رواياتها في كتب العامّة :
السؤال : ما هي حقيقة الشفاعة ؟ وما هي البراهين عليها من كتب السنّة ؟
الجواب : إنّ الشفاعة التي وقع الخلاف فيها هي نوع من الوساطة إلى الله تعالى ، من وليّ مقرّب عنده ، ليغفر لمذنب ويسامحه ، وقد أثبتها المسلمون قاطبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ من شذّ منهم .
|
الصفحة 46 |
|
والأدلّة على ثبوتها كثيرة جدّاً ، ومتضافرة على حصول الشفاعة في يوم القيامة ، من قبل الصالحين والأولياء إلى المذنبين والعاصين ، واستجابة لطلبك سوف نقتصر على بعض الروايات المثبتة للشفاعة عند أهل السنّة :
1ـ عن ابن عمر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " من قضى لأخيه حاجة ، كنت واقفاً عند ميزانه ، فإن رجح ، وإلاّ شفعت لـه " (1) .
2ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " من صلّى على محمّد وقال : اللهم أنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة ، وجبت لـه شفاعتي " (2) .
3ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " من قال حين يسمع النداء : اللهم ربَّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، آت محمّداً الوسيلة والفضيلة ، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلّت لـه شفاعتي يوم القيامة " (3) .
4ـ عن أبي أُمامة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : " صنفان من أمّتي لن تنالهما شفاعتي ، ولن أشفع لهما ، ولن يدخلا شفاعتي : سلطان ظلوم غشوم عسوف ، وغال مارق عن الدين " (4) .
وهذا الحديث يدلّ بالمفهوم على ثبوت الشفاعة ، وإمكانها لطوائف آخرين في أمّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) .
5ـ عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " أعطيت خمساً لم يعطهّن أحد قبلي ... وأعطيت الشفاعة ، ولم يعط نبيٌّ قبلي ... " (5) .
____________
1- الدرّ المنثور 3 / 71 .
2- مسند أحمد 4 / 108 ، كتاب السنّة : 381 ، المعجم الأوسط 3 / 321 ، المعجم الكبير 5 / 26 .
3- صحيح البخاري 1 / 152 و 5 / 228 ، سنن النسائي 2 / 27 ، السنن الكبرى للبيهقي 1 / 410 ، المعجم الصغير 1 / 240 ، مسند الشاميين 4 / 149 .
4- المعجم الكبير 8 / 281 و 20 / 214 ، كنز العمال 6 / 21 و 30 ، مجمع الزوائد 5 / 235 ، كتاب السنّة : 184 .
5- صحيح البخاري 1 / 113 ، صحيح مسلم 2 / 63 ، سنن النسائي 1 / 211 .
|
الصفحة 47 |
|
ولنقتصر على هذا القدر من الروايات .
( شهيناز . البحرين . سنّية . 20 سنة . طالبة جامعة )
السؤال : ما الدليل من الكتاب والسنّة على الشفاعة ؟
الجواب : إنّ القول بالشفاعة لم يختصّ بالشيعة وحدهم ، بل اشترك في ذلك جميع المسلمين ، ودليلهم القرآن الكريم والسنّة الشريفة :
أمّا من القرآن الكريم ، فقولـه تعالى : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى } (1) ، إلى غيرها من الآيات الكريمة التي تؤكّد شفاعة المقرّبين عند الله تعالى ، ومن يرتضيهم من شفعاء .
أمّا السنّة الشريفة : فعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) تلا قول الله عزّ وجلّ : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى } ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي " (2) .
وعن قتادة قال : وذكر لنا أنّ نبي الله (صلى الله عليه وآله) قال : " إنّ في أمّتي رجلاً ليدخلن الله الجنّة بشفاعته أكثر من بني تميم " (3) .
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " أنا أوّل شفيعٍ يوم القيامة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، إنّ من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدّق غير واحد " (4) .
وعن جابر بن عبد الله قال : قال (صلى الله عليه وآله) : " أنا قائد المرسلين ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ، وأنا أوّل شافع ومشفع ولا فخر " (5) .
____________
1- الأنبياء : 28 .
2- المستدرك 2 / 382 .
3- المصدر السابق 6 / 285 .
4- السنن الكبرى للبيهقي 9 / 4 ، تاريخ بغداد 12 / 398 .
