الشیخ جعفر الهادي
1.هذه الطائفة الجعفریة الإمامیة طائفة کبیرة من المسلمین في العصر الحاضر ، و یقدّر عددهم بربع عدد المسلمین تقریباً ،و تمتدّ جذورهم التاریخیة إلی صدر الإسلام یوم نزل قول الله تعالی في سورة البیّنة : « إنّ الذین آمنوا و عملوا الصّالحات أولئک هم خیر البریة» 1 فوضع رسول الله (ص) یده علی کتف عليّ بن ابي طالب(ع) ، و الصحابة حاضرون، و قال :« یا عليّ أنت و شیعتک هم خیر البریّة» (راجع للمثال: تفسیر الطبري (حامع البیان ) و الدرّ المنثور للعلامة السیوطي الشافعي، و تفسیر روح المعاني للآلوسي البغدادي الشافعي عند تفسیر الآیة الحاضرة).
و من هنا سمیت هذه الطائفة ـ التي تنسب إلی الامام جعفر الصادق(ع) لکونها تتبع فقهَه ـ بالشیعة.
2. تسکن هذه الطائفة بکثافة في إیران و العراق و باکستان و أفغانستان و الهند، و ینتشرون بأعداد کبیرة في بلاد الخلیج و ترکیا و سوریا و لبنان و روسیا و الجمهوریات المنفصلة عنها ،و ینتشرون أیضا في البلاد الأوروبیة کإنجلترا و ألمانیا و فرنسا و أمریکا و القارة الإفریقیّة ، و بلاد شرق آسیا ، ولهم فیها مساجد و مراکز علمیّة و ثقافیة و اجتماعیة.
3. و هم یتکوّنون من مختلف الجنسیات و الأعراق و اللغات و الألوان ،و یعیشون جنباً إلی جنب مع إخوانهم المسلمین من الطوائف و المذاهب الأخری في سلام و ودادٍ، و یتعاونون معهم في جمیع المجالات و الأصعدة بصدقٍ و إخلاصٍ ، إنطلاقاً من قوله تعالی: « إنّما المؤمنون إخوة» 2 و قوله تعالی: « و تعاونوا علی البرّ و التّقوی» 3 و تمسکاً بقول النبي الکریم (ع) : « المسلمون یدٌ واحدةٌ علی من سواهم» 4 و قوله (ص) : « المؤمنون کالجسد الواحد»5.
4. و کانت لهم علی طول التاریخ الإسلامي مواقف مشرّفة و مشرقة في الدفاع عن الاسلام ، و الأمة الإسلامیة الکریمة ، کما أنه کانت لهم حکوماتٌ و دول خدمت الحضارة الإسلامیة ، و علماء و مفکّرون أسهموا في إغناء التراث الاسلامي بتألیف مئات الآلاف من المؤلفات و الکتب الصغیرة و الکبیرة في مجال تفسیر القرآن ، و الحدیث ، و العقیدة ، و الفقه و الاصول ، و الأخلاق ، و الدرایة و الرجال ، و الفلسفة ، و الموعظة ، و الحکومة و الإجتماع ، و اللغة و الأدب بل و الطّب و الفیزیاء و الکیمیاء و الریاضیات و الفلک و غیرها من علوم الحیاة ، و کان لهم دور الباني و المؤسّس للکثیر من العلوم (راجع : کتاب تأسیس الشیعة لعلوم الاسلام، للصدر ، و الذریعة إلی تصانیف الشیعة لآغا بزرک (الذي یقع في 29 مجلداً ) و کشف الظنون للأفندي و معجم المؤلفین ، لکحالة ، و أعیان الشیعة للسید محسن الأمیني العاملي و غیرها).
5. و هم یعتقدون بالله الواحد الأحد الفرد الصّمد الذي لم یلد و لم یولد ، ولم یکن له کفوءاً أحد، و ینفون عنه الجسمانیة و الجهة و المکان و الزمان ، و التغیّر و الحرکة و الصعود و النزول و غیر ذلک مما لا یلیق بجلال الله و قدسه و کماله و جماله.
