاق وترسيخها والتصدي لكلِّ من يخل بها.
أما المنهج المادي فيكاد يهمل المسائل الأخلاقية ولا يعتني بها إلاّ إذا أصاب ضررها المباشر مصالح الأفراد أو أخل بالأمن والنظام العام.
فعلى سبيل المثال تعاقب الشريعة على جريمة الزنا في كلِّ الأحوال والصور ،
____________
1) كيف تسعد الحياة الزوجية | هادي المدرسي : 192.
2) اُنظر : دراسات معمقة في الفقه الجنائي المقارن | د. عبدالوهاب حومد : 50.
3) سورة البقرة : 2 | 138.
( 84 )
لكونها جريمة تمس الأخلاق ، وتتضمن اعتداءً على نظام الاُسرة الذي يشكّل حجر الزاوية في النظام الاجتماعي الإسلامي ، وعليه فهي تعاقب فاعله إذا أتى به في أي مكان ، ويعتبر في نظرها زانياً كل من يجتمع على فاحشة سواء كان محصناً أم غير محصن.
أما القانون الوضعي فلا يعتبر هذا الفعل الفاحش زنا إلاّ إذا وقع في منزل الزوجة (1).
لذلك من الممكن القول أن التفسير الوحيد لموقف الشريعة المتشدد من الزنا ، هو قيام المنهج الإسلامي على قاعدة الأخلاق ، يقول الدكتور جبر محمود : « إنّ النظام الجنائي الإسلامي هو النظام القانوني الوحيد بين النظم القانونية المعروفة للعالم الحر الذي يعاقب على الزنا مجرداً عن أي اعتبار آخر ، وهو النظام القانوني الوحيد الذي لا يجعل لرضا الزانين أثراً أيّاً ما كان في العقوبة على فعليهما » (2).
وكان واضحاً من وراء ذلك حرص الإسلام على حماية الجانب الأخلاقي في كيان الاُسرة ، أما المنهج الغربي فلا يعبأ بهكذا نوع من الجرائم وأخذ يساير هذا الواقع الفاسد ويمنحه صفة قانونية ، « ففي عام 1975م عُدّل قانون العقوبات الفرنسي في موضوع الجرائم الأخلاقية ، وتبدّلت النظرة القانونية إلى زنا المتزوجين فاخرج من عداد الجرائم » (3).
كما وقد أخرج الشارع البريطاني اللِّواط من قائمة الأفعال المحرمة على الرغم
____________
1) اُنظر : اُصول النظام الجنائي الإسلامي | الدكتور محمد سليم العوا : 38.
2) الزنا : أحكامه ، أسبابه : 211.
3) دراسات معمقة في الفقه الجنائي المقارن | الدكتور عبدالوهاب حومد : 9 ، 11.
( 85 )
من كونه عملاً قبيحاً تحرّمه كافة شرائع السماء ، في حين أن القانون الفرنسي لا يعاقب من قديم على هذا الفعل.
ذلك أن المنهج المادي يرى أن الدين والأخلاق تشكّل قيوداً وعوائقاً أمام حرية الإنسان وخاصة الجنسية منها ، يقول فرويد : « إنّ الإنسان لا يُحقق ذاته بغير الاشباع الجنسي ، وكل قيد من دين أو أخلاق أو تقاليد هو قيد باطل ومُدمّر لطاقة الإنسان وهو كبت غير مشروع » (1).
ولا يخفى بان النتيجة المترتبة على انطلاق الغرائز وإباحة الجنس هي تهديم الأخلاق وتحطيم الاُسرة ، وهو أمر يُخطط له أعداء الدين والإنسانية من زمن بعيد ، فأحد بروتوكولات حكام صهيون يقول : «يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كلِّ مكان فتسهل سيطرتنا.. إنّ فرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدّسَ ، ويصبح همّهم الأكبر هو إرواء غرائزهم الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقهم » (2).
لقد بات واضحاً أن من أكبر الآثار المدمرة على الاُسرة هي أفكار فرويد الإباحية ، وقد كان الإنسان حين يقع في الإثم يشعر بالذنب وتأنيب الضمير ، فجاء فرويد يوحي إليه بأنه إنسان سوي ولا غبار عليه ، وأن الممارسة الجنس ولو بصورة غير شرعية هو عملية « بيولوجية » بحتة لا صلة له بالأخلاق ، وهكذا أسبغ على الفساد صبغة أخلاقية !
أما المنهج الإسلامي فإنّه يسير جنباً إلى جنب مع الأخلاق ، ويعتبر الدخول في عشّ الزوجية وتشكيل الاُسرة نقطة تحوّل نحو الأخلاق السامية ، وليس
____________
1) الإسلام والجنس | فتحي يكن : 18.
2) الإسلام والجنس : 19.
( 86 )
أدلّ على ذلك من قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « زوّجوا أياماكم فإنّ الله يُحسن لهم في أخلاقهم.. » (1).
ثالثاً : النظرة الواقعية :
إنّ المنهج الإسلامي ينسجم مع الفطرة البشرية ، ويراعي عوامل ضعف الإنسان وعناصر قوته.
وفيما يتعلق بنظام الاُسرة نجد أن التشريع المختص بالرّجل يختلف من أوجه عديدة عن التشريع الموضوع للمرأة ، ولم يأتِ هذا الاختلاف اعتباطاً أو على نحو الصدفة ، وإنّما يعكس ـ من الناحية الواقعية ـ طبيعة الدور الذي يؤديه كل واحد منهما في قيادة سفينة الاُسرة.
