الآيات النازلة في حقّهم لا تعمّ الجميع :
السؤال : السؤال كما طرحه الأخوة السنّة :
قال تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (2) .
وقال تعالى : { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } (3) .
وروى الكليني عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : " كان الناس أهل ردّة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلاّ ثلاثة " ، فقلت : ومن الثلاثة ؟ فقال : " المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي " (4) ، فأين ذهب الذين ذكرهم الله تعالى ؟
____________
1- الأنعام : 76 ـ 78 .
2- التوبة : 100 .
3- الحشر : 8 .
4- الكافي 8 / 245 .
|
الصفحة 142 |
|
فائدة : جاء في الكافي في حديث أبي بصير عن المرأة التي جاءت إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، تسأل عن أبي بكر وعمر ، فقال لها : " تولّيهما " ، قالت : فأقول لربّي إذا لقيته : إنّك أمرتني بولايتهما ؟ قال : " نعم " (1) .
أرجو أن تبيّنوا هل الروايتين صحيحتين ؟ مع ذكر السند ، وخدش الرواية أو صحّتها ، مع ذكر المصادر تفصيلاً ، وشرح للآيات التي تتكلّم عن رضا الله ، وآية بيعة الشجرة ، والسلام .
الجواب : نرجو الانتباه إلى النقاط التالية للإجابة على الموارد التي ذكرتموها :
أوّلاً : إنّ الآيتين في مجال ذكر فضيلة الهجرة والنصرة واتباعهما ، ولا إشكال فيه من حيث المبدأ ، ولكن لا تدلاّن على تأييد جميع المهاجرين والأنصار ، حتّى ولو انحرفوا عن الخطّ السليم ، وغاية ما يمكن أن يدّعى أنّ فيهما إطلاق ، وقد ثبت في محلّه : أنّ الإطلاق محمول على المقيّد إن ثبت التقييد ـ أي إن لم يرد قيد فالإطلاق محكم ، وإلاّ فلا ـ وفي المقام قد ثبت بالأدلّة الواضحة : انحراف جماعة عن الخطّ النبوي الذي رسمه لهم صاحب الرسالة (صلى الله عليه وآله) .
مضافاً إلى أنّ في الآية الأُولى توجد قرينة صارفة عن الإطلاق ، وهي " من " التي تدلّ على التبعيض ، لأنّ الأصل فيها أن تكون تبعيضية لا بيانية ـ كما قرّر في محلّه ـ وعليه فإنّ رضا الله كان لعدد منهم لا لجميعهم .
وممّا يدلّ على هذا الوجه الآية التي تلت الآية الأُولى في سورة التوبة هي : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } (2) أليس أهل المدينة من الأنصار ؟ فكيف نجمع بين الآيتين بغير ما ذكرناه ؟
____________
1- المصدر السابق 8 / 101 .
2- التوبة : 101 .
|
الصفحة 143 |
|
وأيضاً على سبيل المثال يقول أصحاب السير : بأنّ أُمّ حبيبة ـ زوجة الرسول(صلى الله عليه وآله) ـ هاجرت مع زوجها الأوّل ، والذي كان مسلماً آنذاك إلى الحبشة ـ في هجرة المسلمين إليها ـ وهناك ارتدّ زوجها وصار ما صار ، إلى أن رجعت هي مع المسلمين إلى المدينة .
وهنا ، أفهل يحقّ لنا أن ندخل هذا المرتدّ تحت شمول الآية استناداً إلى صدق الهجرة عليه ؟!
وبالجملة : فإنّ الآيتين لا تدلاّن نصّاً أو مضموناً على ما يدّعيه بعضهم ، بل أنّهما تدلاّن على اقتضاء الهجرة والنصرة للفضيلة إن لم يكن هناك مانع ، والحال نحن نعلم بطروّ المانع في بعضهم ، وهو تخلّفهم عن طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) .
وأمّا الروايات التي وردت في مصادرنا الخاصّة عن الارتداد ، فهي وإن كانت موجودة في بعض الموارد ، ولكن معناها العدول والانحراف عن وصية الرسول (صلى الله عليه وآله)، بالنسبة لإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) لا غير ، وهذا ثابت تاريخيّاً .
ثمّ إنّه قد ورد في بعض كتب التاريخ ـ مثل تاريخ الطبري ـ : أنّ العرب ارتدّوا كُلّهم بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) عدا فئة في المدينة والطائف ، فكيف لا يثير هذا المطلب التساؤل عندهم ؟!
وأمّا الرواية التي نقلت عن الكافي ففيها : أنّ السند ضعيف ، بسبب ورود معلّى بن محمّد ، الذي ضعّفه كُلّ من النجاشي وابن الغضائري في رجالهما ، وعليه ورد تضعيف المجلسي لسند الرواية (1) .
