معنى أهل البيت في الروايات
لقد تظافرت الروايات الكثيرة عن النبي’ في أن مصداق أهل البيت ليس سوى علي وفاطمة و الحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين وذريته وهذه طائفة منهم:
أم سلمة، عائشة، أبو سعيد الخدري، أبو برزة الأسلمي، أبو الحمراء هلال بن الحارث، أبو ليلى الأنصاري، أنس بن مالك، البراء بن عازب ثوبان بن بجدد، جابر بن عبدالله الأنصاري، زيد بن أرقم، زينب ابنة أبي سلمة المخزومي سعد بن أبي وقاص، صبيح، عبدالله بن عباس، عمر بن أبي سلمة، عمر بن الخطاب، وائلة بن أسقع.
وهذه كتب أهل السنة المعتبرة زاخرة بروايات عن هؤلاء الرواة في أن المصداق الحقيقي لأهل البيت^ هم من ذكرنا آنفاً كما أن الشيعة إنما يستدلون على هذه الحقيقة بالقرآن الكريم وبروايات هؤلاء الرواة وهي مسجلة في كتب العامة.
فالشيعة إنما تعلقوا بأهل البيت واتخذوهم أئمة يهدون بالحق إنما جاء استجابة لما ورد في القرآن ولما زخرت به الروايات لدى الفريقين في وجوب طاعتهم وإتباع أمرهم والانتهاء لنهيهم وأنهم أوصياء النبي’ والأئمة من بعده وان في طاعتهم طاعة الله والرسول وسبب في السعادة في الدنيا، والنجاة والفوز في الآخرة.
وتبركاً وتيمناً وتطميناً للقلب وتسكيناً للروح نذكر طائفة من هذه الروايات ذكرى لمن يتذكر ويخشى، وهدية لمحبي أهل البيت وعشاق الحق.
الرواية الأولى: العوام بن حوشب عن التميمي قال: دخلت على عائشة فحدثتنا أنها رأت رسول الله دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا([1]).
الرواية الثانية:
عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله’ يقول: «أيها الناس أني فرط لكم، وأنكم واردون عليّ الحوض، حوضاً أعرض مما بين صنعاء وبصرى فيه قدحان عدد النجوم من فضّة وأني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي فأنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقنا حتى يردا عليّ الحوض، فقلت يا رسول الله من عترتك؟ قال: أهل بيتي علي وفاطمة والحسن والحسين([2]).
الرواية الثالثة: عيسى بن عبدالله بن مالك عن عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله’ يقول: أيها الناس أني فرط لكم وأنكم واردون علي الحوض، حوضاً أعرض مما بين صنعاء وبصرى فيه قدحان عدد النجوم من فضة، وأني مسائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، السبب الأكبر كتاب الله طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فأنه قد بتأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فقلت: يا رسول الله! من عترتك؟ قال: أهل بيتي من ولد علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من صلب الحسين، أئمة أبرار هم عترتي من لحمي ودمي<([3]).
الرواية الرابعة:
>موسى بن عبد ربه: سمعت الحسين بن علي يقول في مسجد النبي’ وذلك في حياة أبيه علي ـ سمعت رسول الله يقول: ألا أن أهل بيتي أمان لكم فاحبّوهم لحبي وتمسكوا بهم لن تضلوا.
قيل: فمن أهل بيتك يا بني الله؟ قال: علي وسبطاي وتسعة من ولد الحسين، أئمة أمناء معصومون، ألا أنهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي<([4]).
من هنا يتضح أن الشيعة الإمامية الأثني عشرية، إنما يتمسكون بأهل البيت انطلاقاً من مفاد آيات القرآن الكريم والسنة السنوية الشريفة، ويعتبرون طاعتهم وإتباعهم والولاء لهم أمراً شرعياً وواجباً دينياً وأن الإسلام بكماله لا يتحقق إلا بذلك وحجتهم في ذلك واضحة وبرهانهم على رأيهم قوي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
أن الحقيقة الكبرى والحجة العظمى هي أن أهل البيت علي وفاطمة وذريتهما الطاهرة و بهذا تظافرت الروايات والأخبار المتواترة في كتب الفريقين ومن جاء بغير ذلك إنما جاء بالباطل والضلال، وهو من عمل وعّاظ السلاطين ومن رشاهم بالأموال.
لقد شاء الحاكمون أن يحرفوا الحقيقة، ولكن أنّى لهم التناوش من مكان بعيد فوالله الذي لا إله إلا هو سيبقى أهل البيت مناراً ساطعاً ونوراً يضيء الطريق، لا ينكر ذلك إلا الخفافيش ومن اعتادوا الحياة في الظلام.
ومهما كاد الكائدون وتفاقمت وساوس الشياطين في أن يطفئوا نور الحقيقة أو يحجبوا ضوءها فلن يفلحوا في ذلك وأنه متم نوره ولو كره المبطلون.
