الأدلّة على جوازهما :
السؤال : أنا تصفّحت كتب الشيعة فلم أجد الإجابة الوافية بشأن التوسّل بالأموات ، خصوصاً من السنّة ، لأنّي جادلت أحد أهل السنّة بالجواز ، قال : أنا أقبل فقط من البخاريّ ومسلم . قلت : إنّك متعصّب ، هذه كلّها من مصادركم ، وأغلقت عليه الإنترنت ، وشكراً لكم .
الجواب : إنّ التوسّل يتصوّر على قسمين :
1ـ تارة نطلب من الله تعالى بحقّ نبيّ أو إمام ، أو عبد صالح ، أن يقضي حوائجنا .
2ـ وتارة نطلب من النبيّ والوصي ، والعبد الصالح ، أن يطلب من الله تعالى قضاء الحوائج .
قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا } (1) .
وقال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب : { قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (2) .
وربما يقول قائل : إنّ هذا جائز في حال الحياة ، أمّا بعد الممات فلا ، لكونه شركاً بالله تعالى .
فيقال : إنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ، وإذا كان جائزاً ، فلا فرق سواء كان في حياته أو بعد مماته ، إذ أنّ النبيّ آتاه الله الدرجة الرفيعة ، وهو الوسيلة إلى الله في الدنيا والآخرة ، فلا بدع لو توسّل به المؤمن في كلّ يوم ، وقال : يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله .
وروي عن عثمان بن حنيف أنّه قال : ( أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فقال : أدع الله أن يعافيني . فقال (صلى الله عليه وآله) : ( إن شئتَ أخّرت لك وهو خير ، وإن شئتَ دعوت ) . قال : فادعه .
____________
1- النساء : 64 .
2- يوسف : 97 ـ 98 .
|
الصفحة 214 |
|
فأمره (صلى الله عليه وآله) أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ، ويصلّي ركعتين ، ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بمحمّد نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجة هذه لتقضى ، اللهم شفّعه فيّ .
قال ابن حنيف : فو الله ما تفرّقنا ، وطال بنا الحديث ، حتّى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ ) (1) .
قال الرفاعيّ الوهابيّ المعاصر : ( لا شكّ أنّ هذا الحديث صحيح ومشهور ، وقد ثبت فيه بلاشكّ ولا ريب ارتداد بصر الأعمى بدعاء رسول الله ) .
وروي عن عمر بن الخطّاب ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : ( لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي ) (2) .
هذا ، وقد جرت سيرة المسلمين في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبعد وفاته على التوسّل به (صلى الله عليه وآله) ، والأولياء الصالحين ، والاستشفاع بمنزلتهم وجاههم عند الله تعالى .
( البحرين . سنّي . 21 سنة . طالب جامعة )
اعتقاد باستقلالية الأسباب شرك :
السؤال : من المعلوم لدى أهل السنّة أنّ الاستغاثة والاستشفاء والتوسّل والدعاء بقبر كائن من كان شرك ، لقوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (3) .
____________
1- سنن ابن ماجة 1 / 441 ، مسند أحمد 4 / 138 ، مستدرك الحاكم 1 / 313 ، الجامع الصغير 1 / 183 ، المعجم الكبير 9 / 31 ، تاريخ مدينة دمشق 58 / 375 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 407 .
2- المستدرك على الصحيحين 2 / 615 ، سبل الهدى والرشاد 1 / 85 ، الدرّ المنثور 1 / 58 .
3- البقرة : 186 .
|
الصفحة 215 |
|
ولقوله تعالى : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } (1) .
ولقوله تعالى : { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } (2) .
فمن يؤمن بكمال القرآن لم يسأل ، ولم يدعو ، ولم يستغفر غير الله .
ولقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } (3) .
