مسألة كون الأرض على قرن ثور :
السؤال : سادتي الكرام ، لقد قرأت في الروايات والأحاديث : ( إنّ الأرض على قرن ثور ) ، فكيف ذلك ؟ ونسألكم الدعاء .
الجواب : وردت عدّة روايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ، تنصّ على ردّ الروايات الغامضة إليهم (عليهم السلام) لتوضيحها وبيانها ، ولا يصحّ طرحها أو تفسيرها حسب المذاق والمزاج ، ومن تلك الروايات :
1ـ عن محمّد بن عيسى قال : أقرأني داود بن فرقد الفارسي كتابه إلى الإمام أبي الحسن الثالث (عليه السلام) وجوابه بخطّه ، فقال : نسألك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك (عليهم السلام) ، قد اختلفوا علينا فيه ، كيف العمل على اختلافه ؟ إذ نرد إليك فقد أختلف فيه ؟
|
الصفحة 435 |
|
فكتب (عليه السلام) : ( وقرأته ما علمتم أنّه قولنا فألزموه ، وما لم تعلموا فردّوه إلينا ) (1) .
2ـ عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا ، فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه ، وإن اشتبه الأمر عليكم فيه فقفوا عنده ، وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا ) (2) .
3ـ عن جابر قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّ حديث آل محمّد صعب مستصعب ، لا يؤمن به إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان ، فما ورد عليكم من حديث آل محمّد (صلوات الله عليهم) فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه ، وما اشمأزت قلوبكم وأنكرتموه فردّوه إلى الله وإلى الرسول ، وإلى العالم من آل محمّد ، وإنّما الهالك أن يحدّث أحدكم بشيء منه لا يحتمله ، فيقول : والله ما كان هذا ، والإنكار هو الكفر ) (3) .
وهذه الرواية التي ذكرتموها من الروايات الغامضة التي لا نعرف بيانها وتفسيرها ، فنردّ علمها إلى أهلها .
كما وجّه السيّد هبة الدين الشهرستاني في كتابه هذه الرواية بقوله : ( نعم ، إنّما يستشكل المعترض فيما ورد في الشريعة : من أنّ الأرض خلقت على الحوت ، أو على قرن الثور ، ونحو ذلك ) (4) .
ولذا لم يؤمن بهذه الأخبار كثير من الفضلاء ، وأوّلها جماعة إلى المعاني الباطنية .
____________
1- بصائر الدرجات : 544 .
2- الأمالي للشيخ الطوسيّ : 232 .
3- الكافي 1 / 401 .
4- إلهيّئة والإسلام : 58 .
|
الصفحة 436 |
|
وقد منّ الله تعالى عليّ بفتح مقفلها ، وحلّ مشكلها بتقدير المضاف ، وهو أمر شائع عند البلغاء ، والمعنى : أنّ الأرض خلقت على شكل قرن ثور ـ بناءاً على القول المختار في هذه العصور ـ فيكون التناسب بين هيئة الأرض وهيئة قرني الثور من جهات :
الأُولى : أنّ وضع القرون في الثيران على الاستدارة من طرفي اليمين والشمال ، وكذلك الأرض مستديرة من طرفيها المشرق والمغرب ، فيناسب ذلك ما في بعض الأخبار من أنّ قرناً من قرني ذلك الثور في المشرق ، والقرن الآخر في المغرب .
ومن الغريب أنّ استدارة القرن بهذه الكيفية مخصوص بنوع الثيران ، ليس لباقي الأنعام وذوات القرون مثله على ما استقريناه .
الثانية : أنّ شكل القرنين في الثور مسطّح من طرفيه الأعلى والأسفل ، ومحدّب مستدير من جانبيه اليمين واليسار ، وقد عرفت استكشاف نيوتون وإصرار من تأخّر عنه على أنّ الأرض مستديرة الجانبين مسطّحة القطبين ، وذكرنا أنّ هذا المعنى المستخرج بالآلات الدقيقة والأفكار الحادّة مستفاد من أخبار وافرة عن النبيّ وعترته الطاهرة (عليهم السلام) .
الثالثة : أنّ جرم الأرض على الدوام واقع في طرف مدار بيضوي ، وكذلك قرنا الثور واقعان في موضع من رأسه ، لو فرض خطّ وهميّ من موضعهما إلى ذقنه ، بحيث يحيط بتمام رأسه ذلك الخطّ ظهر شكل المدار البيضوي ، ولو اعتبرت المدار بدن الثور أيضاً كان قرناه واقعين في موضع من البدن ، لو فرض خطّ وهميّ من موضعهما إلى موضع الذنب بحيث يحيط بجثّته ذلك الخطّ ظهر أيضاً شكل المدار البيضوي .
