عربي
Tuesday 15th of October 2024
0
نفر 0

الروح صاحبة قيم :

الروح صاحبة قيم :
إذا كان الكلام في محور القيمة عن المسائل البدنية ، وكان موصوف هذه المحمولات والأحكام البدن أيضاً ، فحينئذ يمكن البحث عن اختلاف أو مساواة المرأة والرجل .
في القرآن الكريم طرحت محمولات القضايا ـ سواء القيمة أو ضد القيمة ـ وكذلك الموضوعات ، وفي بيان موضوع هذه المحمولات ، يتكلم أحياناً عن الروح ، وأحياناً عن النفس ، الفؤاد ، أو القلب ، وأحياناً يتكلم أيضاً عن الصدر و ... وكل هذه تعبر عن تلك اللطيفة الإلهية التي هي موجود مجرد ، غاية الأمر ان القرآن الكريم يذكر روح الإنسان بما يناسب الشأن ؛ لأن الروح ليست بسيطة محضة بل لها شؤون متنوعة ، فأحياناً يذكر الروح بالقلب أو الفؤاد بسبب التناسب مع وصف خاص ، وأحياناً بالنفس وأحياناً بالصدر أيضاً و .. هذه موصوف محمولات قيمية .
الخلاصة ان الفصل الذي يبين أصحاب القيم والفصل الذي يبين


( 64 )


معيار القيم يقول : ان الموصوف والصفة منزهتان من الذكورة والأنوثة ، فالصفة منزهة والموصوف مبرأ ، فلا يطرح الكلام قطعاً عن التساوي أو التفاوت . وعندما يقول الإسلام ان المرأة والرجل لا يختلفان ، أي هي سالبة بانتفاء الموضوع ، وعندما لا نعثر في المسائل العلمية وهي معيار من معايير القيمة وكذلك في المسائل العملية التي هي من معايير القيمة ، أي كلام عن المذكر والمؤنث ، نتيقن أن موصوفها ليس مذكراً أو مؤنثاً ـ هذا هو من باب التبعية ـ كما أنه إذا لم نعثر في الموصوف الذي هو روح على أي مؤشر عن المذكر والمؤنث ، فإن وصفه أيضاً منزه من الذكورة والأنوثة ـ هذا أيضاً عن طريق التلازم ـ كما ان التحليل النفسي لكل من الصفة والموصوف يوصلنا أيضاً إلى هذه النتيجة ، أي عندما اثبتنا أن الموصوف والصفة منزهتان عن الذكورة والأنوثة تحصل نتيجتان : إحداهما بالمطابقة والأخرى بالالتزام خلق الروح ، بعد إتمام البدن :
قال تعالى :
( ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر ) (1) .
عندما يتكلم الله في شأن الروح يقول : إنه بعد أن تمت نشأة الطبيعة وانتهت التحولات المادية ، خلقت خلقاً ( آخر ثم أنشأناه خلقا آخر ) ، أي خلقته شيئاً آخر ليس من قبيل الماضي مثل اللحم والجلد والعظم ، بل هو شيء آخر منفصل عن نشأة الطبيعة ، ذلك الخلق الآخر يكون بعد اكتمال الجنين في صورة مذكر أم مؤنث ، ولكن من بعد ذلك لا يدور الكلام على الذكورة والأنوثة ، عند خلق المضغة عظاماً ، عند كسو العظام لحماً
____________
(1) سورة المؤمنون ، الآية : 14 .


( 65 )


(
فكسونا العظام لحماً ) ، وعند التصوير : ( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) (1) .
كان الكلام عن الذكورة والأنوثة .

عدم مادية الرجوع إلى الله :
فما هو معيار القيمة منزه عن الذكورة والأنوثة . وعند الكلام عن الرجوع إلى الله ، يذكر بالنفس المطمئنة . الرجوع إلى الله ليس منسوباً إلى البدن ، يتعلق بالروح ، لأنه لو كان البدن يرجع وكان الرجوع جسمياً ومادياً لأصبح المرجع ـ معاذ الله ـ أمراً مادياً ، لأنه إذا اقترب البدن ، فهو قرب مادي ، والقرب المادي هو للشيء المادي ، أما الذات التي :
« أنت الداني في علوه والعالي في دنوه » (2) .
فإنه منزه عن القرب والبعد المادي ، أنه قريب لكل شخص يدعوه في كل الظروف :
( وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) (3) .
انه منزه عن القرب والبعد المادي ، فإذا اقترب شخص منه في الصلاة لان :
« الصلاة قربان كل تقي » (4) .
أو يتقرب إلى الله في العبادات الأخرى ، فله قرب معنوي ، وهذا القرب المعنوي ليس مذكراً ولا مؤنثاُ فما هو مقرب إلى الله ، ليس مذكراً ولا
____________
(1) سورة آل عمران ، الآية : 6 .
(2) الصحيفة السجادية ، دعاء يوم عرفة .
(3) سورة البقرة ، الآية : 186 .
(4) بحار الأنوار ، ج 10 ، ص 99 .