و یعتقدون بأنّه هو المعبود لا سواء ، و أنّ الحکم و التشریع له وحده دون غیره ،و أنّ الشّرک بجمیع أنواعه و ألوانه ، خفیّه و جلیّه ، ظلمٌ عظیمٌ و ذنبٌ لا یغتفر.
و یأخذون کلّ هذا من العقل الحصیف المعتضّد بالکتاب العزیز ، و السنّة الشریفة الصحیحة مهما کان مصدرها.
و لا یأخذون في مجال العقائد بالأحادیث الإسرائیلیة (التوراتیة و الإنجلیزیة ) و المجوسیة التي تصور الله تعالی بصورة البشر ،و تشبهه سبحانه بالمخلوقین.
أو تنسب إلیه الجور و الظلم و اللغو و العبث تعالی عن ذلک علوّاً کبیراً. أو تنسب العظائم و القبائح إلی الأنبیاء المطهّرین ، المعصومین علی الإطلاق.
6. و یعتقدون بأنّ الله تعالی عادلٌ حکیم ، خلق بعدلِ و حکمة، ولم یخلق شیئاً عبثاً ، جماداً کان أو نباتاً ، حیواناً کان أو إنساناً ، سماءً کان أو أرضاً ، لأنّ العبثیّة تنافي العدل و الحکمة ، و ذلک ینافي الألوهیّة التي تستلزم إثبات کلّ کمالٍ لله تعالی ، و نفي کلِّ نقص عنه سبحانه.
7. و یعتقدون بأنّ الله تعالی أرسل ـ بعدله و حکمته ـ إلی البشر ، منذ أن بدأوا حیاتهم علی الأرض ، أنبیاء و رسلاً ، اتّصفوا بالعصمة ، و تحلّوا بالعلم الواسع، الموهوب لهم ـ عن طریق الوحي ـ من قِبَل الله ، و ذلک لهدایة البشریة ، و مساعدتها علی الوصول إلی کمالها المنشود، و إرشادها إلی الطاعة التي تؤدّي بهم إلی الجنة ، و تؤهّلهم لرحمة الله و رضوانه ، و أبرز هؤلاء الأنبیاء و الرسل: آدم ، و نوح، و إبراهیم ، و عیسی،و موسی و غیرهم ممن ذکرهم القرآن الکریم أو جاءت أسماؤهم و أحوالهم في السنّة الشریفة.
8. و یعتقدون بأنّ من أطاع الله ، و نفّذ أوامره و أجری قوانینه في شتّی مجالات الحیاة نجی و فاز ، و استحقّ المدح و الثواب ، و لو کان عبداً حبشیّاً ، و أنّ من عصی الله تعالی و تجاهل أوامره ، و طبّق أحکاماً غیر أحکام الله تعالی ، خسر و هلک و استحقّ الذّمّ و العقاب ، و لو کان سیداً قرشیّاً ، کما جاء في الحدیث النّبوي الشریف.
و هم یعتقدون بأنّ محلّ الثواب و العقاب هو یوم القیامة الذي یکون فیه الحساب و المیزان و الجنّة و النّار ، و ذلک بعد المرور بعالم القبر و البرزخ. و أمّا التناسخ الذي یقول به منکر و المعاد فیرضونه لاستلزامه تکذیب القرآن الکریم و السنّة المطهّرة.
9. و یعتقدون بأنّ آخر الأنبیاء و الرّسل و خاتمهم و أفضلهم هو رسول الله محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب (ص) 6 الذي صانه الله من الخطأ و الزلل ، و عصمه من المعصیة الکبیرة و الصغیرة ، قبل النبوّة و بعدها، في أمور التبلیغ و غیرها ، و أنزل علیه القرآن الکریم ، لیکون دستوراً للحیاة البشریة إلی الأبد، فبلّغ صلی الله علیه و آله، الرسالة ، و أدّی الأمانة بصدق و إخلاص ، و بذل في هذا السبیل الغالي و الرخیص.
و للشیعة في مجال الکتابة عن تاریخ رسول الله صلی الله علیه و اله و شخصیات و أحواله و خصوصیاته و معجزاته عشرات المؤلفات و الأبحاث. (راجع : کتاب الإرشاد للشیخ المفید ، و إعلام الوری بأعلام الهدی للطبرسي، و موسوعة بحار الانوار للمجلسي ،و موسوعة الرسول المصطفی للسید محسن الخاتمي مؤخراً).
