الحصار في شعب أبي طالب (عليه السلام)
تاريخ الحصار ومدته (1):
1 محرّم 7 للبعثة النبوية، واستمر 3 سنوات.
سبب الحصار:
بعد أن فشلت جميع وسائل الإرهاب، والحرب النفسية والدعائية ضدّ النبي (صلى الله عليه وآله) ومن آمن معه، امتنع زعماء قريش، وقرَّروا أن يقاطعوا أبا طالب وبني هاشم، ومحمّداً وأصحابه، مقاطعة اقتصادية واجتماعية، وكتبوا عهداً بذلك وعلّقوه في جوف الكعبة.
مضمون الصحيفة:
ممّا جاء في تلك الصحيفة الظالمة: ألا يبايعوا أحداً من بني هاشم، ولا يناكحوهم، ولا يعاملوهم، حتّى يدفعوا إليهم محمّداً فيقتلوه.
وتعاهدوا على ذلك، وختموا الصحيفة بثمانين ختماً، ثمّ حصرت قريش رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته من بني هاشم، وبني عبد المطلّب في شعب أبي طالب.
شدة الحصار:
استمرَّ الحصار وطال حتّى أنفق أبو طالب والنبي (صلى الله عليه وآله) مالهما، كما أنفقت خديجة أموالها الطائلة في هذه المحاصرة الظالمة.
وأشتدَّ خلالها الخطب على المسلمين، وراحوا يعانون من الجوع والأذى، ويأكلون نباتات الأرض، ولم يكن يصلهم من الطعام شيء، إلاّ ما كان يتسرّب سرّاً من بعض المتعاطفين معهم.
وحين اشتدَّ العسر والأذى، وصبر المسلمون جاء الفرج، وتدخّل النصر الإلهي، فأرسل الله حشرة الأُرضة على صحيفة المقاطعة فأكلتها، ما عدا ما كان فيها من اسم الله سبحانه، فعندها هبط جبرائيل (عليه السلام) وأخبر محمّداً (صلى الله عليه وآله) بذلك.
رفع الحصار:
أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) أبا طالب بهذا النبأ العظيم، وأطلعه على ما حدث للصحيفة الظالمة، فتوجّه أبو طالب مع باقي بني هاشم نحو البيت الحرام، ليُحدّثوا طواغيت قريش بما أخبر به الله تعالى، وليؤكّدوا لهم دليلاً آخراً على صدق نبوَّة محمّد (صلى الله عليه وآله).
فجلس أبو طالب بفناء الكعبة، وأقبلت عليه قريش فقالوا له: آنَ لك يا أبا طالب أن تذكر العهد، وأن تشتاق إلى قومك، وتدع اللُّجاج في ابن أخيك.
فقال لهم: يا قوم أحضروا صحيفتكم، فلعلَّنا أن نجد فرجاً وسبباً لصلة الأرحام وترك القطيعة فأحضروها، فخاطبهم أبو طالب: هذه صحيفتكم.
قالوا: نعم، قال: فهل أحدثتم فيها حدثاً، قالوا: اللَّهُمَّ لا.
فقال لهم: إنَّ محمَّداً أعلمني عن ربِّه، أنّه بعث الأرضة، فأكلت كلّ ما فيها إلاّ ذكر الله، أفرأيتم إن كان صادقاً ماذا تصنعون؟ قالوا: نكفّ ونمسك.
فقال: فإن كان كاذباً دفعته إليكم، قالوا: قد أنصفت وأجملت.
وبدأت اللحظات الحاسمة، فإذا بالأرضة قد أكلت كلّ ما في الصحيفة، إلاّ مواضع اسم الله عزَّ وجلَّ، فبُهِت الطغاة، وأخذتهم العزّة بالإثم وقالوا: ما هذا إلاّ سحر.
لم يستطع كفّار مكّة مصادرة هذا الحدث العظيم بهذا الرد التافه، بل راح الناس يتفاعلون معه، فأسلم كثيرون، وصدَّقوا هذه المعجزة، وعلى أثر ذلك فُكَّ الحصار، وخرج النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) ومن معه من الشعب أعزَّة منتصرين.
