وجود ابن سبأ محلّ نظر :
السؤال : كنت أتصفّح في أحد المواقع الشيعية فوجدت هذه الرواية ، في بحار الأنوار : " وقال بعضهم : بل هو الربّ ، وهو عبد الله بن سبأ وأصحابه ، وقالوا : لولا أنّه الربّ كيف يحيي الموتى ؟ قال : فسمع بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) وضاق صدره ، وأحضرهم ، وقال : " يا قوم ، غلب عليكم الشيطان إن أنا إلاّ عبد الله ، أنعم عليّ بإمامته وولايته ووصية رسوله (صلى الله عليه وآله) ، فأرجعوا عن الكفر ، فأنا عبد الله وابن عبده ، ومحمّد (صلى الله عليه وآله) خير منّي ، وهو أيضاً عبد الله ، وإن نحن إلاّ بشر مثلكم " .
فخرج بعضهم من الكفر ، وبقي قوم على الكفر ما رجعوا ، فألحّ عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بالرجوع ، فما رجعوا ، فأحرقهم بالنار ، وتفرّق منهم قوم في البلاد ، وقالوا : لولا أنّ فيه من الربوبية ما كان أحرقنا بالنار ، فنعوذ بالله من الخذلان " (1).
وكان الموقع يعدّ هذا الشيء من معجزات الإمام علي (عليه السلام) ، فما ردّكم على هذه الرواية ؟ وهل هي رواية صحيحة ؟ والمعلوم أنّ عبد الله بن سبأ شخص أسطوري .
____________
1- بحار الأنوار 41 / 214.
|
الصفحة 14 |
|
الجواب : وردت الإشارة إلى تلك الرواية في بحار الأنوار مرّتين ، مرّة نقلاً عن الفضائل ، وأُخرى عن عيون المعجزات ، وإذا رجعنا إلى سند الروايتين نجد أنّ كلاهما جاءت عن طريق أبي الأحوص عن أبيه ، عن عمّار الساباطي ، وهذا يعني أنّهما في الحقّيقة رواية واحدة منسوبة إلى عمّار الساباطي ، وبالرجوع إلى سند رواية عيون المعجزات ، نجد أنّ كلاً من حسّان بن أحمد الأزرق ، وموسى ابن عطية الأنصاري مجهول الحال .
وأنّ نسبة كتاب الأنوار إلى الحسن بن همام غير صحيحة ، بل الصحيح أنّ الكتاب لمحمّد بن همام ، هذا بالإضافة إلى ما قيل في عمّار من أنّه ضعيف فاسد المذهب ، لا يعمل على ما يختصّ بروايته .
وأمّا رواية الفضائل فإنّها مقطوعة السند ، كما وإنّ كلا الطريقين لا يظهر منهما أنّ عمّار الساباطي ينسب الرواية إلى المعصومين (عليهم السلام) ، بل هو ناقل لواقعة تاريخية هو بعيد عنها بما يقارب من المائة والخمسين سنة ، إذاً فالروايتان على هذا غير تامّتي السند .
هذا بالإضافة إلى أنّ هناك اختلافاً في مضمون الروايتين على الرغم من أنّ مرجع سندهما واحد ، فرواية عيون المعجزات تذكر أنّ الذين أحرقهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وذراهم في الريح ، رجعوا إلى منازلهم بأحسنّ ما كانوا بعد ثلاثة أيّام ، والأُخرى لم تذكر ذلك .
ورواية الفضائل تذكر حال ذلك الملك وسقوط قصره وندمه عن عدم إيمانه بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وأنّه الآن في النار ، ولا يعذّب بالنار وغير ذلك ، والأُخرى لا تذكر ذلك ، كما وأنّ رواية الفضائل تقول : إنّ الذين قالوا أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الربّ هو عبد الله بن سبأ وأصحابه ، والأُخرى تقول : إنّ بعضهم قالوا مثل ما قال عبد الله بن سبأ وأصحابه .
