عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

السؤال : هل كانت الشيعة في زمن الرسول ؟ وما رأي الإسلام بشكل عام فيها ؟

ما كانت في عهد الرسول سنّة ولا شيعة :

السؤال : هل كانت الشيعة في زمن الرسول ؟ وما رأي الإسلام بشكل عام فيها ؟

الجواب : ما كانت في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) سنّة ولا شيعة ، كان الرسول والقرآن ، وإنّما نشأ الاختلاف بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، حيث اختلفت الأُمّة في مسألة الخلافة والإمامة .


الصفحة 94


فقسم قال : بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) مات ولم يعيّن ولم ينصّ على أحد يكون بعده خليفة ، وإنّما أوكل الأمر إلى الأُمّة ، فتارة قالوا : الخليفة يكون بالبيعة ، وهي لم تتمّ لأبي بكر ، إذ تخلّف عنها كبار بني هاشم والصحابة ، ولم يبايعوا إلاّ بعد مدّة وبالقوّة ، وتارة ينصّ أبو بكر على عمر ، وتارة الشورى التي أمر بها عمر ، وهي أشبه ما تكون بالتمثيلية ، وهؤلاء هم أهل السنّة .

وقسم قال : بأنّ الإمامة بالنصّ ـ وكما كان للأنبياء السابقين أوصياء فكذلك لنبيّنا ـ وإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) نصّ على الإمام علي (عليه السلام) في الغدير وغيره ، ويستدلّ هؤلاء بآيات كثيرة ـ كآية البلاغ والتطهير والإنذار والتصدّق بالخاتم ـ وبأحاديث كثيرة متواترة ـ كحديث الغدير والثقلين والطير والسفينة ـ وهؤلاء هم الشيعة .

( بشاير . الكويت . ... )

أحاديث في فضلهم من مصادر السنّة :

السؤال : إنّي أواجه صعوبة مع أحد صديقاتي في ما هو معنى الشيعة ؟ ولماذا أطلق هذا الاسم ؟ وأنا في الحقيقة لا أعلم الكثير ، فأحببت أن أشارك حتّى أستفيد ، ولا تتصوّرون فرحتي الكبيرة لأنّي وجدت هذا الموقع ، وشكراً .

الجواب : إنّ الاختلاف في الأُمّة الإسلامية نشأ بعد وفاة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فالشيعة قالت : بأنّ الإمامة والخلافة بعد رسول الله بالنصّ ـ يعني أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصّ على شخص بعينه ليكون الخليفة والإمام بعده ـ وهذا الشخص المنصوص عليه هو الإمام علي (عليه السلام) للآيات والأحاديث الدالّة على ذلك .

فمن تابع علياً (عليه السلام) وقال بإمامته بعد الرسول بلا فصل فهم الشيعة ، يعني شايعوا علياً (عليه السلام) .


الصفحة 95


هذا ، وسنذكر لك بعض الأحاديث الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حول فضل الشيعة ، ومن مصادر أهل السنّة :

فقد روى الكثير من مفسّري أهل السنّة وعلماء الحديث في تفسير قولـه تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } (1) .

1ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : " هو أنت وشيعتك " (2) ، " أنت يا علي وشيعتك " (3) ، " هم أنت وشيعتك " (4) .

2ـ وقال (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : " أنت وشيعتك في الجنّة " (5) .

3ـ وقال (صلى الله عليه وآله) : " إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسمائهم وأسماء أمّهاتهم ستراً من الله عليهم ، إلاّ هذا ـ يعني علياً ـ وشيعته ، فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحّة ولادتهم " (6) .

4ـ وقال (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : " يا علي إنّك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين " (7) .

5 ـ وقولـه (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : " يا علي إنّ الله قد غفر لك ولولدك ولأهلك ولذرّيتك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك " (8) .

____________

1- البينة : 7.

