وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال:
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات فأقمن، فقال: كأني قد دعيت فأجيب، إني تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى، وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.
ثم قال: إن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي عليه السلام، فقال: من كنت مولاه، فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه (2).
وروى النسائي في الخصائص بسنده عن زيد بن أرقم قال: لما دفع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأني دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.
ثم قال: إن الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن، ثم إنه أخذ بيد علي، رضي الله عنه، فقال: من كنت وليه، فهذا وليه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فقلت لزيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه ما كان في الدرجات أحد، إلا رآه بعينه، وسمعه بأذنيه (3). وذكره المتقي الهني في كنز العمال (4).
____________
(1) فضائل الصحابة 2 / 779، مسند الإمام أحمد 3 / 17، معجم الطبراني الكبير 3 / 63.
(2) المستدرك للحاكم 3 / 109.
(3) النسائي: تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ص 50 - 51 (بيروت 1983).
(4) كنز العمال 1 / 48، 6 / 390.
|
الصفحة 198 |
|
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل عن ابن واثلة، أنه سمع زيد بن أرقم يقول: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت الشجرات، ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية فصلى، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ووعظ، فقال ما شاء الله أن يقول، ثم قال: أيها الناس، إني تارك فيكم أمرين، لن تضلوا إن اتبعتموها، وهما كتاب الله، وأهل بيتي عترتي، ثم قال: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات؟ قالوا: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من كنت مولاه، فعلي مولاه (1).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن وجه الدلالة على العصمة في الأحاديث الآنفة الذكر (حديث الثقلين - بطرق وصيغ مختلفة) إنما هو أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قد لازم بين أهل بيته عليهم السلام، وبين القرآن المعصوم، ومن لازم المعصوم فهو معصوم. قالوا: وإذا أثبت عصمة أهل البيت، وجب أن يكون إجماعهم حجة لامتناع الخطأ والرجس عليهم، بشهادة المعصوم، وإلا لزم وقوع الخطأ فيه، وأنه محال.
واعترض الجمهور بأن قالوا: لا نسلم أن أهل البيت في الآية الكريمة (الأحزاب 33)، بل هم نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ما أكدتم به عصمتهم من السنة، فأخبار آحاد، لا تقولون بها، مع أن دلالتها ضعيفة. وأجاب الشيعة: إن أهل البيت في الآية إنما هم: علي وفاطمة والحسن والحسين، وهو أمر ثابت بالنص والإجماع، وقد قال به كثيرون، قال به أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع، وأم المؤمنين عائشة، وأم المؤمنين أم سلمة، وابن أبي سلمة - ربيب النبي صلى الله عليه وسلم - وسعد وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
____________
(1) المستدرك للحاكم 3 / 109.
|
الصفحة 199 |
|
وقال به الكثيرون من أهل التفسير والحديث، قال به الفخر الرازي في التفسير الكبير، وقاله الزمخشري في الكشاف، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن، والشوكاني في فتح القدير، والطبري في جامع البيان عن تأويل آي القرآن، والسيوطي في الدر المنثور، وابن حجر العسقلاني في الإصابة، والحاكم في المستدرك، والذهبي في تلخيصه، والإمام أحمد بن حنبل في المسند، والواحدي في أسباب النزول.
وأما خبر الآحاد، فقال الشيعة عنه: إننا أكدنا به دليل الكتاب، ثم هي لازمة لكم، فنحن أوردناها إلزاماً، لا استدلالاً.
على أن الرأي عند الطوفي، أن آية التطهير (الأحزاب 33) ليست نصاً ولا قاطعاً في عصمة آل البيت، وإنما قصاراها أنها ظاهرة في ذلك بطريق الاستدلال الذي حكيناه عنهم (1).
ولعل مما تجدر الإشارة إليه، دخول أبناء فاطمة البتول، عليها السلام، في حكم آية التطهير من الغفران، فهم المطهرون اختصاصاً من الله تعالى، وعنايةً بهم، لشرف محمد صلى الله عليه وسلم، وعناية الله به.
ويذهب بعض العارفين إلى أن حكم هذه النسبة لأهل البيت تكون في الدار الآخرة، فإنهم يحشرون مغفوراً لهم، قال الله تعالى: * (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) * (2). قال سعيد بن جبير (3):
____________
(1) المقريزي: فضائل أهل البيت (معرفة ما يجب لآل البيت النبوي من الحق على من عداهم - دار الاعتصام القاهرة 1393 هـ/ 1973 م ص 39 - 42.
