البراغماتية وانتحال القدسيّة:
من اخطر حالات الاحتيال علي المجتمع الاءسلامي، هي انتحالالقدسيّة واءضفاء الشرعية في العمل البراغماتي، والانكي من ذلك حينماتتوفر ارضية خصبة لهذا الاحتيال تتمثّل ببعض علماء ووجهاء الاُمّةالبسطاء الطيّبين الذين يسهل خُداعهم. والاشد خطورة من ذلك حينمايساهم علماء السوء بدعم البراغماتيين عندما تتلاقي' المصالح والمنافعالذاتية والاهواء، فتنحصر (القيميّة) في نخبة قليلة من المجتمع،وتتضاعف عليها الجهود الكبيرة لتفكيك العلاقة البراغماتية مع وعّاظالسلاطين.
وبدهاءٍ ومكر استطاع معاوية ان يجمع حوله الكثير من هؤلاءالوعّاظ وباساليب شتي من الترغيب والترهيب لطمس معالم الدين باسمالدين. وينقل ابن ابي الحديد: «ان معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماًمن التابعين علي رواية اخبار قبيحة في علي(ع) تقضي الطعن فيه والبراءةمنه، وجعل لهم علي ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما ارضاه، منهم:ابوهريرة، وعمر بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بنالزبير».
ومن اجل اءيجاد تبرير ديني لسلطته وسلطة من قبله (عثمان) ومنبعده (يزيد) او علي الاقل ان يكبح جماح الثورة في نفوس الجماهيراستغلّ معاوية هؤلاء الاشخاص ليجعل من الدين مبرّراً لرغباته اءضافة اءليممارساته واساليبه الاُخري من التجويع والاءرهاب والانشقاق القبلي،فاُولي المهمات لهؤلاء الاشخاص كانت وضع الاحاديث الطاعنة بحقّعلي واهل بيته: ونسبتها للنبي(ص)؛ ومن ذلك العام ابتدا الخطباء عليالمنابر يلعنون علياً ويبراون منه، واكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، بعدذلك اوصي' في كتابة الرواية عن الصحابة والخلفاء الاوّلين؛ فكتب اءليعمّاله: «انّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ وجه وناحية، فاءذاجاءكم كتابي هذا فادعوا الناس اءلي الرواية في فضائل الصحابة والخلفاءالاوّلين، ولا تتركوا خيراً يرويه احد من المسلمين في ابيتراب اءلاّوتاتوني بمناقض له في الصحابة، فاءن هذا احبّ اءليّ واقر لعيني وادحضلحجة ابيتراب وشيعته».
وامّا قصّة سخائنه في هذا المجال فهي معروفة مع الصحابي سمرة بنجندب، فقد بذل له اربعمائة الف درهم علي ان يروي هذه الا´ية: (وَمِنَالنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَي' مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّالْخِصَامِ* وَاءِذَا تَوَلَّي' سَعَي' فِي الاَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَيُحِبُّ الْفَسَادَ) قد نزلت في حق علي بن ابيطالب، وان الا´ية الثانيةنزلت في حق ابن ملجم؛ وهي قوله تعالي: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَمَرْضَاتِ اللّهِ).
لم يكتف معاوية بهذا، بل اراد ان ينهي كلّ رموز الحالة (القيميّة)التاريخية التي تثير في اذهان الاُمة الرفض والجهاد والثورة والكفاح مناجل انتصار الاءسلام، وفي محاولة خبيثة وبائسة اشار عليه عمر بن العاصاءلغاء اسم (الانصار) الذي اشتهر به اهل المدينة، وهي محاولة تهدف اءلي(تجريد الانصار من قوّتهم المعنوية التي يسبغها هذا اللقب عليهم)ولكن تنبّه الانصار علي مكامن هذه المحاولة، (فردّوها بحزم). وممّالا يخفي ان القرا´ن الكريم ورد فيه مرّتين لقب الانصار في سورة التوبةتضمّنتا مدح الله تعالي لهم وثناءه عليهم.
والحقيقة ان اكثر ما يؤلم المرء هو التوظيف السلبي للقدسيّة سواءكان للشخص او الواقعة، فبعد قتل الحسين(ع) ادّعي الاعداء انّهم«يتقرّبون اءلي الله بدمه» ويعقّب الشهيد مطهري: ان اكبر الوقائع اءجراماًفي التاريخ هي تلك الجرائم التي ترتكب باسم الاخلاق والروحانيةوالصلح والسلام.