2- نظم درر السمطين : 92 ، الدرّ المنثور 6 / 379 ، فتح القدير 5 / 477 ، المناقب : 226 ، ينابيع المودّة 2 / 357 .

3- جامع البيان 30 / 335 .

4- شواهد التنزيل 2 / 459 .

5- المعجم الأوسط 6 / 354 و 7 / 343 ، كنز العمّال 11 / 323 ، تاريخ بغداد 12 / 284 و 353 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 332 ، المناقب : 113 ، ينابيع المودّة 1 / 425 .

6- مروج الذهب 3 / 428 .

7- المعجم الأوسط 4 / 187 ، نظم درر السمطين : 92 ، كنز العمّال 13 / 156 ، شواهد التنزيل 2 / 465 ، ينابيع المودّة 2 / 357 و 445 و 452 ، الصحاح 1 / 397 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 4 / 106 ، لسان العرب 2 / 566 ، تاج العروس 2 / 209 .

8- ينابيع المودّة 2 / 357 و 452 ، الصواعق المحرقة 2 / 467 و 672 .


الصفحة 96


6 ـ وقال (صلى الله عليه وآله) : " يا علي إنّ أوّل أربعة يدخلون الجنّة : أنا ، وأنت ، والحسن ، والحسين ، وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا ، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا " (1) .

هذا ، وإنّ الإنسان لا يصدق عليه أنّه من شيعة علي إلاّ إذا اتبعه وأخذ معالم دينه منه .

( أبو الزين . الأردن . ... )

نصيحة في جواب رسالة النصح :

السؤال : نحن من الذين هدانا الله إلى اعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وعلماؤنا دائماً يتهجّمون علينا ويرموننا بالجهل وما إلى ذلك من الكلمات البذيئة ، حتّى أنّ مدير جمعية الصالحين أصدر منشوراً تحت عنوان " رسالة النصح " ، نرجو أن تولّوها اهتماماً خاصّاً ، لعلّ الله تعالى يفتح على أيديكم ، إنّه سميع مجيب .

الجواب : لقد قرأنا مقتطفات من رسالة النصح ـ التي وجهها الأُستاذ مدير جمعية الصالحين ـ ونحن بدورنا ـ مع احترامنا لهذا الأُستاذ ـ نوجّه رسالة إلى كُلّ إنسان تجرّد عن العصبية ، واتخذ البحث الموضوعي منهجاً لـه لمعرفة الحقّ ، فنقول :

الإنسان بفطرته يفكّر ، وبفطرته يبحث عن الحقّ ، والتكليف الموجّه إلى المخلوق من الخالق هو أن يبحث الإنسان عن الحقّ بمقدار وسعه ، ومن ثمّ يعتقد به ، وسيكون بهذا قد أدّى تكليفه أمام خالقه ، ومثل هكذا إنسان سيلقى ربّه يوم القيامة منادياً : ربّاه هذه عقيدتي اعتقدت بها بعد بحث وتمحيص بمقدار وسعي ... .

1-   المعجم الكبير 1 / 319 و 3 / 41 ، كنز العمّال 12 / 104 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 169 ، الصواعق المحرقة 2 / 466 و 671 ، مجمع الزوائد 9 / 131 . 

 


الصفحة 97


أمّا إذا اقتصر الإنسان على عقائده الموروثة ، متجنّباً توسيع آفاق رؤيته لمعرفة الحقّ ، بذريعة أنّ كُلّ فكر غير ما هو عليه ضلال وبدعة ، فإنّ هذا سوف يسدّ سُبل الهداية لمن يرث الأفكار الخاطئة من مجتمعه .

وأمّا منهج كيفية البحث الموضوعي الذي يرضي الله تعالى ، فيبيّنه لنا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بقولـه : " لا يعرف الحقّ بالرجال ، اعرف الحقّ تعرف أهله"(1)، وقد صدق أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ جعل المناط في معرفة الحقّ هو معرفة الحقّ نفسه ، لا معرفة الحقّ بالرجال .

