الهدف من الخلقة :
السؤال : أودّ منكم الإجابة على هذه الأسئلة التي تكاد تفجّر رأسي حول الغاية من خلق الإنسان :
من أين أنا ؟ ولماذا ؟ وإلى أين ؟ الرجاء كلّ الرجاء السرعة في الردّ .
الجواب : من حقّك أن تسأل مثل هذا ، فلابدّ للإنسان أن يعرف من أين مبدأه ، وإلى أين منتهاه ، وما هي العلّة من وجوده ؟ فأنت في الواقع تسأل عن أصلين من أُصول الدين ، وهما : التوحيد والمعاد ، بالإضافة إلى الهدف من خلق الإنسان ؟
وللإجابة على ذلك على نحو الإجمال ؛ هو أن تفهم أنّ البداية من الله ، وأنّ النهاية إلى الله ، وقد أوجز سبحانه ذلك بقوله : { إِنَّا للهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } (1) .
أمّا ما هي الغاية أو الحكمة من خلق الإنسان ؟ فهي التخلّق بالقيم والمثل الروحية والأخلاقية ، والاتصاف بالأسماء والصفات الإلهيّة ، وذلك يتحقّق بالعبودية لله تعالى .
وبما أنّك مسلم فلابدّ أن تعترف بالقرآن ، ولابدّ أن ترجع إليه لأنّه خير معين، وهو يجيبك على ما في خلجات نفسك ، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } (2) ، فالعبودية هي الغرض الإلهيّ من خلق الإنسان ، وكمال عائد إليه هي وما يتبعها من الآثار ،
____________
1- البقرة : 156 .
2- الذاريات : 56 .
|
الصفحة 454 |
|
كالرحمة والمغفرة وغير ذلك ، ولو كان للعبادة غرض كالمعرفة الحاصلة بها والخلوص لله ، كان هو الغرض الأقصى ، والعبادة غرضاً متوسّطاً .
وقد قال تعالى : { ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ } (1)، وقوله : { خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } تعليل لقوله : { لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } (2)، أي إنّما انحصرت الألوهية فيه لأنّه خالق كلّ شيء من غير استثناء ، فلا خالق غيره لشيء من الأشياء حتّى يشاركه في الألوهية ، وكلّ شيء مخلوق له خاضع له بالعبودية فيها ، وقوله : { فَاعْبُدُوهُ } متفرّع كنتيجة على قوله : { ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ } أي إذا كان الله سبحانه هو ربّكم لا غير فاعبدوه .
وقد قال تعالى أيضاً : { إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى } (3) ، وهذه وغيرها من الآيات الكثيرة تثبت المعاد ، والرجوع إلى عالم أخر ، فلابدّ إذاً من الاستعداد إلى ذلك العالم .
وإن كنت تجد في نفسك شيء من الإسلام ؛ فلابدّ إذاً من البحث في القرآن وإعجازه حتّى يتسنّى لك الاستفادة منه ، فالقرآن تحدّى جميع البشر أن يأتوا بمثله ، وقد عجزوا عن ذلك ! فهو إذاً من قوّة عليا فوق قدرة البشر .
ثمّ أنّ الإيمان بالمبدأ والتوجّه إلى ما وراء الطبيعة من الأُمور الفطرية ، التي عجنت خلقة الإنسان بها كما عجنت بكثير من الميول والغرائز ، وإنّ الشعور الديني الذي يتأجّج لدى الشباب في سنّ البلوغ ، يدعو الإنسان إلى الاعتقاد بأنّ وراء هذا العالم عالماً آخر ، يستمد هذا العالم وجوده منه ، وإنّ الإنسان بكلّ خصوصيّاته متعلّق بذلك العالم ويستمد منه ، وقد ذكر الله تعالى ذلك بقوله : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا }
____________
1- الأنعام : 102 .
2- البقرة : 163 .
3- العلق : 8 .
|
الصفحة 455 |
|
(1) .
وإنّ عبارة فطرة الله تفسير للفظة الدين الواردة قبلها ، وهي تدلّ بوضوح على أنّ الدين شيء خُلِق الإنسان عليه وفُطِر به ، كما خُلِق وفُطِر على كثير من الميول والغرائز ، والدين هنا يعني الاعتقاد بخالق العالم والإنسان ، وأنّ مصير الإنسان بيده .