وبعد هذه الآيات من القرآن لكلّ من يؤمن بالقرآن ـ وهذه ليست أحاديث من البخاريّ أو مسلم وإنّما قرآن ـ ماذا تقول فيمن يصرّ على دعاء واستغاثة غير الله تعالى ؟
قد تقول : إنّ النية موجّهة إلى الله تعالى ، وحينها نقول : ما هو تعريف الشرك في عبادة الدعاء ؟! بل أنّ الدعاء والكلمات سيحاسب عليها البشر ، حيث قال سبحانه : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (4) .
الجواب : قولك في بداية الكلام إنّ التوسّل عند أهل السنّة شرك غير صحيح ؛ فإنّ التوسّل أجمعت على جوازه الأمّة الإسلاميّة . وخالفهم في ذلك فرقة تسمّى بالوهابيّة . وقد ردّ أهل السنّة على هذه الفرقة بردود كثيرة جدّاً منها كتاب ( شفاء السقام ) لتقي الدين السبكي ، وكتاب ( مفاهيم يجب أن تصحح ) لمحمّد بن علوي المالكي وغيرها .
وأمّا ما ذكرته من أيات قرآنية مباركة ، فإتيانك بها في هذا المقام يدلّ على على إنّك لم تفهم التوسّل حتى على المستوى اللغويّ . فإيّاك من تكرار كلام الآخرين من دون تفكير وتأمّل وتدبّر { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ
____________
1- الشعراء : 80 .
2- النمل : 62 .
3- الأعراف : 194 .
4- ق : 18 .
|
الصفحة 216 |
|
أَقْفالُها } (1) .
أخي الكريم ، التوسّل هو اتخاذ الوسيلة فكلّ ما تفعل أنت من صباح يومك هذا الى صباح اليوم التالي توسّل في توسّل من استخدامك للفراش والملبس والطعام ومراجعة الطبيب وطلب النجدة من الشرطة واستغاثتك بالناس عند الغرق .. .
فإذا كان التوسّل شركاً فأنت أوّل المشركين ؛ لأن الله هو القاضي للحاجات فكيف تتخذ أنت هذه الوسائل لقضاء حوائجك ؟!
أخي الكريم ، إنّ من توسّل بشيء وهو يعتقد أنّه ينفع ويضرّ وله قدرة من دون الله فهو مشرك قطعاً .
ومن توسّل وهو يعتقد أنّ الوسيلة لا حول لها ولا قوّة إلاّ بالله ، إنّما هي وسيلة من الوسائل التي جعل الله سبحانه وتعالى رحمة لعباده فلا يكون المتوسّل بها مشركاً . فلا يكون طلبه الشفاء من الطبيب شركاً لأنّ الطبيب من الوسائل التي جعلها الله للحصول على الشفاء وكذلك الدواء . وقد قال عز وجل { فيه شفاء للناس } (2) مع أن الله هو المشافي إلاّ أنّ العسل من الوسائل التي جعلها الله تعالى للحصول على الشفاء فمن استعان بالعسل للحصول على الشفاء لا نقول إنّه استعان بغير الله عزّ وجلّ .
ومن أفضل الوسائل في قضاء الحاجات من قبل الله عزّ وجلّ هو التوسّل إليه تعالى بمحمّد وآل محمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . وعلى ذلك دلّت النصوص الشرعيّة مثل حديث عثمان بن حنيف الصحيح . فراجع .
وأظنّ أنّ بهذا البيان صار واضحاً جواب سؤالك الأخير وهو : ما هو تعريف الشرك في عبادة الدعاء . وهو أن تدعو غير الله أن يقضي حاجتك من دون الله . وفقك الله يا أخي لكلّ خير .
____________
1- محمّد : 24 .
