منهم المؤمن ومنهم المنافق :
السؤال : هناك بعض الأحاديث الموضوعة ، والتي تقلّل من شأن صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فبعض الصحابة تقدّسونهم وبعضهم تسبّونهم ؟ ونحن من أين نعلم ما في نفوس البشر ، حتّى ولو كانوا منافقين ؟ بل الله أعلم بهم .
الجواب : تقديس أحد أو التبرّي من أحد لا يكون صحيحاً ما لم تكن هناك قرائن على استحقاق ذلك الشخص منزلة التقديس أو التبرّي ، ونحن الإمامية ننتهج منهجاً عقلائياً لا يحيد عن الفطرة والوجدان ، وتؤيّده أدلّة صحيحة صريحة .
والشيعة الإمامية يرفضون التقديس الاعتباطي الذي لا يستند إلى دليل ، ولا يقرّه عقل ، بل يرفضه القرآن الكريم بقولـه تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } (1) ، وقولـه تعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } (2) ، وهكذا نهى الله تعالى عن مساواة المؤمن بالكافر أو بالمنافق .
هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى فإنّ تقديسنا لصحابي أو عدمه تؤيّده سيرته وأحواله ، إذ ذلك مرهون بالاستقراء التاريخي الذي تفرضه سيرة هذا وأحوال ذاك ، وإذا كنّا نتردّد في حديثٍ أو حديثين ونتهمهما بالوضع والكذب ، فلا يمكننا أن نتهم التاريخ كُلّه بالوضع وعدم الصحّة ، إذ ذلك إلغاء لكثير من الحقائق ، واتهام أكثر الأُمور بالتشكيك وعدم التصديق .
والتحقيق : إنّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان منهم الصالحين ، ومنهم المنافقين الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم ، ولعلّ استعراضاً لسيرة الكثير من الصحابة
____________
1- غافر : 58 .
2- الأنعام : 50 .
|
الصفحة 137 |
|
سيعطيكِ تصوّراً آخر عن موقفكِ من جميع الصحابة ، بما فيهم أُولئك الذين أباحوا سبّ علي (عليه السلام) على منابر الشام أربعين عاماً ، وقد قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) فيه : " من سبّ علياً فقد سبّني " (1) .
وكان معاوية يدعو أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى سبّ علي ، كالمغيرة بن شعبة ، وبسر بن أرطاة ، وأمثالهما .
فإنّ بسر بن أرطاة صعد على منبر البصرة ، فشتم علياً (عليه السلام) ، ثمّ قال : نشدت الله رجلاً علم أنّي صادق إلاّ صدّقني ، أو كاذب إلاّ كذّبني ، فقال أبو بكرة : اللهم إنا لا نعلمك إلاّ كاذباً ، قال : فأمر به فخنق (2) .
وكان المغيرة بن شعبة ـ لمّا ولي الكوفة ـ يقوم على المنبر ويخطب ، وينال من علي (عليه السلام) ويلعنه ويلعن شيعته (3) .
فإذا كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) يصرّح بأن : " من سبّ علياً فقد سبّني " ، وكان معاوية وبعض الصحابة يسبّون علياً (عليه السلام) ، ممّا يعني أنّهم كانوا يسبّون رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما قالت أُمّ سلمة حينما سمعت بعضهم يسبّ علياً (عليه السلام) : من منكم سبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقيل لها : معاذ الله ، فقالت : سمعت رسول الله يقول : " من سبّ علياً فقد سبّني " (4) .
____________
1- مسند أحمد 6 / 323 ، ذخائر العقبى : 66 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، نظم درر السمطين : 105 ، الجامع الصغير 2 / 608 ، كنز العمّال 11 / 573 و 602 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 132 و 30 / 179 و 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 250 و 294 ، ينابيع المودّة 1 / 152 و 2 / 102 و 156 و 274 و 395 ، جواهر المطالب 1 / 65 .
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 128 .
3- مسند أحمد 4 / 369 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 244 ، المستدرك على الصحيحين 1 / 385 .