فهذه الاختلافات وغيرها تدلّ على أنّ الرواة غير مضبوطين في نقل الرواية ، فالحصيلة من كُلّ ذلك أنّه لا يمكن الاعتماد على هكذا رواية ، وإنّ ما تثبته من وجود عبد الله بن سبأ يبقى محلّ نظر .
|
الصفحة 15 |
|
وقد ذكرنا مسبقاً من أنّ هناك نظريتين : إحداهما تقول : إنّه شخصية وهمية ، والأُخرى تقول : بأنّه لـه وجود ، وإن كانت الأدلّة تساعد على أنّ ابن سبأ كان لـه وجود ، ولكن أعداء التشيّع أرادوه وسيلة يتخذونها للطعن بالتشيّع ، وخير وسيلة كانت لهم أن جعلوا من ابن سبأ شخصية تاريخية كبيرة ، نسبوا لـه تأسيس التشيّع مع أنّ ابن سبأ ملعون على لسان أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ، وملعون على لسان علماء المذهب ، والشيعة منه براء ، ولا توجد أيّ صلة لـه بالتشيّع .
|
الصفحة 16 |
|
( مفيد أبو جهاد . السعودية . ... )
أدلّته من السنّة :
السؤال : ما الأدلّة التي تقول بوجوب السجود على التربة ؟ في السنّة النبوية الشريفة ، وذلك من كتب الشيعة والسنّة ؟
الجواب : إنّ الشيعة لا يوجبون السجود على التربة فحسب ، بل يوجبون السجود على الأرض ـ التي منها التربة ـ أو ما أنبتته الأرض ، إلاّ ما أُكل أو لبس ، فلا يجوز السجود عليه ، ويستدلّون على ذلك بـ :
1ـ قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " (1)، ومن المعلوم ، أنّ لهذا الحديث ألفاظاً مختلفة ، ولكنّ المعنى والمضمون واحد .
كما لا يخفى أنّ المقصود من كلمة " مسجداً " يعني : مكان السجود ، والسجود هو وضع الجبهة على الأرض تعظيماً لله تعالى ، ومن كلمة " الأرض " يعني : التراب والرمل والحجر و ... ، وممّا لاشكّ فيه ، أنّ التربة جزء من أجزاء الأرض ، فيصحّ السجود عليها .
____________
1- الخصال : 201 و 292 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 285 ، الأمالي للشيخ الطوسي : 57 ، مسند أحمد 1 / 301 و 2 / 250 و 442 و 502 و 5 / 145 ، سنن الدارمي 2 / 224 ، صحيح البخاري 1 / 86 و 113 ، سنن ابن ماجة 1 / 188 ، الجامع الكبير 3 / 56 ، سنن النسائي 1 / 210 و 2 / 56.
|
الصفحة 17 |
|
2ـ قال خالد الحذاء : رأي النبيّ(صلى الله عليه وآله) يسجد كأنّه يتّقي التراب ، فقال لـه النبيّ(صلى الله عليه وآله): " ترّب وجهك يا صهيب " (1) .
وصيغة الأمر " ترّب " هنا تدلّ على استحباب السجود على التربة دون غيرها من أجزاء الأرض .
3ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر : " حيثما أدركت الصلاة فصلّ ، والأرض لك مسجد " (2) .
4ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " إذا سجدت فمكّن جبهتك وانفك من الأرض " (3) .
5ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : كنت أصلّي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظهر، فآخذ قبضة من حصى في كفّي لتبرد حتّى اسجد عليها من شدّة الحرّ (4) .
فنقول : لو كان السجود على الثياب جائزاً ، لكان أسهل من التبريد جدّاً ، وهذا الحديث ظاهر على عدم جواز السجود على غير الأرض .
6ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام): " لا تسجد إلاّ على الأرض ، أو ما انبتت الأرض ، إلاّ القطن والكتّان " (5) .
7ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام) : " السجود على الأرض فريضة ، وعلى الخمرة سنّة"(6) . وظاهره : أنّ السجود على الأرض فرض من الله عزّ وجلّ ،
____________
1- المصنّف للصنعاني 1 / 391.
2- صحيح البخاري 4 / 136 ، صحيح مسلم 2 / 63 ، سنن النسائي 2 / 32 ، السنن الكبرى للنسائي 6 / 377 .
