عربي
Friday 3rd of May 2024
0
نفر 0

الإمام الحسين ( عليه السلام )

 

فصاحة وبلاغته

تربى الإمام الحسين ( عليه السلام ) بين أحضان جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، الذي كان أفصح مَنْ نطق بالضاد ، ثم انتقل إلى حضن أبيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، الذي كان كلامه بعد كلام النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ودون كلام الخالق ، ناهيك عن كلام أُمّه الزهراء ( عليها السلام ) ، التي تفرغ عن لسان أبيها ، فلا غرو أن نجد الحسين ( عليه السلام ) أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء .

وقد تجلى ذلك في

واقعة عاشوراء ، عندما اشتد الخطب وعظم البلاء وضاق الأمر ، فلم يتزعزع ولم يضطرب ، وخطب بجموع أهل الكوفة ، بقلب ثابت ولسان طليق ينحدر منه الكلام كالسيل ، فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه ، حتى قال فيه عدوّه : ويلكم كلّموه فإنه ابن أبيه ، والله لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حصر .

كلام الإمام الحسين ( عليه السلام ) في توحيد الله عز وجل

للإمام ( عليه السلام ) تراث رائع ، خاض في جملة منه مجموعة من البحوث الفلسفية والمسائل الكلامية التي مُنيت بالغموض والتعقيد ، فأوضحها ( عليه السلام ) ، وبيَّن وِجهة الإسلام فيها ، ونعرض فيما يلي لبعض ما أُثِر عنه :

في معنى ( التَّوحِيد ) :

وعَرَّض الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كثير من كلامه إلى توحيد الله ، فَبيَّنَ حقيقته وجوهره ، وفَنَّد شُبَه المُلحدين وأوهامهم ، ونعرض فيما يلي لبعض ما أُثِر عنه :

أولاً : قال ( عليه السلام ) :( أيُّها النَّاس ، اتقوا هؤلاء المارقة الذين يُشبِّهون الله بأنفسهم ، يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب ، بل هو الله ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، لا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير .

استخلص الوحدانية والجَبَروت ، وأمضى المشيئة ، والإرادة ، والقدرة ، والعلم بما هو كائن ، لا منازع له في شيء من أمره ، ولا كُفو له يعادِلُه ، ولا ضِدّ له ينازعه ، ولا سَمِيّ له يشابهه ، ولا مثل له يشاركه .

لا تتداوله الأمور ، ولا تجري عليه الأحوال ، ولا ينزل عليه الأحداث ، ولا يقدر الواصفون كُنهَ عظمته ، ولا يخطر على القلوب مَبلغ جبروته ، لأنه ليس له في الأشياء عديل .

ولا تدركه العلماء بألبابها ، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلا بالتحقيق ، إيقانا بالغيب لأنه لا يوصف بشيء من صفات المخلوقين ، فذلك الله لا سَمِيّ له ، سبحانه ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ) .

وحذّر الإمام ( عليه السلام ) من تشبيه الخالق العظيم بعباده ، أو بسائر الممكنات التي يلاحقها العدم ، ويطاردها الفناء .

ثانياً :يقول المؤرخون إن حَبْر الأمة عبد الله بن عباس كان يُحدِّث الناس في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقام إليه نافع الأزرق فقال له : تُفتي الناس في النملة والقَملة ، صف لي إِلَهَك الذي تعبُد ؟

فأطرقَ إعظاما لقوله ، وكان الإمام الحسين ( عليه السلام ) جالساً فانبرى قائلاً : ( إِليَّ يا بن الأزرق ) ؟

فقال نافع : لَستُ إِيَّاك .

فثار ابن عباس ، وقال له : إنه من بيت النبوة ، وهم وَرَثة العلم .

فأقبل نافع نحو الإمام ( عليه السلام ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( يا نافع ، من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس سائلاً ناكباً عن المنهاج ، ظاعناً بالاعْوِجَاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلاً غير الجميل .

