عربي
Thursday 28th of November 2024
0
نفر 0

ارتباط القلب والعقل في منظار القرآن

ارتباط القلب والعقل في منظار القرآن :
من أجل ان يربط القرآن الكريم طريق القلب وطريق العقل معاً ، ويعتبر العلم معبراً للعمل ، يطرح السيرة العلمية للأنبياء ، وكذلك سيرة الحكماء الصالحين بهذا الشكل ، وهي أنهم يتعلمون ويعلمون العلم مقروناً


(194)


بالعمل ، فمثلاً إبراهيم الخليل عليه السلام حين يعتزم طرح المسائل التوحيدية يقول :
( لا أحب الآفلين ) (1) .
إن ملة إبراهيم الخليل حصلت على رسمية بحيث أن القرآن دعانا إلى تعلم ملته ، فقال :
( ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل ) (2) .
قال إبراهيم عليه السلام بعرض طريق البصر وطريق القلب بدلاً من استدلال النظر وذلك في مقام طرح التوحيد وطرد الشرك فهو لا يدخل عن طريق البرهان ولا يقول : انه نظراً لأن الكوكب يتحرك والمتحرك يريد محركاً ، وإذن لا يمكن أن يكون المتحرك رباً ، بناء على هذا فمحركه هو الرب ، لأن برهان الحركة أو برهان الحدوث او برهان الإمكان وأمثال ذلك هي مجموعة أفكار نظرية .

أسلوب إبراهيم عليه السلام :
فسر الحكماء أصحاب الرأي والمتكلمون والمحققون وأهل التفسير كل منهم أسلوب خليل الرحمن هذا بنوع من التفسير ، بعضهم قال : إن مقصود إبراهيم الخليل عليه السلام هو إقامة برهان الإمكان ، أي بالنظر لأن الكواكب ( القمر والشمس ) هي ممكنة والممكن محتاج إلى الواجب فهي إذن ليست واجبة . بعض آخر قالوا : إن مراد إبراهيم عليه السلام ، هو برهان الحدوث ولأن هذه الكواكب حادثة لذا تتطلب محدثاً . وبعض آخر قالوا :
____________
(1) ( فلمّا جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلمّا اَفَلَ قال لا أحب الآفلين ) . سورة الأنعام ، الآية : 76 .
(2) سورة الحج ، الآية : 78 .


(195)


الاستدلال عن طريق برهان الحركة ، أي لأنها متحركة ، تتطلب محركاً ، وبعض طبقوا ذلك على برهان النظم ، أي أن السير المنتظم للشمس والقمر والكواكب وأمثالها هو دليل على وجود الناظم .
هذه البراهين كل منها بمقدارها مقبولة وتحظى بالاهتمام في محلها ، ولكن ظاهر الآية لا ينسجم مع أي منها ، ليس مراد الآية أن إبراهيم عليه السلام عرف الله بالطرق المذكورة ، بل إبراهيم الخليل يقول ( إني لا أحب الآفلين ) أي أن الله هو الذي يكون محبوباً ، والشيء الآفل ليس محبوباً ، فالشيء المحكوم بالأفول ليس رباً . ان الشمس والقمر ليسا رباً لأنهما ليسا محبوبين ، وليس من ناحية أنهما ممكنا الوجود . هنا جعل المحبة الحد الوسط للبرهان ، والمحبة ليست عمل العقل ، بل هي عمل القلب ، وإبراهيم عليه السلام أصبح خليل الرحمن من ناحية انه عرف الله عن طريق المحبة ، وليس عن طريق الفكرة ، فهو عرف الله بالذكر والرغبة وليس بالفكر .
في الكتب العقلية لا يطرح مثل هذا الكلام أبداً بأن يقول إنسان : إني لا أحب الآفل ، ويقول آخر إني أحبه . القرآن الذي هو كتاب نور ربط طريق القلب مع طريق العقل وعمل على انسجامهما ، لذا نرى انه في معرفة الله التي هي أبرز معرفة دينية ، مزج وعلم طريق القلب وطريق الفكر معاً .