وفي سياق هذا المعني، نري انّ الاءمام الحسين(ع) اشار اءلي دور«الروحانية» في المجتمع الاءسلامي، اءلاّ انّه لم يُخفِ(ع) ما في نفسه منحُرقةٍ والمٍ ومضاضةٍ وهو يصف منهم علماء السوء بـ «العصابة» التي هي«اعظم الناس مصيبةً»، كما قال هو(ع)، وهو يري خضوعهم ليزيد عليعلمهم بحقارته وانحطاطه، وخضوعهم لعبيدالله بن زياد علي علمهمباصله الحقير ومنبته الوضيع، وخضوعوا لغير هذا وذاك من الطغاة؛ لانهؤلاء الطغاة يملكون الجاه والمال والنفوذ، ولانّ التقرّب منهم والتودّداءليهم كفيل بانّ يجعلهم ذوي نفوذ في المجتمع.
لاحظ زفراته(ع) وهو يبتدي خطبته بالوعظ والاءرشاد، ويذكّرهمبعاقبة الاحبار من بنياءسرائيل وما عاب الله عليهم من افعالهم، فيقول:«اءنّما عاب الله ذلك عليهم لانهم كانوا يرون من الظّلمة الذين بين اظهرهم المنكروالفساد فلا ينهونهم عن ذلك؛ رغبةً فيما كانوا ينالون منهم ورهبة ممّا يحذرون واللهيقول: (فَلا تَخشوا النّاس واخشونِ).
ثم يصف هؤلاء «العصابة» باحبار بنياءسرائيل الذين راوا الظلموالفساد من مقام الجور، ولم يامروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، بلكانوا واقعين تحت تاثير رغبة المال ورهبة السلطان، وتاتي هذه الخطبة،ادق وثيقة تاريخية (خالدة)، تصوّر واقع علماء السوء في مجتمع اءسلامييكنّ للعلماء كلّ التقدير والتبجيل والقدسيّة؛ فاراد (ع) من الاُمّة ان تُميّزبين نوعين من العلماء، بين مَن يعيش للدين ويُفني من اجله، وبين مَنيعيش علي الدين، ولا همّ له اءلاّ التحجّج والتذرّع تبريراً لقعوده وانشغالهبهمّ الدنيا ومحاباة السلطان، فيقول(ع):
«ايّتها العصابة، عصابة بالعلم مشهورة وبالخير مذكورة وبالنصيحة معروفة وباللهفي انفس الناس مهابة، يهابكم الشّريف ويكرمكم الضّعيف، ويؤثركم من لا فضللكم عليه ولا يد لكم عنده، تشفعون في الحوائج اءذا امتنعت من طلاّبها وتمشون فيالطّريق بهيبة الملوك، وكرامة الاكابر، اليس كلّ ذلك اءنّما نلتموه بما يُرجي عندكم منالقيام بحقّ الله، واءن كنتم عن اكثر حقّه تقصِّرون فاستخففتم بحقّ الاُمّة؟ فامّا حقّالضعفاء فضيعتم واما حقّكم بزعمكم فطلبتم، فلا مال بذلتموه ولا نفساً خاطرتم بهاللَّذي خَلقها، ولا عشيرةً عاديتموها في ذات الله، انتم تتمنّون علي الله جنّته ومجاورةرسله واماناً من عذابه، لقد خشيت عليكم ايها المتمنّون علي الله ان تحلّ بكم نقمة منمقامته لانّكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضِّلتُم بها ومن يُعرف بالله، لا تُكرمون وانتمبالله في عباده تكرمون، وقد ترون عهود الله منقوصةً فلا تفزعون، وانتم لبعض ذِمما´بائكم تفزعون، وذمّة رسول الله(ص) محقورة، والعمي والبكم والزَّمني في المدائنمهملة، لا ترحمون ولا في منزلتكم تعملون، ولا من عمل فيها تُعينون.
