الأدلّة على عصمة الأنبياء :
السؤال : إنّي شيعي ولله الحمد ، ومن القائلين بعصمة الأنبياء ، وأطلب منكم شاكراً معرفة أدلّة عصمة الأنبياء ، وعلاقتها مع الآية التالية : { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لـه إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }(2) .
الجواب : إنّ الأدلّة على عصمة الأنبياء (عليهم السلام) كثيرة ، فقد ذكر العلاّمة الحلّي ثلاثة منها في " كشف المراد " (3) ، وأضاف إليها القوشجي دليلين آخرين في " شرح التجريد " (4) ، وذكر الإيجي تسعة أدلّة في " المواقف " (5) .
ونقتصر في هذا المجال على ذكر دليلين ، هما :
1ـ الوثوق فرع العصمة .
____________
1- منها : التوبة : 119 ، المائدة : 55 ، الرعد : 43 ، النساء : 41 ، الحجّ : 77 ـ 78 ، النحل : 43 ، الأنبياء : 73 ، السجدة : 24 ، النور : 55 .
2- القصص : 15 ـ 16 .
3- كشف المراد : 471 .
4- شرح تجريد العقائد : 358 .
5- المواقف : 359 .
|
الصفحة 320 |
|
إنّ التبليغ يعمّ القول والفعل ، فكما في أقوال النبيّ تبليغ فكذلك في أفعاله ، فالرسول(صلى الله عليه وآله) معصوم عن المعصية وغيرها ، لأنّ فيها تبليغاً لما يناقض الدين ، وهو معصوم من ذلك .
ولا يفتقر ذلك على زمن البعثة فقط ، وإنّما يشمل ما قبلها أيضاً ، لأنّه لو كانت سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) غير سليمة قبل البعثة ، فلا يحصل الوثوق الكامل به ، وإن صار إنساناً مثاليّاً .
إذاً ، فتحقّق الغرض الكامل من البعثة ، رهن عصمته في جميع فترات عمره .
2ـ التربية رهن عمل المربّي .
إنّ الهدف العام الذي بُعث الأنبياء لأجله ، هو تزكية الناس وتربيتهم ، ومعلوم أنّ فاقد الشيء لا يعطيه ، فلذا لابدّ من التطابق بين مرحلتي القول والعمل ، وهذا الأصل التربوي يجرّنا إلى القول بأنّ التربية الكاملة المتوخّاة من بعثة الأنبياء ، لا تحصل إلاّ بمطابقة أعمالهم لأقوالهم ، فإنّ لسوابق الأشخاص وصحائف أعمالهم الماضية تأثيراً في قبول الناس كلامهم وإرشاداتهم .
أمّا ما ذكرته بالنسبة للآية المباركة من سورة القصص ، فإنّ الأصل في الأنبياء العصمة ، والأدلّة من القرآن والسنّة والعقل صريحة بالعصمة ، وكلّ ما ورد بحيث يكون ظاهره مناف للعصمة ، فلابدّ من البحث عن التأويل لـه وفهم معناه .
فقد روى الشيخ الصدوق (قدس سره) بسنده عن علي بن محمّد بن الجهم قال : " حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) ، فقال لـه المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك : الأنبياء معصومون ؟ قال : " بلى " ... .
|
الصفحة 321 |
|
قال : ... فأخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } .
قال الرضا (عليه السلام) : " إنّ موسى (عليه السلام) دخل مدينةً من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها ، وذلك بين المغرب والعشاء ، فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوّه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوّه ، فقضى موسى على العدو وبحكم الله تعالى ذكره { فَوَكَزَهُ } فمات ، { قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } ، يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجلين ، لا ما فعله موسى (عليه السلام) من قتله ، إنه ـ يعني الشيطان ـ عدوّ مضلّ مبين " .
فقال المأمون : فما معنى قول موسى (عليه السلام) : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي } ؟
قال : " يقول : إنّي وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة ، { فَاغْفِرْ لِي } أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني ، فغفر لـه إنّه هو الغفور الرحيم .
قال موسى : ربّ بما أنعمت عليّ من القوّة حتّى قتلت رجلاً بوكزة ، فلن أكون ظهيراً للمجرمين ، بل أجاهد سبيلك بهذه القوّة حتّى ترضى ... " (1) .
( راشد علي . ... . ... )
عصمة الأئمّة في التشريع وغيره :
السؤال : تحية طيّبة وبعد .
ما هو الدليل على عصمة الأئمّة (عليهم السلام) في غير ما يرتبط بالشريعة ؟
____________
1- عيون أخبار الرضا 2 / 174 .
|
الصفحة 322 |
|
الجواب : هنالك عدّة أدلّة لبيان عصمتهم بشكل عام ، غير مختصّة بالعصمة في التشريع ، ونكتفي ببيان بعضها من القرآن الكريم :
قال تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } (1) .