ويمكن للباحث أن يتلمّس السمة الواقعية التي تطبع المنهج الاُسري الإسلامي بالمقارنة مع المنهج المادي من خلال الفوارق التالية :
1 ـ قيمومة الرجل :
تبنّى الإسلام النظام الأبوي فمنح الرجل قيمومة على المرأة بعد أن ساوى بينهما في الحقوق والواجبات ، قال تعالى : ( .. وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (2).
ولم يمنح الإسلام الرجل الكلمة العليا في الاُسرة إلاّ بعد أن كلّفه بالانفاق على الزوجة وأطفالها وتوفير الرعاية والحماية لهم.
وبطبيعة الحال لا يستقيم مع مبدأ العدالة والانصاف أن يكلّف الرجل
____________
1) نوادر الراوندي : 36.
2) سورة البقرة : 2 | 228.
( 87 )
بالانفاق والحماية بدون أن يُمنح ميزة إضافية تمكنه من الإشراف على الاُسرة وإدارة شؤونها.
وقد أخذ التشريع بنظر الاعتبار طبيعة الدور الذي تضطلع به المرأة والمتمثل بالاُمومة والحضانة للأطفال ، وهو دور ينسجم تماماً مع خلقها وطبيعتها النفسية حيث تتميز بعاطفة جياشة وإحساس رقيق ونعومة لاتتناسب مع الاعباء والمسؤوليات التي تفرضها القيمومة ، فصفات الإشراف والرئاسة متوفّرة من الناحية الواقعية في الرجل بتكوينه وطبعه أكثر من توفّرها في المرأة.
ولا تعني قيمومة الرجل بأي حال استعباد الزوجة أو انتهاك كرامتها ومصادرة حقوقها ، بل هي قيمومة تقوم على المحبة والرحمة ورعاية مصالح الاُسرة ، ولا تنقص شيئاً من شخصية المرأة وحقوقها المدنية ، فلها الحق في التصرف بملكيتها المستقلة وبإمكانها إجراء مختلف العقود من بيع وشراء وهبة ووصية وما إلى ذلك.
أما المنهج الغربي ففي الوقت الذي يحرر المرأة من قيمومة الرجل فإنّه يوقعها فريسة لقيمومة دور الأزياء ودور الدعارة ونوادي العري ويجعلها سلعة رخيصة لطالبي المتعة أو يستغل جمالها لترويج سلعة !
ثم إنّ الزواج في اوربا ـ وحتى وقت قريب ـ يجعل الرجل شريكاً للمرأة في مالها ، وأن ما يكون لها قبل الزواج من مال يدخل في هذه الشركة ، يكون للزوج حق التصرف في مال الشركة ، وهو بذلك وصي أو وكيل وكالة إجبارية عن امرأته ، والجدير بالذكر أنّ المرأة في الغرب لم تثبت لها الولاية المالية على مالها في اوربا إلاّ من مدة لا تزيد عن ثلاثين سنة وقد سبقها الإسلام في ذلك
( 88 )
بنحو أربعة عشر قرناً.
ويمكن ادراك سموّ المنهج الإسلامي وسلامته إذا ما علمنا بأن الشريعة اليهودية وهي ذات نزعة مادية تعتبر المرأة بعد الزواج مملوكة لزوجها ، ومالها ملك له ، ولكن لكثرة الخلافات فقد أُقر بعد ذلك أن تملك الزوجة رأس المال والزوج يملك المنفعة (1).
وفي هذا الإطار نلاحظ أن تحرر المرأة من قيمومة الرجل في الغرب قد أطلق الحبل على غاربه أمام الزوجين للمطالبة بالطلاق لأتفه الأسباب ، الأمر الذي ساعد على تفكك عُرى الاُسرة ، وقد جرى تحقيق اجتماعي واسع تناول ثلاثين ألف رجل وامرأة اشترك فيه كبار علماء الاجتماع من أمريكا ومعظم دول أوربا ، جاء فيه :
إنّ المجتمعات الصناعية تتحول شيئاً فشيئاً عن النمط القديم المتصف بتفوق الرجل على المرأة إلى النمط الحديث المسمى بنمط المساواة بين الرجل والمرأة ، وقد أصبحت هذه المساواة من عوامل انحلال الزواج ، فما دام الزوج في المجتمع القديم يشعر بتفوق على المرأة وبمسؤولية أخلاقية تجعله يحميها ويحرسها ، فإنّه كان يتردد طويلاً قبل حلّ الزواج بالطلاق ، ولكن بعد أن تبخّر هذا الشعور فان الرجل أخذ يقدم على الطلاق لأتفه الأسباب (2).
ثم إن المنهج الإسلامي ـ باعطائه حق القيمومة للرجل مع تكليفه بواجب الانفاق والرعاية ـ يتصف بالواقعية على العكس من المذهب الوضعي الذي يتجاهل الاختلاف بين الرجل والمرأة في القدرات الجسمية والنفسية وما
____________
1) اُنظر : الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة : 537.
2) المرأة في التصور الإسلامي | محسن عطوي : 106.
( 89 )
يترتب على ذلك من اختلاف في الحقوق والواجبات.