( 66 )


مؤنثاً .
عندما نقرأ في القرآن الكريم إن النفس ترجع إلى الله . يتضح أنها مجردة ، أو حين يأتي القلب إلى الله :
( إذ جاء ربّه بقلب سليم ) (1) .
( إلا من أتى الله بقلب سليم ) (2) .
ان الذي له ذهاب إلى الله ، أو الشيء الذي له رجوع إلى الله ، ليس له ذهاب مادي ، وليس له مجيء مادي ، فالذي يذهب ويقترب منزه عن المادة أيضاً .

اختلاف المدرسة الإلهية والمدرسة الالحادية :
الفرق بين المدرسة الإلهية والمدرسة الالحادية هو أن أولئك يقولون : ان المرأة والرجل لا يختلفان ، أي ان حقيقة الإنسان هي البدن ، وهذا البدن صنع بنحوين ، وهذان النحوان متساويان .
والمدرسة الإلهية تقول : إن كل حقيقة الإنسان هي روحه رغم ان البدن لازم وضروري ، وبما ان الروح ليست مذكراً ومؤنثاً فاختلافهما سالبة انتفاء الموضوع وليس بانتفاء المحمول .
رذائل ، ليست مذكرة ولا مؤنثة :
كما أن الأمراض التي هي مسائل خلاف القيم تنسب إلى القلب ، تلك الأمراض المضادة للقيم ، ليست مذكرة ولا مؤنثة . مثلاً قال تعالى : لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سورة الأحزاب :
____________
(1) سورة الصافات ، الآية : 84 .
(2) سورة الشعراء ، الآية : 89 .


( 67 )


( .. فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً ) (1) .
يستفاد من هذه الآية الكريمة ان الرجل الذي يطمع لسماع صوت المرأة غير المحرم ، هو مريض ، هذا المرض ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، وذلك القلب المبتلى بهذا المرض لا هو مذكر ولا مؤنث . كما قال تعالى في مسألة كتمان الشهادة في محكمة العدل في النظام الإسلامي :
( .. ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ..... ) (2) .
إذا كتم شخض الشهادة اللازمة في محكمة العدل ولم يؤدها فان قلبه عاصٍ ، العصيان والذنب مضاد للقيم ، والقلب المبتلى بالذنب ، كل منهما ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، كما ان الرؤى والمعارف والمسائل الإسلامية والقلبية التي تعلم ليست مذكرة ولا مؤنثة ، قال تعالى بشأن القلب الذي يرى :
( .. ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) (3) .
وقال بشأن القلب الأعمى بالنسبة إلى المعارف :
( ... فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) (4) .
ذلك الجاهل هوالقلب ، ذلك العالم هو القلب أيضاً ، الشيء الذي هو مادي ليس وعاء للفكر والشيء الذي هو مجرد لا تقبل وصفاً مادياً ، بناء على هذا لا هو مذكر ولا مؤنث .
____________
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 32 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 283 .
(3) سورة التغابن ، الآية : 11 .
(4) سورة الحج ، الآية : 46 .


( 68 )


الملائكة مظهر للروح :
ان القرآن الكريم حين يخطىء كلام الوثنيين في مسألة أنوثة الملائكة ، ليس بهدف ان يثبت ذكورتهم ، بل من أجل ان يقول : إنهم منزهون عن الذكورة والأنوثة . وإذا عرفهم بصفة عباد مكرمون :
( .. بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) (1) .
فانه يذكر هذه الأوصاف نفسها أيضاً للأولياء ، أي ان موصوف هذه الصفة ليس مؤنثاً ولا مذكراً ، ذلك لأن موصوفه ليس الإنسان ولا هو ملك . حقيقة الروح تلك إذا حصلت بهذه الصورة تصبح إنساناً ، وإذا ظهرت بتلك الصورة تصبح ملكاً ، فهي كائن مجرد غاية الأمر أن هذه الكائنات المجردة تختلف درجاتها وشؤونها الوجودية ، بعضها في حد ملائكة ، وبعض الملائكة أفضل وأكمل ، مثل الناس الكاملين و ...
الروح ، تلميذ القرآن :
عندما جعل الله سبحانه ، القرآن الكريم منهاجاً دراسياً ، وعرف نفسه معلماً ، فالعلم هو الله ، والمنهاج الدراسي هو القرآن ( الرحمن * علّم القرآن ) والتلميذ الذي يتعلم القرآن هو الروح وليس البدن ، الإنسان يترك هذا البدن في عالم الرؤيا وتحل له كثير من المسائل . هناك لا مذكر ولا مؤنث ، طبعاً في عالم الرؤيا لأنه عالم برزخي يرافقه بدن برزخي ، ولكن الذي يفهم هي الروح التي لا هي مذكر ولا مؤنث .
نتيجة البحث :
إن السلامة المعنوية فضيلة والمرض المعنوي رذيلة ، وموصوفهما هو
____________
(1) سورة الأنبياء ، الأيتين : 26 ـ 27 .