4- مسند أحمد 6 / 323 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ، مجمع الزوائد 9 / 130 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، المناقب : 149 ، جواهر المطالب 1 / 66 .
|
الصفحة 138 |
|
هذه سيرة بعض الصحابة ، فهل بإمكاننا أن نتردّد في التبرّي من هؤلاء بحجّة الصحبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟!
( عبدو . لبنان . ... )
عدم ثبوت عدالتهم في نقل الحديث :
السؤال : ما رأيكم بقول عدالة الصحابة ؟ على اعتبار العدالة هي في التبليغ عن ما سمعوا عن الرسول ـ أي أنّهم عدول في نقل الحديث ـ مع احتجاج الخصم على ذلك بعدم ورود مثل هذا التجريح في الصحاح .
الجواب : لابدّ وأن يكون لكُلّ دعوى دليل ، وإلاّ لابتعدنا عن المباني العلمية ، وهذا المدّعى في المقام لا يتمّ لعدم ثبوت الدليل ، بل الدليل على خلافه .
وهنا أسئلة نطرحها حول المدّعى :
1ـ هل كُلّ ما ورد في الصحاح صحيح ؟! بالأخصّ عند البحث في الأسانيد الواردة في الصحاح ، ففيها من الرواة الوضّاعين والكذّابين والمدلّسين ، ولأجل هذا اعترف قسم كبير من علماء أهل السنّة مؤخّراً بعدم صحّة كُلّ ما ورد في الصحاح .
2ـ هل الصحابة كُلّهم عدول ؟ سواء في ذلك العدالة المطلقة أو في نقل الحديث ؟ بالأخصّ عند مراجعة سيرة حياة بعضهم المليئة بمخالفة سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والنفاق ، وتكفير بعضهم بعضاً ، وتكذيب بعضهم بعضاً ، والجهل !!
3ـ لم يثبت بالدليل عدالة جميع الصحابة ، فأيّ فرق بين العدالة المطلقة والعدالة في النقل ؟! بالأخصّ إذا لاحظنا أنّ بعض الصحابة حارب السنّة ، ومنع من تدوينها ، وقال : حسبنا كتاب الله .
|
الصفحة 139 |
|
( معد البطاط . استراليا . 30 سنة )
أحدثوا بعد الرسول بنص حديث الحوض :
السؤال : من عقائدنا أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يعلم ما يحدث بعده بإذن الله ، فكيف يتلائم مع ما موجود في كتب القوم من حديث الحوض : " إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك " ، وما هو الجواب على ذلك ؟ أنؤمن بمتناقضات ؟ أو تأويلات بعيدة لا تقنع القوم ؟ أم ماذا ؟
الجواب : إنّ علم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالحوادث والوقائع هو بإذن الله تعالى ، وعليه ففي بعض الأحيان قد تكون مصلحة في إخفائه ـ من خضوع المورد للامتحان والاختبار ، أو احتمال طرّو البداء وغيرها من المصالح ـ فعلم الرسول (صلى الله عليه وآله) هو علم إلهي مأذون ، فلا دليل على إطلاق علمه (صلى الله عليه وآله) بدون قيد وشرط .
وأمّا القاعدة التي ذكرتموها في مورد علم النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فهي مطابقة لعقيدة الشيعة ، ولكنّ الرواية المشار إليها ـ حديث الحوض ـ حديث عامّي السند ، وما جاء في بعض المصادر الشيعية فهو مرسل (1) ، فلا حجيّة لـه ، إذاً لا يكون نقضاً للقاعدة المذكورة .
نعم ، لابأس بالاستناد بهذه الرواية على معتقدات القوم ؛ ولكن ليس من معتقداتهم علم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالموضوعات والوقائع بتمامها حتّى في زمن حياته ، فضلاً عن بعد ارتحاله .