3- أحكام القرآن للجصّاص 3 / 272 ، كنز العمّال 8 / 164 .
4- مسند أحمد 3 / 327 ، سنن النسائي 2 / 204 ، السنن الكبرى للنسائي 1 / 227.
5- الكافي 3 / 330 ، الاستبصار 1 / 331 ، تهذيب الأحكام 2 / 303 .
6- الكافي 3 / 331.
|
الصفحة 18 |
|
والسجود على الخمرة ـ التي هي من النباتات ، حصيرة مصنوعة من سعف النخل ـ ممّا سنّه الرسول(صلى الله عليه وآله) .
8 ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام) : " السجود لا يجوز إلاّ على الأرض ، أو ما انبتت الأرض ، إلاّ ما أُكل أو لبس " (1) .
والنتيجة : أنّ جميع الأحاديث تدلّ على وجوب السجود على الأرض ، أو ما انبتت من دون عذر ، وممّا لاشكّ فيه أنّ التربة هي جزء من الأرض ، فيصحّ السجود عليها ، بل تستحبّ إذا كانت من أرض كربلاء ، لوجود روايات كثيرة في هذا المجال عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) .
( أحمد . السعودية . ... )
السؤال : أتمنّى منكم لو ترسلوا بعض الأدلّة من القرآن أو السنّة ، بما يفيد وجوب وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، واستحباب باقي الأعضاء ، مع دعائي لكم بالتوفيق والتسديد .
الجواب : إنّ الأحكام الشرعية تعبّدية ، لا يمكن أخذها إلاّ من الكتاب والسنّة الصحيحة ، والروايات صريحة ودالّة على وجوب وضع الجبهة على الأرض ، أو ما يصحّ السجود عليه ، وأمّا باقي الأعضاء ، فمستحبّ .
والروايات الدالّة على ذلك كثيرة ، فقد ذكر الشيخ الحرّ العاملي (قدس سره) في كتابه " وسائل الشيعة " تحت عنوان : أنّه لا يجوز السجود بالجبهة إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتت غير مأكول ولا ملبوس (2) ، فذكر أحد عشر حديثاً ، منها :
____________
1- علل الشرائع 2 / 341 ، تهذيب الأحكام 2 / 234.
2- وسائل الشيعة 5 / 343 .
|
الصفحة 19 |
|
1ـ عن هشام بن الحكم ، أنّه قال لأبي عبد الله (عليه السلام) : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه ؟ وعمّا لا يجوز ؟
قال : " السجود لا يجوز إلاّ على الأرض ، أو على ما أنبتت الأرض ، إلاّ ما أُكل أو لبس " ، فقال لـه : جعلت فداك ما العلّة في ذلك ؟
قال : " لأنّ السجود خضوع لله عزّ وجلّ ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله عزّ وجلّ ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا، الذين اغترّوا بغرورها ... " .
2ـ عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : " لا يسجد إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض ، إلاّ القطن والكتّان " .
3ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : " وكُلّ شيء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه ، فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود ، إلاّ ما كان من نبات الأرض من غير ثمر ، قبل أن يصير مغزولاً ، فإذا صار غزلاً فلا تجوز الصلاة عليه ، إلاّ في حال ضرورة " .
كما وذكر تحت عنوان : عدم جواز السجود اختياراً على القطن والكتّان والشعر والصوف ، وكُلّ ما يلبس أو يؤكل ، سبعة أحاديث (1) .
وذكر تحت عنوان : جواز السجود بغير الجبهة على ما شاء ، ثلاثة أحاديث (2) .
وذكر تحت عنوان : أنّ من أصابت جبهته مكاناً غير مستو ، أو لا يجوز السجود عليه ، ستة أحاديث (3) .
____________
1- المصدر السابق 5 / 346 .
2- المصدر السابق 5 / 352 .
3- وسائل الشيعة 6 / 353 .
|
الصفحة 20 |
|
كما وذكر صاحب كتاب ( جامع أحاديث الشيعة ) مائتين وتسعين حديثاً يتعلّق بالسجود ، فأشارت بعض أحاديثه إلى ذلك (1) .
( يعقوب نور . الكويت . سنّي )