فالحدس يطمئن بأنّ الحجج (عليهم السلام) لم يجدوا مساغاً لتوضيح هذه العلوم والأسرار لجهّال عصرهم ، فأدرجوها في طيّ كلماتهم ورمزوها في ضمن إشاراتهم لأجل ذلك ، وضربوا للإشارة إلى مطلوبهم تمثالاً جامعاً لأكثر الجهات بأخصر العبارات ، حتّى إذا تلى بعدهم على أهل العلم والتحقيق
|
الصفحة 437 |
|
استخرجوا من طيّه السرّ الدقيق .
( عيسى أحمد كلوت . لبنان . ... )
السؤال : لماذا خلق الله الخلق ؟
الجواب : لم يخلق الله تعالى الخلق عبثاً وباطلاً ، وإنّما خلقهم لعلّةٍ وحكمةٍ ، وهو غير محتاج إليهم ، ولا مضطرّ إلى خلقهم ، وأشارت إلى هذا المعنى الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ، ننقل لك بعضها ، وللمزيد راجع كتاب ( بحار الأنوار ) للعلاّمة المجلسيّ (1) .
أمّا الآيات ، فمنها :
1ـ قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ } (2) .
2ـ قوله تعالى: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } (3).
3ـ قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا } (4) .
4ـ قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } (5) .
5ـ قوله تعالى : { أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } (6) .
وأمّا الأحاديث ، فمنها :
____________
1- بحار الأنوار 5 / 309 .
2- الحجر : 85 .
3- المؤمنون : 115 .
4- ص : 27 .
5- الأنبياء : 16 .
6- القيامة : 36 .
|
الصفحة 438 |
|
1ـ عن جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن أبيه قال : سألت الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) فقلت له : لم خلق الله الخلق ؟
فقال : ( إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثاً ، ولم يتركهم سدىً ، بل خلقهم لإظهار قدرته ، وليكلّفهم طاعته ، فيستوجبوا بذلك رضوانه ، وما خلقهم ليجلب منهم منفعةً ، ولا ليدفع بهم مضرّةً ، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد ) (1) .
2ـ عن عبد الله بن سلام مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : ( في صحف موسى بن عمران (عليه السلام) : يا عبادي إنّي لم أخلق الخلق لأستكثر بهم من قلّة ، ولا لآنس بهم من وحشةٍ ، ولا لأستعين بهم على شيء عجزت عنه ، ولا لجرّ منفعة ، ولا لدفع مضرّة ، ولو أنّ جميع خلقي من أهل السماوات والأرض اجتمعوا على طاعتي وعبادتي ، لا يفترون عن ذلك ليلاً ولا نهاراً ، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً ، سبحاني وتعاليت عن ذلك ) (2) .
3 ـ روى هشام بن الحكم ، أنّه سأل الزنديق أبا عبد الله (عليه السلام) : فلأيّ علّة خلق الخلق ؟ وهو غير محتاج إليهم ؟ ولا مضطرّ إلى خلقهم ؟ ولا يليق به العبث بنا ؟
قال : ( خلقهم لإظهار حكمته ، وإنفاذ علمه ، وإمضاء تدبيره ... ) (3) .
( محمّد . هولندا . ... )
هل خلقت الأرواح قبل الأجساد ؟
السؤال : هناك طائفة كبيرة من الروايات التي تقول : بأنّ الأرواح خلقت قبل الأجساد ، فهل هذه الروايات معتمدة بين العلماء ؟ وهل ينسجم القول بأنّ
____________
1- علل الشرائع 1 / 9 .
2- المصدر السابق 1 / 13 .
3- الاحتجاج 2 / 80 .
|
الصفحة 439 |
|
النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء ـ كما هو أصل في الحكمة المتعالية ـ مع تلك الروايات ؟ وما هو وجه الجمع إن أمكن ؟
هذا ، ولكم منّا خالص الدعاء .
الجواب : قال الشيخ المفيد (قدس سره) : ( وأمّا الخبر بأنّ الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فهو من أخبار الآحاد ، وقد روته العامّة كما روته الخاصّة (1) ، وليس هو مع ذلك بما يقطع على الله سبحانه بصحّته ، وإنّما نقله رواته لحسن الظنّ به .
وإن ثبت القول فالمعنى فيه : إنّ الله تعالى قدّر الأرواح في علمه قبل اختراع الأجساد ، واخترع الأجساد ، ثمّ اخترع لها الأرواح ، فالخلق للأرواح قبل الأجساد خلق تقدير في العلم كما قدمّناه ، وليس بخلق لذواتها كما وصفناه ) (2) .
