الثامن عشر : العموم في الدعاء :
ومن آداب الدعاء أن لا يخصَّ الداعي نفسه بالدعاء ، بل يذكر إخوانه المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات .
وهذا من أهمّ آداب الدعاء ، لأنّه يدلّ على التضامن ونشر المودَّة والمحبّة بين المؤمنين ، وإزالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم ، وذلك من منازل الرحمة الإلهيّة ، ومن أقوى الأسباب في استجابة الدعاء ، فضلاً عن ثوابه الجزيل للداعي والمدعو له .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( إذا دعا أحدكم فليعمُّ ، فإنّه أوجب للدعاء ) (2) .
التاسع عشر : التضرّع ومدُّ اليدين :
ومن آداب الدعاء إظهار التضرّع والخشوع ، فقد قال تعالى : { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً } (3) .
وقد ذمَّ الله تعالى الذين لا يتضرّعون إليه في قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } (4) .
وعن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : { فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } ، فقال (عليه السلام) : ( الاستكانة هي الخضوع ،
____________
1- الكافي 2 / 483 .
2- المصدر السابق 2 / 487 .
3- الأعراف : 205 .
4- المؤمنون : 76 .
|
الصفحة 488 |
|
والتضرُّع هو رفع اليدين والتضرُّع بهما ) (1) .
العشرون : الإسرار بالدعاء :
فيستحبّ أن يدعو الإنسان خُفية ليبتعد عن مظاهر الرياء التي تمحق الأعمال وتجعلها هباءً منثوراً ، قال تعالى : { ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } (2) .
وقال الإمام الرضا (عليه السلام) : ( دعوة العبد سِراً دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية } (3) .
الواحد والعشرون : التَرَيُّث بالدعاء :
ومن آداب الدعاء أن لا يستعجل الداعي في الدعاء ، بل يدعو مترسّلاً ، وذلك لأنّ العجلة تنافي حالة الإقبال والتوجّه إلى الله تعالى ، وما يلزم ذلك من التضرُّع والرقّة ، كما أنّ العجلة قد تؤدّي إلى ارتباك في صورة الدعاء ، أو نسيان لبعض أجزائه .
الثاني والعشرون : عدم القنوط :
وعلى الداعي أن لا يقنط من رحمة الله ، ولا يستبطأ الإجابة فيترك الدعاء ، لأنّ ذلك من الآفات التي تمنع ترتّب أثر الدعاء ، وهو بذلك أشبه بالزارع ، الذي بذر بذراً فجعل يتعاهده ويرعاه ، فلّما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله .
فعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، أنّه قال : ( لا يزال المؤمن بخير ورجاء ، رحمة من الله عزّ وجلّ ما لم يستعجل ، فيقنط ويترك الدعاء ) ، قلتُ له : كيف يستعجل ؟ قال (عليه السلام) : ( يقول : قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى
____________
1- الكافي 2 / 480 .
2- الأعراف : 55 .
3- الكافي 2 / 476 .
|
الصفحة 489 |
|
الإجابة ) (1) .
الثالث والعشرون : الإلحاح بالدعاء :
وعلى الداعي أن يواظب على الدعاء والمسألة في حال الإجابة وعدمها ، لأنّ ترك الدعاء مع الإجابة من الجفاء ، الذي ذَمَّهُ تعالى في محكم كتابه بقوله : { وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } (2) .
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( وإن أصابه بلاء دعا مضطرّاً ، وإن ناله رخاء أعرض مغترّاً ) (3) .
الرابع والعشرون : التَقَدُّم في الدعاء :
ومن آداب الدعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدّة ، لما في ذلك من الثقة بالله ، والانقطاع إليه ، ولفضله في دفع البلاء ، واستجابة الدعاء عند الشدّة .
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : ( من سَرَّهُ أن يُستجابَ له في الشدّة ، فليكثر الدعاء في الرخاء ) (4) .
الخامس والعشرون : التَخَتُّم بالعقيق والفَيرُوزَالجواب :
ويستحبّ في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج ، وذلك لقول الإمام الصادق (عليه السلام) : ( ما رُفِعَت كفٌّ إلى الله عزّ وجلّ أحبُّ إليه من كفٍّ فيها عقيق ) (5) .
ولقوله (عليه السلام) : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : قال الله عزّ وجلّ : إنّي لأستحي من عبدٍ
____________
1- المصدر السابق 2 / 490 .
2- الزمر : 8 .
3- شرح نهج البلاغة 18 / 356 .
4- الكافي 2 / 472 .
5- ثواب الأعمال : 174 .
|
الصفحة 490 |
|
يرفع يدَه وفيها خاتم فيروزج فأَرُدَّهَا خائبة ) (1) .
( ابن الخاجة . البحرين . ... )
السؤال : هل ثبت لدى علمائنا الدعاء المسمّى بدعاء القدح ؟ وهل عدم ثبوته يعني عدم جواز قرائته وتوزيعه ونشره ؟
الجواب : الظاهر أنّ دعاء القدح لم يثبت عند علمائنا بطريق معتبر ، ولكن يمكن أن يقرأ برجاء المطلوبية ، وعندها يحصل الإنسان على الثواب .