وبالادِّهان والمصانعة عند الظّلمة تامنون، كلّ ذلك ممّا امركم الله به من النّهيوالتّناهي وانتم عنه غافلون، وانتم اعظم الناس مصيبةً لما غُلبتم عليه من منازل العلماءلو كنتم تشعرون، ذلك بانّ مجاري الاُمور والاحكام علي ايدي العلماء بالله الاُمناءعلي حلاله وحرامه، فانتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك اءلاّ بتفرقكم عنالحق واختلافكم في السنّة بعد البيِّنة الواضحة، ولو صبرتم علي الاذي وتحمّلتمالمؤونة في ذات الله كانت اُمور الله عليكم ترد، وعنكم تصدر، واءليكم ترجع،ولكنّكم مكّنتم الظّلمة من منزلتكم، واستسلمتُم اُمور الله في ايديهم، يعملون فيالشبّهات، ويسيرون في الشّهوات، سلّطهم علي ذلك فراركم من الموت، واعجابكمبالحياة التي هي مفارقتكم، فاسلمتم الضّعفاء في ايديهم ممّن بين مستعبد مقهور وبينمستضعف علي معيشته مغلوب، يتقلّبون في الملك با´رائهم، ويستشعرون الخزيباهوائهم اقتداءً بالاشرار، وجراة علي الجبّار، في كلّ بلدٍ منهم علي منبره خطيبيصقع، فالارض لهم شاغرة وايديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خَولٌ، لا يدمغون يدلامسٍ، فمن بين جبّار عنيد وذي سطوة علي الضّعفة شديد، مطاع لا يعرف المبديالمعيد، فيا عجباً ومالي (لا) اعجب! والارض من غاشٍّ غشومٍ ومتصدِّق ظلومٍ، وعاملعلي المؤمنين بهم غير رحيمٍ، فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا، والقاضي بحكمه فيما شَجَرَبيننا.
اللّهمّ اءنّك تعلم انّه لم يكن ما كان منّا تنافُساً في سلطان، ولا التماساً من فُضولالحطام، ولكن لنُريَ المعالِم من دين، ونظهر الاءصلاح في بلادك، ويامن المظلومونمن عبادك، ويُعمل بفرائض وسُننك واحكامك، فاءن لم تنصرونا وتنصفونا قويالظّلمة عليكم، وعملوا في اءطفاء نور نبيِّكم، وحسبُنا الله وعليه توكّلنا واءليه انبنا واءليهالمصير».
البواعث القيميّة للنهضة:
من قوله(ع) لاخيه محمد بن الحنفية، يلخّص فيه دوافع خروجه قائلاً:
«اءنّي لم اخرج اشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، واءنّما خرجت لطلبالاءصلاح في اُمّة جدّي، اُريد ان ا´مر بالمعروف وانهي عن المنكر، فمن قبلني بقبولالحقّ فالله اولي بالحقّ، ومن ردّ عليَّ هذا اصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ،وهو خير الحاكمين».
وهنا من الضرورة ان نذكر تعليقة علي قوله(ع): «فمن قبلني بقبولالحقّ»، لاحظ، فهو لم يدعُ لقبول شرفه ونسبه وحسبه ومنزلته بينالمسلمين، بل دعا ان يكون قبوله بقبول الحقّ، وهو ما يوفّر علي الناسالخير والسعادة والبركة، فقبول الحق هو القبول بمستلزماته والتنعم بها.
بهذا الخطاب القيمي لن يترك فيه ثغرة فكرية قيميّة تتراءي عندالا´خرين اُسلوباً باراغماتياً ولو نسبياً، فهو تعالي وتسامي عن التفاخرالقبلي، وحتّي بما حقّ له من امجاد المواقف لجدّه(ص) وابيه(ع)؛ ولكناراد ان يضع صورة الحقّ موقع الفيصل والمعيار لنهضته . في حين انالتفاخر القبلي هو راس مال كلّ زعيم سياسي وديني كان في عصره(ع)وما بعده ايضاً، ولم يستثن حتّي من عصرنا هذا، فهناك من اقام الدنيا ولميقعدها، وفي مناسبة وبدونها متفاخراً با´بائه ودون ان يحذو حذوهم.
