عربي
Thursday 28th of November 2024
0
نفر 0

نماذج من المقامات العرفانية للمرأة

نماذج من المقامات العرفانية للمرأة

النساء اللواتي كان لهن ذوق عرفاني ازدهر في الإسلام ، واللواتي قلن جملاً وكلمات عرفانية رفيعة ، أو نظمن شعراً ، كن كثيرات في التاريخ ونشير إلى عدة حالات كنماذج .

رابعة الشامية(1) :
مخاطبة ملك الغيب :
رابعة الشامية هي زوجة أحمد بن أبي الحواري ، وفضيلة وكرامة هذه المرأة لم تكن قابلة للإنكار ، كان زوجها يقول : عندما نفرش مائدة الطعام ، كان رابعة تقول لي : كل ( فإنها ما نضجت إلا بالتسبيح ) . ما المقصود من هذه الجملة ؟ هل المقصود أنها كانت تسبح أثناء الطبخ ـ مثل الكلام الذي ورد بشأن بعض مراجع التقليد ، بأن أمه كانت تقول : لم أرضعه الحليب إلا باسم الله ـ أي أنني كنت أقول سبحان الله أثناء طبخ الطعام ؟ أم أن المقصود هو ان هذا الطعام طبخ بالتسبيح ؟ وأساساً هل يمكن طبخ الطعام بالتسبيح ؟
____________
(1) الدر المنثور ، ص 201 .


(238)


أي أنه إذا قال شخص ( سبحان الله ) يكون الطعام جاهزاً .
في سورة يونس المباركة ، جاءت كيفية تناول أهل الجنة للطعام هكذا :
( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) (1) .
إن قوله : إن دعوى أهل الجنة هو التسبيح ماذ يعني ؟ هذه الكلمة تبين مسألتين ، الأولى : ان هؤلاء مدعون ويطلبون أمراً ، والثانية : أنهم يسبحون ( دعواهم فيها سبحانك اللهم ) . معنى الجملة الوسط واضح إلى حد ما ولكن ما هي الجملة الأولى والجملة الأخيرة ؟ وما هو التناسب الموجود بين الإدعاء والتسبيح والتحميد ؟
ما هو مسلم أن هؤلاء كائنات ممكنة ومحتاجة ، لذا يريدون غذاءً ، ولكن عندما يريد أهل الجنة طعاماً وفاكهة لا يقولون لشخص : هيىء لنا فاكهة ، أو يدخلون إلى البستان ويقطفون فاكهة ، بل إن ( دعواهم فيها سبحانك اللهم ) كل ما يريده هؤلاء يهيأ بالتسبيح ، إذا أرادوا ماء كوثر ، يقولون : ( سبحانك اللهم ) ، وإذا أرادوا فاكهة يقولون : ( سبحانك اللهم ) فيثبتون الدعوى بالتسبيح .
التناسب بين إثبات تلك الدعوى والتسبيح هو أنهم عندما يرون أنفسهم محتاجين إلى نعمة من النعم في الجنة ، يجدون ان الله تعالى منزه عن هذه الحاجة ، فلا يقولون : أعطنا فاكهة أو ماء ، بل يقولون : بأن الله منزه عن حاجة ، أي أنهم محتاجون . والله مبرأ من الحاجة إلى الفواكه والكوثر ، والأدب يقتضي ان يكون للإنسان هذا النوع من السلوك مع الكرماء ، فكيف
____________
(1) سورة يونس ، الآية : 10 .


(239)


