بين الجرح والتعديل :
السؤال : الذي اعرفه ويعرفه الكثيرون أنّ أُصول مذهبكم يقوم على سبّ أبي بكر وعمر .
الجواب : إنّ مقتضى الإنسانية أن يكون الإنسان ذا إنصاف في الحكم على من يعتقد غير عقيدته ، وأن يتفحّص أوّلاً ويقرأ كتب علماء المتخاصمين ثمّ يحكم ، لا أن يتكلّم بجهل وعدم دراية ، فنوصيك بمطالعة كتب الشيعة أوّلاً ، ثمّ تحكيم العقل .
فالشيعة تحترم صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله) وتعظّمهم ، ولكن تجري قواعد الجرح والتعديل عليهم ، فالصحابة غير معصومين باتفاق جميع المسلمين ، فأيّ عقل يقبل أن تكون مجرّد رؤية الرسول ـ حيث يكون بها الإنسان صحابياً ـ ترفع قانون البحث عن الرجل وأفعاله ؟
فالشيعة تجري قواعد الجرح والتعديل عليهم ، فمن بقي على الدين بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) ومات على الملّة ولم يغيّر ولم يبدّل فالشيعة تعظّمه ، ومن لا فلا .
( أحلام . لبنان . ... )
السؤال : ما هو دليلكم بعدم عدالة الصحابة ؟
|
الصفحة 131 |
|
الجواب : إنّ سؤالك يعطي انطباعاً عن الشيعة أنّهم لا يعترفون بعدالة الصحابة على الإطلاق ، وهذا التصوّر بعيد عن الحقّيقة ، مجانب للواقع ، فليس الأمر كما تتصوّرين ، أو يتصوّره البعض ، فالشيعة يقولون في حقّ الصحابة ما يلي :
إنّ الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ، وشرّع لـه شريعة ليبلّغها إلى المسلمين ، فقال : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } (1) .
فمن التزم بهذه الشريعة ـ بكُلّ أبعادها من الأوامر والنواهي ـ فهو مسلم بحقّ ، ويجب على جميع المسلمين احترامه وتقديره والترحّم عليه .
ثمّ من ضيّع هذه الأوامر أو بعضها ، فإن كان عن جهلٍ وقصور فهو معذور ، وإن كان عن عمدٍ وعنادٍ واستخفافٍ بأوامر الله ورسوله ، فهو وإن لم يخرج عن الإسلام ـ إذا بقي ملتزماً بالشهادتين ـ لكن يعتبر خارجاً عن طاعة الله ورسوله ، وموجباً للحكم عليه بالفسق ، وهذا أمر نعتقد أنكِ توافقين عليه بشكلٍ كامل .
وهنا نقول : إنّ من ضمن الأوامر التي أمرنا الله ورسوله باتباعها والالتزام بها هي قولـه تعالى : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } (2) .
فمودّة أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) من الواجبات على كُلّ مسلم بنصّ القرآن الكريم والسنّة القطعيّة ، والتارك لها مخالف لأمر الله تعالى ، كما أنّ التارك لغيرها من الواجبات ـ كالصلاة والصوم وغيرهما ـ يعتبر فاسقاً عند المسلمين كافّة .
____________
1- المائدة : 67 .
2- الشورى : 23 .
|
الصفحة 132 |
|
وعلى كُلّ حال ، فالإشكال في أنّ جميع الصحابة عدول والبحث في الكُلّية ، لأنّ الصحابي من رأى الرسول (صلى الله عليه وآله) ، ولا يوجد دليل صحيح صريح يقول بعدالة كُلّ هؤلاء ، بل نجري قواعد الجرح والتعديل عليهم .
( معاذ . الأردن . سنّي . 33 سنة . طالب جامعة )
الصحابة ليس كُلّهم عدول ، لأنّ منهم المغيرة بن شعبة وهو رجل فاسق ، ويقال : إنّه أوّل من شتم علي بن أبي طالب على المنابر ، كما أنّه زاني ، وقصّته معروفة حينما شهد عليه ثلاث بالزنا ، ثمّ قال الرابع : إنّي لم أتحقّق من الرؤية جيّداً ، فبرّأه عمر بن الخطّاب .
