المرتد يقتل لخطره على المجتمع :
السؤال : هناك من يوصم الإسلام بأنّه لا يعطي الإنسان حرّية اختيار العقيدة ، إذ أنّه يحكم على من يغيّر عقيدته من الإسلام إلى غيره بالارتداد ، والارتداد حكمه القتل ، فهو يسلب منه حرّية الاختيار مسبقاً .
الجواب : إنّ الحرّية تارة مطلقة ، وأُخرى مقيّدة ، وفي الإنسان ليست حرّيته مطلقة ، بل هناك قيود ـ إمّا دينية أو اجتماعيّة أو مدنية أو ما شابه ذلك ـ فإذا خرج من نطاقها ودائرتها ، فإنّه يدخل في دائرة الحرّية الحيوانية ، فيكون كالأنعام بل أضلّ سبيلاً ، فالإنسان ليس حرّاً على الإطلاق ، بل في عين أنّه حرّ من جهات ، هو مقيّد من جهات أُخرى .
وأمّا بالنسبة إلى اختيار دين من الأديان ، فقبل أن يختار أعطاه الله حرّية الانتخاب ، وإنّه { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } لأنّه { قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ } ، فأرسل الله الأنبياء والرسل ، وأنزل الكتب ، وهدى الإنسان لنجد الخير ولنجد الشرّ ، والإنسان مختار في انتخاب أيّ الطريقين { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } (2) ، فأعطاه الاختيار ابتداءً ، ولكن بعث إليه الأنبياء ، وورثتهم من العلماء الصالحين في كلّ عصر ومصر ، حتّى يعرّفوا الحقّ من الباطل ، ويختاروا ما هو الصحيح .
____________
1- الميزان في تفسير القرآن 2 / 342 .
2- الإنسان : 3 .
|
الصفحة 233 |
|
وهذا كلّه من لطف الله وعدله ، فإنّ اللطف بمعنى ما يقرّب العبد للطاعة ، ويبعّده عن المعصية ، فقال للإنسان : أنت مختار ، إلاّ أنّه انتخب الدين الصحيح الذي ارتضيته لك ، لأنّ الدين دين الله ، فلابدّ أن نرى أيّ دين يطالبنا به ، وقد ثبت أنّ النبوّة قد ختمت بنبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وأنّ القرآن الكريم معجزته . وجاء في قوله تعالى : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } (1) ، وقوله : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } (2) ، فالدين المختار والمرضي لله هو الإسلام الحنيف ، فقبل الانتخاب كان الإنسان مختاراً ، ولكن الله لا يرضى لعبده ديناً إلاّ الإسلام ، فطلب من الإنسان أن يختار الإسلام ، وهذا من الحرّية الإنسانية ، والعدالة الإلهيّة .
وبعد اختيار الإسلام المرضيّ لا يحقّ له أن يخرج منه ، لأنّ صاحب الإسلام ـ وهو الله سبحانه ـ أراد ذلك ، وأمر أنّه من يرتدّ عن دينه فإنّه يُقتل ، لأنّه يخلّ بالمجتمع الإسلاميّ، فيكون بحكم الجرثومة المضرّة ، لابدّ من القضاء عليها، وإلاّ تفسد الشيء ويفسد المجتمع ، والله المولى لا يريد فساد دينه ومجتمعه . ولا أن يكون دينه بيد عبده يوماً يختاره ويوماً يردّه ، فالمجتمع الحاكم عليه حكومة الإسلام ، من ارتدّ عنه فإنّه يُطرد منه ويُقتل ؛ لأنّه يصبح خطراً على المجتمع ، والعقل وكذلك الوحي يأمران برفع الخطر ، وقتل الجراثيم .
( محمّد . الكويت . ... )
السؤال : هل هناك شيء اسمه الحظّ ؟ أم نقول : أنّه القدر ؟
وإذا لم يكن هناك شيء اسمه الحظّ ، وأنّه القدر ، فما هو تفسير الشخص
____________
1- آل عمران : 85 .
2- المائدة : 3 .
|
الصفحة 234 |
|
الذي لا يأتيه الحظّ الجيّد، أو القدر الجيّد، ودائماً أو كثيراً يكون الخسران، أو تكون الأُمور ضدّه في غالب الأحوال ؟ ونسألكم الدعاء .