وقال العلاّمة المجلسيّ (قدس سره) : ( اعلم أنّ ما تقدّم من الأخبار المعتبرة في هذا الباب ، وما أسلفناه في أبواب بدء خلق الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) ـ وهي قريبة من التواتر ـ دلّت على تقدّم خلق الأرواح على الأجساد ، وما ذكروه من الأدلّة على حدوث الأرواح عند خلق الأبدان مدخولة ، لا يمكن ردّ تلك الروايات لأجلها ) .
وجاء في الهامش : ( الكلام حول روايات خلق الأرواح قبل الأبدان ، يقع في جهات :
1ـ في صدورها : هل تكون مقطوعة الصدور أو لا ؟ وعلى فرض عدم القطع بصدورها ، هل يوجد دليل على وجوب التعبّد بها أو لا ؟
2ـ في دلالتها : هل تدلّ دلالة صريحة على تقدّم وجود الأرواح على أبدانها ، خارجاً بالتقدّم الزماني أو لا ؟
____________
1- معاني الأخبار : 108 .
2- المسائل السروية : 52 .
|
الصفحة 440 |
|
3ـ في توافقها مع الأدلّة العقلية .
فنقول : أمّا من الجهة الأُولى ، فهي غير بالغة حدّ التواتر ، فلا يحصل القطع بصدورها عادة ، وأدلّة حجّية الخبر الواحد قاصرة عن غير ما يتعلّق بالأحكام الفرعية العملية ، فلا يوجد دليل على وجوب التعبّد بها .
وأمّا من الجهة الثانية ، فلا ريب في ظهورها في ذلك في حدّ نفسها ، وإن لم يبلغ إلى مرتبة النصّ .
وقد أوّل الشيخ المفيد الخلق بالتقدير ، كما أنّه يمكن حملها على نوع من التمثيل والاستعارة ، إذا وجد دليل قطعي معارض لمدلولها .
وأمّا من الجهة الثالثة ، فقد دار البحث بين الفلاسفة حول حدوث النفس وقدمها ، وذهب أصحاب مدرسة صدر المتإلهيّن ، إلى أنّها تحدث بحدوث البدن، غير بالغة حدّ التجرّد العقلي متحركة نحوه ، ولا مجال لذكر أدلّتهم ونقدها هاهنا .
وهناك أمر يتعلّق بمعرفة شؤون النفس ، يستعصي على الأذهان المتوغّلة في المادّيات ، ولعلّ إجادة التأمّل فيه يعين على حلّ العويصة ، وهو : أنّ النفس وإن كانت أمراً متعلّقاً بالمادّة ، بل ناشئاً عنها ومتحداً بها ، وبهذا الاعتبار صحّ مقايستها بالحوادث ، واتصافها بالمقارنة والتقدّم والتأخر زماناً ، إلاّ أنّها حين ما تدخل في حظيرة التجرّد ، تجد نفسها محيطة بالبدن ، من ناحية البدء والنهاية ، وأنّ شعاعها يمتد إلى ما قبل حدوث البدن ، كما أنّه يمتد إلى ما بعد انحلاله .
فالذي ينظر إلى جوهرها المجرّد ، من فوق عالم الطبيعة ، يجدها خارجة عن وعاء الزمان محيطة به ، وإذا قايسها إلى ظاهرة مادّية ، واقعة في ظرف الزمان كالبدن ، يجدها موجودة معها وقبلها وبعدها ، فيصحّ له أن يحكم بتقدّم وجودها على وجود البدن ، مع أنّ من ينظر إليها من نافذة عالم المادّة ، ويعتبرها أمراً متعلّقاً بالبدن ، بل مرتبة كاملة له ، انتهى إليها
|
الصفحة 441 |
|
بالحركة الجوهرية ، وبهذا الاعتبار يسمّيها نفساً ، يحكم بحدوثها عند حدوث البدن، وحصول التجرّد لها بعد ذلك ، ولا منافاة بين النظرين ، وبهذا يمكن الجمع بين القولين .
وممّا ينبغي الالتفات إليه ، أنّ في تقدّم خلق الأرواح على الأبدان بألفي عام ـ على حدّ التعبير الوارد في الروايات ـ لم يعتبر كلّ روح إلى بدنه ، بحيث يكون خلق كلّ روح قبل خلق بدنه ، بألفي عام كامل لا أزيد ولا أنقص ، وإلاّ لزم عدم وجود جميع الأرواح في زمن علي (عليه السلام) ، فضلاً عمّا قبله ، ضرورة حدوث كثير من الأبدان بعد زمنه بآلاف السنين ، ولا يبعد أن يكون ذكر الألفين لأجل التكثير ، وتثنية الألف للإشارة إلى التقدّم العقلي والمثالي ) (1) .
( خالد . الجزائر . 28 سنة . التاسعة أساسي )