ومع غضّ النظر عن سندها ، فهي محمولة على التقية ـ جمعاً بينها وبين باقي الروايات ـ ، مضافاً إلى أنّ في تتمّة الحديث إشارة واضحة لنية الإمام (عليه السلام) ، إذ يرجّح القائل بالبراءة ، فهو (عليه السلام) يشير إلى مراده بترجيح ذلك القائل ، ومن
____________
1- مرآة العقول 25 / 244 .
|
الصفحة 144 |
|
ثمّ يؤكّد على مقصوده بآيات كريمة ، ويقول : إنّ هذا نوع من التخاصم ، أي إنّه (عليه السلام) أبدى رأيه بلسان أحد أصحابه .
وعليه فلا غرابة في حديث الإمام (عليه السلام) إذ إنّ ظروف التقية ـ وجود حاكم سفّاك من جلاوزة بني أُمية وهو يوسف بن عمر الثقفي ، كما ذكرته الرواية ، على اطلاع قريب من المرأة السائلة " أُمّ خالد " ، وأيضاً نشر آراء وأفكار أحد المنحرفين القريبين للسلطة " كثير النوا " ـ كانت تفرض عليه أن يذكر الحقيقة بشكل دقيق ، حتّى لا يثير مؤيّدي الخطّ المنحرف لدى وصول الخبر إليهم ، وفي نفس الوقت يعلن الحقّ لذوي البصيرة .
( محمّد إبراهيم الإبراهيم . الكويت . 23 سنة . ثانوية عامّة )
من التزم منهم بوصية الرسول فهو ممدوح :
السؤال : يرجى تزويدي بأسماء جميع معاصرين النبيّ (صلى الله عليه وآله) من الصحابة ، مع ذكر الموالي منهم لأهل البيت والمعادي لهم ؟ دون الحاجة لذكر الموقف الذي حصل لـه .
مع خالص شكري وتقديري لجهودكم المبذولة في خدمة الدين والمسلمين ، ودمتم موفّقين إن شاء الله .
الجواب : فكما روى علماء المذاهب الإسلامية : إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : " إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً " ، قاله (صلى الله عليه وآله) في عدّة مواطن ، آخرها قبيل وفاته ، ويعتبر هذا الحديث وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أُمّته .
وكذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم غدير خم : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه " (1) ، فجمع المسلمين ، وأخذ منهم البيعة لعلي (عليه السلام) .
____________
1- الدرّ المنثور 2 / 293 .
|
الصفحة 145 |
|
فالصحابة الذين عملوا بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والتزموا بالبيعة التي أخذها منهم لعلي (عليه السلام) يوم غدير خم ، فهؤلاء هم الصحابة الذين استقاموا على الطريق السوي .
نعم ، ربما كان بعض الصحابة ، ولظروف قاسية لم يلتزموا بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) فترة ، ثمّ عادوا إلى الحقّ ، فهؤلاء أيضاً من الممدوحين .
وما ورد على لسان الروايات بالارتداد بالنسبة إلى الصحابة الذين لم يلتزموا بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهو ارتداد عن الولاية والإمامة لا ارتداد عن الإسلام .
وكُلّ متفحّص في كتب الحديث والسير والتاريخ سيشخص الصالح من الصحابة من الطالح .
( أحمد . ... . سنّي )
السؤال : قال الرسول (صلى الله عليه وآله) : " لا تسبّوا أصحابي ، فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " (1) ، ما صحّة هذا الحديث ؟ ومن هو الذي رواه من الصحابة ؟
الجواب : قد روى هذا الحديث أبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري ، وآخرون .
وعلى فرض صحّة الحديث ، فليس المقصود هو أنّه لا تسبّوا كُلّ الصحابة ، حتّى ولو كان منافقاً ، أو فاسقاً ، أو مرتدّاً ، أو ... ، بل المقصود : لا تسبّوا الصحابة الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، وأطاعوا الله ورسوله ، ويؤيّد هذا قولـه تعالى : { وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم ـ أي من
____________
1- مسند أحمد 3 / 11 و 64 و 6 / 6 ، صحيح البخاري 4 / 195 ، سنن أبي داود 2 / 404 ، السنن الكبرى للبيهقي 10 / 209 .
|
الصفحة 146 |
|
الصحابة ـ مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } (1) ، وأمّا غير المؤمنين من الصحابة لا يغفر لهم .
إذاً فمجرّد اسم الصحابي لا ينفع ، بل لابدّ أن يكون مؤمناً ، وعاملاً للصالحات ، ومطيعاً لله ورسوله .