إنّ تحلية الرجس بـ" أل " دليل على الشمولية والعموم ، كما قرّر في محلّه من علم اللغة ـ سواء أُريد منها الاستغراق أو الجنس ـ ولا يمكن جعلها عهدية ، لعدم تقدّم ذكر أو إشارة إلى الرجس حتّى تكون عهدية ، وهذه الشمولية تعني نفي الرجس عن هؤلاء البررة نفياً عامّاً ، شاملاً لجميع مستويات الرجس ، سواء على مستوى الاعتقاد ، أم الأعمال ، أم الأخلاق والسلوك ، أم التعلّق بغير الله تعالى ، فكُلّ رجس وكُلّ قذارة قد أذهبها الله تعالى عنهم ، وأثبت مكانها الطهارة المؤكّدة .
وقال تعالى : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } (2) .
حيث تفيد هذه الآية المباركة أنّ كُلّ ظلم ـ وبجميع أقسامه ـ ممنوع عن منصب الإمامة ، والمعروف في اللغة أنّ الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ، فتكون النتيجة ممنوعية كُلّ فرد من أفراد الظلمة عن الارتقاء لمنصب الإمامة ، سواء كان ظالماً في فترة من عمره ثمّ تاب أو لا .
ومن السنّة النبوية :
ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) متواتراً قولـه : " إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً " .
____________
1- الأحزاب : 33 .
2- البقرة : 124 .
|
الصفحة 323 |
|
وبما أنّ القرآن الكريم محفوظ من الزلل والخطأ لأنّه من عند الله تعالى ، فكذلك ما قرن به ، وهم عترة محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وإلاّ لما صحّت المقارنة .
وحاشا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقول شيئاً من عنده { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } (1) .
( حسن عبد الله . ... . ... )
تفسير قولـه : { هَمَّتْ بِهِ هَمَّ بِهَا }
السؤال : بعد الدعاء لكم بطول العمر والتوفيق والتسديد لكُلّ خير وصلاح ، نرجو التكرّم بالجواب على السؤال التالي :
قال أحد المفسّرين عند تفسيره لقولـه تعالى : { وَهَمَّ بِهَا } (2) : وهكذا نتصوّر موقف يوسف ، فقد أحسّ بالانجذاب في إحساس لا شعوري ، وهمّ بها استجابة لذلك الإحساس ، كما همّت به ، ولكنّه توقّف وتراجع .
علماً أنّه في مكان آخر يقول : إنّ همّ يوسف هذا الذي كان نتيجة الانجذاب اللاشعوري ، هو أيضاً لا شعوري بل طبعي ، وأنّ قصد المعصية من يوسف لم يحصل .
فما رأيكم بقولـه هذا ؟ هل يتنافى مع عصمة الأنبياء (عليهم السلام) حسب رأي الشيعة في العصمة أم لا ؟ وإن كان جوابكم بأنّه مناف لها ، فالرجاء بيان وجه المنافاة .
الجواب : إنّ ما نقلتموه في تفسير تلك الآية لا يتوافق مع العقيدة الصحيحة في شأن الأنبياء (عليهم السلام) ، ولمزيد من التوضيح نذكر رؤوساً للنقاط الهامّة في هذا المجال :
____________
1- النجم : 4 .
2- يوسف : 24 .
|
الصفحة 324 |
|
أوّلاً : إنّ عصمة الأنبياء (عليهم السلام) مسألة ثابتة بالأدلّة العقلية والنقلية ـ كما ذكر في محلّه ـ وعليه فالانجذاب نحو المعصية ـ حتّى ولو كان عن غير شعور ـ يتنافى مع مقام العصمة ، لأنّ العصمة هي الابتعاد عن المعصية والهمّ بها .
ثانياً : إنّ قول ذلك القائل يتعارض مع روايات أهل البيت (عليهم السلام) في هذا المجال ، ففي أكثرها إنّ متعلق الهمّ يختلف عند يوسف (عليه السلام) وامرأة العزيز ، إذ أنّ امرأة العزيز همّت بفعل الفاحشة ، ولكن يوسف (عليه السلام) همّ بعدم فعلها ، أو أنّ يوسف (عليه السلام) همّ بضربها ، أو قتلها إن أجبرته على ذلك .
ثالثاً : على فرض عدم قبول هذه الروايات ـ سنداً أو دلالةً ـ فالآية بظاهرها كافية في ردّ كلام القائل ، فإنّ { لولا } ملحقة بأدوات الشرط ، وتحتاج إلى جزاء ، فجملة { وَهَمَّ بِهَا } تكون جزاءً مقدّماً عليها .
وأمّا على تقدير كلام ذلك القائل ، فاللازم أن تكون الجملة هكذا " فلولا " أو " ثمّ لولا " أي السياق حينئذٍ يقتضي أن يؤتى بعبارة فصلية لا وصلية .
( علي العلي . الكويت . ... )