( 69 )


القلب والروح ، وهما ليسا بمذكر أو مؤنث .
ثم ، كما ان بعض الموصوفات مذكرة وبعض الموصوفات مؤنثة ، أي ان أبدانهما هكذا ، فالذين لهم بدن مذكر يختلفون عن بعضهم ، والذين لهم بدن مؤنث يختلفون كذلك أيضاً . أحياناً يختلف هذان الصنفان بلحاظ البدن وليس بلحاظ الروح . هذه هي خصائص مقطعية لا أنها تكون موصوفاً أو صفة في أصل البحث .
هذا هو طرح البحث ومصادر البحث محور البحث وموضوع البحث ، وذلك أيضاً استدلال القرآن . بناء على هذا فالآيات التي تقول : المذكر أو المؤنث ـ أي سواء كان البدن من هذا الصنف أو من ذلك الصنف ـ ليس له مدخلية ، هي إعلان لعدم تدخل البدن وليس اعلاناً لعدم الاختلاف ، كما لو قيل للإنسان المصلي : يجب أن ترتدي لباساً للصلاة ، ويجب أن يكون ذلك اللباس طاهراً وحلالاً ( سواء أبيض أو أسود ) أي ان الأبيض والأسود ليس دخيلاً ، ولكنهما موجودان ومتساويان ، ما هو دخيل هو الجامع بينهما . ( أي ان الأبيض والأسود ليس له دور ) بل أصل الستر هو المعتبر . فمسألة الذكورة والانوثة لا توجد أساساً في محور الروح حتى نبحث هل لها تدخل أم لا .

الحياة الطيبة :
جاء في القرآن الكريم :
( من عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) (1) .
أي ان هناك شيئين فقط لهما دور في الوصول إلى الحياة الطيبة ، أحدهما : حسن فعلي يسمى ( العمل الصالح ) والآخر : حسن فاعلي يسمى
____________
(1) سورة النحل ، الآية : 97 .


( 70 )


( ايمان الروح ) ، سواء كان البدن مؤنثاً أو مذكراً . فعبارة (
وهو مؤمن ) تتعلق بالحسن الفاعلي ، أي أن الروح يجب أن تكون مؤمنة و ( عمل صالحاً ) تتعلق بالحسن الفعلي ، أي أن العمل يجب أن يكون صحيحاً . العمل الصحيح يصدر من العامل الصحيح ، وعندما يضم هذان الحسنان إلى بعضهما يثمران حياة طيبة .

خلاصة الكلام :
1 ـ بناء القرآن الكريم ، أي الإسلام هو ان يتكلم حول المرأة والرجل بصورة قضية ( سالبة بانتفاء الموضوع ) وليس بعنوان ( موجبة محصلة ) ولا بعنوان ( سالبة بانتفاء المحمول ) .
2 ـ الله تعالى أسند في القرآن الكريم التعليم والتربية إلى الروح ، والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً .
3 ـ القرآن الكريم يعلمنا المسائل بثلاثة طرق : أي : طريق العلم الحسي ، العلم العقلي والعلم القلبي والشهودي ، ويذكر نماذج من النساء والرجال الذين قطعوا هذه الطرق .


( 71 )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تكوين الأسرة المسلمة
العظمة الحقوقية والاجتماعية للمرأة في القرآن
الاحتضار
قبسات ونكات علمية وبلاغية من وحي نهج البلاغة – ...
التجلي لموسى عليه السلام
العقل والعقلانية في القرآن الكريم
الشيخ جعفر بن الحسن الحلّي قدس سره المعروف ...
الإرادة
إقامة مهرجان الغدير الدولي الحادي عشر للإعلام في ...
الدين والأسرة

 
user comment