عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

السؤال : لديّ تساؤل بسيط حول موضوع التجسيم الذي لا نعتقده ، ولكن هناك آية صريحة في القرآن حول مطالبة نبيّ الله موسى (عليه السلام) رؤية الله ، فهل كان اعتقاد موسى بالتجسيم ؟ وكيف تجلّى الله عزّ وجلّ للجبل ؟

لم تتحقّق لموسى :

السؤال : لديّ تساؤل بسيط حول موضوع التجسيم الذي لا نعتقده ، ولكن هناك آية صريحة في القرآن حول مطالبة نبيّ الله موسى (عليه السلام) رؤية الله ، فهل كان اعتقاد موسى بالتجسيم ؟ وكيف تجلّى الله عزّ وجلّ للجبل ؟

وفي الختام ، تحياتي للجميع ، ونسألكم الدعاء .

الجواب : إنّ النبيّ موسى (عليه السلام) يعتقد بعدم إمكان رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة؛ لأنّه يلزم منه التجسيم ، وسؤاله (عليه السلام) عن رؤية المولى عزّ وجلّ لم يكن بدافع من نفس موسى (عليه السلام) ، بل بضغط من قومه .

نذكر لكم رواية واحدة عن الإمام الرضا (عليه السلام) تؤيّد ما نقوله : قال علي بن محمّد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون ، وعنده الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) ،

____________

1- الأنعام : 103 .

2- الكافي 1 / 98 .


الصفحة 509


فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك : إنّ الأنبياء معصومون ؟ قال : ( بلى ) ، فسأله عن آيات من القرآن ، فكان فيما سأله أن قال له : فما معنى قول الله عزّ وجلّ : { وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي } (1) ، كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) لا يعلم أنّ الله ـ تعالى ذكره ـ لا يجوز عليه الرؤية ، حتّى يسأله هذا السؤال ؟

فقال الإمام الرضا (عليه السلام) : ( إنّ كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) علم أنّ الله تعالى عن أن يُرى بالأبصار ، ولكنّه لما كلّمه الله عزّ وجلّ وقرّبه نجيّاً ، رجع إلى قومه فأخبرهم : أنّ الله عزّ وجلّ كلّمه وقرّبه وناجاه .

فقالوا : لن نؤمن لك حتّى نسمع كلامه كما سمعت ، وكان القوم سبعمائة ألف رجل ، فاختار منهم سبعين ألفاً ، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف ، ثمّ اختار منهم سبعمائة ، ثمّ اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربّه ، فخرج بهم إلى طور سينا ، فأقامهم في سفح الجبل ، وصعد موسى (عليه السلام) إلى الطور ، وسأل الله تبارك وتعالى أن يكلّمه ويسمعهم كلامه ، فكلّمه الله تعالى ذكره ، وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ، ويمين وشمال ، ووراء وأمام ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ أحدَثه في الشجرة ، ثمّ جعله منبعثاً منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه .

فقالوا : لن نؤمن لك بأنّ هذا الذي سمعناه كلامَ الله ، حتّى نرى الله جهرةً، فلمّا قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا ، بعث الله عزّ وجلّ عليهم صاعقةً فأخذتهم بظلمهم فماتوا .

فقال موسى (عليه السلام) : يا ربّ ، ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعتُ إليهم ، وقالوا : إنّك ذهبت بهم فقتلتهم ؛ لأنّك لم تكن صادقاً فيما ادّعيت من مناجاة الله إيّاك ، فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا : إنّك لو سألت الله أن يريك أن تنظر

1-   الأعراف : 143 .  

 

 


الصفحة 510


إليه لأجابك ، وكنت تخبرنا كيف هو ، فنعرفه حقّ معرفته .

فقال موسى (عليه السلام) : يا قوم إنّ الله لا يُرى بالأبصار ، ولا كيفية له ، وإنّما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتّى تسأله .

فقال موسى (عليه السلام) : يا ربّ ، إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله جلّ جلاله إليه : يا موسى ، اسألني ما سألوك ، فلن أُؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى (عليه السلام) : ( ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرَّ مكانه ـ وهو يهوي ـ فسوف تراني ، فلمّا تجلّى ربّه للجبل ـ بآية من آياته ـ جعله دكّاً وخرَّ موسى صعقاً ، فلمّا أفاق قال : سبحانك تُبت إليك ـ يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي ـ وأنا أوّل المؤمنين منهم بأنّك لا تُرى ) .

فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة (1) .

وأمّا بالنسبة إلى تجلّي الله عزّ وجلّ للجبل ، فإنّ ظاهر الآية أنّه سبحانه تجلّى للجبل ، وهو لم يتحمّل تجلّيه ، لا أنّه رآه وشاهده .

