الأستاذ عرفان محمود
إسلامية الاعتقاد بالمهدي الموعود (عجّل الله فَرَجه):
صحّت عند جميع الفرق الإسلامية الكثير من الأحاديث الشريفة المروية عن سيد الرسل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تصرِّح بحتمية ظهور المهدي الموعود من أهل البيت النبوي في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً (1). بل قد صرَّح عددٌ كبيرٌ من علماء أهل السنّة من مختلف مذاهبهم بتواتر هذه الأحاديث وألَّف بعضهم دراسات علمية في إثبات تواترها(2)، ولذلك أفتى علماء المذاهب الأربعة بوجوب قتل منكر ظهور المهدي الموعود أو تأديبه بشدّة حتى يرجع عن قوله(3).
أما عند أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فتواترها أمر قطعي والإيمان بحتمية ظهور المهدي من ضروريات المذهب التي لا يجوز إنكارها، وجزءٌ من أصول الدين التي يجب الاعتقاد بها عن دليل ويقين باعتبار أن الإمامة من أصول الدين طبق عقيدة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والإيمان بالمهدي الموعود ـ باعتباره الإمام الثاني عشر من خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصيائه ـ من ضروريات الاعتقاد بالإمامة وقد أقاموا عليه الكثير من الأدلّة من آيات القرآن ومن صحاح الأحاديث النبوية والكثير من البراهين العقلية(4).
عالمية الإيمان بالمنقذ العالمي:
إنَّ الإيمان بالمصلح الموعود الذي يظهر في آخر الزمان يُعدُّ من أبرز العقائد المشتركة بين مختلف الأديان السماوية.
فقد بشّرت بظهوره جميعاً وإن اختلفت في تحديد هويته ؛ على أن دراسة نصوصها بشأنه تثبت بأن المقصود منها هو المهدي الإسلامي من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحسب عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) (5).
بل أكثر من ذلك فإن الإيمان بحتمية ظهور المنقذ العالمي الموعود موجود حتى في المدارس المادّية ؛ إذن فهو من أكثر العقائد انتشاراً في الفكر الإنساني عموماً(6).
أحاديث حركة (المواطئة) في المصادر المشتركة:
وعندما نراجع الأحاديث الواردة بشأن المهدي الموعود نجد أن من نقاط الاشتراك البارزة بين ما يرويه أهل السنّة ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، هو الاتفاق على أنَّ ثمَّة حركة ثورية ممهِّدة لظهور المهدي الموعود تكون انطلاقتها من إيران. ننقل هنا نماذج من هذه الأحاديث الشريفة من المصادر المعتبرة عند الفريقين (وفي اتفاقهما عليها دونما مخالف دليل واضح على صحّتها ولو بمضامينها المشتركة كحدٍّ أدنى):
1 ـ روى ابن ماجة والترمذي والبيهقي في سننهم والطبراني في الأوسط من معاجمه والقرطبي في تذكرته وابن كثير في فتنه والهيثمي في مجمع الزوائد والسيوطي في الحاوي وابن حجر في القول المختصر وفي الصواعق أيضاً والمتقي الهندي في كنز العمال وفي كتابه البرهان في علامات مهدي آخر الزمان، وغيرهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: (( يخرج ناسٌ من المشرق [وفي رواية بالمشرق]، فيوطئون للمهدي سلطانه ))(7).
ومن الثابت أنّ وصف المشرق يُطلق في لغة الأحاديث والنصوص القديمة على إيران اليوم ، على أن روايات أخرى تصرِّح بأنَّ هؤلاء من أهل خراسان أو قم أو الطالقان ، وكلّها تشير إلى إيران اليوم بذكر أهم حواضرها يومذاك.
2 ـ وروى الحاكم في مستدركه وصحّحه على شرط الشيخين البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل في مسنده وابن حمّاد في ملاحمه وابن المنادي في الملاحم والبلخي في البدء والتاريخ والسيوطي في العرف الوردي وابن القيّم في المنار المنيف والبيهقي في دلائل النبوّة والعسقلاني في زهر الفردوس وغيرهم من حفّاظ أهل السنّة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: (( إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قِبل أهل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج فإنّ فيها خليفة الله المهدي )) (8).