ـــــــــ
1ـ أُنظر: أبو طالب حامي الرسول وناصره: 57، تاريخ اليعقوبي 2/31.
بقلم : محمد أمين نجف
وفاة السيد محمد بن الإمام علي (عليه السلام) المعروف بابن الحنفية
اسمه وكنيته ونسبه (رضي الله عنه) (1):
السيّد أبو القاسم، محمّد بن الإمام علي ابن أبي طالب (عليهم السلام)، المعروف بابن الحنفية، لأنّ أُمّه خولة الحنفية كانت من بني حنيفة، فغلبت عليه هذه النسبة.
أخباره (رضي الله عنه):
كان السيّد محمّد من أعقل الناس وأشجعهم، وكانت راية الإمام علي (عليه السلام) في حرب الجمل بيده، فلمّا حمل على الجيش وحمل الناس خلفه طحن عسكر أهل البصرة.
وقيل لمحمّد بن الحنفية ذات مرّة: لِمَ يغرر بك أبوك في الحرب، ولا يغرر بالحسن والحسين (عليهما السلام)؟ فقال: (إنّهما عيناه، وأنا يمينه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه) (2).
وفي أيّام ثورة المختار بالكوفة قام ابن الزبير ـ أيّام حكومته ـ بحبس السيّد محمّد، وجمع من بني هاشم وأنصارهم، بحجّة رفضوا مبايعته، وكان يريد إحراقهم بالنار، فأرسل ابن الحنفية رسالة إلى المختار يستنهض فيها الهمم، ويطلب النصرة، فأرسل المختار جيشاً من الكوفة.
وعندما دخل الجيش إلى مكّة رفع شعار: (يَا لِثَارَاتِ الحُسين)، فقاموا بكسر السجن الذي كان فيه ابن الحنفية وأنصاره، وقالوا له: خلِّ بيننا وبين عدوَّ الله بن الزبير، فقال لهم ابن الحنفية: لا أستحلُّ القتال في حرم الله ـ أي مكّة المكرّمة ـ (3).
مكانته (رضي الله عنه):
كان من فضلاء التابعين، حتّى ادّعى قوم فيه الإمامة، وهم الملقّبون بالكيسانية، وكان منهم السيّد الحميري في أوّل أمره، وله في ذلك شعر معروف.
مواعظه (رضي الله عنه):
روي أنّه قال لبعض ولده: إذا شئتَ أن تكون أديباً فخذ من كل شيء أحسنه، وإن شئت أن تكون عالماً فاقتصر على فنٍّ من الفنون.
وقيل لمحمّد بن الحنفية: من أدّبك؟ قال: أدّبني ربّي في نفسي، فما استحسنته من أُولي الألباب والبصيرة تبعتهم به فاستعملته، وما استقبحت من الجهّال اجتنبه وتركته مستنفراً، فأوصلني ذلك إلى كنور العلم (4).
وصية الإمام علي (عليه السلام) به:
أوصى الإمام علي (عليه السلام) عند وفاته ولده الإمام الحسن (عليه السلام) بأخيه محمّد خيراً، حيث قال: (وأُوصيك بأخيك محمّد خيراً، فإنّه شقيقك وابن أبيك، وقد تعلم حبّي له...) (5).
أولاده (رضي الله عنه):
إبراهيم، جعفر الأكبر، جعفر الأصغر، الحسن، عبد الله أبو هاشم، عمر، علي، قاسم.
أقوال العلماء فيه: نذكر منهم ما يلي:
قال الشيخ الصدوق: (كان محمّد مورداً لعطف أمير المؤمنين (عليه السلام)، وشفقته وعنايته).
وفاته (رضي الله عنه):
توفّي السيّد محمّد (رضي الله عنه) في 1 محرّم 81 هـ.
واختلف المؤرّخون في مكان دفنه، فمنهم من قال: دفن بين مكّة والمدينة، ومنهم من قال: دفن في الطائف، ومنهم من قال: دفن في مقبرة البقيع.