وهذه المقولة تفيدنا بأن يجرّد الإنسان نفسه من الموروث ، وممّا ورثه من البيئة والرجال ، وليس المقصود أن يتخلّى من الموروث ، بل المقصود أن يبحث في الموروث ، فما وافق منه الكتاب والسنّة والعقل اتبعه ، وما خالفه رفضه .

ومعرفة الحقّ في أيّ مسألة لا يمكن إلاّ بعد معرفة المباني التي تبتني عليه هذه المسألة ، فالبحث في الجزئيات من دون معرفة المباني بحث عقيم لا يوصل إلى الحقّ .

فإذا أردنا أن نعرف أيّة مسألة ـ عند أيّ مذهب ما ـ لابدّ علينا أوّلاً أن نعرف المبنى الذي ابتنت عليه هذه المسألة وإلاّ فسنقع في متاهات ، وسنرمي المؤمنين بما لم يقولوه .

وعليه ، فالمناقشة في المسائل العقائدية في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لا يمكن معرفتها والوصول إلى كنهها إلاّ بعد معرفة المباني التي تبتني عليها هذه المسائل .

____________

1- روضة الواعظين : 31 .


الصفحة 98


ومنها على سبيل المثال : ينبغي أن نعرف معنى التمسّك بأهل البيت (عليهم السلام) ، هل هو مجرد محبّة سطحية لا أثر لها في واقعنا العملي ؟ أم هو اتباع واقتداء وانتهال علوم ومعارف الرسول (صلى الله عليه وآله) منهم ؟

كما ينبغي أن نعرف مَن هم أهل البيت ؟ وما المراد من سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟

فمعرفة المصدر الذي منه نتلقّى العلوم والمعارف الإسلامية ـ التي جاء بها الرسول ـ يعتبر من المباني التي لابدّ من الإحاطة بها قبل الخوض في الجزئيات .

ومن هذا القبيل قولـه (صلى الله عليه وآله) : " إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي " ، فعلينا أن نبحث أوّلاً هل هذا الحديث صحيح ؟ أو أنّ الحديث الذي يقول : " كتاب الله وسنّتي " صحيح ؟ أو أنّ كلا الحديثين صحيحان ؟ وذلك بالجمع بينهما ، بأنّ أهل البيت هم المصدر الذي يمكن الوثوق به لمعرفة سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) .

وهذه المفردة مهمّة جدّاً ، إذ تبيّن لنا المصدر الذي منه نأخذ معالم ديننا ، وأحكامنا الشرعية .

كما يحقّ لنا أن نتساءل : لماذا قال الرجل : حسبنا كتاب الله ؟ ولماذا منع من تدوين سنّة رسول الله ؟ ولماذا حرق مدوّنات سنّة رسول الله ؟

والسؤال الآخر : من هم آل البيت (عليهم السلام) ؟ وهذه مسألة مهمّة جدّاً ، علينا أن نعرفهم لنأخذ معالم ديننا منهم ونقتدي بهديهم ، ونجعلهم سبيلاً موثوقاً يوصلنا إلى ما جاء به النبيّ (صلى الله عليه وآله) .

هل آل البيت هم : النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ؟ ـ كما ورد في الصحاح والمسانيد والسنن في تفسير آية التطهير ـ أو أنّهم نساؤه ؟ كما قال به البعض .

وبناءً على مقولة هذا القائل بأنّ نساءه من أهل البيت ، ماذا يقول بالنسبة للأحاديث الواردة في الصحاح والسنن في حصر أهل البيت بهؤلاء الخمسة ؟


الصفحة 99


بالأخصّ ما ورد من سؤال أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة : وأنا منهم يا رسول الله ؟ فقال(صلى الله عليه وآله) : " لا ، إنّك على خير " (1) .