10. و یعتقدون بأنّ القرآن الکریم ، الذي انزل علی رسول الإسلام محمّد صلّی الله علیه و آله بواسطة جبرئیل الأمین ،و دوّنه مجموعةٌ من الصحابة الکبار و في مقدمتهم علي بن أبي طالب (ع) في عهد النبيّ الکریم محمّد صلی الله علیه و آله ،و تحت إشرافه و رعایته ، و بأمره ، و إرشاده ،و حفظوه عن ظهر قلب ، و أتقنوه ، و أحصوا حروفه و کلماته ،و سوره و آیاته ، و تناقلوه جیلاً بعد جیل ، هو الذي یتلوه المسلمون الیوم بجمیع طوائفهم ، آناء اللیل و أطراف النهار، من دون زیادة أو نقصان ، أو تحریف ، أو تغییر ، و للشیعة في هذا المجال مؤلفات مختصرة و مطولة کثیرة(راجع کتاب تاریخ القرآن للزنجاني ، و التمهید في علوم القرآن لمحمد هادي معرفة ، و غیرهما)..
11. و یعتقدون بأنّ رسول الله محمّداًّ (ص) لما قرب أجله نصب عليّ بن ابي طالب خلیفة له و إماماً علی المسلیمن من بعده ، لیقودهم سیاسیاً ،و یرشدهم فکریاً، و یعالج مشکلهم، و یواصل تربیتهم و تزکیتهم ، و ذلک بأمر من الله تعالی في مکان یدعی(غدیر خم) ، في آخر سنة من سنيّ حیاته ، و آخر حجّة من حججه ، و في جمعٍ هائل من المسلمین الذین حجّوا معه ، یزید عددهم ـ حسب بعض الروایات ـ علی مائة ألف شخصٍ . و قد نزلت في هذه المناسبة آیات عدیدة7.
کما و أنّ النبيّ (ص) طلقب من الناس مبایعة عليّ (ع) باصفق علی یده ، فبایعوه و في مقدمتهم کبار المهاجرین و الأنصار و مشاهیر الصحابة (راجع الغدیر للعلامة الأمیني نقلاً عن مصادر إسلامیة تفسیری ة و تاریخیة عدیددة.
12. و یعتقدون بأن ّ الإمام ـ بعد رسول الله محمّد (ص) ـ لما کان یجب علیه أن یقوم بما کان یقوم به النبي (ص) في حیاته من القیادة و الهدایة ، و التربیة و التعلیم ، و بیان الإحکام ، حلّ المشاکل الفکریة المستعصیة ، و معالجة الشؤون الاجتماعیة المهمّة ، کان لابدّ له (أي للأمام و الخلیفة من بعده ) من أن یکون بحیث یثق به الناس ، و ذلک لیقود الأمّة إلی شاطیء الأمان ، فهو یشارک النبيّ في المؤهلات و الصفات ، (و منها العصمة و العلم الواسع ) لأنه یشارکه في الصلاحیات و المسؤولیات باستثناء تلقّي الوحي، و النبوّة ، لأنّ النبوّة ختمت بمحمّد بن عبدالله (ص) فهو خاتم النبیین ، و المرسلین ، و دینه خاتم الأدیان ، و شریعته خاتم النبیین ، و المرسلین ، و دینه خاتم الأدیان ، و شریعته خاتمة الشرائع ، و کتابه آخر الکتب ، و لا نبيّ بعده ، و لا دین بعد دینه ،ولا شریعة بعد شریعته . (و للشیعة في هذا الصعید مؤلفات عدیدة و متنوعة حجماً و أسلوباً).
13. و یعتقدون بأنّ حاجة الأمّة إلی القائد الرشید، و الوليّ المعصوم اقتضت أن لا یکتفی بنصب عليّ (ع) وحده للخلافة و الإمامة بعد رسول الله (ص) ، بل لابدّ من استمرار حلقات القیادة هذه إلی مدةٍ زمنیةٍ طویلة ، إلی أن تترسخ جذور الإسلام و تحفظ اسس الشریعة، و تصان قواعدها من الأخطار التي هدّدت و تهدّد کلّ عقیدة إلهیة ّ، و کل نظام ربّانيّ ، و لتعطيَ مجموعة الأئمة ـ بما یقومون به من أدوار و ممارسات مختلفة في ظروف متنوعة ـ نماذج عملیّة و برامج مناسبة لجمیع الحالات التي قد تمرّ بها الأمّة الإسلامیة فیما بعد.