وللوقوف علي طبيعة الاءصلاح الذيخرج من اجله الاءمامالحسين(ع)، انّه يشمل كافة المرافق الحياتية للشعب المسلم، فقد مارسالاُمويون اُسلوب التجويع وصرف اموال الشعب في الملذّات وشراءالضمائر وفي قمع الحركات التحررية، وتمزيق وحدة المسلمين، وبثّالعداوة والبغضاء بينهم، والمطاردة والملاحقة لذوي العقيدة السياسيةالتي لا تنسجم وذوق الحكم الاُموي، وقتل الكثير منهم وقطع الارزاقومصادرة الاموال، فضلاً عن تحريف الدين وتشجيع الحالة القبلية عليحساب الكيان الاجتماعي للاُمّة المسلمة، والسعي علي قتل النزعةالتحزّبية بواسطة التخدير الديني الكاذب.
فكانت تلك بواعث حقيقية لنهضة الاءمام الحسين(ع)، كما اصبحتتلك من الدوافع التي اسست لحركات التحرر والنهوض لما بعد الثورةالحسينية، ولا يمكن للمصلح والثائر الصادق ان يعيش الحالة التحللّيةوهو في طور المعارضة والمواجهة مع من تسلّط علي الاُمّة بهذهالاساليب، وكانّ المعارض ينتهج نفس اساليب السلطة المتحلّلة فيالسيطرة علي السلطة والاءبقاء عليها، وبذا تتّسع رقعة المعارضة للمعارضةوالتي تنتهي بلاشك اءلي الحالة الباراغماتية، وبصورة مكشوفة بعد انعاشت تحت غطاء القدسيّة واءضفاء الشرعية .
فالمعارضة القيميّة لن يحصل في داخلها معارضة او حالة منحالات النكوص والتراجع مادام القائد صادقاً ومخلصاً، ولم يكن بيناصحاب الحسين(ع) مَن خرج علي الحسين(ع) او تخلّف عن الطف. بلحصل العكس: حينما انتقل الحرّ بن يزيد الرياحي مع ثلاثين من جنودهمن الحالة الباراغماتية اءلي الحالة القيميّة، وقاتل بين يدي الحسين(ع)حتي قُتل.
القيميّة في صنع المواقف:
القِيَم السامية والاخلاق الجديدة التي قدّمها الثائرون الصادقون معالحسين(ع) دفعت بالاُمّة اءلي الحياة الحقيقية والعقلائية الاءنسانية، التيينشدها الاءسلام، كما انها ادّت اءلي تحطيم الاءطار الديني المزيّف الذيتبرّقع به الاُمويون؛ وهذا من اعظم اءنجازات الثورة الحسينية فيما بعد.
فبعد ان توارد علي الحسين(ع) خبر مقتل مسلم بن عقيل وهاني بنعروة واخيه بالرضاعة عبدالله بن يقطر، قال(ع) لاصحابه: «... قد خذلتناشيعتنا، فمن احبّ منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام». هنا سجّلاصحاب الحسين(ع) مواقف رائعة في الذود عن اءمامهم وقضيّتهم العادلة،حتّي انّه(ع) قال: «فاءنّي لا اعلم اصحاباً اوفي ولا خيراً من اصحابي...».
فخاطبه زهير بن القين: «سمعنا ياابن رسول الله مقالتك، ولو كانتالدنيا لنا باقية، وكنّا فيها مخلّدين لا´ثرنا النهوض معك علي الاءقامةفيها».
وقال له برير بن خضير: «ياابن رسول الله، لقد مَنّ الله بك علينا اننقاتل بين يديك، تُقطع فيك اعضاؤنا، ثم يكون جدّك شفيعنايومالقيامة».
وقال نافع بن هلال: «سر بنا راشداً معافي، مشرّقاً اءن شئت او مغرّباً،فوالله ما اشفقنا من قدر الله، ولا كرهنا لقاء ربّنا، واءنّا علي نياتنا وبصائرنا،نوالي مَن والاك ونعادي مَن عاداك».
امّا الصحابي مسلم بن عوسجة، فقال له: «نحن نخلّي عنك، ولما نعذراءلي الله في اداء حقّك؟ اما والله لا اُفارقك حتي اطعن في صدورهم برمحيواضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح اُقاتلهمبه لقذفتهم بالحجارة دونك حتي اموت معك».
