عربي
Friday 3rd of May 2024
0
نفر 0

السؤال : قال تعالى : { مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } (4) .

الهداية والضلال لا تعارض الاختيار :

السؤال : قال تعالى : { مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } (4) .

إذا كانت الهداية والضلال من الله، فكيف يستحقّ البشر الثواب والعقاب ؟ وجزاكم الله خيراً .

الجواب : لتوضيح مراد الآية لابدّ من مقدّمات :

____________

1- معجم مقاييس اللغة 5 / 99 .

2- الكافي 1 / 158 .

3- المصدر السابق 1 / 150 .

4- الأعراف : 178 .


الصفحة 227


1ـ أنّ الله تعالى له ملك السماوات والأرض ملكاً مطلقاً غير مقيّد من أي وجه من الوجوه ، ويلزمه كمال التسلّط .

وملك غيره تعالى محدود جدّاً بالحدود التي حدّها الله ، وبالمقدار الذي أذن الله به ، ومع ذلك لا يكون ملك الآخرين للأشياء منافياً ولا ملغياً لملكه ، لأنّه المملِّك لما يُمْلَك ، والمسلِّط على ما هو مُتَسَلَّط عليه .

فإنّ الإنسان إذا ملك دابّةً تسلّط على ركوبها ، والتصرّف بها بالمقدار الذي يعرفه العقلاء ، وهذا لا يلغي قدرة الله وتسلّطه عليه ، وعلى الدابة أبداً .

والإنسان في المثال لا يملك أن يغيّر ولا يبدّل في خلقتها ، ولا في زيادة قدرتها على الحمل والسرعة ، وأمثال ذلك .

2ـ أنّ الهداية والضلال أيضاً داخلة في ملكه ، ومن مظاهر سلطته ، لأنّ كلّ تصرّف من تصرّفات عباده ، وكلّ صفة من صفاتهم غير خارجة عن دائرة ملكه وقدرته .

3ـ أنّ ذلك لا ينافي اختيار العبد في الأفعال الاختيارية ، ولا يؤدّي إلى الوقوع في الجبر .

وأمّا تفصيل الموضوع ، فيحتاج إلى بيان أكثر ، والمطلب دقيق جدّاً .

فنحن لا نشكّ أنّ الله نصب نفسه في مقام التشريع ، وشرع لعباده شريعة ، وسنّ لهم قوانين كلّفهم بالالتزام بها ، ووعد المطيعين بالثواب ، وتوعّد العاصين بالعقاب ، فلو أجبرهم على الطاعات والمعاصي لم يكن الثواب في مورد الطاعة إلاّ جزافاً وعبثاً ، والعقاب في مورد المعصية إلاّ ظلماً ، وكلاهما محال على الله تعالى ، لأنّ حكمته وعدله تقتضيان عدم العبث وعدم الظلم .

فالتكليف غير مبني على الإجبار ، وهو متوجّه إلى العباد من حيث أنّهم مختارون في الفعل والترك ، والمكلّفون إنّما يثابون ويعاقبون بما كسبت أيديهم من خير وشر .


الصفحة 228


وأمّا ما ينسبه القرآن إليه تعالى من الإضلال والخدعة والمكر ، والإمداد في الطغيان ، وتسليط الشيطان وتوليته على الإنسان ، وتقييض القرين ونظائر ذلك ، جميعها منسوبة إليه تعالى على ما يلائم ساحة قدسه ، ونزاهته عن ألوان النقص والقبح المنكر والظلم .

ولا يمكن نسبة الإضلال إليه بالمعنى الذي ننسبه إلى البشر ، فلا ينسب إليه الإضلال الابتدائي من دون سبق عمل شيء ، ولا الإضلال على سبيل الإغفال والإيقاع في الضلال ، فإنّه غير لائق بجنابه ، وبعيد عن ساحته .

والقرآن في هذا المجال يفسّر بعضه بعضاً : قال تعالى : { فَلَمَّا زَاغوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ } (1) ، وقال : { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } (2) .

وإذا اتّضح ذلك ، فانّ أفعال العباد لها انتسابان : انتساب إلى الفاعل باعتبار اختياره ، وهو الانتساب الفعلي ، وانتساب إلى الخالق باعتبار أنّه الموجد والمكوّن ، وهو الانتساب الوجودي .

والعبد عندما يقدم بملء إرادته على كسر زجاجة ، كان قادراً على ترك ذلك الفعل ، لكنّه عندما أراده وأقدم عليه كان تحقّق الانكسار متوقّفاً على إذن الله التكوينيّ لا التشريعيّ ، فإنّه ربما كان محرّماً ، وكذلك حركة العبد تتوقّف على إذن الله التكوينيّ ، وأقدار العبد ليكون قادراً على الفعل .