وأمّا مسألة الفرق بين الشيعة والسنّة ، فلا يمكن التوصّل إليها بالتمسّك بالجزئيات ، وإنّما يمكن التوصّل إليه بمعرفة أُسس الاختلاف ومبانيه ، فأصل الخلاف هو في الإمامة والخلافة والصحبة والصحابة .

فالشيعة تعتقد أنّ الله تعالى اصطفى لهذه الأُمّة بعد الرسول أئمّة ـ { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ... } (2) ـ كما اصطفى آل عمران وآل إبراهيم ، فجعلهم حفظة على الشريعة ، التي جاء بها الرسول وخلفاؤه في الأرض ، وقد مدّهم بعناياته الخاصّة ، فهم الملجأ بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) لأخذ معالم الدين ، لأنّهم أعرف الناس بعد الرسول بمحكم القرآن ومتشابهه ، ومطلقه ومقيّده ، وناسخه ومنسوخه ، وهم الذين جعل الرسول (صلى الله عليه وآله) التمسّك بهم وبالقرآن عصمة من الضلال ، فالشيعة تتّبعهم وتأخذ معالم الدين منهم .

ولكن أهل السنّة يعتقدون بأنّ مصدر أخذ معالم الشريعة هم الصحابة ، وهم لمّا رأوا التناحر والتمزّق والصراع بين مصادر أخذ معالم الدين اضطروا إلى مقولة عدالة الصحابة مع اعترافهم بعدم عصمتهم ، ومع اعترافهم بأنّ فيهم القاتل والمقتول ، ومع اعترافهم بأنّ فيهم من كفّر بعضهم بعضاً ، وأنّ فيهم من لعن بعضهم بعضاً ، ومع اعترافهم بورود آيات كثيرة تخاطب الرسول (صلى الله عليه وآله) وتحذّره من المنافقين ـ والمنافق غير الكافر ، إذ المنافق من يظهر الإسلام ويبطن الكفر ـ ، ومع اعترافهم بورود أحاديث كثيرة في الصحاح والسنن تقول : " ليأتينّ أقوام يوم القيامة فيذادون عن الحوض أعرفهم بأسمائهم فأقول :

____________

1- شواهد التنزيل 2 / 63 و 115 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 142 ، المستدرك 2 / 416 ، مسند أبي يعلى 12 / 456 ، المعجم الكبير 3 / 53 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 13 .

2- آل عمران : 34 .


الصفحة 100


يا ربّ أصحابي أصحابي ! فيأتي النداء : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ! فأقول : بعداً بعداً ، أو قال : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي " ! (1) .

وأمّا الشيعة فيقولون : نحن مع احترامنا للصحابة لكنّنا حين أخذ معالم الدين نجري عليهم قواعد الجرح والتعديل ، وننظر إلى سيرتهم ، فمن لم يغيّر ولم يبدّل ولم يحدث في الدين فهو مصدر ثقة ، نعتمد عليه في نقله لروايات الرسول (صلى الله عليه وآله) ، ومن كان غير ذلك فلا .

فهذه الأبحاث من المباني التي لابدّ أن نتطرّق إليها ، وأمّا الأُمور الأُخرى فهي أُمور تترتّب على هذه الأبحاث ، ويمكننا أن نتداولها فيما لو حدّدنا مواقفنا من البحث الأساسي .

وكذلك مسألة الإمامة والخلافة ، وهل نصّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أحد ؟ وهل عيّن نظام الحكم أم أهمله ؟ وإذا عيّن وقلنا بأنّه عيّنه شورى ، فهل كانت خلافة الخلفاء كلّهم بالشورى ؟ أم نصّ بعضهم على بعض ؟

وهل اطلعنا على استدلالات الشيعة ؟ ومرادنا من الاطلاع قراءة ما كتبه الشيعة أنفسهم لا ما كتبه أعداؤهم .

