عربي
Saturday 4th of May 2024
0
نفر 0

سلاح المؤمن في الجهاد الأكبر

سلاح المؤمن في الجهاد الأكبر :
اتضح في بحوث أخرى ان الشخص إذا أراد ان يحارب عدواً خارجياً يجب أن يستفيد من الحديد ، من الدبابة ، ولكن إذا أراد ان يحارب العدو الداخلي يجب ان يستفيد من ( الآه ) وليس من الحديد . يجب الاستفادة من ( الآه ) في مكافحة الهوى ؛ لأن الحديد لا يستطيع ان يعمل في ذلك المكان . الإنسان الذي يجلس على دبابة أو مقاتلة أخرى حديدية الهيكل لا يستطيع ان يحارب الهوى ، بل إن الشخص الذي يعيش إلى جانب الدعاء والمناجاة ، هو مسلح حيث ورد في دعاء كميل :
« وسلاحة البكاء » (1) .
أي ان أسلحة الإنسان في محاربة العدو الداخلي ، في جبهة الجهاد الأكبر هي الآه وليس الحديد ، البكاء وليس السيف ، والسلاح الحاد والمفيد
____________
(1) مفاتيح الجنان ، دعاء كميل .


(212)


في الجهاد الأكبر هو تهذيب النفس والأنين ، وهذه الأسلحة لدى النساء أكثر من الرجال .
في طريق تهذيب النفس سلح الله سبحانه النساء أكثر من الرجال ، لأن البكاء له مبادىء ، الأنين و البكاء ليس في كل شخص ، كثير يجلسون في مجالس عزاء سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام ، ولكن ليس لديهم ذلك الفن والإدراك في أن يبكوا ، وعلى فرض ان لديهم إدراكاً ، فان رقة القلب ليست فيهم ، حيث أن تحصيل رقة القلب ، ليس عمل كل شخص وليست الفضيلة التي يحظى بها كل شخص ، على هذا فرأسمال الجهاد الأكبر هو البكاء . ( وسلاحه البكاء ) وهذا السلاح المفيد أعطاه الله تعالى للجميع ، ولكن النساء اكثر تسلحاً من الرجال ، الشخص الذي ينكسر قلبه بسرعة ويبكي ، لماذا لا يئن في طريق تهذيب النفس .
في دعاء ابي حمزة الثمالي الذي هو من أكثر أدعية شهر رمضان المبارك تفضيلاً ، يدعو الإمام السجاد عليه السلام الله تعالى ( وأعني بالبكاء على نفسي ) (1) .
أعني أن أفهم أفضل وأئن أفضل ، أعني أذا انتهت دموعي بأن تخرج الدموع مرة ثانية ؛ لأن الأنين هو السلاح الوحيد في الجهاد الأكبر ، وهذا الأنين لدى النساء أفضل من الرجال ، في أية آية قرآنية وفي أية رواية جاء أن الرئاسة أو قيادة القوات المسلحة وأمثال ذلك يؤدي إلى الدخول إلى الجنة ، هذه هي أعمال تنفيذية هي وظيفة ، هي أمانة وليست طعمة ، فإذا لم تكن المرأة متواجدة في الأقسام المختلفة للأعمال التنفيذية أو مسائل الجبهة والجهاد والأقسام العسكرية ، لم يدل ذل على أن يكون سهماً أقل من
____________
(1) مفاتيح الجنان ، دعاء أبي حمزة الثمالي .


(213)


الرجل في التقرب إلى الله .
بناء على هذا يجب أن تكون النساء عارفات بالحق ؛ لأن الله أعطى هذا السلاح لهن أكثر من الرجال ، كل ما في الأمر أنه يجب عليهن صرف هذا في محله .