14. و یعتقدون بأنّ النبيّ محمّد بن عبدالله صلی الل ه علیه و آله لهذا السبب و لحکمةٍ علیا ، عیّن بأمر الله تعالی أحد عشر إماما بعد عليّ (ع) و هم ـ مع عليّ (ع) ـ الأئمة الإثنا عشر ، الذین وردت الإشارة إلی عددهم ، و قبیلتهم (قریش ) ـ و لیس إلی أسمائهم و خصوصیاتهم ـ في صحیح البخاري و صحیح مسلم بألفاظ مختلفة ؛ حیث رویا عن رسول الله صلی الله علیه و آله : أنّ الذین لا یزال ماضیاً / قائماً / عزیزاً / منیعاً ما کان فیهم اثنا عشر أمیراً ، أو خلیفة ، کلهم من قریش ، (أو بني هاشم ، کما في بعض الکتب ، و قد جاءت أسماؤهم في غیر الصحاح من کتب الفضائل و المناقب و الشعر و الادب).
و هذه الأحادیث و إن لم تنص علی ائمة الاثني عشر ،و هم عليّ و الأحد عشر من ذریّته، إلّا أنّها لا تنطبق إلّا علی ما یعتقده الشیعة الجعفریة ، و لا تفسیر صحیح لها إلّآ بقولهم .(راجع : خلفاء النّبي ، للحائري البحراني).
15. و یعتقد الشیعة الجعفریة بأنّ الأئمة الاثنی عشر هم : الإمام علي بن أبي طالب (ابن عمّ رسول الله (ص) و صهره علی ابنته الزهراء علیها السلام).
و الإمام الحسن و الإمام الحسین (ابنا علي و فاطمة ، و سبطا رسول الله صلي الله علیه و آله).
و الأمام زین العابدین عليّ بن الحسین(السجاد).
و الإمام محمّد بن علي (الباقر).
و الإمام جعفر بن محمّد (الصادق).
و الإمام موسی بن جعفر (الکاظم).
و الإمام علي بن موسی(الرّضا).
و الإمام محمّد بن علي (الجواد التقي).
و الإمام علي بن محمدّ (الهادي النقيّ)
و الإمام الحسن بن عليّ (العسکري).
و الإمام محمّد بن الحسن (المهدي الموعود المنتظر(ع)8 .
و أنّ هؤلاء هم أهل البیت الذین نَصَبهم رسول الله محمّد (ص) ـ و بأمر الله تعالی ـ قادةً للأمة الإسلامیة ، لعصمتهم ، و طهارتهم من الخطأ و الذنب ، و لعلمِهمُ الواسع الذي ورثوه عن جدّهم ـ و أمر بمودّتهم و متابعتهم ؛ إذ قال تعالی :« قل لا أسئلکم علیه أجراً إلّا المودة في القربی» 9 و قال تعالی: « یا أیها الذین آمنوا اتّقوا الله و کونوا مع الصادقین»10 (راجع کتب الحدیث و التفسیر و الفضائل المتّصلة بالصّحاح و المستقلّة عند الفریقین).
16. و یعتقد الشیعة الجعفریة بأنّ هؤلاء الأئمة الأطهار الذین لم یسجّل التاریخ علیهم زلّة أو معصیة ، في القول و العمل ، قد خدموا ـ بعلومهم الجمّة ـ الأمّة الإسلامیة ، و أغنّوا ثقافتها بالمعرفة العمیقة، و الرؤیة الصحیحة في مجال العقیدة ، و الشریعة و الأخلاق و الآداب ،و التفسیر و التاریخ ،و بصائر المستقبل . کما ربّوا ـ بالأسلوب القوليّ و العمليّ ـ ثلّة من الرّجال و النساء الأفذاذ الأخیار الأبرار الذین اعترف الجمیع بفضلهم و علمهم و حسن سیرتهم .