3 ـ وروى أبو داود في سننه والنسائي في سننه وابن المنادي في ملاحمه والقرطبي في تذكرته وابن كثير في الفتن والحميدي في الجمع بين الصحيحين وغيرهم كثير بسندٍ صحيح عن الإمام علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (( يخرجُ رجلٌ من وراء النهر يُقال له الحارث بن حراث على مقدمته رجل يُقال له منصور يُوطن أو يُمكن لآل محمد كما مكّنت قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وجب على كل مؤمن نصره أو قال إجابته )) (9).
وواضح أن الاسم المذكور رمزي ـ كما في الكثير من أخبار الملاحم ـ والمقصود منه الخبير أو الذي كان عمله مثمراً.
4 ـ وروى ابن حمّاد والمقدسي في عقد الدرر والسيوطي في العرف الوردي وابن حجر في القول المختصر والمتقي الهندي في البرهان ، عن سعيد بن المسيب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (( تخرج رايات من المشرق راياتٌ سود لبني العباس، ثم يمكثون ما شاء الله ، ثم تخرج راياتٌ سود تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان وأصحابه ، من قبل المشرق يُؤدّون الطاعة إلى المهدي )) (10).
5 ـ وروى ابن حمّاد وابن المنادي والسيوطي وابن حجر والمتقي الهندي وغيرهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (( تخرج راية سوداء لبني العباس، ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء قلانسهم سوداء وثيابهم بيض على مقدِّمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح أو صالح بن شعيب، من تميم، يهزمون أصحاب السفياني حتى تنزل بيت المقدس توطِّئ للمهدي سلطانه... )) (11).
وواضح أن الأسماء هنا رمزيّة أيضاً.
6 ـ روى الخطيب البغدادي والديلمي عن ابن عباس وأبي هريرة: (( إذا أقبلت الرايات السود فأكرموا الفُرس فإنّ دولتكم معهم )) (12).
وتعبير (( دولتكم )) إشارة إلى الدولة المهدويّة الإسلامية.
7 ـ وروى ابن حمّاد وابن أبي شيبة وابن ماجة والعقيلي والهيثم بن كليب في مسند الصحابة وابن المنادي والحاكم في مستدركه والداني في سننه وابن حبّان وأبو نعيم وابن طلحة الكنجي الشافعي والمقدسي وابن القيم في المنار المنيف والذهبي في ميزان الاعتدال وابن كثير في الفتن والسيوطي في الحاوي والخصائص وجمع الجوامع والدر المنثور وابن حجر في الصواعق والمتقي الهندي في البرهان وكنز العمال والشوكاني في التوضيح وغيرهم،
عن ابن مسعود قال: أتينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج إلينا مستبشراً يُعرف السرور في وجهه، فما سألناه عن شيءٍ إلاّ أخبرنا به، ولا سكتنا وإلا ابتدأنا، حتى مرّت فتية من بني هاشم، فيهم الحسن والحسين (عليهما السلام) ، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه ، فقلنا: يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه، فقال: (( إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإنّه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتى ترتفع راياتٌ سودٌ من المشرق ، فيسألون الحق فلا يُعطونه، ثم يسألونه فلا يُعطونه، فيقاتلون فينصرون، فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأتِ أمام أهل بيتي ولو حبواً على الثلج ، فإنّها رايات هدىً يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي ... فيملك الأرض فيملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً )) (13).
ودفع الرايات إلى المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً يشير إلى أنَّ تحرّكها يكون قبل ظهوره، وأن الرايات تنطلق باسمه ودعوةً له.