( أبو علي . الجزائر . ... )

التي طلبها موسى :

السؤال : من أيّ قسم كانت الرؤية التي طلبها سيّدنا موسى (عليه السلام) ؟ إذا كان الجواب هو الرؤية البصرية ، فهل سيّدنا موسى (عليه السلام) ـ الذي هو من أولي العزم من الأنبياء ، على علوّ مرتبته وصفاء نفسه ـ لم يكن حاصلاً على هذه الرؤية قبل طلبها ؟

وإذا كان الجواب هو الرؤية القلبية ، فلماذا كان جواب الله تعالى باستحالة الرؤية ، مع أنّها متيسّرة للمؤمنين الخلّص فضلاً عن الأنبياء ؟

____________

1- التوحيد : 121 .


الصفحة 511


ملاحظة : هذا الأشكال واجهني ، وأنا أبحث مسألة الرؤية ، أرجو أن نتعاون على فكّه .

الجواب : الرؤية التي طلبها نبيّ الله موسى (عليه السلام) من الله تعالى ، هي الرؤية الحسّية البصرية ، لا الرؤية المعنوية القلبية ، ولهذا أجابه الله عزّ وجلّ باستحالة هذه الرؤية الحسّية البصرية بقوله : { لَن تَرَانِي } (1) .

والسبب الذي دعا موسى (عليه السلام) أن يطلب هذه الرؤية ـ مع علمه واعتقاده بعدم رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة ، لأنّه يلزم منه التجسيم في حقّ الله تعالى ، ومن ثمّ المحدودية والتناهي ، وهذه كلّها من ملازمات الممكن ، والله واجب الوجود وليس بممكن ـ هو بضغط من قومه ، ولم يكن بدافع من نفس موسى (عليه السلام) ، بدليل قوله تعالى عن لسان قوم موسى : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً } (2) .

( خالد . الكويت . 35 سنة . مهندس )

في المنام أيضاً غير ممكنة :

السؤال : أتوجّه بسؤالي إلى مكتبكم الموقّر ، بخصوص رؤية الباري تعالى في المنام ، حيث إنّ كثيراً ما يخبرني بعض المقرّبين برؤيتهم ، مثل هذه الرؤى ، فقد يرونه نوراً أو رجلاً مهيباً ، فهل هذه رؤى ؟ أم هي من الأحلام ؟ وكيف يكون للشيطان مدخلاً في هذا الأمر ؟

علماً بأنّ رؤية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لا يتدخّل فيها الشيطان ، فكيف بالخالق سبحانه ؟ وهل هذه الرؤى من الرؤى القلبية ؟

الجواب : لا معنى لرؤية الله تعالى في اليقظة أو في المنام ، فإنّ الدليل العقلي والنقلي قائم بعدم إمكان رؤيته من الأساس ، كما هو مقرّر في محلّه .

____________

1- الأعراف : 143 .

2- البقرة : 55 .


الصفحة 512


وأمّا إخبار البعض بحصول هكذا أحلام ، فإن صحّ الخبر ـ بحيث يعتمد عليه ويركن إليه ـ فهو من باب انعكاس عالم التخيّل عند الفرد ، فلا حقيقة له بتاتاً .

خصوصاً أنّ الأجواء التي يعيش فيها الإنسان قد تؤثّر في خلق الصور الخيالية الموهومة عنده .

ويحتمل أنّ بعض المبتلين بهذه التوهّمات قد قرؤوا أو سمعوا مقالات باطلة من بعض مجسّمة العصر ـ السلفيّة والوهابيّة ـ حول إمكان الرؤية ، فحصلت لهم هذه التخيّلات الفاسدة .

ثمّ لا ينكر دور الشيطان في المقام ؛ ولا يقاس بعدم إمكان تمثّله بصورة الرسول (صلى الله عليه وآله) ؛ إذ أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) إنسان مخلوق ، فقد يتوهّم أحد أنّ الشيطان يتمكّن أن يظهر في صورة وهيئة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فنفاه (صلى الله عليه وآله) بهذا الحديث ـ على أنّ الرواية المشار إليها قابلة للنقاش السندي والدلالي ، ولكن لا يسعنا التطرّق إليه في هذا المختصر ـ فبما أنّ الأمر كان ملتبّساً ، رفع الرسول (صلى الله عليه وآله) هذا الالتباس، ودفع هذه الشبهة .