الجواب : إنّ كان المقصود من الحظّ هو الصدفة التي يعتقد بها علماء المادّة ، فبطبيعة الحال لا يوجد لهذا المصطلح بهذا المعنى وجود في المنظور الإسلاميّ .
أمّا إن كان المقصود من الحظّ ، هو ما يدخل في مفهوم القضاء والقدر ، فهو أمر لا إشكال فيه ، حيث نعتقد أنّ الله تعالى قسّم الأرزاق ، وقدّر لكلّ مخلوق رزقه ، وما يجري عليه من ولادته إلى مماته .
فيقال : أنّ فلاناً مثلاً محظوظ ، أي أنّ الله تعالى وفّقه ، وسهّل عليه الحصول على بعض الاحتياجات الدنيوية ، من تجارة أو صحّة ، أو زوجة صالحة ، أو ذرّية ، وما إلى ذلك .
كما أنّ من المعلوم إمكانية تغيّر القدر ، وذلك تبعاً للأُمور التكوينيّة ، أو بعض القضايا الشرعيّة الواردة في الشريعة الإسلاميّة ، مثل الصدقة تزيد في الرزق ، وصلة الرحم تطيل في العمر ، وغير ذلك .
( وسيمة المدحوب . البحرين . ... )
السؤال : سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الرقي ، هل يدفع من القدر شيئاً ؟ فقال : ( هي من القدر ) (1) ، ما المقصود بهذا الحديث ؟ وما علاقة القضاء والقدر بالرقيّ أي الرقعة ؟
وفي الختام : نشكر جهودكم المبذولة في خدمة الإسلام والمذهب ، ونسأل الله لكم دوام الموفّقية والسداد ، ونسألكم الدعاء لنا بالتوفيق .
الجواب : المقصود من القدر هو هندسة الشيء وتحديده ، ثمّ إبرام القضية ، أي
____________
1- التوحيد : 382 .
|
الصفحة 235 |
|
القضاء بها ، فعلى هذا يكون القدر قبل القضاء ، ولمّا كان المقصود من القدر هو الهندسة وتحديد شكل القضية ، فيمكن أن تتدخّل عوامل كثيرة في تحديدها، وبيان الصياغة النهائية لها، كالدعاء مثلاً، وإرادة الإنسان كذلك ، ومنها الرقي والتعويذات ، فإنّها من القدر .
وعلى سبيل المثال : قد يقدّر الله إصابة عبد ما بمرض وداء معيّن ، إذا لم يعوّذ بمعوذة معيّنة وخاصّة ، كما أنّ الدواء يمنع كثير من الأمراض والعلل ، فكما أنّ الدواء من القدر ، فكذا الرقيّ والتعويذات لا فرق بينها .
( كميل . عمان . 22 سنة . طالب جامعة )
عدم الرضا عن القتل يعود إلى فعل العبد :
السؤال : كيف نوفّق بين عدم الرضا عن الظلم ، وبين الرضا بقضاء الله وقدره ، مثلاً إذا قتل رجل ظلماً ، هل علينا عدم الرضا عن القتل ؟ أم نرضى بموته ، لأنّ موته كان بقضاء وقدر ؟
الجواب : إنّ هذه المسألة تعود إلى مسألة الجبر والتفويض ، وذلك أنّ العبد فاعل ما به الوجود ، والله تعالى فاعل ما منه الوجود ، فمن ناحية فاعل ما به الوجود لا جبر ، ومن ناحية فاعل ما منه الوجود لا تفويض ، فيصحّ في العقل ما جاء في الأثر عن أهل البيت (عليه السلام): ( لا جبر ولا تفويض ، ولكن أمر بين أمرين ) (1) .
وفي المثال الذي ذكرتموه ، يجب عدم الرضا عن القتل ، لأنّه يعود إلى فعل العبد الذي عبّرنا عنه أنّه فاعل ما به الوجود ، والرضا بموته ؛ لأنّه يعود إلى فعل الله الذي عبّرنا عنه أنّه فاعل ما منه الوجود ، إذ لو انقطع فيض الله عن العبد لحظة واحدة لانعدم العبد ، وانعدمت أفعاله .
____________
1- الكافي 1 / 160 .
|
الصفحة 236 |
|
( زهرة المصطفى . البحرين . ... )
السؤال : من المعروف أنّ للقضاء نوعان : المحتوم والموقوف ، فكيف يمكننا أن نوفّق بين القضاء المحتوم ، وتخيير الإنسان في أعماله ؟ وجزاكم الله خيراً .