ـــــــــ
1ـ أُنظر: معجم رجال الحديث 17/54، أعيان الشيعة 9/435.
2ـ شرح نهج البلاغة 1/244.
3ـ تاريخ الطبري 4/545.
4ـ بحار الأنوار 2/265.
5ـ مصباح البلاغة 3/156.
بقلم : محمد أمين نجف
وصول الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء
في طريق كربلاء:
قام الإمام الحسين (عليه السلام) خطيباً ـ وهو في طريقه إلى كربلاء ـ، موضِّحاً لأصحابه المصير الذي ينتظرهم، فقال (عليه السلام): (إنَّه قدْ نَزَل بنا من الأمر ما قد تَرَون، وإنّ الدنيا قد تغيَّرت وتنكَّرت، وأدبَر مَعروفُها، واستمرَّت حذّاء، ولم تبقَ منها إلاّ صبابة كَصبابة الإناء، وخَسيس عَيشٍ كالمَرْعى الوَبيل.
ألاَ تَرَون إلى الحقِّ لا يُعمَل به، وإلى الباطلِ لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمنُ في لقاء ربِّه مُحقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ بَرَماً ـ أي مللاً ـ) (1).
مع الحر:
التقى الإمام الحسين (عليه السلام) في طريقه إلى كربلاء بالحر بن يزيد الرياحي، حيث كان مُرسلاً من قِبل عبيد الله بن زياد ـ والي الكوفة ـ في ألف فارس، وهو يريد أن يذهب بالإمام (عليه السلام) إلى ابن زياد.
كتاب ابن زياد:
وصل إلى الحر كتاباً من ابن زياد، جاء فيه: (أمّا بعد، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي، ويقدم عليك رسولي، ولا تنزله إلاّ بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، فقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بانفاذك أمري، والسلام).
فلمّا قرأ الكتاب قال الحر لهم: (هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني كتابه، وهذا رسوله، وقد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره) (2)، فأنزلهم أرض كربلاء.
في كربلاء:
عندما اضطر الإمام الحسين (عليه السلام) للوقوف في منطقة كربلاء، راح (عليه السلام) يسأل، وكأنَّه يبحث عن أرض كربلاء، فقال: (مَا اسْمُ هَذه الأرض)؟ فقيل له: أرض الطف.
فقال (عليه السلام): (هَلْ لَهَا اسمٌ غير هذا)؟ قيل: اسمُها كربلاء، فقال (عليه السلام): (اللَّهُمَّ أعوذُ بك من الكَرْبِ والبَلاء).
ثم قال (عليه السلام): (هَذا مَوضع كَربٍ وبَلاء، انزلوا، هَاهُنا مَحطُّ رِحالِنا، ومَسفَكُ دِمائِنَا، وهَاهُنا مَحلُّ قبورِنا، بِهَذا حدَّثني جَدِّي رسول الله (صلى الله عليه وآله)) (3) فنزلوا جميعاً.
مع السيّدة زينب (عليها السلام):
نزل الإمام الحسين (عليه السلام) أرض كربلاء، وضَرَب فِسْطَاطه، وراحَ يُعدُّ سِلاحه، ويصلح سَيفه، مُردِّداً (عليه السلام) الأبيات الآتية:
يَا دَهْرُ أُفُّ لَكَ مِن خَليلِ ** كمْ لك بالإشرَاقِ والأصيلِ
مِن طَالبٍ وصَاحبٍ قَتيل ** والدَّهْر لا يَنفَعُ بالبَديلِ
وكُلّ حيٍّ سَالِكٌ سَبيلِ ** مَا أقرَبُ الوَعْد مِن الرَّحيل
وإنّما الأمرُ إلى الجَليلِ
فلمّا سمعت السيّدة زينب ( عليها السلام ) تلك الأبيات، قالت: (يا أخي هذا كلام مَن أيقَن بالقَتل)! فقال (عليه السلام): (نَعَمْ يا أختَاه)، فقالت: (وَاثكْلاه، يَنعي الحُسَين إليَّ نَفسَه) (4).