ثمّ إنّ الدين عامل قويّ يرجّح كفّة الأخلاق ، ويوصي الإنسان بالعمل بالقيم وكبح جماح الغرائز ، لأنّ المتدّين يعتقد بأنّ كلّ ما يعمل من خير وشر في هذه الدنيا يحاسبه الله سبحانه عليه بأشدّ الحساب .
____________
1- الروم : 30 .
|
الصفحة 456 |
|
( راشد حسين علي . الكويت . ... )
السؤال : ما جزاء تارك الخمس عمداً ؟
الجواب : إنّ الخمس واجب على الجميع ، وتاركه عمداً إذا لم يكن مستحلاً له فهو من مرتكبي الكبائر ، ويعاقب يوم القيامة عقاباً شديداً ، ويجب عليه إخراج جميع ما تعلّق بذمّته من الخمس منذ سنّ التكليف ، وإذا لم يعلم مقداره ، فعليه بمراجعة مرجع التقليد أو وكيله لإجراء المصالحة معه .
( حسن محمّد يوسف . البحرين . 18 سنة . طالب جامعة )
السؤال : هل الخمس واجب في غنائم الحرب فقط ، كما يقول أهل السنّة ؟ ولماذا ؟
الجواب : إنّ دليل وجوب الخمس في القرآن كما تعلم هو قوله تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } (1) .
والغنيمة هنا مطلق ما يغنمه المرء وما يكسبه من تجارةٍ أو هبةٍ أو بسبب الحرب ، الذي من خلاله يغنم على ممتلكات العدو .
هذا معنى الغنيمة ، فالغنيمة بمعنى الغنم والظفر والحصول على شيء ،
____________
1- الأنفال : 41 .
|
الصفحة 457 |
|
وقد أكّد هذا المعنى الراغب الأصفهاني ـ وهو من علماء أهل السنّة ـ بأنّ كلّ ما يحصل عليه من كسبٍ ومن غيره في حربٍ أو غير حرب فهو غنم ، فقال : والغنم : إصابته والظفر به ، ثمّ استعمل في كلّ مظفورٍ به من جهة العدى وغيرهم (1) .
قال تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ ... } ، وقال : { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا } (2) والمغنم : ما يغنم وجمعه مغانم ، قال تعالى : { فَعِندَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ } (3) .
فالغنيمة ، هو مطلق حصول الإنسان على شيء من حربٍ أو غير حرب ، هذا ما يوافق القرآن ، وأهل اللسان ، وما خالفه لا يلتفت إليه ولا يسمع إلى قوله .
فالذين حصروا الخمس في غنيمة الحرب خالفوا ما عليه إطلاق المعنى ، وحصروه في غنائم الحرب من دون دليل ، بل خلاف القرآن واجتهاد مقابل النصّ .
وبعبارة أُخرى : فإنّ الدليل مع من قال بإطلاق اللفظ على معنى الغنائم جميعاً ، في الحرب أو التجارة أو غيرها .
وأمّا من ضيّق دائرة نطاق اللفظ ليحصرها على مورد واحد من موارد الغنيمة ، كانت دوافعه سياسية معروفة ، فأهل البيت (عليهم السلام) ومن تبعهم كانوا يشكّلون قوّة خطرٍ دائم على النظام ، ولغرض إضعاف القوّة الهاشميّة الناشطة آنذاك ، ولغرض فرض حصارٍ اقتصادي يوجب شل حركة الهاشميّين ، أوّلوا الغنيمة إلى كلّ ما يكسبه المقاتل في الحرب ، وألغوا جميع معانيها الأُخرى ، وعلماء البلاط لا يفتون إلاّ بما يضمن مصالح النظام ، ودفع أي احتمال خطر
____________
1- مفردات غريب القرآن : 366 .
2- الأنفال : 69 .
3- النساء : 94 .
|
الصفحة 458 |
|
يحيط بهم الآن أو مستقبلاً ، وبذلك عطّلوا عاملاً قوياً ومهمّاً في تنشيط الهاشميّين وتفعيل تحرّكاتهم ، هذا هو سبب حصر اللفظ على معنى واحد ، وهو كما ترى لا يستقيم .
( حيدر . الكويت . ... )
أدلّة وجوبه في أرباح المكاسب :
السؤال : ما هي الدلائل الشرعيّة على وجوب الخمس من القرآن الكريم ، وكتب السنّة والشيعة ؟ حيث أنّه لا يوجد عند السنّة إلاّ الزكاة ، لأنّها ذكرت في القرآن الكريم ، وشكراً .