( ... . ... . سنّي )
آية البيعة لا تدل على عدالتهم :
السؤال : إلى كُلّ شيعي يبحث عن الحقّ ، ويتبع الحوار الهادف الذي فيه نجاته من عذاب الله ، لدّي مداخلة بسيطة ، وهو سؤال واحد ، اسأل فيه كُلّ جمهور الشيعة : من كذبّ على الله ما حكمه في الإسلام ؟
فإن قلت : لا يكفّر ، فهذا قول غير المسلمين .
وإن قلت : يكفّر ، فسوف نأخذ شريحة واحدة من قول الله تعالى في كتابه الكريم : { لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } (1) .
من الذي كان تحت الشجرة ؟ إن قلت : غير الصحابة ، فمن هم إذاً ؟ اليهود ، قريش ، الروم ، الفرس ؟ كُلّ المفسّرين يتّفقون على أنّهم صحابة
____________
1- الفتح : 18 .
|
الصفحة 133 |
|
رسول الله ، أكثر من ألف صحابي ، وعلى رأسهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي .
والشيعة أجمعت بردّتهم وخروجهم من الإسلام ، من غير علي (رضي الله عنه) ، وقليل من الصحابة ـ على عدد أصابع اليد الواحدة ـ وإن قلت بردّتهم ، فمعنى هذا أنّ الشيعة يتّهمون الله بالجهل ، إذ رضي الله عنهم ، ولم يعلم ما في قلوبهم ، أنّهم يرتدّون بعد وفاة رسوله ، وعلى هذا من كفّر من رضي الله عنهم فقد وصف الله بالجهل ، ومن وصف الله بهذا فقد كفر بإجماع أهل الإسلام .
وإن قلت : بردّ هذه الآية ، فقد اتهم الله بالعجز ، لعدم حفظ كتابه من التحريف والنقص والزيادة ، والله قد تكفّل بحفظ كتابه ، حيث يقول في كتابه الكريم : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لـه لَحَافِظُونَ } (1) .
ومن ردّ هذه الآية فقد ردّ كتاب الله بأكمله ، ويقول المفسّرون : إنّ الله قد حفظ كتابه عند إنزاله من استراق الشياطين ، وبعد نزوله من التغيير والزيادة ، والنقص والتحريف ، ومعانية من التبديل .
وأطلب من كُلّ الشيعة الرجوع إلى كتاب الله وسنّة رسوله ، وعدم المكابرة مثل بني إسرائيل ، والجهل مثل النصارى .
ومعذرة في الإطالة ، وشكراً لله أن يسّر لنا هذا ، والحمد لله وحده .
الجواب : نجيبك باختصار ، وعليك بالتأمّل والمراجعة :
1ـ هذه الآية لا يمكن الاستدلال بها على عدالة جميع الصحابة ، لأنّها مختصّة بأهل بيعة الرضوان ـ بيعة الشجرة ـ ولا علاقة لها بسائر الصحابة ، والنزاع الأساسي فيما بيننا هو في مسألة عدالة جميع الصحابة ، التي تقول بها أهل السنّة ، ولا تقول بها الشيعة ، مادام لم تثبت عصمتهم ، ولم يدّعها أحد لهم .
2ـ في الآية المباركة قيود ، إذ رضي الله تعالى عن المؤمنين الذين بايعوا ، وليس كُلّ من بايع كان مؤمناً ، فالآية ليست بصدد إثبات أنّ كُلّ من بايع فهو
____________
1- الحجر : 9 .
|
الصفحة 134 |
|
مؤمن ، بل هي في صدد بيان شمول رضوان الله ، ونزول السكينة على المؤمنين منهم .
3ـ ثمّ إنّ هناك شرط آخر في المقام ، وهو مذكور في القرآن الكريم أيضاً : { فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله . . . } (1) .