وأمّا مسألة الاستشهاد بقول واحد من علماء فرقة معيّنة ، فهو لا يدلّ ولا يمثّل رأي كُلّ تلك الفرقة ، ولا ينكر أحد وجود أقوال شاذّة في كُلّ مذهب ، لا يمكن حملها على جميع المذهب .

وأمّا التشنيع على الشيعة بتصرّفات بعض أبنائها فهذا تهريج ، وهذه مقولة بعيدة عن البحث العلمي الموضوعي ، لأنّ بعض أهل السنّة يشرب الخمر ولا

____________

1- مسند أحمد 3 / 28 و 281 و 5 / 48 و 393 و 400 ، صحيح البخاري 4 / 110 ، صحيح مسلم 7 / 68 ، المستدرك 2 / 447 ، المصنّف للصنعاني 11 / 407 ، مسند ابن راهويه 1 / 379 ، صحيح ابن حبّان 16 / 344 ، المعجم الكبير 7 / 207 ، مسند الشاميين 3 / 310 ، الجامع الصغير 2 / 449 ، جامع البيان 4 / 55 ، الدرّ المنثور 2 / 349 .


الصفحة 101


يتّقي الله تعالى ، ولا يصلّي ولا يصوم ، فهل يصحّ لنا أن نرمي جميع أهل السنّة أو غالبيتهم بهذه الصفات ؟ أو أن نستنكر منهجهم الفكري بهذه الطريقة ؟

وأمّا مسألة البدعة وأهل البدع ، فإذا أردنا أن يكون بحثنا موضوعياً مبتنياً على المباني فعلينا أن نعرف معنى البدعة ، فهي إدخال ما ليس من الدين في الدين ، وعليه فعلينا أن نعرف الدين لنعرف المسائل التي هي ليست من الدين ، ثمّ دخلت في الدين .

فإذا عرفنا الدين بالبحث والتتبع يمكننا بعد ذلك أن نعرف هل مقولة " الصلاة خير من النوم " في الأذان من الدين أو لا ؟

أو أنّ نافلة صلاة شهر رمضان جماعة ـ المعروفة بصلاة التراويح ـ كانت من الدين أو لم تكن ؟ وإنّما سنّها البعض قائلاً : " نعمت البدعة " !!

أو أنّ مقولة قائلهم : " متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أُحرّمهما " !! من الدين أم ليست من الدين ؟!

أو أنّ مقولة : " السنّة هي التختّم باليمين ولكن بما أنّها صارت شعاراً للرافضة فالسنّة تكون التختم باليسار " ، فهل هذا من الدين ؟!

والمسألة الأُخرى هي : بالله عليكم إذا تحرّى شخص الحقّ وبحث بفكر حرّ بعيد عن كُلّ تعصّب وتقليد أعمى ، فتوصّل إلى أنّ الحقّ مع أهل البيت (عليهم السلام) ومذهبهم ، فهل يمكننا أن ننهى هذا الشخص ونقول لـه : لماذا بحثت ؟ ونرميه بشتّى الألفاظ الركيكة .

ونسلّط الضوء على المقولة التي تقول : " وغرّتك كثرتهم " ، ونسيت أو تناسيت أنّ أهل الحقّ هم القلّة في كُلّ زمان ومكان !

بالله عليك ، أناشد فطرتك ، ألم تعلم أنّ أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) كانوا على مرّ العصور هم المضطهدون المقتولون المشرّدون ، فأين كثرتهم ؟! أليسوا هم من أهل القلّة التي تصدق عليهم مقولة هذا القائل : ونسيت أو تناسيت أنّ أهل الحقّ هم القلّة .


الصفحة 102


يكفي لمن لـه أدنى معرفة بالتاريخ أن يراجع وليرى الفجائع التي ارتكبت ضدّ الشيعة ـ من إباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ، وما لقوه من قتل وظلم ـ .