بالسلوك مع الله الذي هو خالق الكرماء ، لا يقول : أنا محتاج ، أعطني بل أنت لا تريد ، أنت لست محتاجاً وهكذا يتكلم أهل الجنة أيضاً ( سبحانك اللهم ) أنت منزه عن أن تكون محتاجاً آنا ، أي اعطنا ، هذا بيان العلاقة بين الأدعاء والتسبيح .
أما الجملة الثالثة ـ العلاقة بين الادعاء والحمد ـ ( وآخر دعواهم أن الحمد لله ) أي بعد ذلك التسبيح ، عندما تلقوا أنعاماً من الله ، يبرزون في مقام الشكر ويقولون : ( الحمد لله رب العالمين ) ، الحمد بعد التسبيح ، التسبيح هو بمعنى الطلب تلويحاً وعندما استجيب للطلب وحصل هذا المحتاج على ما يحتاجه ، يأتي دور الشكر والحمد ، لذا يقولون : ( الحمد لله رب العالمين ) .
وتقول رابعة الشامية لزوجها : كل هذه المائدة ( فإنها ما نضجت إلا بالتسبيح ) ، قد لا يكون مقصودها أنها عندما كانت تذهب إلى المطبخ تسبح في لسانها وتقول في حال طبخ الغذاء ( سبحان الله ) . بل قد يكون مقصودها إن هذا الطعام طبخ بالتسبيح .
فالمرأة يمكن أن تحصل على مثل هذا المقام.
وهذه المرأة لها شعر تربوي أيضاً ، يقول زوجها : إن لها حالات متنوعة . كما أن أصحاب الرأي لهم أفكار متنوعة ، بسبب أن مقدمات متنوعة تظهر في أذهانهم ـ أصحاب القلوب أيضاً لهم انجازات متنوعة ، لأن واردات متنوعة تظهر في قلوبهم ، أحياناً واردة الحب ، وأحياناً واردة الخوف ، وأحياناً واردة الأمل ، ويقولون كلاماً مناسباً لكل واردة كان حب الله يرد عليها وتقول :


(240)

 

حبيـب ليـس يعــد لــه حبيـــب

*

ومــا لسـواه فـي قلبــي نصيـــب

حبيـب غـاب عـن بصـري وشخصـي

*

ولكــن عــن فــؤادي مــا يغيــب

حبيبي هو الذي ( لا تدركه الأبصار ) (1) أما « وقلبي بحبك متيماً »(2) فهو مستور عن العين لأنه منزه عن أن تراه العين ، ولكن له محل في القلب .
كانت أحياناُ تعيش حالة أنس بالله ، وتنظم فيه شعراً وتقول :

ولقـد جعلتـك فـي الفـؤاد محـدثـي

*

وأبحـت جسمـي مـن أراد جلـوســي

فـالجسـم منـي للجليـس مـؤانـس

*

وحبيـب قلبــي فــي الفـؤاد أنيسـي

وأحياناً تتغلب عليها حالة الخوف وتقول :

وزادي قليــل مــا أراه مبلغـــي

*

أللـزاد أبكـي أم لطــول مسـافتــي

أتحـرقني بـالنـار يـا غـايـة المنى

*

فـأيـن رجائي فيـك ؟ أيـن مخـافتـي

وهناك كلام لأمير المؤمنين عليه السلام في الأدعية حيث يقول :
« آه من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظيم المورد » (3) .
____________
(1) سورة الأنعام ، الآية : 103 .
(2) دعاء كميل .
(3) نهج البلاغة ، الفيض ، الحكمة 74 .


(241)


رابعة البصرية العدوية (1) :
هناك كلمات تربوية عن رابعة العدوية في هذا المجال ، فقال ذكر أنها كانت تبكي كثيراً ، وكانت تندهش عندما يرد كلام عن النار وكانت تقول : ( استغفارنا يحتاج إلى استغفار ) ، هذه هي المعرفة الرفيعة التي يقولها سيد الشهداء عليه السلام في دعاء عرفة :
( إلهي من كانت محاسنه مساوىء فكيف لا تكون مساوئه مساوىء ) (2) .
الشخص الذي يعرف محاسنه جيداً ، يتضح ـ بخياله ـ انه وصل إلى درجات رفيعة ، الشخص الذي يصلي ويتصور أنه عمل عملاً ، ولا يعلم أن كل هذا التوفيق هو ببركة اللطف الإلهي ، الشخص الذي يبكي ويستغفر ويتصور أنه عمل عملاً مهماً ، هذه هي ( محاسنه المساوىء ) ، حسنته سيئة ، فكيف بسيئته ؟ هذه المرأة تقول إن استغفارنا يحتاج إلى استغفار ، لأن هذا الاستغفار غير خالص أيضاً ، لم تكن تقبل من الناس شيئاً وكانت تقول ( مالي حاجة بالدنيا ) . عندما سمعت أن سفيان الثوري يقول : ( واحزناه ) إلى متى يجب أن نكون حزينين ؟ قالت ( واقلة حزناه ) . أنا أتألم لماذا ألمي قليل ، أنت تقول لماذا أصل الحزن ؟ أما أنا أقول لماذا قلة الحزن ؟
نقل عن هذه المرأة كلام تربوي آخر ، إذ قالت :
( اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم ) .
لأن إظهار الحسنة نقص عند الإنسان ، لأنها تظاهر .
____________
(1) الدر المنثور ، ص 202 ـ 203 .
(2) دعاء عرفة ، القسم الأخير .