5- المعجم الأوسط 1 / 61 ، الجامع الصغير 1 / 413 ، كنز العمّال 11 / 436 ، التاريخ الكبير 4 / 286.
|
الصفحة 48 |
|
فهذه الآيات والروايات تؤكّد أصل وجود الشفاعة ، وهي خاصّة بمن ارتضاهم الله وفضّلهم وأكرمهم .
( محمّد . السعودية . 16 سنة . طالب ثانوية )
لا تنال شفاعتنا من استخف بصلاته :
السؤال : أسأل الله العلي القدير أن يمنّ عليكم بنعمة نشر المعارف الحقّة المستقاة من منبع الطهر والعصمة محمّد وآله الطاهرين .
السؤال حول الحديث المروي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي يقول : " ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي يوم القيامة " (1) ، وهناك رواية تنقل عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) تقول : " إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة " (2) .
والسؤال هو : إذا كان الاستخفاف بالصلاة من الكبائر ، والتي وعد صاحبها بعدم نيل الشفاعة ، فهل ينال صاحبها شفاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟ وكيف ؟ وهل هناك بين الروايتين تناقض ؟ إذ لا ينال الشفاعة من استخفّ بالصلاة لأنّه عمل كبيرة ، وينال الشفاعة من جهة أُخرى لأنّ شفاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) لأهل الكبائر قد ادخرت ؟ فعلى كلا الوجهين سينال الشفاعة ممّن سيشفع لمن يستحقّ الشفاعة ، إذ إنّهم (عليهم السلام) لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى ، وهم من خشيته مشفقون ، أم إنّ الذي يأتي بما تقدّم لا ينال الرضى ليستحقّ الشفاعة ؟ أم ماذا ؟ أفيدونا مأجورين .
الجواب : يمكن أن نتصوّر عدّة أجوبة للجمع بين الحديثين :
1ـ إنّ قول النبيّ (صلى الله عليه وآله) عام يشمل جميع أهل الكبائر ، وأمّا قول الإمام الصادق (عليه السلام) فهو خاص ينحصر بالمستخف بالصلاة ـ أي المتهاون بها ـ ، فيحمل العام على الخاصّ ، كما هو متعارف عليه عند الأُصوليين في مثل هذه الحالة ،
____________
1- التبيان 1 / 213 ، المعجم الأوسط 6 / 106 ، البداية والنهاية 10 / 254 .
2- الكافي 3 / 270 و 6 / 401 ، تهذيب الأحكام 9 / 107 .
|
الصفحة 49 |
|
وتسمى بالتعارض غير المستقرّ ، وتجمع جمعاً عرفياً ، ذُكر بشكل مفصّل في بحوث أُصول الفقه ، مبحث التعارض والتراجيح .
2ـ إنّ شفاعة أهل البيت (عليهم السلام) لها منازل متعدّدة ، فيمكن حمل قول النبيّ (صلى الله عليه وآله) على منزل منها ، كأن يكون آخر المراحل في يوم القيامة ، ويحمل قول الإمام الصادق (عليه السلام) على عدم نيل الشفاعة في منزل آخر ، كأن يكون في البرزخ مثلاً أو غيره .
وهنالك ما يؤيّد ما ذكرناه ، وهو قول النبيّ : " ادخرت " ، إٍذ إنّ الادخار يفيد معنى عدم الإعطاء في أوّل أزمنة الحاجة ، والحفاظ عليها إلى الأزمنة المهمّة جدّاً .
3ـ يمكن أن يكون الفرق هو : إنّ الإمام الصادق (عليه السلام) ينفي الشفاعة عن المستخفّ بالصلاة على النحو الفعلي وواقعاً ، وهذا لا تعارض لـه مع قول النبيّ (صلى الله عليه وآله)، إذ إنّ النبيّ لم يقل إنّي اشفع فعلاً لأهل الكبائر ، بل قال : إنّي أدّخر شفاعتي لهم ، ومعنى الادخار هو الحفاظ عليها إلى وقت الشدّة ، والحفاظ لا يعني إعطاؤه بشكل قطعي ، فربما يعطي الشفاعة وربما لا يعطيها .
وهذا كما نجده في قولـه تعالى : { قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } (1) ، فليس معنى السعة لكُلّ شيء هو حصول الرحمة ووقوعها للجميع فعلاً ، وإلاّ لتعارض مع عقاب أيّ مخلوق ـ الكفرة وغيرهم ـ بل المقصود أنّ الرحمة من الله تعالى لها قابلية الشمول للجميع ، لكن البعض ليست لـه القابلية على نيلها ، وكما يقال : العجز في القابل لا في الفاعل .