إنّ حب أهل البيت نبع يتدفق في قلوب كل الناس الطيبين وأن ما تعرضوا له من محن ومصائب يفجّر العيون دموعاً والقلوب حزناً لأن أهل البيت هم المصداق الكبير والقيمة الحقيقية العليا للإنسانية، وهذا سيدنا الحسين تبكيه الأجيال على مرّ العصور لأن محنته وما تعرض له من مصائب تذيب الصخر الجلمود، ولقد بكته السماء والأرض وكل الشرفاء من البشر.
ضرورة معرفة أهل البيت
في علم المنطق وفي بحث المعرِّف يجمع أهل هذا العلم على أن المعِّرف الذي يستخدم في تعريف حقيقة يجب أن يكون أجلى من المعرَّف حتى يمكنه تصوير الحقيقة كما هي.
الآن وقد أثبتنا إمامة أهل البيت^ وأنهم هم ورثة علوم الأنبياء وأن الله عز وجل يلهمهم العلم إلهاماً ويفيضه عليهم فيضاً بعد كل هذا يجب القول : هل من معرّف في هذا الوجود بعد الله سبحانه يمكنه أن يعرِّف أهل البيت غير ذات أهل البيت أنفسهم؟.
ولذا لا مفرّ لمعرفة أبعاد شخصية أهل البيت^ سوى الرجوع إليهم في معرفتهم ذلك أنه لا يوجد أحد له الإحاطة التامة بإبعاد وجوداتهم وسيبقى كل ما قاله الآخرون في حقهم ناقصاً أو حسب تعبير المناطقة ليس بجامع أفراد ومانع أغيار أبداً يعني لا يمكن معرفة أهل البيت كما هي حقيقتهم.
وانطلاقاً مما ورد في أن معرفة أهل البيت^ ومعرفة حقيقتهم أمر ضروري ولازم وعليه يتوقف مصير الإنسان في الآخرة، لأنه لا معرفة حقيقية للإسلام إلا بمعرفتهم لأنهم هم الصراط المستقيم الذي أمرنا بسلوكه وبسبب حساسية هذا الموضوع نشير إلى طائفة من الروايات:
عن أمير المؤمنين× قال: >أسعد الناس من عرف فضلنا وتقرّب إلى الله بنا، وأخلص حبنا وعمل بما إليه ندبنا وانتهى عما نحن نهينا، فذاك منا وهو في دار المقامة معنا<([5]).
وجاء في كتب الحديث عن زرعة أنه قال للإمام الصادق× >أي الأعمال هو أفضل بعد المعرفة؟ قال: ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة، ولا بعد المعرفة والصلاة شيء يعدل الزكاة، ولا بعد ذلك شيء يعدل الصوم، ولا بعد ذلك شيء يعدل الحج، وفاتحة ذلك كلّه معرفتنا وخاتمته معرفتنا<([6]).
أجل أن كيفية الصلاة والزكاة والصوم والحج وطريقة أداء هذه العبادات يجب أن نأخذها ونتعلمها من أهل البيت^ لأن القرآن إنما نزل في بيتهم وهم وحدهم من ورث علم النبي’ ولا يتيسر أخذ العلم إلا أن مدينته والنبي مدينة العلم ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها ولا المدن إلا من بواباتها.
قال رسول الله’:
>مَنْ منّ الله عليه بمعرفة أهل بيت وولايتهم فقد جمع الله له الخير كلّه<([7]).
وعن أبي بصير عن الإمام الصادق× في تأويل الآية الكريمة:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}([8]).
وجاء أيضاً قوله× >طاعة الله ومعرفة الإمام<([9]).
أهل البيت الأسمى والأفضل
من بين كائنات الوجود ما هي الكائنات التي هي من حيث الخلقة مادية محضة وما هي الكائنات التي هي مفعمة بالنور تزخر بالوجود المعنوي وما هي الكائنات التي هي مزيج من المادة واللامادة وما هي الأسمى وما هي الأفضل؟
إنّ سبب التسامي وعلّة الأفضلية بين هذه الأنواع الثلاثة من الوجودات هو إما انتخاب الحق له أو بسبب سعة الوجودية أو الإيمان الكامل والتام واليقين الشامل والجامع و العمل الجدير وبسبب آخر وعلّة أخرى خفيت علينا ومن أجل توضيح الموضوع أكثر نشير إلى الأسمى والأفضل لكل نوع من هذه الأنواع:
أفضل البقاع
أشار القرآن الكريم وكذا ما ورد في الروايات إلى أن أفضل بقاع الأرض بقعة لها شأن عظيم وقد كرمها الله وجعلها أفضل البقاع وجعلها الله سبحانه محلاً لأداء العبادة كبرى يؤديها المؤمن في أيام معدودات وجعل لهذه الأعمال من الثواب العظيم والأجر الكريم ما يعجز عن تصوره البشر، وحذّر من انتهاك حرمتها وأنذر من فعل ذلك بالعقاب الأليم وما هي هذه البقعة إلا الأرض التي تنهض عليها الكعبة العظمى بيت الله الحرام.