فالآية لا تدلّ على الأصل الذي أنتم قائلون به ، وهو عدالة جميع الصحابة ، ولابدّ من توفّر الشروط والقيود المذكورة فيها ، لمن نريد تزكيته منهم ، وأنّ المزكّى منهم لابدّ وأن لا يكون ممّن بايع ثمّ نكث البيعة فيما بعد .
وأخيراً : فموضوع عدالة الصحابة مسألة مهمّة جدّاً ، لابدّ من التأمّل فيها ، ودراسة النصوص القرآنية دراسة معمّقة ، والبحث في السنّة النبوية من ناحية السند والدلالة ، ومن ثمّ تحكيم العقل بعيداً عن التعصّب ، واتّخاذ القرار الحاسم والعقيدة الصحيحة في أنّ الصحابة كُلّهم عدول ؟ أم يجوز إجراء قواعد الجرح والتعديل عليهم ؟
( أبو القاسم . البحرين . 21 سنة )
تعقيباً على سؤال الأخ الذي أجبتم عليه ، أقول : إبليس كان يعبد الله ، وأكرمه الله ورفعه إلى السماء ، وحين عصا ولم يسجد لآدم غضب عليه الرحمن وأنزله ، فما المانع أن يكون الصحابة هكذا .
ونذكر لك أبسط الأُمور :
إنّهم تخلّفوا عن جيش أُسامة ، وأيضاً قولـه تعالى : { قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ... إِنَّمَا
____________
1- الفتح : 10 .
|
الصفحة 135 |
|
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } (1) .
ويلحق بهم المؤلّفة قلوبهم من الصحابة ، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعطيهم الأموال ليتألفهم على الإسلام ، ومنهم أبو سفيان وأولاده (2) ، ومع هذا كُلّه ، وتقولون : كُلّهم عدول ؟
وأيضاً الآية : { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ } (3) ، روي عن عبد الله بن عباس أنّها نزلت في علي والوليد ، والمراد بالفاسق هو الوليد بن عقبة (4) .
وأيضاً الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين } (5) .
وسبب نزولها : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث الوليد بن عقبة لجمع صدقات بني المصطلق ، فلمّا شارف ديارهم ركبوا مستقبلين لـه فحسبهم مقاتليه ، فرجع لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وقال لـه : إنّهم قد ارتدّوا ومنعوا الزكاة ، فجاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبروه بعدم صحّة قول الوليد ، فنزلت الآية .
وهي محلّ اتّفاق بين المفسّرين والمؤرّخين في نزولها في الوليد بن عقبة ، وفي تسميته فاسقاً ... (6) .
____________
1- الحجرات : 14 ـ 15 .
2- سير أعلام النبلاء 2 / 106 .
3- السجدة : 18 .
4- نظم درر السمطين : 92 ، شواهد التنزيل 1 / 573 ، الجامع لأحكام القرآن 14 / 105 ، جواهر المطالب 1 / 220 ، ينابيع المودّة 2 / 176 .
5- الحجرات : 6 .
6- السنن الكبرى للبيهقي 9 / 55 ، مجمع الزوائد 7 / 109 ، الآحاد والمثاني 4 / 310 ، المعجم الكبير 3 / 275 و 23 / 401 ، أحكام القرآن للجصّاص 3 / 529 ، أسباب نزول الآيات : 262 ، زاد المسير 7 / 180 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 223 ، الدرّ المنثور 6 / 88 ، فتح القدير 5 / 60 ، تاريخ مدينة دمشق 63 / 230 ، أُسد الغابة 5 / 90 ، تهذيب الكمال 31 / 56 ، تهذيب التهذيب 11 / 126 ، الإصابة 1 / 674 و 6 / 481 ، البداية والنهاية 8 / 234 ، جواهر المطالب 2 / 225 .
|
الصفحة 136 |
|
( آمال . الأردن . سنّية . 30 سنة . طالبة ثانوية )