أصفُ لك إلهي بما وصفَ به نفسه ، وأعَرِّفُه بما عَرَّف به نفسه ، لا يُدركُ بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، قريبٌ غير مُلتَصِق ، بعيد غير منتقص يوحد ولا يبغض معروف ، بالآيات موصوف ، بالعلامات لا إله إلا هو الكبير المُتَعَال ) .

فحارَ الأزرق ، ولم يُطِق جواباً ، فقد مَلَكَته الحيرة ، وسدَّ عليه الإمام ( عليه السلام ) كل نافذة ينفذ منها ، وبُهِر جميع من سمعوا مقالة الإمام ( عليه السلام ) ، وراحوا يُرَدِّدُون كلام ابن عباس : إِنَّ الحُسين ( عليه السلام ) مِن بيت النبوَّة ، وَهُم وَرَثَة العلم .

في معنى ( الصَّمَد ) :

كتب إليه ( عليه السلام ) جماعة يسألونه عن معنى الصمد في قوله تعالى : ( اللهُ الْصَّمَدُ ) .

فكتب ( عليه السلام ) لهم بعد البسملة : ( أما بعد : فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تُجادلوا فيه ، ولا تتكلموا فيه بِغَير عِلم ، فقد سمعت جَدِّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( مَن قال في القرآن بغير عِلمٍ فَلْيَتَبَوَّأُ مقعدُهُ من النار ) .

وإن الله سبحانه قد فَسَّر الصمد فقال : ( اللهُ أَحَدُ * اللهُ الْصَّمَدُ ) .

ثم فَسَّرهُ فقال : ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) .

( لَمْ يَلِدْ ) : لم يخرج منه شيء كثيف ، كالولد وسائر الأشياء الكثيفة ، التي تخرج من المخلوقين .

ولا شيء لطيف كالنفس ، ولا يتشعب من البدوات كالسِّنَة والنوم والخطرة ، والهم والحزن ، والبهجة والضحك ، والبكاء والخوف ، والرجاء والرغبة والسأمة ، والجوع والشبع ، تعالى عن أن يخرج منه شيء ، وأن يتولَّدَ منه شيء كثيف أو لطيف .

( وَلَمْ يُولَدْ ) : لم يتولد منه شيء ، ولم يخرج منه شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرهم ، والدابة من الدابة ، والنبات من الأرض ، والماء من الينابيع ، والثمار من الأشجار .

ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها ، كالبصر من العين ، والسمع من الأذن ، والشم من الأنف ، والذوق من الفم ، والكلام من اللسان ، والمعرفة والتمييز من القلب ، وكالنار من الحجر .

لا ، بل هو الله الصمد الذي لا شيء ، ولا في شيء ، ولا على شيء ، مبدع الأشياء وخالقها ، ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته ، ويبقى ما خلق للبناء بعلمه ، فذلكم اللهُ الصَّمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة ، الكبير المُتَعال ، وَلم يَكُن لَهُ كُفوا أحد ) .

حلم الإمام الحسين ( عليه السلام ) وتواضعه

أولاً : حلمه ( عليه السلام ) :

فقد كان الحلم من أسمى صفات الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومن أبرز خصائصه ، فقد كان – فيما أجمع عليه الرواة – لا يقابل مسيئاً بإساءته ، ولا مذنباً بذنبه .

وإنما كان ( عليه السلام ) يغدق عليهم بِبرِّه ومعروفه ، شأنه في ذلك شأن جده الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) الذي وَسع الناسَ جميعاً بأخلاقه وفضائله ، وقد عُرف ( عليه السلام ) بهذه الظاهرة وشاعت عنه .

ويقول المؤرخون : إن بعض مواليه قد جنى عليه جناية توجب التأديب ، فأمر ( عليه السلام ) بتأديبه ، فانبرى العبدُ قائلاً : يا مولاي ، إن الله تعالى يقول : ( الكَاظِمِينَ الغَيْظَ ) .

فقابله الإمام ( عليه السلام ) بِبَسماته الفيَّاضة وقال له : ( خَلّوا عَنه ، فَقَد كَظمتُ غَيظِي ) .