ومنه يتّضح : أنّ هداية الله على نحوين : هداية بمعنى الإرشاد والتعليم { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } (3) ، وهي مهمّة الأنبياء والعقل والفطرة .

وهداية تكوينيّة ، بمعنى تحقّق المتابعة للهدى ، وصيرورة الإنسان مهتدياً ، وهذه متأخّرة مرتبة عن تلك ، وهذه تتوقّف على إرادة العبد واختياره ، فإذا

____________

1- الصف : 5 .

2- المؤمن : 34 .

3- البلد : 10 .


الصفحة 229


اهتدى هداه الله ، ومنه قوله تعالى : { اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } بعد تقدّم الحمد والتسليم التام ، الذي هو فعل العبد .

وبعبارة أُخرى : فإنّ الآية تقول : من اهتدى واقتفى الطرق التشريعيّة ، التي رسمها ووضعها الله تعالى له ، فهو مهتد بالهداية التكوينيّة .

وننقل لكم نصّ ما جاء في تفسير الآية من تفسير الميزان :

مفاد الآية : أنّ مجرد الاهتداء إلى شيء لا ينفع شيئاً ، ولا يؤثّر أثر الاهتداء ، إلاّ إذا كانت معه هداية الله سبحانه ، فهي التي يكمل بها الاهتداء ، وتتحتّم معها السعادة ، وكذلك مجرد الضلال لا يضرّ ضرراً قطعيّاً ، إلاّ بانضمام إضلال الله سبحانه إليه ، فعند ذلك يتمّ أثره ، ويتحتّم الخسران .

فمجرد اتصال الإنسان بأسباب السعادة ، كظاهر الإيمان والتقوى ، وتلبّسه بذلك لا يورده مورد النجاة ، وكذلك اتصاله وتلبّسه بأسباب الضلال لا يورده مورد الهلاك والخسران ، إلاّ أن يشاء الله ذلك ، فيهدي بمشيئته من هدى ، ويضلّ بها من أضل .

فيؤول المعنى إلى أنّ الهداية إنّما تكون هداية حقيقية ـ تترتّب عليها آثارها ـ إذا كانت لله فيها مشيئة ، وإلاّ فهي صورة هداية ، وليست بها حقيقة ، وكذلك الأمر في الإضلال .

وإن شئت فقل : إنّ الكلام يدلّ على حصر الهداية الحقيقيّة في الله سبحانه، وكذلك الإضلال ، ولا يضلّ به إلاّ الفاسقين (1) .

( ندى . ... . ... )

ليس في الانتماء إلى الإسلام إجبار :

السؤال : كيف تكون لك الحرّية في دخول الإسلام ، مع أنّ الله يتوعّد الذين لا

____________

1- الميزان في تفسير القرآن 8 / 334 .


الصفحة 230


يدخلون الإسلام ببئس المصير .

ومن ذلك نستنج : أنّ الإنسان مجبور ، وليس مخيّراً ، وتوجد آيات تقول غير ذلك .

ج : ننقل لكم نصّ كلام العلاّمة الطباطبائيّ في كتابه تفسير الميزان حول تفسير قوله تعالى { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ... } (1) .

( وفي قوله تعالى : لا إكراه في الدين ، نفى الدين الإجباريّ ، لما أنّ الدين وهو سلسلة من المعارف العلميّة التي تتّبعها أُخرى عملية يجمعها أنّها اعتقادات ، والاعتقاد والإيمان من الأُمور القلبية التي لا يحكم فيها الإكراه والإجبار ، فإنّ الإكراه إنّما يؤثّر في الأعمال الظاهريّة ، والأفعال والحركات البدنية المادّية .

وأمّا الاعتقاد القلبيّ فله علل وأسباب أُخرى قلبية من سنخ الاعتقاد والإدراك، ومن المحال أن ينتج الجهل علماً ، أو تولّد المقدّمات غير العلميّة تصديقاً علميّاً، فقوله : لا إكراه في الدين ، إن كان قضية إخبارية حاكية عن حال التكوين أنتج حكماً دينيّاً بنفي الإكراه على الدين والاعتقاد ، وإن كان حكماً إنشائياً تشريعيّاً كما يشهد به ما عقبه تعالى من قوله : { قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }، كان نهياً عن الحمل على الاعتقاد والإيمان كرهاً ، وهو نهي متّك على حقيقة تكوينيّة ، وهي التي مرّ بيانها أنّ الإكراه إنّما يعمل ويؤثّر في مرحلة الأفعال البدنية دون الاعتقادات القلبية .