وأقسم بالله ، لو أنّ أيّ فرقة من الفرق الإسلامية الأُخرى لاقت عشر معشار ما لاقاه شيعة أهل البيت لما بقي لهم الآن إلاّ الاسم ، ولانمحوا عن التاريخ أساساً .

ولكن السؤال هنا : إنّ الشيعة على رغم ما لاقوه من ظلم وتعدّي ومصاعب هل انمحوا من التاريخ ؟ أم بقوا وصمدوا وواجهوا من واجههم بالدليل والبرهان والبحث العلمي حتّى نصرهم الله ، وهم يوماً بعد يوم في انتشار واسع في العالم ، ودليل انتشارهم هو دليلهم القاطع والقوي المتّفق مع العقل والفطرة ، الذي جعل الأنظار تتوجّه إليهم وإلى كتبهم وأدلّتهم ومبانيهم الفكرية ، كما يمكننا أن نعتبر التراث الإسلامي الذي جاء به الشيعة هو الأنقى والأفضل ، لأنّه لم يتأثّر بضغوط السلطات الجائرة ولم يخضع لهم ، ولم يسمح لتراثه الإسلامي أن يصاغ بصورة تتلاءم مع أهواء حكّام الجور من بني أُمية وبني العباس وغيرهم .

فكان الشيعة هي الثلّة الوحيدة التي صمدت بوجه الذين أرادوا أن يغيّروا معالم الدين وفق مصالحهم ومبتغياتهم الشخصية ، فالذي يستخدم العقل ويتمسّك بالدليل والبرهان ويبحث وينقّب ويصل إلى الحقّ لا يتأثّر بمقولات من يقول : هل نصبت نفسك مجتهداً لتطلق أحكاماً تتعلّق بعقائد الأُمّة ... .

أو من يقول : هل هي من اختصاص حثالة من الأولاد يعبثون بشرع الله ... .

هذه المقولات الجارحة ـ غفر الله لمن قالها ـ لا تؤثّر على الشباب الواعي الذي يتحرّى الحقيقة ليجدها ويقبلها برحابة صدر .


الصفحة 103


وأمّا الإحصائيات الدقيقة عن نسبة الشيعة من بين المسلمين جميعاً ، فالقدر المتيقّن أنّ الشيعة الإمامية يمثّلون 25 % من المسلمين بجميع طوائفهم .

وأمّا فيما يخصّ معاوية فإنّ هذا البحث إذا أردنا أن نبحثه وفق الأُسس والأُصول فإنّه يعود إلى مبنى عدالة جميع الصحابة الذي مرّ ذكره .

فإذا كان معاوية من الصحابة ، فإنّه لاشكّ سيكون من الذين بلغته أقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حقّ علي (عليه السلام) أمثال : " الحقّ مع علي وعلي مع الحقّ " ، وحديث سدّ الأبواب ، وحديث مدينة العلم ، وحديث الطير المشوي ، وحديث الغدير ، وآية التطهير ، وآية الولاية ، وآية المباهلة ، وغير ذلك .

وهنا نورد حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حقّ علي (عليه السلام) : " سيكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فألزموا علي بن أبي طالب ، فإنّه أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأُمّة ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين " (1) .

وكذلك ما رواه الحاكم النيسابوري في " المستدرك " وصحّحه ، حيث قال سعد بن أبي وقّاص لمن شتم علياً : يا هذا ، على ما تشتم علي بن أبي طالب ، ألم يكن أوّل من أسلم ؟ ألم يكن أوّل من صلّى مع رسول الله ؟ ألم يكن أزهد الناس ؟ ألم يكن أعلم الناس ؟ وذكر حتّى قال : ألم يكن ختن رسول الله(صلى الله عليه وآله) على ابنته ؟ ألم يكن صاحب راية رسول الله في غزواته ؟ ثمّ استقبل القبلة ورفع يديه وقال : اللهم إن هذا يشتم ولياً من أوليائك ، فلا تفرّق هذا الجمع حتّى تريهم قدرتك ، قال قيس : فو الله ما تفرّقنا حتّى ساخت به دابته ، فرمته على هامّته في تلك الأحجار فانفلق دماغه ومات (2) .