وسارعَ العبدُ قائلاً : ( وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) .

فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( قَد عَفوتُ عَنك ) .

وانبرى العبدُ يطلب المزيد من الإحسان قائلاً : ( وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ ) آل عمران : 134 .

فأجابه الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : ( أنتَ حُرّ لِوَجهِ اللهِ ) .

ثم أمر ( عليه السلام ) له بجائزة سَنيّة تُغنيهِ عن الحاجة ومَسألة الناس .

فقد كان هذا الخلق العظيم من مقوِّماته التي لم تنفكّ عنه ( عليه السلام ) ، وظلَّت ملازمةً له طوال حياته .

ثانياً : تواضعه ( عليه السلام ) :

وَجَبلَ الإمام الحسين ( عليه السلام ) على التواضع ، ومجافاة الأنانية والكبرياء ، وقد وَرثَ هذه الظاهرة من جَدِّه الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) الذي أقام أصول الفضائل ، ومعالي الأخلاق في الأرض .

وقد نقل الرواة بَوادر كثيرة من سُموِّ أخلاقه ( عليه السلام ) وتواضعه .

فَمِنهَا : أنه ( عليه السلام ) اجتاز على مساكين يأكلون في ( الصفة ) ، فدعوه إلى الغداء فنزل عن راحلته ، وتغذى معهم ، ثم قال ( عليه السلام ) لهم : ( قَد أجبتُكُم فَأَجِيبُونِي ) .

فَلبّوا كلامه وخفوا معه إلى منزله ، فقال ( عليه السلام ) لزوجه الرباب : ( أَخرِجي ما كُنتِ تَدَّخِّرين ) .

فأخرَجتْ الرباب ما عندها من نقودٍ فناولها ( عليه السلام ) لهم .

ومنها : أنه ( عليه السلام ) مَرَّ على فقراء يأكلون كسراً من أموال الصدقة ، فَسلَّم عليهم فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال ( عليه السلام ) : ( لَولا أنهُ صَدَقة لأكلتُ مَعكُم ) .

ثم دعاهم ( عليه السلام ) إلى منزله ، فأطعمهم وكَسَاهم وأمرَ لَهم بِدَراهم .

ومنها : أنه جرَت مشادة بين الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأخيه محمد بن الحنفية ، فانصرف محمد إلى داره وكتب إليه ( عليه السلام ) رسالة جاء فيها :

( أما بعد : فإن لك شرفاً لا أبلغُه ، وفضلاً لا أُدركُه ، أبونا عَلي ( عليه السلام ) لا أفَضّلك فيه ولا تُفضّلني ، وأمي امرأة من بني حنيفة ، وأمك فاطمة ( عليها السلام ) بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولو كان مِلءُ الأرض مثل أمِّي مَا وَفيْنَ بِأمِّك ، فإذا قرأت رُقعتي هذه فالبَس رِدَاءك ونَعلَيك وَسِرْ إِليَّ ، وتُرضِينِي ، وَإيَّاك أن أكونَ سابقُكَ إلى الفضلِ الذي أنت أولَى بِه مِنِّي ) .

ولمّا قرأ الإمام الحسين ( عليه السلام ) رسالة أخيه سارع إليه ، وتَرضَّاهُ ، وكان ذلك من معالي أخلاقه وسُموِّ ذاته ( عليه السلام ) .

 


source : http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=71383
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

في ذكري الأربعين:القيم العالية لانتفاضة الحسين ...
سیرة الامام المنتظر (عجل الله فرجه)
مدح الارتباط بالأئمة المعصومين (ع)
الرسالة بين الامام والنصير
العلاقة بين أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وأئمّة ...
علم الامام جعفر الصادق (عليه السلام) باللغات
حياة الإمام علي الهادي (عليه السلام) العامرة ...
كرامات الإمام علي ( عليه السلام )
سخاء الإمام الرضا ( عليه السلام )
المنهج الاصلاحي عند الإمام الصادق(ع)

 
user comment