وهنالك أوجه أُخرى يمكن تصوّرها لا داعي لذكرها .
____________
1- الأعراف : 156 .
|
الصفحة 50 |
|
( منير . السعودية . ... )
تكون للأنبياء والأئمّة والشهداء و ... :
السؤال : من هم الذين يسمح الله لهم بالشفاعة يوم القيامة ؟ هل هم الأنبياء فقط ؟ أم هناك غيرهم أيضاً ؟ وهل هناك أدلّة تؤيّد ذلك ؟
الجواب : الظاهر من روايات كثيرة واردة في كتب الفريقين : إنّ الشفاعة يوم القيامة تكون للأنبياء وللأئمّة والعلماء والشهداء وغيرهم ، ومن تلك الروايات :
1ـ عن ابن عباس قال : أوّل من يشفع يوم القيامة في أمّته رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأوّل من يشفع في أهل بيته وولده أمير المؤمنين ، وأوّل من يشفع في الروم المسلمين صهيب ، وأوّل من يشفع في مؤمني الحبشة بلال (1) .
2ـ عن عثمان بن عفّان عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : " أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ الشهداء ، ثمّ المؤذّنون " (2) .
3ـ عن عثمان بن عفّان قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ العلماء ، ثمّ الشهداء " (3) .
( جعفر سلمان . البحرين . ... )
شفاعة المعصوم تحقق إرادة الله :
السؤال : هل شفاعة المعصوم (عليه السلام) متأخّرة رتبة على إرادة الله ؟ وليس دورها إلاّ مطابقتها لهذه الإرادة ، ويكون هدفها فقط بيان مقام هؤلاء المعصومين ؟ أو أنّ الأمر أبعد من ذلك ، حيث تكون شفاعة المعصوم من مقتضيات تحقّق إرادة الله تعالى ، وبالتالي تكون جزء علّة لفعل الله ، أو أنّ هناك شيء آخر ؟
____________
1- مناقب آل أبي طالب 2 / 14 .
2- مجمع الزوائد 10 / 381 .
3- الجامع الصغير 1 / 434 ، كنز العمّال 10 / 151 ، تاريخ بغداد 11 / 178 ، تهذيب الكمال 22 / 551 .
|
الصفحة 51 |
|
الجواب : لا يخفى أنّ كُلّ شيء وجودي في الكون مسبوق بعلم الله تعالى أزلاً ، ومقيّد بتعلّق إرادة الله الفعلية به في الوجود تكويناً .
هذا ، وإنّ مقام الشفاعة بتفاصيلها يدخل ضمن المخطّط الإلهي في الوجود ، فلا يخرج عن علمه تعالى أوّلاً ، وعن إرادته سبحانه في الوجود ثانياً .
على ضوء ما ذكرنا ، يظهر أنّ مقام الشفاعة قد أعطي للمعصوم (عليه السلام) من قبل الله تعالى ، ثمّ إنّ المعصوم (عليه السلام) واستناداً إلى هذه المرتبة الممنوحة لـه يشفع في العباد .
فالنتيجة : إنّ مقام الشفاعة وإن أعطيت أصالةً من قبل الله تعالى ، ولكن تنفيذه وتطبيقه بيد المعصوم (عليه السلام) ، فلا يكون دوره شكلياً بل حقيقياً ، وإن كنّا نعلم ـ بمقتضى صفة العصمة ـ أنّه (عليه السلام) لا يخرج في شفاعته عن رضوان الله تعالى .
ومجمل الكلام : إنّنا إن نظرنا إلى المسألة من زاوية الإرادة الإلهية التكوينية ، فالشفاعة وثمراتها سوف تكون مسبوقة بإرادة الله تعالى ، ومتأخّرة من حيث الشأن والرتبة والوجود ، وإن نظرنا إليها من ناحية الإرادة الإلهية التشريعية ، فسوف تعتبر الشفاعة حينئذٍ أصيلة وغير منوطة بأيّ شيء ، ويكون المعصوم (عليه السلام) فيها مختاراً مستقلاً ، وبالنتيجة يكون (عليه السلام) من أجزاء تحقّق إرادة الله تعالى .
( الحائر . السعودية . ... )