سيرة لقمان الحكيم في التعليم والتربية :
قال تعالى بشأن لقمان :
( ولقد آتينا لقمان الحكمة ) (1) .
وقال تعالى :
____________
(1) سورة لقمان ، الآية : 12 .


(196)


( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ) (1) .
ومن جمع هاتين الآيتين يستنبط ان لقمان الحكيم كان يتمتع بخير كثير . والله تعالى يعدّ كل الدنيا متاعاً قليلاً ويقول :
( قل متاع الدنيا قليل ) (2) .
ولكنه يعدّ الحكمة خيراً كثيراً وليس متاعاً كثيراً . وعندما يتكلم عن كلمات لقمان الحكيمة ، فإن أول كلام ينقله عن لقمان هو :
( يا بنيّ لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) (3) .
ويقيم تعالى ، البرهان أحياناً لنفي الشرك ، ويقول :
( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) (4) .
هذا هو طريق الفكر والنظر لإقامة التوحيد ، وأحياناً نقرأ ( لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) وهذا طريق الذكر وطريق العمل ، طريق العقل العملي والحكمة العملية ، يقول : إن الشرك سيّىء لأنه ظلم وعلى خلاف العقل العملي والقلب ، وليس مذموماً لأنه على خلاف العقل النظري فقط . ورغم ان القرآن الكريم يذكر الشرك بوصفه مسألة بدون البرهان ، أي أن الشرك لا يقبل الإثبات أبداً ، والذي يدعيه لا يستطيع أبداً الاستدلال على ذلك .
( ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 269 .
(2) سورة النساء ، الآية : 77 .
(3) سورة لقمان ، الآية : 13 .
(4) سورة الأنبياء ، الآية : 22 .


(197)


ربّه) (1) .
أي أن الشرك هو أمر باطل وغير مبرهن . أما لقمان الحكيم فيثبت في تعليمه وتربيته مسألة نفي الشرك عن طريق عقل العمل وحكمة العمل ، أن قبح الظلم وحسن العدل لا يرتبط بعقل النظر والفكر بل يرتبط بطريق الذكر ، لأن مسألة الميل إلى العدل والنفور من الظلم ليس لها ارتباط بطريق الفكر . من الممكن أن يدرك الفكر قبح الظلم أو حسن العدالة ، أما تلك الجنبة من النفس التي لها ميل إلى العدل ونفور من الظلم فهي جنبة العمل والقلب وليس جنبة العقل والفكر .
فاتضح ان القرآن الكريم يربط هذه الطرق معاً حتى يستطيع الشخص جبران ضعف طريق العقل بقوة طريق القلب . وإذا أصبح شخص أقوى في طريق العقل والفكر يستطيع ترميم ضعف طريق القلب في ظل قوة العقل . لأن كل شخص مناسب للطريق الذي اختاره ، من هنا لا يمكن القول : إن صنفاً من الناس مقدم على صنف آخر ، أو أن ما يتمتعون به أكثر .

خلاصة البحث :
الشيء المهم الذي شغل الأذهان هو أن المرأة ضعيفة في مسائل التفكير ، حيث ان هذا الأمر قد بين بالتفضيل ، وهو أنه إذا سلم أن الرجل يفهم أفضل من المرأة ، فانه لم يثبت ان المرأة تقبل الموعظة أقل من الرجل ، وللوصول إلى المعارف الالهية ، هناك طريقان ، أحدهما طريق الفكر والآخر طريق الذكر ، أحدهما طريق العقل والآخر طريق القلب ، وإذا لم يكن ميل واتعاظ المرأة أكثر من الرجل ، فهي ليست أقل من الرجل . أحياناً يكون لدى الإنسان فكر قوي حتى يتحرك القلب في ظل الفكر ، وأحياناً يتحرك
____________
(1) سورة المؤمنون ، الآية : 117 .