وبعبارة مختصرة : فإنّ الأمر في المقام كان لا يحتاج كثيراً إلى رفع الإبهام والشبهة ، فإنّ العقل بوحده يكفي في ردّها ؛ فاعتماداً على قدرة العقل لم ترد في المقام نصوص تنفي وتحذّر من مكر الشيطان .

وإلاّ ، فإنّ المقام أيضاً هو مرتع الشيطان يلعب ويعبث بعقيدة المؤمن الساذج ، كما تبنى هذا الدور بعضهم في عصرنا ، وقال : بجواز الرؤية فضل وأضل ، أعاذنا الله وإيّاكم من الفتن .

( علي موسى . البحرين . 23 سنة . طالب )

ممتنعة للكتاب والسنّة والعقل :

السؤال : ما الأدلّة العقلية ، ومن القرآن والسنّة أنّ الله سبحانه لا يرى لا في


الصفحة 513


الدنيا ولا في الآخرة بالتفصيل ، حتّى نردّ الشبهات ؟ اشرحوا لنا { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ... } (1)، وعن التركيب وما شابه ؟

الجواب : الأدلّة على امتناع رؤية الباري تعالى في الدنيا والآخرة من القرآن والسنّة والعقل كثيرة .

فمن القرآن :

1- قوله تعالى : { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ } (2) .

2- قوله تعالى : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } (3) .

3- قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي } (4) .

ومن السنّة :

1- عن الإمام الباقر (عليه السلام) : ( لم تره العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، لا يعرف بالقياس ، ولا يدرك بالحواس ، ولا يشبه بالناس ... ) (5) .

2ـ عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ) (6) .

3ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام) : ( إنّ الله عظيم رفيع ، لا يقدر العباد على صفته ، ولا يبلغون كنه عظمته ، ولا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ... ) (7) .

____________

1- الرحمن : 27 .

2- الأنعام : 103 .

3- طه : 110 .

4- الأعراف : 143 .

5- التوحيد : 108 .

6- المصدر السابق : 109 .

7- المصدر السابق : 115 .


الصفحة 514


4ـ عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن قول الله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } (1) : ( يعني مشرقة تنظر ثواب ربّها ) (2) .

ومن العقل :

قد اقتضت الضرورة العقلية على أنّ الأبصار بالعين متوقّف على حصول المقابلة بين العين والمرئى ، أو حكم المقابلة ، كما في رؤية الصور في المرآة ؛ وعليه ، فلا يمكن تحقّق الرؤية فيما إذا تنزّه الشيء عن المقابلة ، أو الحلول في المقابلة ، وقد ثبت مسبقاً أنّ المولى عزّ وجلّ ليس بجسم ولا جسماني ، ولا في جهة ، والرؤية فرع كون الشيء في جهة خاصّة .

والمقصود من الوجه الذي نسب إلى الحقّ تعالى في الآية هو ذاته سبحانه ، لا العضو الخاصّ الموجود في جسم الإنسان وما يشابهه ؛ فالقرآن عندما يتحدّث عن هلاك ما سوى الله وفنائه ، يقول : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } (3) .

ثمّ يخبر عقيب ذلك مباشرة عن بقاء الذات الإلهيّة ودوامها ، وأنّه لا سبيل للفناء إليها ، فيقول : { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } (4) .

والتركيب قد يكون عقلياً ، وهو التركيب من الجنس والفصل ، وقد يكون خارجياً كتركيب الجسم من المادّة والصورة ، وتركيب المقادير وغيرها ، والجميع منتف عن الواجب تعالى ، لاشتراك المركبات في افتقارها إلى الأجزاء ، فلا جنس له ولا فصل له ، ولا غيرهما من الأجزاء الحسّية والعقليّة .

____________

1- القيامة : 22 ـ 23 .

2- التوحيد : 116 .

3- الرحمن : 26 .

4- الرحمن : 27 .


الصفحة 515


الرجعة :

( عبد الحميد عيد . البحرين . ... )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السؤال : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في ...
السؤال : هل توجد رواية في كتب أهل السنّة تبيّن ...
ما هو سرّ الخليقة وفلسفة الحياة؟!
السؤال : قال الإمام علي أمير المؤمنين : " أنا الذي ...
ان زيارة عاشورا المشهورة ( التي نقرأها جميعا ) هي ...
السؤال: إنّه ليحزّ في نفسي أن أجد مثل هذه الإجابة ...
السؤال : ما هو الردّ على أهل السنّة ؟ حيث يقولون : ...
السؤال : إلى الإخوان العاملين في مركز الأبحاث ، ...
السؤال : لماذا الشيعة لا يصلّون صلاة التراويح ؟ ...
السؤال : ما هو مفهوم الرجعة ؟ وفي أيّ زمن تحصل ؟

 
user comment