البكاء في محلة :
أحياناً يحمل شخص سيفاً في يده ولكنه يضرب به صخرة ، في حين أن هذا السيف الحاد يجب أن يضرب به العدو ، أحياناً أيضاً يبكي شخص ، ولكنه يبكي من أجل الدنيا ، قلبه رقيق ومن أهل الأنين والبكاء ، ولكنه يئن في غير محله ، التعاليم الدينية من أجل أن يستعمل الإنسان هذا السلاح في محله .
يقول للرجال : هيئوا أسلحة واستعملوا الأسلحة في محلها ، ويقول للنساء : إن الله اعطاكن أسلحة ، غاية ما في الأمر استعملنها في محلها . يجب أن يتحمل الرجال مشقتين والمرأة مشقة واحدة ، مثل بلد غير مسلح في الحرب ويقال له اكتفي وهيّىء أسلحة ، ثم استعلمها في محلها ، ولكن لا يقال للبلدان التي وصلت حد الاكتفاء الذاتي في انتاج السلاح أن تتسلح ، بل يقال لديك سلاح ولكن استعمليه في محله .
من هنا يقول الإمام السجاد عليه السلام : ( فما لي لا أبكي ، أبكي لخروج نفسي ، أبكي لظلمة قبري ، أبكي لضيق لحدي » (1) .
فيتضح ان الإنسان ما لم يبك لا ينجو ، وهذا البكاء هو سلاح الإنسان أيضاً ، وهذا السلاح اعطاه الله للجميع ، ولكن اعطاه النساء أكثر من الرجال ، وقال لهن ان يستعملن هذا السلاح في محله .
____________
(1) مفاتيح الجنان ، دعاء أبي حمزة الثمالي .


(214)


فنحن عندما نلاحظ ان الإمام السجاد عليه السلام يسأل من الله توفيق البكاء ويدعو الله أن يعينه بالبكاء على نفسه ، فسر ذلك هو أننا نواجه عدواً أقوى ، عدواً في نفس الدار ، وهو الهوى ، ومن أجل أن يتضح هل ننتصر في هذه الحرب أم نخسر ، يجب أن يكون كل كلام يقوله الناطق باسمنا معياراً لنا ، الفم هو ناطق باسمنا ، إذا قال شخص انني اعمل ما أريد ، وأقول كل ما أريد ، يتضح أنه فشل وأسر ، كيف يكون الإنسان عبد الله ، ثم يقول : انني اعمل ما أريد ، وأقول ما أريد ، هذا الذي يتكلم هو الشيطان وهو ناطق باسم الشيطان .
ولكن الإنسان إذا وصل إلى درجة بحيث يقول : كل ما أراده الله ، أقوله ، واطيع كل ما أراد الله . يجب أن يكون شاكراً ؛ لأنه ناطق باسم الملائكة والأنين لازم من أجل الانتصار في جبهة الجهاد الأكبر ، القوة لا تفيد شخصاً ، فهي خارج حدود القلب والحرب ، هي في داخل القلب ، والقبضة القوية والأموال والمقام ليست لها علاقة بميدان القلب والنفس ، في مكان تقع حرب ، وهو لديه مقام في مكان آخر ، هذا ليس قابلاً للطرح أساساً ، الحرب في القلب يلزمها سلاح واحد وهو انكسار القلب في محضر الله ، وفي هذا السلاح ، النساء أنجح من الرجال ؛ يجب أن تجرب النساء عدة أيام ويقطعن هذا الطريق حتى ترى ان بأمكانهن ان يكن أسوة للمجتمع .
وفي البحوث السابقة اتضح أيضاً ان منطق القرآن هو ان المرأة الجيدة هي نموذج للناس الجيدين وليس فقط نموذجاً للنساء .

التقرب إلى الله أساس سائر الكمالات :
كل كمال يذكره الله تعالى في القرآن ، يعتبره فرع تقرب إلى الله . حتى العلم ، حتى الفقه والأصول ، التفسير ، الفلسفة والعرفان التي هي من أفضل


(215)