وقد وردت مضامين هذه الأحاديث الشريفة في عدّة أحاديث رواها حفّاظ أهل السنّة عن الإمام علي (عليه السلام) وعدد من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) كما رويت عنهم أحاديث أخرى من طرق أتباعهم نذكر فيما يلي نماذج لها:
8 ـ روى النعماني في كتاب الغَيبة بسنده عن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: (( كأنّي بقومٍ قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يُعطونه، ثم يطلبونه فلا يُعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيُعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم , قتلاهم شهداء أما إني لو أدركتُ ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر )) (14).
9 ـ وروي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (( ستخلو الكوفة من المؤمنين ويأزر عنها العلم كما تأزر الحيّة في جُحرها، ثم يظهر العلم ببلدةٍ يُقال لها قم ، وتصير معدناً للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال ، وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجّة ، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها ولم يبق في الأرض حجّة ، فيفيض العلمُ منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب، فتتم حجّة الله على الخلق حتى لا يبقى أحدٌ على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم ، ثم يظهر القائم (عجّل الله فَرَجه الشريف) ويصير سبباً لنقمة [لنعمة-خ] الله وسخطه على العباد لأن الله لا ينتقم من العباد إلاّ بعد إنكارهم حجّة ))(15).
وواضح أن الانتقام هنا هو من الظالمين لتمام الحجّة عليهم أما غيرهم فظهور المهدي (عجّل الله فَرَجه الشريف) رحمة لهم.
10 ـ وروى عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: (( رجلٌ من أهل قم يدعو الناس إلى الحقّ يجتمع معه قوم كزبر الحديد لا تزلّزلهم الرياح العواصف ولا يملّون من الحرب ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين ))(16).
11 ـ وروي عن ابن حماد وغيره من حفّاظ أهل السنّة عن الإمام علي (عليه السلام) قال: (( فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني، فعند ذلك يتمنّى الناس المهدي ويطلبونه )) (17).
12 ـ وروى السيد ابن طاووس في الإقبال عن ملاحم البطائني في حديثٍ عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:(( ... ليس يرى أمة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم ، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمّة محمّد رجلاً منّا أهل البيت يُشير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشى ، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه ، ثم يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين القائم العادل الحافظ لما استودع يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملأها الفجّار جوراً وظلما ))(18).
أحاديث الموطئة والنهضة الخمينيّة:
هذه الأحاديث الشريفة ونظائرها تدلّ على وقوع حركة توطئةٍ وتمهيدٍ للثورة المهدويّة الكبرى وتحدّد لها الصفات التالية التي نلاحظ انطباقها بوضوح على النهضة الخمينيّة.
انطلاقها من إيران:
1- تنطلق هذه الحركة من إيران (أرض المشرق) ، وهي التي فيها الثلج غير المألوف نزوله في الجزيرة العربية ، وقد وقع انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في شهر (بهمن) الإيراني ومفردة (بهمن) : تعني الكتل الثلجية التي تتجمع في الجبال ثم تهوي إلى السهول كما تعني ذرّات الثلج الكثيفة التي يحرّكها الهواء وتسبب أحياناً عاصفة ثلجية(19) ، وأُطلق هذا الاسم على هذا الشهر لأنّه موسم نزول الثلج في إيران ، ولاستخدام عبارة: (( فأتوها ولو حبواً على الثلج )) مغزىً واضحٌ في الدلالة على منطلق حركة الموطئين خاصةً مع ملاحظة أن انتصار النهضة الخمينية وقع في العشرة الثانية من شهر بهمن حيث يتكثَّف نزول الثلج . ومهما يكن الحال فإن استخدام الوصف المذكور إلى جانب استخدام وصف (( المشرق )) يشير بوضوح إلى منطلق هذه الحركة الموطِّئة حتى مع غض النظر عن الأحاديث الشريفة المصرّحة بأنّها تنطلق من إيران.