القلب ، وفي ظل حركة القلب يحصل الفكر . والقرآن الكريم نصب كلا الطريقين أمامنا . غاية الأمر ان القرآن لأنه كتاب جاء شاملاً للعالم ولكل الناس وكل الرجال والنساء ولكل جيل في كل عصر ومصر وفي كل الظروف ، لذا يعطي قيمة لطريق القلب وطريق الفطرة أكثر من طريق الفكر .
هناك كثير من الأشخاص لم يدخلوا المدرسة والحوزة والجامعة . ولكن طريق القلب مفتوح لهم ، طريق الموعظة والعمل مفتوح لهم . قد تقتضي قراءة كتاب والمشاركة في الدرس والبحث سناً خاصاً ، والإنسان عندما يصل إلى سن أكثر ، لا يكون لديه سعة صدر للتدريس والدراسة ، وقد ينسى مع كبر السن أبسط المسائل ، فلا يكون في مقدوره قراءة صفحة من العبارات بالقوانين الأدبية والقواعد العربية ، مع أنه درس سنوات هذا الفرع أو قام بتأليف وتصنيف ، فطريق المدرسة طريق يبدأ في أواسط العمر أو أوائل العمر وفي أواخر العمر ينغلق ، أما طريق القلب فهو مع الإنسان ، أي ان طريق القلب من المهد إلى اللحد ، أن حديث ( اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد ) قسمه المهم هو طريق القلب وليس طريق الفكر ، إن ما قيل من أن الطفل عندما يولد يقرأ الآذان في أذنه اليمنى ، والإقامة في أذنه اليسرى ، فهذا هو طريق القلب ، وليس طريق الفكر وان ما ورد من توصية لنا بأن نتلفظ بالذكر مرتباً ، فهذا أيضاً يمثل طريق القلب . إن عدم سعة صدر الإنسان للدراسة والبحث في سن الشيخوخة ، وقبوله جيداً للصلاة والدعاء والمناجاة ، فهذا هو طريق القلب ، وإلا فطريق الحوزة ليس من المهد إلى اللحد ، وطريق الجامعة ليس من المهد إلى اللحد ، الطريق الذي يستمر من المهد إلى اللحد هو طريق الموعظة والذكر والمناجاة والعمل الصالح . الإنسان يفهم كثيراً من الأشياء بالعمل ، وفي هذا الطريق إذا لم تكن النساء أنجح من الرجال ، فهن لسن أقل من الرجال نجاحاً ، وأنتم ترون في مسألة


(199)


الأذان أنه ليس هناك طريق بين صنف البنت والولد . في مسألة المناجاة والموعظة أيضاً ، والصيام ثلاثة أيام كل شهر لم يذكر فيه أن الرجل يصوم والمرأة لا تصوم ، فأهم طريق وهو طريق العمل والعبادة مشترك بينهما وكما طرح في البحوث السابقة فان الإنسان يدرس لا من أجل أن يصبح عالماً ، بل يدرس من أجل ان يصبح عاملاً . ولهذا العمل طريقان ، أحدهما عن طريق الدرس الذي يشجع الإنسان على العمل ، والآخر يشجع على العمل عن طريق العاطفة والموعظة . ان قوله تعالى :
( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ) (1) .
يدل على أن هذا أساس ، وهذه العبادة مهيئة دائماً ، لكل الإنسان ، في كل سن وفي كل ظرف وفي كل صنف بدون فرق بين المرأة والرجل .

السلامة أم الصلابة :
الشبهة الأخرى الموجودة في هذا الصدد هي انه إذا كان بدن المرأة والرجل غير متساويين من حيث القوة والضعف ، والبدن مركب والروح راكب ، فالمركب إذا كان أقوى فالراكب يقطع الطريق أسرع وأفضل .
لحل هذه الشبهة يجب ألالتفات إلى أن المقصود من القوة ليس المعنى الذي يتصوره البعض ، لأنه يشاهد أن كثيراً من الأشخاص هم أقوياء من الناحية البدنية ولكن الأعمال الصعبة في المجتمع ليست بعهدتهم ، لأنهم ضعفاء من حيث الإدراك . لهذا ليس كل من له بدن وساعد أقوى يفكر أفضل . الكلام هو عن السلامة وليس الصلابة ، أي إذا كان بدن المرأة والرجل سالماً فانهما يستطيعان إدراك المسائل جيداً . اما الصلابة فهي شيء آخر ، أن المعيار في الوصول إلى الكمالات هو سلامة البدن وليس صلابة
____________
(1) سورة الذاريات ، الآية : 56 .


