تعليق على الجواب السابق وجوابه :
السؤال : هناك تعليق عمّا قرأته عن رؤية الله تعالى المستحيلة عندكم :
أوّلاً : في النقاط التي استدللتم بها عن عدم إمكانية رؤية الله في الدار الآخرة .
1ـ ما معنى قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } (1) ، ما المراد بالنظر هنا ؟
2ـ قولكم : إنّ الرؤية لا تتحقّق إلاّ بانعكاس الأشعة من المرئي ... قوله تعالى: { إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } (2) ، هل كانت الرؤيا هنا بانعكاس الأشعة ؟
____________
1- القيامة : 22 ـ 23 .
2- الصافّات : 102 .
|
الصفحة 504 |
|
3ـ قولكم : إنّ الرؤية إنّما تقع على الذات كلّها أو بعضها ... قال الرسول متحدثاً عن الجنّة : ( فيها ما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) ، فهل تقولون لما لا تستطيع عقولكم أن تتخيّله هو مستحيل الوقوع ؟ وجزى الله خيراً من تعلّم العلم واتبع أحسنه .
الجواب : إنّ موضوع عدم إمكانية رؤية الله تعالى لا يخالجه شكّ ، فلابأس الانتباه للنقاط التالية :
1ـ إنّ الأدلّة العقليّة القائمة في المقام ، لا ينبغي المناقشة فيها ، إذ القاعدة العلميّة في هذه الأدلّة أن تناقش بوجوه علميّة وعقلية لا بأمثلة قابلة للتأويل .
وبيانه : أنّ الرؤية المادّية تستلزم لا محالة تحديد المرئي ، وهذا يتطلّب تمييز المورد المشاهد بالعيان ، والتمييز يترادف مع إفراز المرئي والمشاهد في الخارج ، وهذا هو الجسمية بعينها ، وهو مردود عقلاً ونقلاً ، إذ فيه التزام بافتقار الجسم إلى مكان وزمان { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ } (1) .
فحذراً من هذه الملازمات الباطلة ، يجب علينا الاعتقاد بعدم إمكانية رؤيته جلّ وعلا .
2ـ إنّ الآية التي ذكرتها لم تصرّح بالرؤية المادّية ، بل هي قابلة للتأويل من حيث احتمال النظر إلى آلاء الله تبارك وتعالى ، أو ثوابه وما شابه ذلك ، وبما أنّ الأدلّة العقلية الدالّة على استحالة طروّ المواصفات المادّية على الباري عزّ وجلّ هي أدلّة ثابتة ومسلّمة ، فيجب صرف ظهور معنى الرؤية في الآية ، إلى المعاني التي لا تنافي تلك الأدلّة العقلية ، من رؤية أمر الله ، أو نعمه أو عظمته ، وأمثال ذلك .
وهذا التفسير والتأويل متّفق عليه عند الشيعة ، وعليه علماء المعتزلة من أهل السنّة .
____________
1- الأنعام : 100 .
|
الصفحة 505 |
|
والغريب في المقام ما صدر عن البعض ـ كالرازيّ والقرطبيّ ـ عند تفسيرهم الآية : { وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } (1) ، إذ يأتون بأدلّة متعدّدة على استحالة مجيء الربّ عزّ وجلّ يوم القيامة بنفسه وهيكله ، لامتناع الجسمية والتحوّل والتحرّك وغيرها عليه ، وفي نفس الوقت يؤيّدون رؤيته تعالى يوم القيامة ، بآية : { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } (2) ، اعتماداً على روايات مردودة سنداً أو دلالةً ، أليس هذا تهافتاً واضحاً في كلام هؤلاء ؟
3ـ وأمّا بالنسبة لآية { إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } ، فإنّها لم تعبّر عن الرؤية المادّية المحسوسة في اليقظة ـ والكلام في هذا الفرض ـ والشاهد على ما نقول هو : { فَانظُرْ مَاذَا تَرَى } (3) ، إذ ليس المقصود النظرة والرؤية بالعين ، بل بمعنى إبداء الرأي في الموضوع .
وبعبارة واضحة : أنّ إبراهيم (عليه السلام) كان يريد أن يذكر لابنه إسماعيل (عليه السلام) بنزول الوحي في المنام بذبحه ، والدليل الواضح جواب إسماعيل : { قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ } (4) ، فإنّه يدلّ على ورود الوحي ، ولو في الرؤيا .
وعلى كلّ ، فإنّ الكلام في امتناع رؤية الله عزّ وجلّ بالرؤية البصرية ، والآية لا تدلّ على إمكانية الرؤية المذكورة بدون انعكاس الضوء وتمييز المرئي .
4ـ ليس هناك أيّ تناقض بين لزوم وقوع الرؤية بالبصر على المرئي كلّه أو بعضه ، وتشخيصه وتمييزه عمّا سواه ، وبين الرواية التي ذكرت فيها صفة الجنّة بأنّ ( فيها ما لا عين رأت ... ) ، فإنّ الحديث يذكر عظمة أنعم الله تعالى في الجنّة ، بأنّ فيها نعم ظاهرة وباطنة لم تراها أعين البشر في الدنيا ،
____________
1- الفجر : 22 .