انتماء روّاد التوطئة:
2- إنَّ الذين يقومون بهذه الحركة قومٌ من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) كما هو واضح من نصوص الأحاديث المتقدِّمة حتى المروية في كتب أهل السنّة خاصة الحديث الثالث والحديث السابع من النماذج المتقدِّمة ، فزعيم الحركة (( يوطن أو يمكِّن لآل محمد )) . (( رجلاً منا أهل البيت )) كما في الحديث الثاني عشر وانطباق هذه الصفة على نهضة الإمام الخميني ـ الذي ينتمي نسباً ومنهجاً إلى أهل البيت (عليهم السلام) ـ في غاية الوضوح.
مواصفات قائد حركة الموطئة:
3- إن قائد هذه النهضة (( رجلٌ من قم )) , (( يدعو إلى الحق يُشير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشى )).
وهذه الصفات تنطبق بوضوح على الإمام الخميني (قدس سره) وهي وإن كانت عامة قد تنطبق على غيره أيضاً إلاّ أن فيها خصوصيات تحصر المقصود به (قدس سره). فهي تشير إلى وصوله للحكم ولم يحدِّثنا التاريخ عن خروج رجل من قم يتصف بالإشارة للتقى والعدل والعمل بالهدى ويقيم دولة وحكماً كما حدث مع الإمام الخميني (قدس سره) ، إضافةً إلى ذلك فإنَّ في تتمة الحديث ما يشير إلى اجتماع أنصار أقوياء معه يتحلّون بصفات إيمانية عالية، وهذا أيضاً ممّا لم يحدّثنا التاريخ عن نظير لما جرى مع الإمام الخميني (قدس سره) الذي حظي بقاعدةٍ شعبية إيمانية قوية كما سنشير إلى ذلك لاحقاً.
صفات الموطِّئين:
4- والمستفاد من مجمل هذه الروايات الشريفة، أن القائمين بهذه النهضة يتحلّون بدرجةٍ عاليةٍ من الإصرار في طلب الحق والاستماتة في السعي لإقراره، وهم على درجةٍ عاليةٍ من التوكل على الله تبارك وتعالى والتقوى تؤهلهم لأن تكون العاقبة لهم فيحظون بالانتصار الحاسم.
وقد رأينا أن من أبرز ما تميَّزت به النهضة الخمينية هو إحياء الروح العرفانية الجهادية المستلهمة من ملحمة كربلاء والتي تجلَّت في مسيرة الثورة في آلاف الصور التضحوية التي سطّرها أنصار الإمام الخميني في وقائع الثورة قبل انتصارها وبعد ذلك خاصةً خلال سني الحرب الثماني التي فرضت عليها.
وعليه يتضح أنّ صفات قائد النهضة وأنصاره تنطبق على الإمام الخميني (قدس سره) وأنصاره ، وما ورد من خصوصيات في وصف الخراساني الذي يخرج بالرايات السود ، فهي ترتبط بزعماء هذه النهضة بعد قائدها الأكبر وهو الرجل القمي المشار إليه آنفاً وتحركاتهم فيما يرتبط بالمراحل اللاحقة من نشاطها التمهيدي ، وهذا ما يشير إليه تكرار طلب الحق في الأحاديث الشريفة المتحدِّثة عن مسيرة حركة التوطئة.
وواضحٌ أن حركة التمهيد لثورة عالمية كبرى مثل الثورة المهدوية؛ تحتاج إلى فترة متناسبة مع هذه المهمّة المتشعبة. لذلك فنحن عندما نقول بأن النهضة الخمينية هي الممهِّدة للثورة المهدوية الكبرى، فإنَّ ذلك يعني قيامها بالتوطئة من خلال امتداداتها ومختلف مراحلها وبجهود جميع قادتها وقواعدها، الذين شهدوا تفجير الإمام الخميني (قدس سره) لهذه النهضة أو الجيل اللاحق وزعمائه اللاحقين.