(2) سورة الرعد: آية 23.
(3) سعيد بن جبير: هو أبو عبد الله سعيد بن جبير، الأسدي الكوفي، ولد عام 45 هـ/ 665 م، وتتلمذ على عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو، وكان سعيد من أكثر التابعين علماً ومكانة، ومن أوائل مفسري القرآن الكريم، أمر به الحجاج الثقفي فقتل عام 95 هـ/ 714 م، بسبب حبه لآل البيت، ومعارضته سياسة الحجاج وبني أمية.
=>
|
الصفحة 200 |
|
يدخل الرجل الجنة فيقول: أين أبي، أين أمي، أين زوجي؟ فيقال له: لم يعملوا مثل عملك، فيقول: كنت أعمل لي ولهم، فيقال لهم: ادخلوا الجنة (1).
وقال ابن عباس (2): إن الله تعالى جعل من ثواب المطيع، سروره بما يراه في أهله، حيث بشره بدخول الجنة مع هؤلاء، فدل على أنهم يدخلونها، كرامةً للمطيع العامل، ولا فائدة للتبشير والوعد، إلا بهذا، إذ كل مصلح في عمله، قد وعد دخول الجنة.
ومن البديهي، أنه إذا جاز أن يكرم الله تعالى عباده المؤمنين بالذين عملوا بطاعته، ونهوا أنفسهم عن مخالفته، بأن يدخل معهم الجنة من أهاليهم وذوي قرباهم، من كان مؤمناً قد قصر في عبادة ربه، وخالف بعض ما نهى عنه،
____________
<=
وأهم مصادر ترجمته (طبقات ابن سعد 6 / 256 - 267 ط بيروت، المعارف لابن قتيبة ص 227 - 228، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2 / 1، 9 - 10، حلية الأولياء 4 / 272 - 309، أخبار أصفهان لأبي نعيم 1 / 324 - 325، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 61 - 62، التهذيب لابن حجر 4 / 11 - 14، الأعلام للزركلي 3 / 154، وفيات الأعيان 2 / 371 - 374، شذرات الذهب 1 / 108 - 110).
(1) المقريزي: المرجع السابق ص 59 - 60.
(2) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولد في العام الثالث قبل الهجرة، وتوفي عام 68 هـ(687 م) أو 769 هـ(688 م) أو 70 هـ(689 م)، وصحب جيوش الإسلام إلى مصر وشمال إفريقيا وجرجان وطبرستان والقسطنطينية، وكان والياً على البصرة في خلافة الإمام علي عام 49 هـ، اعتزل السياسة بعد موت الإمام علي، وعاش في الطائف على عطائه. ويعد ابن عباس أول مفسري القرآن (وله تفسير مطبوع في جزأين، نشرته جامعة أم القرى بمكة المكرمة) وقد وصف بأنه ترجمان القرآن وحبر الأمة، وكان عمر بن الخطاب يقدمه على كبار الصحابة، وقال عنه الأعمش: إذا رأيته قلت أجمل الناس، فإذا تكلم قلت أفصح الناس، فإذا حدث قلت أعلم الناس. وأما أهم مصادر ترجمته (وفيات الأعيان 3 / 62 - 64، شذرات الذهب 1 / 75 - 76، طبقات ابن سعد 2 / 119 - 125، المحبر لابن حبيب ص 89 حلية الأولياء 1 / 314 - 329، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 18 - 19، تذكرة الحفاظ للذهبي ص 40 - 42، الإصابة لابن حجر 2 / 330 - 334 تهذيب التهذيب لابن حجر 5 / 276 - 279، الأعلام للزركلي 4 / 288، الإستيعاب 2 / 350 - 357).
|
الصفحة 201 |
|
بطريق التبعية لهم، لأنهم قد استحقوا تلك المنازل بما أسلفوا من الطاعات في الدنيا، فرسول الله صلى الله عليه وسلم، سيد المرسلين، وإمام المتقين، أولى بهذه الكرامة، أن يدخل الله تعالى عصاة ذريته الجنة، تبعاً له، ويرضى عنهم برضاه عنه صلى الله عليه وسلم (1).