و یرون بأنّهم و إن ابعدوا ـ و للأسف ـ عن مقام القیادة السیاسیة ـ إلّا أنّهم أدّوا رسالتهم الفکریة و الاجتماعیة خیر أداء ، إذ صانوا مبادیء العقیدة ،و قواعد الشریعة من الأخطار.
و لو کانت الأمّة الاسلامیة تفسح لهم المجال بأن یمارسوا الدور السیاسيّ الذي أعطاهم رسول الله (ص) بأمر الله سبحانه ، لحصلت الأمّة الاسلامیة علی سعادتها و عزّتها ،و عظمتها کاملةً ، و لبقیت متحدةً، متفقةً، متوحدةً، لاشقاق فیها ،و لا اختلاف و لا نزاع ،و لا صراع ، و لا مذابح و لا مجازر ،و لا ذلّة و لا صغار. (راجع في هذا المجال کتاب: الإمام الصادق و المذاهب الأربعة لأسد حیدرـ و الذي یقع في 3 مجلدات ـ و غیره).
17. و یعتقدون بأنّه ـ و لهذا السبب،و نظراً للأدلة النقلیة و العقلیّة الکثیرة المذکورة في کتب العقیدة ـ یجب اتّباع أهل البیت ،و التزام طریقتهم ؛ لأنها هي الطریقة التي رسمها رسول الله صلّی الله علیه و آله للأمّة ،و أوصی بسلوکها و الالتزام بها ،في حدیث الثقلین المتواتر حیث قال : « إنّي تارکٌ فیکم الثقلین کتاب الله و عترتي أهل بیتي ما إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا أبداً» کما رواه مسلم في صحیحه و غیره من عشرات المحدّثین و العلماء في جمیع القرون الإسلامیة (راجع رسالة حدیث الثقلین للوشنوي التي صدّق علیها الأزهر الشریف قبل حوالي ثلاثة عقود).
و قد کان مثل هذا الاستخلاف و الوصیة أمراً رائجاً في حیاة الأنبیاء السابقین . (راجع : إثبات الوصیة للمسعودي ، وکتب الحدیث و التفسیر و التاریخ للفریقین).
18. و یعتقد الشیعة الجعفریة بأن علی الأمّة الإسلامیة ـ أعزّها الله ـ أن تناقش و تدرس هذه الأمور ، بعیداً عن السبّ و الشتم ،و الإیهام و الاتهام ،و التهویل و التهریج ،و أنّ علی العلماء و المفکرین من جمیع الطوائف و الفرق الإسلامیة أن یجتمعوا في مؤتمرات علمیة ،و یدرسوا بصفاء و إخلاص،و بأخوةٍ و موضوعیةٍ ما یقوله إخوانهم من الشیعة الجعفریة ،و ما یقیمونه من أدلة علی نظریّتهم ، في ضوء کتاب الله و الصحیح المتواتر من سنّة رسول الله (ص) ،و العقل الحصیف و المحاسبة التاریخیة ،و التقییم السیاسي و الاجتماعي العام في عهد رسول الله (ص) و بعده.
19. و یعتقد الشیعة الجعفریة بأنّ الصحابة ، و من کان حول رسول الله صلّی الله علیه و آله من الرجال و النساء ، خدموا الإسلام ،و بذلوا النفس و النفیس في سبیل نشره و إقراره ،و أنّ علی المسلمین أن یحترموهم ،و یثمّنوا خدماتهم ،و یترضّوا علیهم.
إلّا أنّ هذا لا یعني أنّ جمیعهم عدولٌ بصورة مطلقة،و أنّهم فوق أن تعرض بعض مواقفهم و أعمالهم علی محک النقد ، ذلک لأنّهم بشرٌ یخطیء و یصیب ، و قد ذکر التاریخ أنّ بعضهم شذّ عن الطریق حتی في عهد رسول الله (ص)، بل و صرّح القرآن الکریم بذلک في بعض سوره و آیاته مثل سورة المنافقین و الإحزاب و الحجرات و التحریم و الفتح و محمّد و التوبة).
