معنى : ولولا فاطمة لما خلقتكما :
السؤال : أنا من أهل السنّة ، ولديّ سؤال أرجو منكم الإجابة عليه : تقولون أنّ الله عزّ وجلّ قال لرسوله (صلى الله عليه وآله) : " لولاك يا محمّد لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما " فكيف يكون ذلك ؟
هل أنّ علياً وفاطمة أفضل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ لذلك لولاهما لما خلق الله رسوله ، وإلاّ فما هو المقصود بذلك الكلام ؟ أرجو منكم الإجابة بالتفصيل .
الجواب : إنّ فهم هذا الحديث يتوقّف على فهم معنى الإمامة عند الشيعة الاثني عشرية ، والالتفات إلى حقيقة الإمامة عندهم ، فإذا فهمت معنى الإمامة عندهم ، عند ذلك تستطيع فهم الحديث ، فلذلك نقول : تعتقد الشيعة أنّ الإمامة رئاسة عامّة على الدين والدنيا ، ومنصب إلهي يختاره ويعيّنه الله تعالى بسابق علمه ، ويأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بأن يعلم الناس به ، ويأمرهم باتباعه ، ووظيفة الإمام مكمّلة لوظيفة النبيّ ، فالنبيّ هو الذي يأتي بشريعة ويبلّغها إلى الناس ، والإمام من بعده يصبح قيّم على الرسالة ، ويكون ناظراً عليها وعلى الأُمّة ، وحفظ الدين من التحريف والتبديل .
وبما أنّ الدين الإسلامي الحنيف رسالة خالدة ، وشريعة دائمة على مرّ الأزمان والدهور ، فلابدّ فيها من وجود إمام بعد النبيّ يكمل المسيرة النبوية ، ويحفظ الشريعة الربّانية ، هذا مفهوم الإمامة بشكل مجمل عند الشيعة الاثني عشرية .
وكُلّ ما تقدّم كان من الناحية الكُلّية ، وتحديد معنى الإمامة بشكل عام ، أمّا في مقام التطبيق الخارجي ، فالشيعة الإمامية تعتقد بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) نصّب إماماً من بعده ، وذلك الإمام هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) لأدلّة كثيرة ذكرت في محلّها : كحديث الثقلين ، والكساء ، والغدير ، وغيرها الكثير .
|
الصفحة 497 |
|
ومن تلك الأدلّة على إمامة علي (عليه السلام) قولـه تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } (1) ، فعن أبي هريرة قال : " لمّا كان يوم غدير خم ، وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجّة قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " من كنت مولاه فعلي مولاه " ، فنزل الله اليوم أكملت لكم دينكم " (2) .
وقولـه تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } (3) .
فقد أخرج الحاكم الحسكاني والقندوزي الحنفي والسيوطي وابن عساكر وغيرهم أنّها نزلت في شأن علي (عليه السلام) بغدير خم (4) ، إلى غير ذلك من الأدلّة الكثيرة .
إذا عرفت معنى الإمامة عند الشيعة ، وعرفت أنّ الإمام هو علي بن أبي طالب ، وولده الأحد عشر ، ستعرف معنى الحديث : فالله لم يخلق الوجود إلاّ للنبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) ، والله خلق الكون لأجل إيصاله إلى الغاية المطلوبة منه ، كما قال : { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } (5) ، فهو خلقه لأجل أن يوصله إلى كماله المطلوب منه .
وبما أنّ أفضل الموجودات هو الإنسان ، وخلق الله تعالى الإنسان لأجل أن يوصله إلى كماله اللائق به ، أو قل : هي معرفة ربّه وعبادته ، كما في قولـه
____________
1- المائدة : 3 .
2- الدرّ المنثور 2 / 259 ، شواهد التنزيل 1 / 204 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 15 .
3- المائدة : 67 .
4- أسباب نزول القرآن : 135 ، شواهد التنزيل 1 / 239 و 249 و 256 و 353 و 402 و 2 / 391 و 451 ، الدرّ المنثور 2 / 298 ، فتح القدير 2 / 60 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 237 ، المناقب : 7 ، ينابيع المودّة 1 / 359 و 2 / 249 و 285 .
5- طه : 48 .
|
الصفحة 499 |
|
تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } (1) ، وهذه العبادة تحتاج إلى معلّم ومرشد يبيّنها ، ويكون عارف بها ، أو قل : يحتاج الإنسان إلى واسطة بين عالم الغيب وبينه ، والواسطة هو النبيّ (صلى الله عليه وآله) الذي هو أشرف الكائنات ، وهو المبين للرسالة السماوية ، فلولاه لما خلق الكائنات ، لأنّ الكائنات خلقت لأجل غاية ، وهذه الغاية لا تحصل إلاّ بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وبما أنّ الإمامة هي واسطة ومكمّلة للنبوّة كما بيّنّا لك ذلك .
فإذاً النبوّة تحتاج إلى الإمامة ، وبما أنّ الإمام هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فيكون معنى قولـه : " ولولا علي لما خلقتك " أي : أنّ الغاية لا تحصل إلاّ بك وبعلي ، والهدف لا يكمل إلاّ بكما ، فأحدكما مكمّل لدور الآخر .
وليس يعني ذلك أنّ علياً أفضل من النبيّ ، لأنّه ورد في آية المباهلة أنّ علياً نفس النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وورد في أحاديث أُخرى : أنّ الله خلق آدم لأجل هؤلاء الخمسة ـ كما في حديث الكساء ـ فإنّ هذا توهّم باطل ، بل المقصود بالحديث هو التوقّف في الدور الذي تلعبه الإمامة ، إذ كما أنّ الناس بحاجة إلى النبوّة هم بحاجةٍ إلى الإمامة .
وقولـه : " لولا فاطمة لما خلقتكما " يصبح واضحاً ، لأنّ فاطمة (عليها السلام) هي أُمّ الأئمّة الأحد عشر بعد الإمام علي ، وبما أنّ الإمامة هي المكمّلة لدور النبوّة ، وبما أنّ فاطمة هي أُمّ الأئمّة (عليهم السلام) ، فلذلك لولاها لما حصلت الغاية والمطلوب من خلق الموجودات وجميع الكائنات ، فهي أُمّ إحدى عشر إماماً ، والإمامة هي المكمّلة لمسيرة النبوّة ، وتقدّم أنّه لولا النبوّة لما خلق الكون ، وفاطمة (عليها السلام) هي أُمّ الإمام المهدي الثاني عشر ، الذي يصلح العالم ، ويقيم العدل الإلهي ، فهو الموعود من الله بإصلاح الأرض ومن عليها ، وهذا الوعد الإلهي يتحقّق على يده ، وهذا المهدي أُمّه فاطمة .
____________
1- الذاريات : 56 .
|
الصفحة 500 |
|
فالحديث لا يعطي الأفضلية ، ولا يفهم منه ذلك لمن عرف معنى الإمامة ، ولمن لاحظ بقية الروايات ، بل المقصود بالحديث ما ذكرناه ، والثابت عند الشيعة أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أفضل الكائنات على الإطلاق .
( أُمّ أحمد . البحرين . ... )