____________

1- الإصابة 7 / 294 ، المناقب : 105 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 450 ، أُسد الغابة 5 / 287 .

2- المستدرك 3 / 500 .


الصفحة 104


فنحن الآن في عصرٍ لا يعذر فيه الجاهل ، لأنّ التقدّم الحادث في عصرنا في مجال الاتصالات مهّد السبيل للوصول إلى الحقائق ، وجعل العالم بأسرة كأنّه قرية صغيرة .

فيا ترى هل يعقل أن يأتي أقوام فيقولون : القاتل والمقتول في الجنّة !! القاتل اجتهد في قتل وقتال علي (عليه السلام) فأخطأ ! فبالله عليك كيف وسعه أن يجتهد في مقابل النصوص التي سمعها بنفسه من الرسول (صلى الله عليه وآله) فهل هذا اجتهاد ؟ أم هو اتباع للأهواء والمصالح والمبتغيات ؟!

وفي النهاية أختم رسالتي بالإشارة إلى مسألة الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية فأقول : إنّ مفهوم الوحدة هو أن يتقارب المسلمون بشتّى المذاهب فيما اتفقوا عليه ، وهذا المتّفق عليه يكون سبباً لتقاربهم ووحدة صفهم .

وأمّا في المسائل الخلافية الموجودة حتّى بين المذاهب الأربعة السنّية فنقول : على المسلمين أن يجلسوا على طاولة الحوار الهادف الهادئ بعد تزكية أنفسهم وقصد التقرّب إلى الله تعالى فقط ، لأنّ الإنسان إذا لم يتمكّن من مجاهدة هواه ، فإنّه لا يتمكّن أن يطمئن إلى النتائج الفكرية التي يتوصّل إليها ، فمن لم يتغلّب على هواه ، لا يستطيع أن يتنازل عن عقائده الموروثة ، ولا يستطيع أن يتخلّى عن التعصّب ، فتكون النتيجة أنّه يلتجئ إلى التبرير والتمويه والمغالطة اتباعاً لهواه .

فالحوار والتفاهم هو الرابط الوحيد بين من يختلفون في الفكر والعقيدة ، فإن توصّلوا بالدليل إلى النتيجة فهو المطلوب ، وإن لم يتوصّلوا فتبقى الوجوه المشتركة التي أقلّها هي الإنسانية هي السبب في أخوتهم وعلاقتهم ، وهذا هو الذي رسمه لنا الله تعالى ، ونبيّه العظيم محمّد (صلى الله عليه وآله) .

ونوجّه نداءنا إلى جميع الإخوان من جميع المذاهب الإسلامية : أن يتّحدوا ويتقاربوا ويتحاببوا في الله ، وأن تكون أبحاثهم علمية موضوعية متجرّدة عن أيّ تعصّب أو تقليد أعمى للموروث .


الصفحة 105


( ... . السعودية . ... )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السؤال : بعد الصلاة على محمّد وآله الطيبين ...
السؤال : إمامة أيّ من الأئمّة (عليهم السلام) كانت ...
من هي سكينة بنت الحسين ؟ وممن تزوجت ؟ وهل أنجبت ؟ ...
السؤال : عقلي يمنعني من تقبيل الأضرحة ويقول : هذه ...
السؤال : هل يجوز البكاء على الميّت القريب جدّاً ، ...
كيف يستفيد الخطيب من نهج البلاغة
السؤال : ما الفرق بين الشيعة والسنّة ؟
السؤال : هل يدخلون الجنّة أهل السنّة ?
السؤال: هل حقّاً أنّ عمر بن عبد العزيز ، وهارون ...
السؤال : أنا من السنّة ولست شيعياً ، ولكن أُريد أن ...

 
user comment