العلوم الإسلامية ، يعتبرها فرع تقرب إلى الله .
هل العلم نفسه هو كمال وهل القرآن الكريم الذي يعتبر العالم أفضل من الجاهل ويقول : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (1) .
يبين أصلاً من أصول دستور الدين أم هو ملحق لأصل لآخر ؟ في الجواب يجب القول : إن هذا ليس أصلاً ، بل هو ملحق ، الفرق بين الأصل والملحق هو أن الأصل مستقل والملحق يكتب في آخر الأصل .
في إحدى آيات سورة الزمر هناك أصل وملحق الأصل هو الأنين والضجة والتقوى والبكاء والعبودية في محضر الله تعالى ، وذيل هذا الأصل ، هي مسألة العلم .
( أمنّ هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ) (2) .
والقرآن يطرح أولاً أصلاً ويقول : هل إن الذين يعبدون في الليل يستوون مع الآخرين ؟ هل أن الذين هم من أهل الركوع والقنوت والخشوع والتواضع والعبودية في ساحة الله تعالى . يستوون مع الآخرين ؟ الذين يرجون رحمة الله ويقلقون على مستقبلهم هل يستوون مع الآخرين ؟ ثم يقول في آخر هذا الأصل بعنوان ملحق : هل يستوي العالم وغير العالم ؟
يتضح أن المقصود هو العلم الذي يكون ملحق ذلك الأصل ، أي القنوت والخضوع والعبودية في ساحة الله ، والأنين ليلاً ، رجاء رحمة الله وخشية عقابه . هذا أولاّ ، ثم مسألة العلم ثانياً ، ولو لم يكن ذلك الأصل فهذا
____________
(1) سورة الزمر ، الآية : 9 .
(2) سورة الزمر ، الآية : 9 .


(216)


العلم ليس أكثر من وبال .
( ربّ عالم قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه )(1).
أمير المؤمنين عليه السلام يبين أنه رب عالم قد قتله جهله ، عالم ولكنه ليس عاقلاً ، ولأنه ليس عاقلاً ، فهو جاهل ـ أي الجهل مقابل العقل وليس الجهل في مقابل العلم ـ فرغم انه عالم ، لكنه خسر في جبهة جهاد الداخل وهلك . ( ربّ عالم قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه ) العلم ليس بتلك الاستطاعة ، بل العقل والعقل يظهر بالأنين .
فإذا اعتبر القرآن ، العلم بوصفه ميزة وفضيلة ، يعتبر هذا ملحق ذلك الأصل .
يمكن ان يكون هناك فرق بين المرأة والرجل في المسائل العلمية ، ولكن في مسألة الأنين والبكاء ، إن لم تكن المرأة اكثر نجاحاً ، فهي ليست أكثر حرماناً ، ( أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) . ثم ( قل هل يستوي الذين يعلمون ) هذه الآية الكريمة تشخص التقوى وتعطي للإنسان العارف درعاً ، لم يقل : إن الذي يعبد آناء الليل يخاف من الله ، بل ينسب الرجاء إلى الله والخوف إلى عاقبة عمله لم يقل : ( يحذر ربه ويرجو رحمة ربه ) ؛ لأن الله كمال محض والكمال المحض ليس لديه خوف .
ورد في دعاء السحر :
( اللهم إني أسألك من بهائك بأبهاه ) (2) .
كل هذا الدعاء هو جمال ، وبما أن الله تعالى كله جمال ، فلا محل
____________
(1) نهج البلاغة ، الفيض ، الحكمة 104 .
(2) مفاتيح الجنان ، دعاء السحر .


للخوف حتى يخاف شخص من الله ، لذا تعطي الآية درعاً بيد الإنسان وتقول : إذا رأيت جمالاً وجه هذا الدرع نحوك حتى لا يسند الجمال إليك . ويصل مباشرة إلى الله ، وإذا رأيت خوفاً أو سمعت كلاماً عن جهنم وجه هذا الدرع فوراً نحو الله ينسب الخوف إلى الله ، الإنسان يخاف من عاقبة عمله وإلا فالله هو جمال محض ( كل جمالك جميل ) (1) .