وكذلك سعد بن عبدالله الحنفي قال: «والله لا نخلّيك حتي يعلم الله اناقد حفظنا غيبة رسول الله(ص) وا´له فيك، والله لو علمت اني اُقتل ثم احياثم اُحرق حيّاً ثم اُذرّي'، يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقتك حتي القي'حمامي دونك، فكيف لا افعل ذلك واءنّما هي قتلة واحدة»؟
فالحسين(ع) كان متيقّناً من مواقف اصحابه رضوان الله تعالي عليهما،ولكنّهم ارادوا باقوالهم تلك ان يواسوا الاءمام وان يُسمعوا اهل بيته منالنساء والشبّان، ولكن الاءمام ورغم رسالته الاستشهادية وطموحهبالمزيد من رجالات الاُمّة ان تقف كموقف اصحابه، اءلاّ انه بين الحينوالا´خر ينتهز فرصة اءقناع بعض من اصحابه النجاة بنفسه، فمرّة قال(ع)لنافع بن هلال في جوف الليل: «الا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليلوتنجو بنفسك؟! فوقع نافع علي قدميه يقبّلها ويقول: ثكلتني اُمّي، اءن سيفيبالف، وفرسي بمثله، فوالله الذي مَنَّ عليّ بك لا فارقتك حتّي يكلاّ عنفري وجري».
هكذا كان مستوي السلوك الذي ارتقي له الثائرون القيِّميون؛ فكانفي موتهم الحياة الجديدة والانبعاث الخلقي الرفيع، فاصبحوا مشاعلورموزاً لمدرسة الحسين، ونماذج يحتذي بها في كلّ حركات التحرّرالدينية والاءنسانية، ومن المشاهد المثيرة والرائعة في البطولة والشجاعةوالفداء والاءخلاص المبدئي المنقطع النظير ينقل السيّد المقرّم في كتابهمقتل الحسين(ع)، صورة رائعة لاحد اصحاب الحسين(ع) قبل واقعةالطف عندما ارسله الاءمام رسولاً له اءلي الكوفة ـ وهو قيس بن مسهرالصيداوي ـ وبعد ان يقع اسيراً بيد عبيدالله بن زياد، اسرع الصيداوي فيتمزيق الكتاب، فقال له ابن زياد: لماذا مزّقت الكتاب؟ يقول2: لانّي لااُريد ان تطّلع عليه، يقول له: وماذا كان فيه؟ فيقول2: لو كنت اُريد اناخبرك لما مزّقت الكتاب، يقول له: اءنّي اقتلك اءلاّ اءذا صعدت علي هذاالمنبر وقلت بالصراحة شيئاً في سبّ عليّ بن ابيطالب والحسنوالحسين، فالصيداوي الامين يغتنم هذه الفرصة ويصعد علي المنبر فيهذه اللحظة الحاسمة، في ا´خر لحظة من حياته، وهنا يعقب السيّد الشهيدمحمد باقر الصدر وهو يصوّر هذه الحالة قائلاً: في هذا الاءطار العظيم منالبطولة والشجاعة والتضحية امام عبيدالله بن زياد وامام شرطته وجيشهيوجّه خطابه اءلي اهل الكوفة ويقول: انا رسول الحسين اءليكم، اءنّ الحسينعلي الابواب، فيؤدّي هذه الرسالة بكل بطولة وبكلّ شجاعة، فيامرعبيدالله بن زياد به فيقتل، ويستطرد السيّد الصدر (متسائلاً): ماذا يكونالصدي لمثل هذه الدفعة المثيرة القويّة؛ حينما قتل الصيداوي2 اتيشخص من اهل الكوفة فقطع راسه، فقيل لماذا قطعت راسه؟ يقول: لكياُريحه بذلك هذه الاُمة ـ والقول للسيّد الصدر ـ لا تفكّر اءلاّ علي هذاالمستوفي من الشفقة فيحياتها، الشفقة التي تشعر بها علي هذا المستوي،اما الشفقة علي الوجود الكلّي، الشفقة علي الكيان، الشفقة علي العقيدة قداُنتزعت من قلوبها؛ لانها تكلّف ثمناً غالياً، الشفقة التي لا تكلّف ثمناً هيان تقطع رقبة هذا الشخص وان يريحه من هذه الحياة في ظل عبيدالله بنزياد.