الآن في غياب المعصوم ، يبيّن لنا كلّ ذلك ؟!
ج 13 : يعرف ذلك الفقهاء من شيعتهم ، الذين جعلوا لهم المرجعية عند عدم الحضور ، سواء كان ذلك في أيّامهم ، أو بعد غيبة آخرهم (عليه السلام) ، وكم في تاريخ رجالات الشيعة من أُناس أرجع الأئمّة إليهم الشيعة لأخذ أحكامهم منهم ، كيونس بن عبد الرحمن وأمثاله ، أو النوّاب الأربعة في زمن الغيبة الصغرى .
س 14 : تقول الإمامية أنّها أخذت مذهبها عن المعصومين ، فكيف تعرف صحّة مذهبها الآن ؟ إن قيل بأحاديث الأئمّة ، فهلا اكتفوا بأحاديث النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وما هو الفرق بينهم وبين سائر المسلمين حينئذ ، فكلّ منهم يأخذ عن المعصوم وهو النبيّ ؟!
ج 14 : لا يمكن الاكتفاء بالأحاديث النبويّة وحدها ، بعد علمكم بأنّها شيبت بالمكذوب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الموضوعات ، وهذا أمر حدث في أيّامه ، وآية النبأ ، وحديث من كذّب عليّ ... وغيرهما ، تثبت أنّه لا يمكن الاكتفاء بالأحاديث النبويّة .
ثمّ هو (صلى الله عليه وآله) أمر أُمّته بالرجوع إلى أهل بيته ، كما في حديث الثقلين ، والتمسّك بهم على حدّ التمسّك بالقرآن ، كما أمر باتباعهم ، وأمرنا أن لا نتقدّمهم بسبق عليهم في فكر أو مسألة ، لأنّهم أعلم الأُمّة ، ولولا أن يكونوا كذلك لما جاز للنبيّ أن يرجع إليهم ما داموا هم مفضولين .
س 15 : متى عرفت الإمامية علم الحديث وأُصول الفقه ؟ ومن أوّل من وضعه ؟ وما هي حاجتهم إليهما مع وجود المعصوم ؟ وما هي فائدة العصمة مع وجودهما ؟ وهل بقي هناك داع لادعائهم التميز عن سائر المسلمين بالأخذ عن المعصومين ؟!
ج 15 : أوّل من كتب في علم الحديث هو الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقد دوّن الصحيفة الجامعة التي أملاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكتبها علي (عليه السلام) .
فقد روى الكشي عن العيّاشيّ بإسناده إلى سورة بن كليب ، قال : ( قال
|
|
|
لي زيد بن علي : يا سورة كيف علمتم أنّ صاحبكم ـ يعني جعفر بن محمّد (عليهما السلام) ـ على ما تذكرونه ؟ قال : فقلت له : على الخبير سقطت ، قال : فقال : هات .
فقلت له : كنا نأتي أخاك محمّد بن علي (عليهما السلام) نسأله ، فيقول : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقال الله جلّ وعزّ في كتابه ) ، حتّى مضى أخوك فأتيناكم آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وأنت فيمن أتيناه ، فتخبرونا ببعض ، ولا تخبرونا بكلّ الذي نسألكم عنه ، حتّى أتينا ابن أخيك جعفراً ، فقال لنا كما قال أبوه : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقال تعالى ) فتبسّم ـ يعني زيد بن علي ـ وقال : أما والله إن قلت هذا ، فإن كتب علي (عليه السلام) عنده ) (1) .
فهذا زيد يقول : أنّ للإمام علي (عليه السلام) كتباً ، وواحدة من تلك الكتب هي الصحيفة الجامعة ، وقد ورد ذكرها في غير واحد من الكتب المعتبرة المعوّل عليها .
وقد أوصى المعصومون (عليهم السلام) بحفظ الكتب ، وبكتابة الحديث ، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : ( احتفظوا بكتبكم ، فإنّكم سوف تحتاجون إليها ) ، وعن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( اكتبوا ، فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا ) (2) .
أمّا الحاجة إلى علم الحديث مع وجود الإمام المعصوم ، فإنّ الاتباع لا يتاح لهم جميعاً أن يأخذوا العلم مباشرة من الإمام (عليه السلام) ، فقد يكونوا في مناطق بعيدة عن الإمام (عليه السلام) ، فيأخذون ممّن سمع من الإمام ، وإذا كان ذلك الحديث مكتوباً يكون أوثق لدى السامع ، وكتابتهم للحديث في ذلك الزمان ليس لهم فقط ، بل لمن يأتي بعدهم ، وإلى يومنا هذا ، وهو كفائدة كتابة حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في زمانه .
____________
1- اختيار معرفة الرجال 2 / 674 .
2- الكافي 1 / 52 .
|
|
|
وأمّا أُصول الفقه ، فإنّ أوّل ما أخذه الشيعة من الأئمّة (عليهم السلام) أنفسهم كقواعد كلّية ، وهذا واضح لمن راجع كتب أُصول الفقه عندنا ، ومع ذلك فقد ذكرت كتب الرجال عندنا : أنّ بعض أصحابهم (عليهم السلام) ألّفوا في أُصول الفقه ، منها مباحث الألفاظ ، فراجع رجال النجاشيّ ، وفهرست الشيخ الطوسيّ ، وغيرهما .