الخوف العقلي والنفسي :
إذاً الكلام عن ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى ) (2) ، فالمقصود هو الخوف العقلي وليس الخوف النفسي ، الخوف العقلي هو أن الإنسان عندما يذهب إلى محل عظيم يخاف خوفاً عقلياً ويشعر بالحقارة والصغر ، أحياناً يسافر الإنسان لوحده في صحراء ويخاف من اللص والسارق والحيوان المفترس هذا الخوف هو خوف نفسي ولن يدخل أحياناً إلى الحرم المطهر لثامن الحجج ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ويخاف ، وهذا هو خوف عقلي ، أي يشعر بالصغار ، الخوف العقلي هو عين المحبة . في دعاء أبي حمزة الثمالي نقرأ :
( اللهم أني أسألك أن تملأ قلبي حباً لك وخشية منك ) (3) .
وكما أن صفات الله تعالى عين بعضها البعض وعين ذاته ، كذلك صفات العبد الكامل التي هي مظهره هي عين بعضها البعض وعين ذاته ، ولكن مع هذا الفرق وهو أن الصفات في العبد الكامل ، ممكنة ، وعينيتها إمكانية ، وفي الذات المقدسة الواجبة ، صفاته واجبة ، وعينيتها وجوبية أيضاً ، لذا ورد في هذا الدعاء ( اللهم إني أسألك أن تملأ قلبي حباً لك
____________
(1) مفاتيح الجنان ، دعاء السحر .
(2) سورة النازعات ، الآيتين : 40 ـ 41 .
(3) مفاتيح الجنان ، دعاء أبي حمزة الثمالي .


(218)


وخشية منك ) ، حتى يتضح أن الخشية خشية محبة لا خشية خصام . أحياناً يخاف الإنسان من العدو ، وأحياناً يخاف من الصديق ، هنا المحبة هي عين الخشية ، هذه الخشية هي عين تلك المحبة .

العلم النافع :
إذا طرح العلم بوصفه فضيلة فان العلم فرع وأصله هي التقوى ، من هنا يتضح ان العلم الذي أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بطلب زيادته ، إذ قال :
( وقل ربّ زدني علماً ) (1) .
يقصد به العلم الذي يكون نافعاً . ونفع العلم هو في ظل التقوى .
بعض العلوم ليست مفيدة في الدنيا فقط ، بل تزدهر في البرزخ والقيامة أيضاً ، وبعض العلوم لها جنبة عملية ودنيوية فقط ، إذا استفاد الإنسان منها في الدنيا بشكل صحيح فهي مفيدة ، وإلا فنفس العلم يرحل بعد الموت مثل علوم الزراعة ، والبيطرة والطرق والبناء المعماري وأمثال ذلك ؛ لأنه ليس في الجنة محل للزارعة حيث تنمو الشجرة في كل مكان يريده المؤمن ، وفي كل مكان يريده تفور عين .
( عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجبراً ) (2) .
ولكن معرفة الله واسماء الله ، معرفة مواقف القيامة وأمثال ذلك تزداد ازدهاراً في القيامة . العلم الذي يكون مفيداً للمجتمع البشري . تحصيله إما واجب عيني أو واجب كفائي في الدين ، ولكن الأهم من الكل هي المعارف الإلهية التي قال تعالى لرسوله : ( وقل رب زدني علماً ) نموذج هذا العلم علمه له وقال :
____________
(1) سورة طه ، الآية : 114 .
(2) سورة الإنسان ، الآية : 6 .


(219)



( فاعلم انه لا إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) (1) . ليس هناك أعلى من علم التوحيد .
(التوحيد ، ثم الجنة ) (2) .
ولكن هذا العلم إلى جانب طلب المغفرة وإلى جانب ذلك الدعاء ، وهذا ليس من أجل ان العلم هو هدف أصيل ، بل لأن الاعتقاد التوحيدي هو أصل ، لأنه نفسه عمل ويهيىء أرضية ذلك الاستغفار ( فاعلم انه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) (3) . وبمناسبة هذه الآية الكريمة ورد :
( خير العلم . التوحيد ) و ( خير العبادة ، الاستغفار ) (4) .
في هذه الناحية أيضاً ليس هناك امتياز بين المرأة والرجل ، بل ان النساء أكثر نجاحاً في أقسام الدعاء .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

کیف تحافظ على سلامتک
مشكلة الأسرة المعاصرة
العقل والاجماع
المرجعية توصي المقاتلين مراعاة المعايير ...
يمكنك التغلب على السوق
أهمية علم الأخلاق
أجيالنا والمستقبل
آيات الحجاب في القرآن
أنواع التجلي الاِلَهي
وأن تصوموا خير لكم

 
user comment