إذاً يجوز قراءته بعنوان رجاء أنّه مطلوب من الشارع المقدّس ، لا بعنوان أنّه ورد فيه استحباب ، وعليه فيجوز توزيعه ونشره .
( علي نزار . الكويت . 23 سنة . طالب كلّية الدراسات التجارية )
السؤال : في معرض ردّكم على استفسار الأخ رؤوف حول موضوع التوسّل والاستغاثة بأهل البيت (عليهم السلام) ، جاءت هذه العبارة : إنّ قلّة طاعتنا وكثرة ذنوبنا نحن العبيد إليه ، يوجب ذلك حجب الدعاء عن الله والاستجابة لنا .
هل هناك في القرآن الكريم ما يدعم هذا المعنى ؟ وكذلك هل هناك من الروايات الصحيحة الواردة عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) بهذا الخصوص ؟ وشكراً .
الجواب : نعم ، هناك روايات وردت عن النبيّ وآله (عليهم السلام) تؤكّد : بأنّ الذنوب والمعاصي تحجب وتمنع عن استجابة الدعاء ، ومن تلك الروايات :
1ـ عن الإمام الباقر (عليه السلام) : ( إنّ العبد يسأل الله تعالى الحاجة ، فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب ، أو إلى وقت بطيء ، فيذنب العبد ذنباً ، فيقول الله تبارك وتعالى للملك : لا تقض حاجته ، وأحرمه إيّاها ، فإنّه قد تعرّض
____________
1- بحار الأنوار 90 / 321 .
|
الصفحة 491 |
|
لسخطي ، واستوجب الحرمان منّي ) (1) . وورد في الدعاء المعروف بدعاء كميل ( واغفر لي الذنوب التي تحجب الدعاء ) .
( محسن . إيران . 27 سنة . ليسانس )
معرفة الله مقدّمة لمعرفة الإمام وبالعكس :
السؤال : نقرأ في الدعاء المنقول عن الصادق (عليه السلام) : ( اللهمّ عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك ... ) (2) ، فإنّ الفاء للتفريع ، فمعرفة الله والنبيّ مقدّمة لمعرفة الإمام (عليه السلام) .
مع أنّا نعلم أنّ معرفة الله غاية المعارف ، ومعرفة النبيّ والإمام مقدّمة له ، فكيف نوفّق بين هذا وبين قوله (عليه السلام) في الدعاء المأثور ؟ وشكراً .
الجواب : إنّ معرفة البارئ تعالى غاية المعارف وأجلّها بلا إشكال وبلا خلاف عند الجميع ؛ ولكن هذه المعرفة لا تتمّ ولا تكمل إلاّ من طريق معرفة الأنبياء والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ؛ لأنّهم أبواب معرفة الله تعالى ، كما جاء في أحاديث مختلفة ، هذا من جهة .
ومن جهة أُخرى ، فإنّ الأصل في جميع هذه المعارف هو التوحيد ومعرفة الله سبحانه ، إذ لا تعقل معرفة النبوّة والإمامة إلاّ من بعد معرفته جلّ وعلا .
وبعبارة واضحة : فإنّ معرفة الإمام (عليه السلام) فرع معرفة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ومعرفة النبيّ (صلى الله عليه وآله) فرع معرفة الله تعالى .
والنتيجة : أنّ المعرفة الإجمالية للتوحيد لا تتوقّف على أيّة معرفة أُخرى ، بل هي من جانب الله تعالى ، ومن هذه المعرفة تنشأ معرفة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ومنها معرفة الإمام (عليه السلام) .
____________
1- الكافي 2 / 271 .
2- الكافي 1 / 337 .
|
الصفحة 492 |
|
ثمّ إن أردنا المعرفة التفصيلية لله تعالى ـ في حدود استيعاب عقول الممكنات ـ يجب علينا مراجعة الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ، لأنّهم خلفاء الله سبحانه في أرضه وعباده ، فالعلم والمعرفة التامّة قد أودعها عندهم ، فهم السبيل والصراط إلى الله تعالى .
وبالجملة ، فهنا مرحلتان : إحداهما : من معرفة البارئ إلى معرفة الإمام (عليه السلام)، وهذه هي المعرفة الإجمالية .
وثانيهما : من معرفة الإمام (عليه السلام) إلى معرفة الله تعالى ، وهذه هي المعرفة التفصيلية .
فلو نظرنا إلى الأحاديث والروايات الواردة في العقائد والمعارف الإلهيّة ، لخرجنا بهذه النتيجة ؛ فإنّ منها ما تشير إلى المعرفة الإجمالية ، ومنها ما تدلّ على المعرفة التفصيلية .
وممّا ذكرنا يظهر أنّ الدعاء المذكور هو في مقام تبيين وتوضيح المرحلة الأُولى من المعرفة ، وهي المعرفة الإجمالية .
( حسن رضائي . ... . ... )