2- النحل : 69 .
|
الصفحة 217 |
|
( أُمّ طلال . الكويت . 56 سنة . دكتوراه )
لا ضمان للإجابة والغفران إلاّ بهما :
السؤال : تعليقي على أن يجوز الاستغاثة بالأموات ، كنت في مكّة ، وعند الطواف كثيرات منّا كانوا يطلبون ويتوسّلون بالأئمّة ، ولم يذكروا اسم الله تعالى ، ونحن في بيته ، شعرت بألم من ذلك ، فإذا سمحنا لكلّ واحد ينادى ويطلب من الأموات ، فمن ينادى الله ؟
والأموات لا يستطيعون أداء أيّ عمل ، لأنّهم ماتوا وانقطعت أعمالهم ، ربّنا تعالى أعطى الشفاعة لحبيبنا ورسولنا محمّد (صلى الله عليه وآله) في يوم القيامة ، ولا يوجد أيّ دعاء لأئمّتنا أنّهم توسّلوا بجدّهم بعد وفاته ، فلماذا نحن نبتدع من عندنا ؟
الجواب : ذكرت عدّة آيات التوسّل بالصالحين ، منها :
1ـ قال تعالى : { وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } (1) فالله تعالى يأمرنا ويطلب منّا التقرّب إليه بأشياء نتوسّل بها إليه ، ولا نأتيه مباشرة من دونها ، سواء فُسّرت الوسيلة بالأعمال أم فُسرت بأهل البيت (عليه السلام) ، فكلاهما شيء آخر غير الله نتقرّب به إلى الله تعالى .
2ـ قال تعالى : { قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (2) .
فها هم الخاطئون أمثالنا أخوة يوسف لم يستغفروا من الله مباشرة ، بل طلبوا الشفاعة والوسيلة من يعقوب (عليه السلام) ليغفر الله لهم ، ولم يردّهم يعقوب (عليه السلام)، ولم ينكر القرآن ذلك ، فهذا يدلّ على الجواز وصحّة فعلهم ، وغفران الله تعالى لهم بحق وشفاعة يعقوب (عليه السلام) لهم .
3ـ قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ
____________
1- المائدة : 35 .
2- يوسف : 97 ـ 98 .
|
الصفحة 218 |
|
وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا } (1) ، وهذا نفس مؤدّى الآية السابقة ، بل قد تبيّن هذه الآية انحصار غفران الله تعالى الأكيد للخاطئين والظالمين بالشفاعة والتوسّل دون دعائهم المباشر ، لأنّهم ملوّثون مجرمون ، قد لا يستجاب لهم دعاء ، فلا ضمان للإجابة والغفران إلاّ بهذا الطريق ، الذي فيه من التواضع والانكسار لأولياء الله الطاهرين، الذين هم ليسوا آلهة، وإنّما هم أُناس وبشر ، ولكنّهم أطاعوا الله حقّ طاعته ، وعرفوه حقّ معرفته ، فالاستشفاع بهم واتخاذهم وسيلة إلى خالقهم العظيم ، والسير معهم وبجانبهم ، يجعل الله تعالى ينظر للخاطئ الظالم المظلم بفضل النور الذي توسّل واستشفع به وقرن نفسه معه ، وكلّ ذلك نعمة وفضل من الله تعالى .
فهذه يا أختاه فلسفة التوسّل والشفاعة على فهمنا ، ويعضده اختبار الله تعالى لإبليس بالسجود والخضوع لآدم فأبى واستكبر ، وقال : أسجد لك سجدة لم يسجدها أحد قبلي ولا بعدي ، أو قال : أطلب منّي كلّ شيء أفعله لك سوى ذلك ، فأجابه تعالى : أُريدك أن تعبدني بما أحبّ لا بما تحب ، فيا ترى ما الذي منع إبليس من السجود والخضوع لآدم ؟
ولماذا يصرّ الله تعالى على هذا الاختبار دائماً ، وهو الخضوع والتوسّل بأوليائه الذين يختارهم ويصطفيهم ؟
الجواب بسيط ، ويتبيّن من تركيز الإسلام على أن يكون المسلم خاضعاً متذلّلاً للمؤمن ، وليس متكبّراً مختالاً فخوراً ، كي يكون عبداً حقيقياً لله تعالى من باب أولى ، والله العالم .
( عبد الحسين الجعفريّ . البحرين . 19 سنة . طالب جامعة )