إنهاء استضعاف منهج أهل البيت (عليهم السلام):
5- والمستفاد من الأحاديث الشريفة أن حركة التوطئة تشتمل على تحرّك علمي تبليغي لمنهج أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جانب التحرّك الجهادي، وهذا أمرٌ طبيعي بل ضروري للتمهيد لثورة عالمية كبرى ذات أساسٍ عقائدي وأهداف عقائدية تتصل بمنهج أهل البيت (عليهم السلام) حيث صرّح الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنَّ المهدي (عجل الله فرجه) منهم؛ وبأن ظهوره ـ وقبل ذلك ظهور حركة الموطئين له ـ تنهي حالة الاستضعاف التي تعرّض لها أهل البيت (عليهم السلام) ونهجهم بعدما عانوا طويلاً من التشريد والمطاردة كما ورد في الأحاديث المتقدّمة.
وتصرّح الأحاديث الشريفة بأن بداية هذا التحرّك تكون بانتقال مركزية نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) من الكوفة إلى مدينة قم في إيران فتصبح قم منطلق نشر هذه العلوم على الصعيد العالمي . وهذا ما تحقّق عملياً تزامناً مع بدء النهضة الخمينية.
فالحوزة العلمية في مدينة قم أسّسها الشيخ عبد الكريم الحائري وبمساهمة مجموعة من العلماء ـ من بينهم الإمام الخميني (قدس سره) ـ الذين أقنعوا الشيخ الحائري بالإقامة في قم وتأسيس حوزة علمية فيها ، ففعل ثم اتسع نطاق عمل هذه الحوزة في عهد السيد البروجردي الذي كان للإمام الخميني الدور الأهم في إقناعه بالانتقال من مدينة قم وتزعم حوزتها(20) ، ثم أصبحت حوزة قم كبرى حوزات علوم أهل البيت (عليهم السلام) في العالم بعد انتصار الثورة الإسلامية خاصة بعد انحسار دور حوزة النجف الأشراف بسبب تضييقات النظام العراقي وخروج وتهجير أغلب علمائها وتحديد نشاط الباقين بدرجة كبيرة، وبذلك تحقق عملياً ما أخبرت عنه الأحاديث الشريفة وخاصةً الحديث التاسع من النماذج المتقدِّمة.
ونلاحظ في هذا الحديث الشريف تصريح الإمام الصادق (عليه السلام) بأنَّ هذا التطوّر يحدث (( عند قرب قائمنا )) أي الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أي تصير قم آنذاك (( معدناً للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين )).
وفي ذلك إشارة إلى وصول المنهج الإسلامي الأصيل عبر حوزة قم إلى العالم أجمع ، ونلاحظ هنا أيضاً أنه لم يشهد تأريخ حوزات علوم أهل البيت (عليهم السلام) مثل هذا الحضور المشهود في حوزة قم لطلبة علومها من مختلف أقطار العالم الإسلامي ، كما لم يشهد ما تشهده حالياً حوزة قم من حضور مشهود أيضاً للمدارس الدينية النسوية ، وهذه ظاهرة فريدة في تأريخ انتشار الثقافة الدينية العليا بين النساء أشار إليها الحديث الشريف بقوله:(عليه السلام): (( حتى المخدّرات في الحجال )).
للبحث صلة
ــــــــــــــــ
(7) راجع تفصيلات مصادر الحديث ,في كتاب معجم أحاديث الإمام المهدي / 1 / 387 وما بعدها.
(8) معجم أحاديث الإمام المهدي / 1 / 390 وما بعدها .
(14) كتاب الغيبة للنعماني / الباب 14 / الحديث 5 / ص273.
(15) بحار الأنوار / 60 / 213، سفينة البحار / 2 / ص 455، منتخب الأثر / 443.
(17) معجم أحاديث الإمام المهدي 3 / 77.
(18) إقبال الأعمال / 599-600، إثبات الهداة / 3 / 581-582.
source : http://www.alhassanain.com/arabic/show_articles.php?articles_id=347&link_articles=holy_prophet_and_ahlul_bayt_library/imam_al_mahdi/nahza_khomeini_tamhid_lezohor_mahdi