وقد بيّن تعالى هذا الحكم بقوله : { قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }، وهو في مقام التعليل ، فإنّ الإكراه والإجبار إنّما يركن إليه الآمر الحكيم والمربّي العاقل في الأُمور المهمّة ، التي لا سبيل إلى بيان وجه الحقّ فيها ، لبساطة فهم المأمور ورداءة ذهن المحكوم ، أو لأسباب وجهات أُخرى ، فيتسبّب الحاكم في حكمه بالإكراه ، أو الأمر بالتقليد ونحوه .

____________

1- البقرة : 256 .


الصفحة 231


وأمّا الأُمور المهمّة التي تبيّن وجه الخير والشرّ فيها ، وقرّر وجه الجزاء الذي يلحق فعلها وتركها ، فلا حاجة فيها إلى الإكراه ، بل للإنسان أن يختار لنفسه ما شاء من طرفي الفعل ، وعاقبتي الثواب والعقاب ، والدين لمّا انكشفت حقائقه ، واتّضح طريقه بالبيانات الإلهيّة الموضّحة بالسنّة النبويّة ، فقد تبيّن أنّ الدين رشد ، والرشد في اتباعه ، والغيّ في تركه والرغبة عنه ، وعلى هذا لا موجب لأن يُكره أحد أحداً على الدين .

وهذه إحدى الآيات الدالّة على أنّ الإسلام لم يبتن على السيف والدم ، ولم يفت بالإكراه والعنوة ، على خلاف ما زعمه عدّة من الباحثين من المنتحلين وغيرهم : أنّ الإسلام دين السيف ، واستدلّوا عليه : بالجهاد الذي هو أحد أركان هذا الدين .

وقد تقدّم الجواب عنه في ضمن البحث عن آيات القتال ، وذكرنا هناك : أنّ القتال الذي ندب إليه الإسلام ، ليس لغاية إحراز التقدّم وبسط الدين بالقوّة والإكراه ، بل لإحياء الحقّ ، والدفاع عن أَنـْفَسِ متاعٍ للفطرة وهو التوحيد ، وأمّا بعد انبساط التوحيد بين الناس ، وخضوعهم لدين النبوّة ، ولو بالتهوّد والتنصّر فلا نزاع لمسلم مع موحّد ولا جدال ، فالإشكال ناش عن عدم التدبّر .

ويظهر ممّا تقدّم : أنّ الآية ـ أعني قوله : { لا إكراه في الدين } ـ غير منسوخة بآية السيف ، كما ذكره بعضهم .

ومن الشواهد على أنّ الآية غير منسوخة التعليل الذي فيها ، أعنّي قوله : قد تبيّن الرشد من الغيّ ، فإنّ الناسخ ما لم ينسخ علّة الحكم ، لم ينسخ نفس الحكم ، فإنّ الحكم باق ببقاء سببه ، ومعلوم أنّ تبيّن الرشد من الغيّ في أمر الإسلام أمر غير قابل للارتفاع بمثل آية السيف ، فإنّ قوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } مثلاً ، أو قوله : { وقاتلوا في سبيل الله } الآية ، لا يؤثّران في ظهور أحقّية الدين شيئاً ، حتّى ينسخا حكماً معلولاً لهذا الظهور .


الصفحة 232


وبعبارة أُخرى : الآية تعلّل قوله : { لا إكراه في الدين } بظهور الحقّ ، وهو معنى لا يختلف حاله قبل نزول حكم القتال وبعد نزوله ، فهو ثابت على كلّ حال ، فهو غير منسوخ ) (1) .

( علي عباس . البحرين . ... )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السؤال: هل هناك دليل واضح على تنحية الرسول (صلى ...
السؤال : ما الأدلّة على عصمة أهل البيت (عليهم ...
أود أن أعرف بماذا تختلف عنا الفرقة الشيخية ؟
السؤال : لماذا الشيعة لا يصلّون صلاة التراويح ؟ ...
حصر آية التطهير بأزواج النبي صلى الله عليه وآله
لما فدا عليٌّ عليه‏السلام بنفسه رسول اللّه‏ ...
السؤال : ما المقصود بـ : " اللهم صلّي على فاطمة ...
السؤال : هل الإمامة مذكورة في القرآن ؟ وهل هي ...
ماهي مكانة وحشي قاتل الحمزة عليه السلام في مذهب ...
السؤال : ذكرتم في الردّ على سؤال أحد الأخوان في ...

 
user comment