فلا یعني النقد النزیه لمواقف بعضهم کفراً، لأنّ ملاک الإیمان و الکفر واضح ، و محورهما بیّن و هو إثبات أو نفي التوحید و الرسالة،و الضروري و البدیهي من أمر الدین ، کوجوب الصلاة و الصوم و الحج و حرمة الخمر و المیسر و ما شابه ذلک.
نعم ، یجب صیانة اللسان عن السبّ و الشتم و حفظ القلم عن الإسفاف ، فلیس ذلک من شأن المسلم المهذّب ، المتأسي بسیرة خاتم النبیین محمّد صلّی الله علیه و آله ، و مع ذلک فان أکثر الصحابة صالحون مصلحون جدیرون بالاحترام ، قمینون بالإکرام.
علی أن إخضاعهم لقواعد الجرح و التعدیل إنّما هو للوقوف علی السنّة النبویّة الصحیحة الموثوق بها مع العلم بتکاثر الکذب و الافتراء علی رسول الله صلّی الله علیه و آله بعده ـ کما یعلم الجمیع ، و قد أخبر النبيّ (ص) نفسه بوقوعه ـ و هو ما حدی بعلماء من الفریقین کالسیوطي و ابن جوزي و غیرهما إلی تألیف کتب قیمة للفرز بین الأحادیث الصادرة حقّآ عن النبيّ الکریم صلی الله علیه و آله و بین الموضوعات و المفتراة علیه .
20. و الشیعة الجعفریة یعتقدون بوجود الإمام المهديّ المنتظر ، لروایات کثیرة وردت عن رسول الله صلّی الله علیه و آله بأنّه من وُلد فاطمة ، و أنه تاسع ولد الحسین علیه السلام ،و حیث إنّ الولد الثامن للحسین علیه السلام هو الإمام الحسن العسکري و قد توفّي عام 260 هجریة،و لم یکن له إلّا ولد واحد، اسمه (محمّد ) فهو الإمام المهدي المکنّی بأبي القاسم 11، و قد رآه جمع من ثقات المسلمین و أخبروا بولادته و خصوصیاته ، و إمامته و النص علیه من جانب والده ، وقد غاب عن الأنظار بعد خمس سنوات من ولادته ،لأنّ الأعداء أرادوا قتله و القضاء علیه ، و لأنّ الله تعالی ادّخره لإقامة الحکومة الإسلامیة العادلة الشاملة في آخر الزمان ،و تطهیر الأرض من الظلم و الفساد بعد أن تملأ منهما.
و لا غرابة ،کما لا داعي للعجب ، لطول عمره ؛ فقد ذکر القرآن أنّ المسیح علیه السلام حيًٌّ إلی الآن رغم مرور 2004 سنة علی میلاده المبارک ،و أنّ نوحاً (ع) عاش بین قومه ألف سنة إلّآ خمسین عاماً یدعوهم إلی الله ، و أنّ الخضر (ع) لا یزال موجوداً.
فالله قادرٌ علی کلّ شيء، و مشیئته ماضیة لا رادّ لها و لا دافع، ألم یقل في شأن النبيّ یونس علیه و علی نبیّنا السلام: « فلو لا أنّه کان من المسبّحین* للبث في بطنه إلی یوم یبعثون»12؟!
ولقد أقرّ جمعٌ کبیر من علماء أهل السنّة الأجلّاء بولادة الإمام المهدي (ع) و وجوده ،و ذکروا اسم والدیه و أوصافه مثل :
أ ـ عبدالمؤمن الشبلنجي الشافعي في کتابه : نور الأبصار في مناقب آل بیت النبيّ المختار.
ب ـ ابن حجر الهیتمي المکي الشافعي في کتابه : الصواعق المحرقة حیث قال عنه : أبوالقاسم محمّد الحجة و عمره عند وفاة أبیه خمس سنین ، لکن آتاه الله فیها الحکمة و یسمّی القائم المنتظر.
ج ـ القندوزي الحنفي البلخي في کتابه : ینابیع المودة المطبوع في الأستانة بترکیا أیام الخلافة العثمانیة .
هـ ـ السید محمّد صدیق حسن القنوجي البخاري في کتابه : الإذاعة لما کان و ما یکون بین یدي الساعة ، هذا من المتقدّمین.