وأمّا العصمة فهي شرط في الإمام ، والإمام ليس مجتهداً ، فإنّه يعطي حكم الله الواقعي ، والمجتهد يفتي بحكم الله الظاهر ، وهذا السؤال ناتج عن عدم الدقّة !!
ثمّ إنّ التطوّر والتوسّع في أُصول الفقه كان في زمن غيبة الإمام (عليه السلام) ، ومن ضمن فائدة هذا العلم هو الاستعانة به من أجل فهم النصوص الواردة عن المعصومين بعد غياب الإمام المعصوم ، أمّا العصمة للإمام فلابدّ منها ، لأنّها هي التي تثبت لنا عدم وجود احتمال أيّ خطأ في كلام أو فعل أو تقرير المعصوم .
س 16 : تقولون بصحّة الاجتهاد في زمن الغيبة ، بعد أن حرّمتموه في زمن الأئمّة ؛ فما هو الدليل القطعي على صحّته ؟ وهل هذا الدليل مأخوذ عن الأئمّة أم غيرهم ؟ وهل هو موجود في كتبكم المؤلّفة قبل عصر الغيبة ؟ بيّنوا لنا ذلك وخرّجوه من تلك المصادر ؟!
ج 16 : الاجتهاد الذي نقول به هو : الجهد الذي يبذله الفقيه في استخراج الحكم الشرعيّ من أدلّته ومصادره ، ولا نقول بالمعنى الثاني للاجتهاد ، الذي هو مصدر للفقيه يصدر عنه ودليلاً يستدل به ، كما يصدر عن آيةٍ أو رواية ، والاجتهاد بالمعنى الأوّل من البديهيات ، وكان عمل الأصحاب والاتباع على ذلك ، ولم ينكر الأئمّة (عليهم السلام) هذا الاجتهاد بالمعنى الأوّل ، بل أنّهم أمروا بعض أصحابهم بالعمل بذلك ، كما أمر الإمام الباقر (عليه السلام) أبان بن تغلب ، أن يجلس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويفتي الناس ، حيث قال له : ( اجلس في مسجد المدينة
|
|
|
وافت الناس ، فإنّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك ) (1) .
وبملاحظة تعريف الاجتهاد نجد أنّه لابدّ للمجتهد من الاحتياج لقول المعصوم ، الذي لا يقع فيه الخطأ ، حتّى لا يحصل الاجتهاد بالمعنى الثاني ، الذي هو في قبال الآيات والروايات .
س 17 : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ) ، فأين الثقل الثاني الآن ؟ وما تفسير عدم مفارقته للقرآن في زمن الغيبة ؟
ج 17 : إنّ حديث الثقلين يثبت ـ بوضوح ـ المرجعية العلميّة لأهل البيت النبويّ ، جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم ، ويلزم المسلمين بأن يتمسّكوا في الأُمور الدينية جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم ، ويلتمسوا رأيهم .
وإنّ غيبة الإمام لا تمنع الانتفاع به ، بل أنّ الكلّ ينتفع بوجوده ، كما ينتفع بالشمس إذا غيّبها السحاب ، هذا ما ورد عنهم (عليهم السلام) .
س 18 : تعتذر الإمامية لأئمّتهم في عدم القيام بالإمامة والخروج ، بالخوف وعدم وجود الناصر ، والعلم بعدم الجدوى .
وكيف استطاع بعض أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) القيام والخروج على الظالمين ؟ كالإمام الحسين والإمام زيد ، ونجح بعضهم في إقامة دولة الإسلام لمئات السنين ، كالإمام الهادي ؟!
ج 18 : إنّ الأدوار الملقاة على عاتق كلّ إمام تختلف باختلاف الظروف المحيطة بالإمام ، فإذا خرج الإمام الحسين (عليه السلام) ، فإنّه لا يعني أنّ جميع الأئمّة يجب عليهم الخروج ، بل النصوص الواردة من النبيّ (صلى الله عليه وآله) تشير وبوضوح إلى إمامة كلّ من الحسن والحسين ، بقوله (صلى الله عليه وآله) : ( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ) (2) ، أي قاما بالسيف والجهاد أو قعدا عن ذلك ، وهذا خير دليل على
____________
1- الفهرست : 57 .
2- روضة الواعظين : 156 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 163 .
|
|
|
اختلاف الأدوار عند الأئمّة (عليهم السلام) ، ونحن الآن تبعاً لإمامنا المنتظر ، ننتظر اليوم الموعود للقيام والقضاء على الظلم ، وإقامة دولة الحقّ بعونه تعالى .
وتعليقاً على ما ذكرته : أثبت أوّلاً إمامة الهادي ثمّ ناقش في نجاحه ، وهذا كإثبات خلافة أبي بكر بالفتوحات التي حصلت في عصره !!