ـــــــــ
1ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 48.
2ـ مقتل الحسين: 93.
3ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 49.
4ـ نفس المصدر السابق.
بقلم : محمد أمين نجف
وصول جيش عمر بن سعد إلى كربلاء
عدد الجيش (1):
أرسل عبيد الله بن زياد ـ والي الكوفة ـ ثلاثين ألف مقاتل، وقيل: أربعة آلاف مقاتل، بقيادة عمر بن سعد إلى كربلاء، لمقاتلة الإمام الحسين (عليه السلام)، ووعده إن هو قتل الإمام الحسين (عليه السلام) يُعطيهِ مُلك الري، فوصل الجيش في 13 محرّم 61 هـ إلى أرض كربلاء.
اجتماع عمر بن سعد مع الإمام الحسين (عليه السلام):
اجتمع عمر بن سعد مع الإمام الحسين (عليه السلام)، وسأله عن سبب مجيئه إلى الكوفة؟ فأجابه الإمام الحسين (عليه السلام): (كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم، فأمّا إذا كرهتموني فإنّي انصرف عنكم).
كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد:
أرسل عمر بن سعد كتاباً إلى ابن زياد، يقترحُ عليه فكرةً توصَّل إليها مع الإمام (عليه السلام)، وهي أن يفتح المجال للإمام الحسين (عليه السلام) بالعودة، وعدم مقاتلته، وهذا نص الكتاب:
(أمّا بعد: فقد أطفأ الله النائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأُمّة، وهذا حسين قد أعطاني أنّه يرجع إلى المكان الذي منه أتى، وأن يسير إلى ثغر من ثغور المسلمين، فيكون رجلاً من المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد ويضع يده في يده، فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا رضاء الله تعالى وللأُمّة صلاح).
كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد:
أرسل ابن زياد كتاباً جوابياً إلى عمر بن سعد بيد شمر بن ذي الجوشن، وقال لشمر: فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي، فإن فعلوا فليبعث بهم إليّ سلماً، وأن أبوا فليقاتلهم، فان فعل عمر فاسمع له وأطع، وأن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش، فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه، وكان في الكتاب: (إنِّي لم أبعَثْكَ إلى الحسين لِتكفَّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لِتُمنيه السلامة والبقاء، ولا لتعتذرَ عنه عندي، ولا لتكون له شافعاً.
انظرْ فإن نزلَ الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا، فابعث بهم إليَّ سلماً، وأن أبوا فأرجف عليهم حتّى تقتلهم وتمثِّل بهم، فإنّهم لذلك مستحقُّون، فإن قُتِل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنّه عَاقٌ ظَلوم، فأن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع.
فإنْ أبَيْتَ فاعتزل عملنا وجندنا، وخَلِّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنَّا أمرناه بأمرنا، والسلام).
موقف عمر بن سعد:
استلم ابن سعد الكتاب وقرأ ما فيه، وأخذ يصارع نفسَهُ بين مواجهة الإمام الحسين (عليه السلام) وقتله، التي يحلُم عن طريقه الحصول على السلطة والسياسة والمكانة المرموقة عند رؤسائه وقادته، وبين تحمُّل أوزار الجريمة، فسوَّلت له نفسه أن يُرجِّح السلطة والمال، وقرَّر أن يقود المعركة، بِمعونة شمر بن ذي الجوشن، لقتل الإمام الحسين (عليه السلام)، أهل بيته وأصحابه.
فو الله ما أدري وأنّي لواقف ** أفكر في أمري على خطرين
أأترك ملك الري والري منيتي ** أم أرجع مأثوماً بقتل حسين
ففي مثله النار التي ليس دونها ** حجاب وملك الري قرّة عيني
فعمد ابن سعد لإجبار الحسين (عليه السلام) للاستسلام أن قطع عليه طريق الماء، ولكن إباء الإمام وإصراره على عدم الرضوخ رغم الحشود التي تواجهه وقلّة الناصر.
ـــــــــ
1ـ روضة الواعظين: 182.
بقلم : محمد أمين نجف