و من المتأخرین الدکتور مصطفی الرافعي في کتابه : إسلامنا ، حیث تعرض لمسألة الولادة بإسهاب ، و ردّ علی جمیع الإشکالات و الاعتراضات الواردة في هذا المجال.
_______________________________
1: البیّنة ، الآیة 7.
2: الحجرات ، الآیة 1
3 : المائدة، الآیة2.
4: مسند أحمد 1: 215
5: البخاري ، کتاب الادب : 27.
6 : یتقید الشیعة الامامیة بذکر آل النبي إلی جانب اسمه عند الصلاة و التسلیم علیه ، لأمره صلی الله علیه و آله بذلک کما جاء في بعض الصحاح الستة و غیرها.
7: هذه الآیات هي : قوله تعالی في آیة التبلیغ « یا أیها الرّسول بلّغ ما أنزل إلیک من ربّک و إن لم تفعل فما بلّغت رسالته و الله یعصمک من الناس إنّ الله لا یهدي القوم الکافرین»(المائدة ، الایة 67)
و قوله تعالی في آیة الإکمال : « الیوم أکملت لکم دینکم و أتممت علیکم نعمتي و رضیت لکم الإسلام دینا»(المائدة ، الایة 3)
و قوله تعالی : « الیوم یئس الذین کفروا من دینکم فلا تخشوهم و اخشون» (المائدة ، الایة 3)
و قوله تعالی : « سئل سائل بعذاب واقع * للکافرین لیس له دافع» (المعارج الآیة 2).
8 و قد أنشأ أدباء أفذاذ من غیر الشیعة ـ من العرب و العجم ـ قصائد مفصّلة حَوَت أسماء الأئمة الاثنی عشر کاملة کالحصکفي و ابن طولون و الفضل بن روزبهان الجامي و العطار النیشابوري و المولوي ، و هم من الأحناف و الشوافع و غیرهم ، نذکر من باب النموذج قصیدتین منها:
الأولی : للحصکفي الحنفي ، و هو من علماء القرن السادس الهجري ، یقول فیها :
حیدرةٌ و الحسنان بعده ثمَّ عليُّ و ابنه محمدُ
و جعفرُ الصادق ابنُ جعفرٍ موسی ، و یتلوهَُ عليُّ السیدُ
أعني الرضا ثم ابنُه محمدُ ثمّ عليٌّ و ابنه المسدّدُ
الحسن التالي و یتلو تلوه محمدُ بن الحسن المعتقدُ
قومٌ همُ أئمتي و سادتي و إن لحاني معشرٌ و فَنّدوا
أئمةٌ أکرِم بهم أئمةً أسماؤهم مسرودةٌ لا تُطردُ
هم حججُ الله علی عباده و هم إلیه منهجٌ و مقصدُ
همُ النهارَ صُوّم لربّهم و في الدَیاجي رُ کّعٌ و سجّدُ
الثانیة : و هي لشمس الدین محمّد بن طولون من علماء القرن العاشر الهجري ، وهو یقول فیها:
علیک بالأئمة الاثني عشر من آل بیت المصطفی خیرِ البشر
أبو ترابٍ حسن حسین و بغض زین العابدین شَینُ
محمّد الباقر کم علمٍ دری و الصادق ادعُ جعفراً بین الوری
موسی هو الکاظمُ و ابنه عليُ لقّبه بالرضا و قدره عليّ
محمّد التقيّ قلبه معمور عليٌّ النّقيُّ دُرُّهُ منثورُ
و العسکريّ الحسن المطهّرُ محمّد المهديّ سوف یظهرُ
راجع کتاب: الأئمة الاثنا عشر ، تألیف مؤرخ دمشق شمس الدین محمّد بن طولون المتوفی سنة 953 هجریة، تحقیق : الدکتور صلاح الدین المنجّد . طبعة بیروت .
9 الشوری ، الآیة 23.
10 التوبة ، الآیة 119.
11 و في الصحاح و غیرها من مؤلفات الفریقین أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله قال : « سیظهر في آخر الزمان رجل من ذریّتي اسمه اسمي و کنیته کنیتي یملأ الأرض عدلاً و قسطاً کما ملئت ظلماً و جوراً».
12 الصافات ، الآیة 143ـ144.
source : http://www.abna.ir/data.asp?lang=2&Id=193846