2- القيامة : 23 .
3- الصافّات : 102 .
4- الصافّات : 102 .
|
الصفحة 506 |
|
فأين هذا من جواز رؤية الله عزّ وجلّ في الآخرة ؟!
هذا ، وإن كان مقصودك في هذه الفقرة ، من أنّنا نحكم باستحالة ما لا تستوعبه عقولنا ، فهذا خطأ واضح ، وقد خلط عليك الأمر ، بل إنّنا ـ وبمعونة العقل والشرع ـ نحكم باستحالة وامتناع الرؤية المادّية ، والمشاهدة بالعيان بالنسبة لله عزّ وجلّ مطلقاً ، لملازمتها التوالي الفاسدة والباطلة من الجسمية والتمييز و ... .
أي أنّ لنا دليلاً على عدم إمكان الرؤية ، لا أنّنا حكمنا في المقام لعدم الظفر بأدلّة الرؤية حتّى تأتينا ـ مثلاً ـ بأحاديث الرؤية .
فالموضوع دقيق وخطير ، ويحتاج إلى تأمّل منك ، حتّى تتجلّى لك الحقيقة بصورة واضحة ، فإنّ الأحكام العقلية البحتة غير قابلة للمناقشة ، وإلاّ لبطلت كافّة الأدلّة العقلية والنقلية ، فمثلاً هل تناقش الذي حكم ( 1 + 1 = 2 ) بأنّه يمكن أن يكون الجواب ( 3 ) ، حتّى ولو لم يستوعبه عقلك ؟!
إذ يردّك بأنّ الدليل قائم على المسألة بما لا ريب فيه ، فمن أين أتيت بحكم يخالف العقل ؟ أليس هذا أيضاً حكماً عقلياً ؟ فأين تذهبون .
وبالجملة : فالقاعدة العامّة أن نحكم بعدم إمكان رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة ، لا لعدم وجود الدليل على الرؤية ، بل لقيام الدليل على استحالتها وامتناعها .
( ريما الجزائريّ . البحرين . ... )
السؤال : أسألكم عن كيفية رؤية الملكوت ؟
الجواب : إنّ رؤية الملكوت هي رؤية القلب ، التي هي من آثار اليقين ، كما تشير إليه الآية في رؤية إبراهيم (عليه السلام) لملكوت السماوات والأرض { وَكَذَلِكَ نُرِي
|
الصفحة 507 |
|
إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } (1) ، فاليقين والإيقان هو طريق لهذه الرؤية .
( حسين . السعودية . 34 سنة . خرّيج جامعة )
السؤال : في قوله تعالى : { وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } (2) ماذا كان يريد نبيّ الله موسى (عليه السلام) ؟
الجواب : كان نبيّ الله موسى (عليه السلام) يطلب ما ألحّ به قومه عليه ، من أن يريهم الله جهرة ، وهو يعلم أنّ الرؤية لا تجوز على الله تعالى .
فعن الإمام الرضا (عليه السلام) في نقله للقصّة : ( فقال موسى : يا قوم إنّ الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له ، وإنّما يعرف بآياته ، ويعلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتّى تسأله ، فقال موسى (عليه السلام) : يا ربّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله جلّ جلاله إليه : يا موسى سلني ما سألوك ، فلن أؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى : { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } ) (3) .
( عبد السلام . هولندا . سنّي )
السؤال : شكراً لكم على هذه الصفحة الممتازة ، وأرجو من الله أن يوفّقكم .
سؤالي هو بخصوص رؤيتنا لله يوم القيامة ، حيث يعتقد المسلمون من أهل السنّة : أن ستكون لنا امتيازات أُخرى تسهّل لنا رؤية الله ، وأنّ الله
____________
1- الأنعام : 75 .
2- الأعراف : 143 .
3- التوحيد : 122 .
|
الصفحة 508 |
|
عبارة عن جسم ، ولكن مختلف عن أجسامنا ، ولا يجوز أن نتطرّق إلى هذه النقطة ، فماذا تردّون على هذا الكلام ؟
الجواب : قد ثبت بالأدلّة العقلية والنقلية استحالة رؤية الله تعالى ؛ لأنّه ليس بجسم، إذ الجسمية تستلزم المحدودية ، وهي تستلزم النقص ، وكلّ ذلك من ملازمات الممكن ، والله واجب الوجود ، فلا يمكن رؤيته في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ } (1) .
أمّا الرؤية القلبية ، فهي ثابتة لمن توصّل إلى المقامات العالية في معرفة الله تعالى ، كما قال الإمام علي (عليه السلام) : ( ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ) (2) ، وعليه تحمل بعض الآيات والروايات التي فيها إشارة إلى رؤية الله تعالى .
( أبو علي سجّاد . السعودية . ... )