(242)


قول أهل المعرفة : إن ظهور أولياء الله في العبودية أولى لهم من الظهور في الربوبية . إذا لم تقتض الضرورة فان أي ولي من أولياء الله لا يبين معجزة ، لأن الاعجاز هو ظهور الربوبية ، لذا يقول الذين وصلوا إلى المقصد : إن ظهور أولياء الله في العبودية ألذّ من ظهورهم في الربوبية ، ولو لم تقتض الضرورة لا يظهرون في الربوبية ، أي لا يأتون بمعجزة أبداً ، لأن المعجزة هي مظهر الربوبية .
( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) (1) .
لو لم يك إذن الله لم يستطع أي رسول الاتيان بمعجزة وآية ، والمقصود من الاذن هنا هو الإذن التكويني أيضاً . ويشرع بـ ( كن فيكون ) التي يقولها الله ، وإلا فأي كائن سواء كان ملكاً أو إنساناً لا يستطيع أي عمل بالاستقلال . كل العالم يدار بأمر الله . وعندما يظهر اعجاز فهذه ربوبية الله تظهر في كسوة الإنسان الكامل ، وطبعاً انفضال الظاهر ، عن المظهر ، محفوظ ، ثم إن هذا هو مقام فعل لا مقام الذات . الفرض ان سيرة السالكين الواصلين هي ظهورهم في العبودية لا في الربوبية .
وأسند الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب عوارف المعارف بيتين منسوبين إلى رابعة الشامية ، إلى رابعة العدوية وهذان البيتان عبارة عن :

إنــي جعلتــك فـي الفـؤاد محـدثـي

*

وأبحــت جسمـي مـن أراد جلـوســي

فــالجســم منـي للجليـس مـؤانــس

*

وحبيــب قلبـي فـي الفـؤاد أنيســـي

____________
(1) سورة الرعد ، الآية : 38 .


(243)


كثير من أولئك النساء كنّ يستيقظن طوال الليل ، بعضهن كانت تقول : رأيت في عالم الرؤيا آثار خيرها تصلني في أطباق نور ، كانت أحياناً تخاطب نفسها وتقول :
( يا نفسي كم تنامين وإلى كم تنامين يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور ) كما كانت تقول :
( إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك بل حباً لك وقصداً للقاء وجهك ) .
هذا الكلام المنسوب إلى الأولياء يتأسى بهم تلاميذهم ، كما نظمت الأبيات التالية :

أحبــك حبيــن حــــب الهـــوى

*

وحبـــا لأنـــك أهـــل لـــذاك

فــأمـا الــذي هــو حـب الهــوى

*

فشغلــي بــذكــرك عمّــن ســواك

وأمــا الــذي أنـــت أهـــل لــه

*

فكشفــك لــي الحجــب حتــى أراك

فــلا الحمــد فــي ذا ولا ذاك لـــي

*

ولكــن لــك الحمــد فـــي ذا وذاك

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مفاتيح لعلم البلاغة لنفتح ما إنغلق من نهج ...
الشاي الأخضر قد يقي من أمراض العيون الشائعة
البوسنة تمنع زواج البوسنيات من السعوديين!
القرآن وتنظيم الأسرة
المسرح المدرسي
العقيدة و المرجعية
ماذا تفعل الزوجة فى مواجهة الزوج اللعوب؟
انعقاد مؤتمر تحت شعار"من سيرة الإمام علي (ع) ...
لاتلاحقي زوجك وتعاملي معه بنفسية الرجل
الأحكام الثابتة والمتغيّرة

 
user comment