الجواب : من المواضيع المختلف فيها بين الشيعة والسنّة هو إخراج الخمس من أرباح المكاسب ، وكلّ ما حصلوا عليه من أموال طيلة سنتهم بشروط خاصّة، بعد الاتفاق بينهم على وجوب الخمس في غنائم الحرب ، لصريح الآية الكريمة : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللهِ ... } (1) ، ولصريح قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع : الإيمان بالله ... ، وأقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم ) (2) .
فالشيعة ـ امتثالاً لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ يخرجون خمس أرباح مكاسبهم ، وما حصلوا عليه من أموال طيلة سنتهم ـ التي تتوفر فيها شرائط خاصّة ـ ، ويفسّرون معنى الغنيمة بكلّ ما يكسبه الإنسان من أرباح بصفة عامّة .
أمّا أهل السنّة ، فقد أجمعوا على تخصيص الخمس بغنائم الحرب فقط ، وفسّروا قوله تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ ... } يعني ما حصّلتم عليه في الحرب .
____________
1- الأنفال : 41 .
2- صحيح البخاريّ 1 / 133 و 2 / 109 و 4 / 44 و 5 / 116 .
|
الصفحة 459 |
|
وما ذهب إليه أهل السنّة من تخصيص الخمس بغنائم الحرب غير صحيح ، وذلك لأمرين :
1ـ أخرجوا في صحاحهم فرض الخمس في غير غنائم الحرب ، ونقضوا بذلك تأويلهم ومذهبهم ، فقد جاء في صحيح البخاريّ أن في الركاز الخمس ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( في المعدن جُبار ، وفي الركاز الخمس ) (1) .
والركاز هو : الكنز الذي يستخرج من باطن الأرض ، وهو ملك لمن استخرجه ، ويجب فيه الخمس لأنّه غنيمة ، كما أنّ الذي يستخرج العنبر واللؤلؤ من البحر ، يجب عليه إخراج الخمس لأنّه غنيمة .
وبما أخرجه البخاريّ في صحيحه يتبيّن لنا : أنّ الخمس لا يختص بغنائم الحرب .
2ـ خلاف المعنى اللغويّ للغنيمة ، فقد جاء في المنجد : ( أنّ الغنيمة ما يؤخذ من المحاربين عنوة ، المكسب عموماً ) (2) ، وعلى هذا فكلّ مكسب فهو غنيمة ، وعليه فالغنيمة تشمل أرباح المكاسب .
ثمّ لا يخفى عليك أنّ الشيعة اعتمدت في وجوب الخمس على الآية والروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، والذين هم عدل الكتاب ، لا يضلّ من تمسّك بهم ، ويأمن من يلجأ إليهم .
( رياض عيسى . البحرين . ... )
السؤال : أُريد توضيحاً عن الخمس ، وكيفية إخراجه ؟
____________
1- المصدر السابق 2 / 137 .
2- المنجد : 561 .
|
الصفحة 460 |
|
الجواب : قال الله تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِالله } (1) .
الخمس من الفرائض الإسلاميّة والواجبات الدينية على كلّ مسلم ومؤمن . فعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال عندما قرأت عليه آية الخمس : ( ما كان لله فهو لرسوله ، وما كان لرسوله فهو لنا ) ، ثمّ قال : ( لقد يسّر الله على المؤمنين أنّه رزقهم خمسة دراهم ، وجعلوا لربّهم واحداً ، وأكلوا أربعة حلالاً ) ، ثمّ قال : ( هذا من حديثنا صعب مستصعب ، لا يعمل به ولا يصبر عليه إلاّ ممتحن قلبه للإيمان ) (2) .
ويبدو أنّ إعطاء الخمس من مظاهر هذا الامتحان الإلهيّ ، فمن أعطى الخمس بطيب نفسه وابتهاج وسرور ، فإنّ ذلك من علامات الإيمان ، ولا يصبر عليه إلاّ ممتحن قلبه للإيمان .
وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال : ( قال لي هارون : أتقولون إنّ الخمس لكم ؟ قلت : نعم ، قال : إنّه لكثير ، قلت : إنّ الذي أعطاناه علم أنّه لنا غير كثير ) (3) .