(200)


البدن . والأعمال الشاقة تسلم إلى الأشخاص الذين يتمتعون بهم أكبر من صلابة البدن ، أما الأعمال في المجتمع فتسلم إلى الأشخاص الذين لديهم حصة أفضل من ظرافة البدن .

أنجح طريق لرقي الإنسان :
اتضح في البحوث السابقة ان الإنسان يستطيع الرقي من عدة طرق ، أحدها طريق الفكر والآخر طريق الذكر ، والنساء إذا لم تكن انجح من الرجال في طريق الذكر والمناجاة وهو طريق القلب والعاطفة والرغبة والمحبة . فبالتأكيد هن بمستوى الرجال ، وذلك الطريق هو طريق أساسي . أما طريق الفكر فهو طريق فرعي ، لأنه ثبت حتى الآن أن طريق الفكر ليس طريقاً واسعاً كثير من أفراد المجتمع وان كانوا من سكان المدن ولكنهم لم يوفقوا للتعلم والدرس والبحث ، أما طريق الموعظة وطريق القلب والمناجاة فهو مفتوح للجميع . طريق المدرسة ليس مفتوحاً للجميع ، ( علم الدراسة ) ليس ممكناً للجميع ، ولكن ( علم الوراثة ) ممكن للجميع ( وعلم الفراسة ) ممكن للجميع .
علم الدارسة هو ان يشترك الإنسان في المجامع العلمية ، يدرس ويصبح فاضلاً وعالماً ، يتعلم اصطلاحات وبعد مدة يدخل في مرحلة الشيخوخة وينسى بالتدريج كل ما قرأه في المدرسة . في مرحلة الفتوة يتعلم شيئاً فشيئاً ، وفي مرحلة الشباب يحفظ هذه المعلومات في عدة أيام وبعد أن يدخل مرحلة الشيخوخة ينسى بالتدريج . هذه المراحل الثلاث هي المقاطع الثلاثة التي نظمت للجميع في القرآن الكريم . قال تعالى :
( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ) (1) .
____________
(1) سورة الروم ، الآية : 54 .


(201)


( ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة ) (1) .
الإنسان يكون أحياناً في أسفل الجبل وأحياناً يصعد إلى قمة الجبل وأحياناً يعود من قمة الجبل إلى مكان آخر في أسفل الجبل ، هذه المقاطع الثلاثة نظمت في القرآن لكل امرأة ورجل ، الأول هو ضعف ثم قوة ثم ضعف آخر ، الأول مرحلة التعلم ، ثم مرحلة الحفظ ثم مرحلة فقدان جميع المعلومات . ( كل ما قرأته ذهب عن ذاكرتي ) هذه العبارة هي حقيقة علم الدراسة ولكن هل ان علم الوراثة وعلم الفراسة هكذا أيضاً ؟
( اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ـ عزّ وجلّ ) (2) .
هل تذهب عن ذاكرة الإنسان في مرحلة الشيخوخة كذلك ؟ أم أنها تصبح أكثر تفتحاً في طريق الشيخوخة ؟ إن قولهم :
( العلماء ورثة الأنبياء ) (3) .
هل هو بمعنى أن العلماء ورثة الأنبياء عليهم السلام في علم الدراسة الذي ينسونه في مرحلة الشيخوخة ؟ أم ان لديهم علم الوراثة الذي يصبح في مرحلة الشيخوخة أكثر تفتحاً ؟ إن علم الوراثة هو الذي يظل .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حجابك وعفتك دليل محبتك لله تعالى
ما لا يجب أن تفعليه عندما يخونك زوجك
الانسان وباقي المخلوقات
الأخلاق دلیل الشخصيّة
مفاتيح لعلم البلاغة لنفتح ما إنغلق من نهج ...
الشاي الأخضر قد يقي من أمراض العيون الشائعة
البوسنة تمنع زواج البوسنيات من السعوديين!
القرآن وتنظيم الأسرة
المسرح المدرسي
العقيدة و المرجعية

 
user comment