الجواب : إنّ القضاء المحتوم في الأعمّ الأغلب هو القواعد والقوانين التكوينيّة السائدة في الكون ، وفي عالم الخلق ، فلا معنى لتعريف تخيير إرادة الإنسان فيها ، إذ هي خارجة عن متناول يده ذاتاً .
ومن جانب آخر : أنّ التخيير في الإنسان لا يكون في جميع أجزاء الكون والوجود ، بل له نطاق محدّد ، وعليه فخارج هذه الحوزة لا يشمله اختيار الفرد، فمثلاً القوانين والنواميس الثابتة الإلهيّة ، لا تكون تحت تصرّف الإنسان حتّى يفترض فيها تخييره .
ومجمل الكلام في حدود خيارات الفرد هو : أنّ ما كان ضروريّاً بالنسبة لرقيّ وتكامل الإنسان يكون على العموم من موارد تخييره ، وما كان خارجاً عن تخطيطه ومتناول يده ، يكون قضاءاً حتميّاً بالنسبة إليه .
( علي موسى . البحرين . ... )
السؤال : ما الفرق بين القضاء والقدر باختصار ؟ وشكراً .
الجواب : إنّ القدر هو عبارة عن تقدير وجود الشيء وكيفيته ، وتعيين حدوده وخصوصيّاته التي يوجد عليها ، كالخيّاط يقدّر الثوب قبل أن يخيطه .
والقضاء : عبارة عن ضرورة وجود الشيء في ظرفه الخاصّ ، عند تحقّق جميع الأسباب والشرائط التي يتوقّف عليها .
فالتقدير هندسة الشيء ، والقضاء هو البت بلزوم تحقّق تلك الهندسة .
ولا يلزم من القضاء والقدر أن يكون الإنسان مجبراً في فعله ، باعتبار
|
الصفحة 237 |
|
كون الأفعال مقدّرة ومقضية من الله تعالى ؛ وذلك لأنّ من ضمن الشرائط الدخيلة في تقدير الشيء والقضاء به ، هي اختيارية الإنسان وإرادته ، فالله قدّر الفعل وقضى به ، لكن من ضمن حدود الشيء وخصوصيّاته ، أن يكون مقدوراً وباختياره .
ورد في الكافي قال : كان أمير المؤمنين جالساً بالكوفة بعد منصرفه من صفّين ، إذ اقبل شيخ فجثا بين يديه ، ثمّ قال له : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام ، أبقضاء من الله وقدر ؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( أجل يا شيخ ، ما علوتم تلعة ، ولا هبطتم بطن وادٍ ، إلاّ بقضاء من الله وقدر ) ، فقال له الشيخ : عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين ! فقال (عليه السلام) : ( مه يا شيخ ، فو الله لقد عظم الله الأجر في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي مقامكم وأنتم مقيمون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ، ولا إليه مضطرين ) .
فقال له الشيخ : وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ، ولا إليه مضطرّين ، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ، ومنقلبنا ، ومنصرفنا ؟
فقال له : ( وتظنّ أنّه كان قضاء حتماً وقدراً لازماً ، إنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والأمر والنهي والزجر من الله ، وسقط معنى الوعد والوعيد ، فلم تكن لائمة للمذنب ، ولا محمّدة للمحسن ، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن ، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب ! تلك مقالة أخوان عبدة الأوثان ، وخصماء الرحمن ، وحزب الشيطان ، وقدرية هذه الأُمّة ومجوسها ، إنّ الله تبارك وتعالى كلّف تخييراً ، ونهى تحذيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يعص مغلوباً ، ولم يطع مكرهاً ، ولم يملك مفوّضاًَ ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ، ولم يبعث النبيّين مبشّرين ومنذرين عبثاً ، ذلك ظنّ الذين كفروا ، فويل للذين كفروا من النار
|
الصفحة 238 |
|
) (1) .
فبيّن (عليه السلام) أنّ القضاء والقدر لا ينافي اختيارية الإنسان ، وأنّه ليس مجبراً ، لأنّ الأفعال الإنسانية لا تخرج عن دائرة علم الله سبحانه ، ومع ذلك فالإنسان مختار فيما يفعل .
( عبد الله . الكويت . 28 سنة . خرّيج ثانوية )