( أبو أيمن علي . الجزائر . سنّي )
السؤال : أنا من المداومين على قراءة كتب إخواننا الشيعة وأشرطتهم ، خصوصاً المستبصرين منهم ، وأحاول جهدي الاقتناع بمحصّلاتهم العقائدية ، لكنّني ألاحظ عليهم الكثير من التحفّظات ، وهي كالتالي : مواقفهم المبدئية من بعض الصحابة ، تجعلهم يرمونهم بأيّ كان من النقائص ، كتفسيرهم مثلاً لحادثة الإفك ، والغار ، وغيرها كثير .
ألا تعتقدون أنّ ما تقومون به في هذا الموقع يعمّق فجوة الخلاف بين المسلمين ؟
ألا تعتقدون الإخوّة في قناة المنار قدوة لكم في حرصهم على الوئام الإسلامي ؟ وهناك أسئلة كثيرة أتمنّى أن يتّسع صدركم لها ، ودمتم في رعاية الله .
الجواب : نحيّي فيكم هذه الروح الشفّافة ، والتطلّع والبحث في كتب الشيعة والمستبصرين منهم ، وهذا كُلّه إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على وجود روح البحث والتحقيق عندكم ، والتجرّد عن تقليد الموروث بلا دليل ، وهذه صفة قلّ من يتّصف بها في عصرنا الحاضر .
وأمّا تحفّظاتكم في مسألة الصحابة ، فإنّ البحث في هذا الموضوع لابدّ وأن يبحث فيه بحثاً مبنائياً ، نشرع فيه من بداية الهرم وحتّى منتهاه ، وبداية الهرم هو مسألة كون الصحابة جميعاً عدول ، وهنا عندنا بعض التحفّظات والأسئلة :
____________
1- الفتح : 29 .
|
الصفحة 147 |
|
1ـ هل الصحابة معصومون ؟
2ـ إذا قلنا : لا ، فكيف نثبت عدالتهم ككُلّ ؟!
3ـ هل فيهم من قتل بعضهم بعضاً ؟
4ـ هل فيهم مَن كفّر بعضهم بعضاً ؟
5ـ هل فيهم من لعن وسبّ وشتم بعضهم بعضاً ؟
6ـ إذا كان كُلّ هذا موجود ، فكيف نقول بعدالتهم جميعاً ؟!
7ـ مَن هم المنافقون ؟
8 ـ هل المنافق كافر ؟
9ـ أم المنافق مَن أظهر الإسلام وأبطن الكفر ؟
10ـ هل الآيات الواردة في المنافقين تقصد بعض الصحابة ؟
11ـ إذاً مَن هم المنافقون من الصحابة ؟!
12ـ ألم يضعّف علماء الحديث : " أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم " ورموه بالوضع ؟! (1) .
13ـ هل أنّ ما استدلّ من آيات على عدالة الصحابة ، هل هو صريح أو يدلّ على عدالة جميعهم ، إذ بحثنا في الكُلّ ؟
وبعد كُلّ هذا ، فإذا لم نستطع أن نثبت عدالة جميع الصحابة ، يحقّ لنا بل يجب أن نبحث في حالاتهم وخصوصياتهم ، فمن ثبتت عدالته فهو الصحابي الذي يقتدى به ، ونطمئن بما ينقله من أحاديث ، ومن لم تثبت عدالته وغيّر وبدّل ، فإنّه ليس فقط لا يستحقّ الاقتداء به ، وأخذ معالم الدين منه ، بل يستحقّ لعنة الله والرسول والمؤمنين .
وفي الختام : كما أنّنا نقدّر ما تقوم به قناة المنار من الحفاظ على الوحدة الإسلامية ، والتقريب بين المذاهب ، وهذا فرض على الجميع ، عقيدة نعتقد بها ، ولكن لا ينافي هذا الجلوس على طاولة الحوار الهادئ الهادف ، الحوار
____________
1- لسان الميزان 2 / 137 و 312 .
|
الصفحة 148 |
|
الأخوي ، وذلك للوصول إلى نتيجة فيما اختلفنا فيه ، فإن توصّلنا إلى نتيجة فهو المطلوب ، وإلاّ فإنّ اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية .
هذا ، وإنّ وحدتنا وتقاربنا الظاهري مع الاعتراف بوجود اختلافات أساسية ، ومن دون أن نوجد الجوّ الهادئ للحوار الهادف قربة إلى الله ، فإنّ هكذا وحدة سوف لن تستمرّ ، لأنّ الاختلافات ستظهر وستؤثّر ، وربما لو ظهرت ستكون شديدة بعض الشيء ، لأنّ الإخفاء سيولد الكبت ، والكبت يولد الانفجار .
( علي . السعودية . ... )