الكعبة الشريفة
أختار الله سبحانه وتعالى هذه البقعة لتنهض عليها الكعبة بيته الحرام فكانت بقعة مقدسة شريفة.
قال الإمام الصادق×: >إنّ الله اختار من كل شيء شيئاً واختار من الأرض موضع الكعبة<([10]).
وشاء الله عز وجل أن يكون أول بيت له في هذه البقعة المباركة المقدسة وشاء الله سبحانه أن تكون في هذه الأرض مدينة مباركة يعمّ خيرها للعالمين فمنها انبثق النور ... نور الهداية الإلهية للناس أجمعين.
فأضحت هذه البقعة مصدر النور الحقيقي، وحيث مقام إبراهيم الخليل والمكان الآمن الذي يشعر فيه الإنسان بالطمأنينة والسلام قال عز من قائل: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً}([11]).
إنّ مكة المكرمة وقد احتضنت بيت الله الحرام أصبحت مركز إشعاع للنور الإلهي والأمن والسكينة، قال الإمام الصادق×: >من أتى الكعبة فعرف حقها وحرمتها لم يخرج من مكة إلا وقد غفر الله له ذنوبه وكفاه الله ما يهمه من أمر دنياه وآخرته<([12]).
أشرف الأزمنة
يلفت القرآن الكريم نظر الناس إلى أزمنة وأوقات في السنة ويحث المؤمنين إلى الإهتمام بها لما فيها من عظيم الثواب وجزيل الشكر من قبيل ليلة القدر([13]) والأيام العشرة الأول من شهر ذي الحجة الحرام([14]) وأيام الله([15]) فهذه فرص فريدة لكسب الثواب والتقرب إلى الله عز وجل بالعبادة والتقوى والورع والإنابة إلى إليه عز وجل.
ليلة القدر
جاء عن النبي’ قوله: >تفتح أبواب السماوات في ليلة القدر فما من عبد يصلي فيها إلاّ كتب الله تعالى له بكلّ سجدة شجرة في الجنة»([16]).
العشرة الأوائل من ذي الحجة الحرام
إنّ العشر الأوائل من ذي الحجة الحرام من الأيام المعلومات كما ورد ذلك في القرآن الكريم([17]) وهي من أفضل الأوقات لأداء عمرة التمتع والحج واليوم التاسع منها هو يوم عرفة وليلة العاشر هي ليلة البينونة والواجب أدائها في المشعر واليوم العاشر يوم الأضحى المبارك.
وعندما يطل شهر ذي الحجة الحرام ترى عباد الله الصالحين والمؤمنين ينهضون للعبادة كأفضل ما يكون يعبدون الله ويستغفرونه وينيبون إليه ويتضرعون فهم إما في حالة دعاء ومناجاة أو في حالة ركوع وسجود وصلاة؛ خاشعين لله يسبحون آناء الليل وأطراف النهار، لأنها من أفضل الأيام، فهي مفعمة بالبركات والخيرات، وقد جاء في الأثر عن سيدنا ونبينا محمد’ أنه قال: >ما من أيام العمل أحب إلى الله عز وجل من أيام هذه العشرة<([18]).
ولهذا يقوم المؤمن للصلاة في هذه الأيام بهمة ونشاط وإخلاص ويعمل ما وسعه من أعمال الخير.
أيام الله
أيام الله أيام تتألق بالدروس والعبر مزدانة بالآيات فهي أيام انتصار وأيام عبر أيام لها طعم الشهد أو مذاق الحنظل، أيام سرور وأيام حزن مرير، أيام تتدفق فيها الرحمة كالنبع البارد، وأيام تتأجج بغضب الله كبركان ثائر ... أيام رحمة للمؤمنين، وأيام غضب يعصف بالكافرين والمنافقين.
إنّ الاستعبار بأيام الله والتأمل في تلك الحوادث الكبرى واستلهام الدروس والعبر هو من الأعمال المطلوبة من الإنسان المؤمن لأن ذلك مما يزيد في وعي الإنسان وينمي إدراكاته، فيدرك حركة التاريخ ويتفهم غائية الرسالات الإلهية فتصحو الأمم وتنهض الشعوب ويقوم الناس لله رب العالمين، قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}([19]).
وإضافة إلى ما ورد آنفاً فإن أفضل الأوقات للعودة إلى الحق والإنابة إلى رب الأرباب والتوبة إلى الله عز وجل هو هذه الأيام المباركة، وهذا ما أشارت إليه الآثار عن الأئمة الأطهار^ .