ثمّ إنّ الحديث المذكور ـ على فرض تماميّته سنداً ـ محمول على الظاهر من عدم العلم ظاهراً بحدوث ما صدر عن بعض الصحابة في زمن حياة الرسول (صلى الله عليه وآله)، أي أنّ العلم الظاهري للنبي (صلى الله عليه وآله) لا يشمل تلك الحوادث في ذلك الزمان ـ وإن كان يعلم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بهذه الوقائع بعلم النبوّة والإمامة ـ ولكن كان (صلى الله عليه وآله) مكلّفاً بالظاهر ، وعليه فجواب : " إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك " هو على ضوء العلم العادي والظاهري لا علم النبوّة .
وهنا لابدّ من ملاحظة أمر وهو : أنّنا بحكمنا على جماعة من الصحابة بالانحراف عن خطّ الرسالة ، لم نكن أعلم من الرسول (صلى الله عليه وآله) ـ كما يتوهّم بعضهم ـ
____________
1- الاعتقادات : 65 ، الإفصاح : 51 ، الأمالي للشيخ المفيد : 37 .
|
الصفحة 140 |
|
بل إنّ الحوادث السلبية التي وقعت بعد ارتحال النبيّ (صلى الله عليه وآله) هي مسلّمة الوقوع عندنا ، لأنّ علمنا بها كانت بعد وقوعها ، ولكن تلك الحوادث لم تقع في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) فعلمه بها ـ بالعلم العادي والظاهري ـ لم يحصل بعد ، وإن كانت هذه الوقائع معلومة بالتفصيل عنده (صلى الله عليه وآله) بالعلم النبوي .
ويدلّ عليه ما جاء عنه (صلى الله عليه وآله) في وصيّته لعلي (عليه السلام) ، وإخباره عن مستقبل الأُمّة وحكّامها وغير ذلك ؛ وحتّى إنّ أمثال هذه الرواية المبحوث عنها في المقام ، خير دليل لإثبات علمه النبوي ، إذ يتحدّث هو (صلى الله عليه وآله) ويخبرهم بأنّ أمر الصحابة ـ بمجموعهم ـ لم يكن إلى خير ، خصوصاً أنّ في بعض الروايات التي وردت في هذا المجال لم تذكر عبارة : " إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك " ، بل جاء فيها قول النبيّ جازماً بحدوث الردّة في الصحابة ، بعبارة : " ولكنّكم أحدثتم بعدي ورجعتم ـ أو ارتددتم ـ على أعقابكم القهقري " (1) .
ثمّ إنّ هناك احتمال آخر في المقام وهو : أن يكون جوابه (صلى الله عليه وآله) جواباً تعريضيّاً واستنكاريّاً ـ أي يريد أن يلفت أنظار الجميع إلى ما أحدثه بعضهم بعد ارتحاله ـ وهذا النوع من البيان يكون أبلغ في إيصال المعنى ؛ وله نظائر حتّى في القرآن المجيد ، فمثلاً يخاطب الله تعالى عيسى (عليه السلام) يوم القيامة : { وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ... مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ ... وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا توفّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } (2) .
وأيضاً جاء في قصّة إبراهيم (عليه السلام) أنّه قال : { قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِين فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي
____________
1- مسند أحمد 3 / 18 و 39 ، المستدرك 4 / 74 ، مسند أبي داود : 295 ، كنز العمّال 11 / 177 و 14 / 434 .
2- المائدة : 116 ـ 117 .
|
الصفحة 141 |
|
رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } (1) .
والحال نعلم بالقطع واليقين أنّ عيسى (عليه السلام) يعلم يوم القيامة بانحراف قومه ـ إذ هو (عليه السلام) سيهبط قبل يوم القيامة إلى دار الدنيا ، ويصلّي خلف الإمام المهدي (عليه السلام) بإجماع الفريقين ـ فسيكون على علمٍ ممّا حدث في أُمّته بعد توفّيه .
وهكذا فإنّ إبراهيم (عليه السلام) لم يعتقد بعبادة الأصنام قطّ ، ولكن هذا نوع من البيان يتماشى القائل والمستدلّ فيه مع اعتقاد المخاطب ، ثمّ يفنّد أساس معتقده بالأدلّة الواضحة عنده .
( معد البطاط . استراليا . 30 سنة )