أفضل الناس
إنّ معيار الأفضلية بين الناس هو في درجة الإيمان والعلم والتقوى.
إن الإنسان المؤمن بالله واليوم الآخر والذي يخشى الله سبحانه هو الأسمى بين الناس بإيمانه وتقواه، والعالم العامل بعلمه له درجات يمتاز بها بين المؤمنين وأن المتقين الذين بلغوا أوج اليقين لهم الرفعة بين الناس جميعاً؛ وإذا ما تأملنا في آيات القرآن الكريم وجدنا إشارات واضحة تضيء القلوب والعقول:
أهل الإيمان
قال تعالى: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}([20]).
إنّ الاتجاه العام الذي تحرم فيه آيات القرآن الكريم وما ورد في الروايات عن أهل البيت^ إن المؤمن له من الكرامة عند الله عز وجل والشأن، بحيث يكون حب المؤمن ومودّته هو حب الله ورسوله وتقديم العون للمؤمن بمثابة العون لله والرسول وإدخال البهجة والفرح في قلب المؤمن هو ما يسرّ الله والرسول.
يروي الإمام محمد الباقر عن جدّه رسول الله’ قوله: >من سرّ مؤمناً فقد سرّني ومن سرّني فقد سرّ الله<([21]).
وقال الإمام الباقر×: >ما عبد الله بشيء أحب إلى الله من إدخال السرور على المؤمن<([22]).
وقال الإمام الصادق×: >لقضاء حاجة امرئ مؤمن أحب إلى الله من عشرين حجة كل حجة يُنفق فيها صاحبها مئة ألف<([23]).
وجاء عنه× قوله: >إنْ أشبع رجلاً من أخواني، أحب إليّ من أن أدخل سوقكم هذا فأبتاع منها رأساً فأعتقه<([24]).
أهل العلم
قال رسول الله’: >أفضل العالم على سائر الناس كفضلي على أدناهم<([25]).
وعنه صلوات الله عليه قال: >فضل العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب<([26]).
وقال’: >ثلاثة يشفعون إلى الله عز وجل فيشفّعون: الأنبياء ثم العلماء، ثم الشهداء<([27]).
وعن الإمام محمد الباقر× قال: >عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد<([28]).
أهل التقوى
يقول القرآن الكريم حول التقوى:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ}([29]).
وجاء عن النبي’: >إن الله عز وجل يخاطب الناس يوم القيامة:
>أمرتكم فضيعتم ما عهدت إليكم فيه، ورفعتم أنسابكم فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم، أين المتقون؟ إن أكرمكم عند الله أتقاكم<([30]).
أهل البيت أفضل الخليقة
إنّ المعيار في قيمة الإنسان في ميزان العدالة والحق هو الإيمان والمعرفة والتقوى، وهذه الآيات القرآنية وما جاء في الروايات تؤكد بجلاء أن إيمان ومعرفة وتقوى أهل البيت^ هو في الذروة وأن أهل البيت^ في السنام الأعلى في كل الخليقة من أهل العقل والمكلفين ـ من قبل الملائكة والإنس والجن ـ فهم سلام الله عليهم الأكثر علماً وورعاً والأرفع إيماناً فهم الأوج والأوسع معرفة وعلماً وعلمهم يمتد ليشمل ما كان وما يكون، فهم الأعلم في ظاهر الأشياء وفي باطنها، وتقواهم لا يقاس به ولا يدانيه أحد، ولهذا فهم مقدمون على الخلق أجمعين.
وأن من لا يتبع أمرهم ولا يقتدي بهداهم ولا يلتزم بطاعتهم كالأنعام([31])، وهو كالموتى([32]) طمست عليه بصيرته([33]).
أجل أن من لا يأتم بإمامتهم ميت وأن كان في الظاهر حي، وأعمى وإن كان في الظاهر ذا عينين؛ لأنه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
إن العقل ليقضي في أن يتبع الجاهل العاقل ويطيعه والذي لا يفقه بالفقيه العالم يأخذ عنه وإن على من ليس له تخصص أن يتبع ويطيع المتخصص، وإن العقل ليوجب أن يتبع الضال الهادي وأن يقتدي المأموم بالإمام.
هكذا يقول المنطق السليم والعقل الحرّ لأن هذه حقيقة لا ينكرها إلا الجاهل أو الذي في قلبه مرض.
إن الإنسان مهما كانت ظروفه وأينما وجد وعاش إذا ما قدر له أن يطلع على علوم أهل البيت ومعارفهم وهم الأئمة بالحق نصّبهم الله للناس جميعاً قادة وسادة، إذا لم يأتم بهم ويهتدي بهداهم ولا يأخذ عنهم دينه ولا يسلك طريقهم الذكر صراط الله المستقيم ولا ينتهل من فيض ثقافتهم ومعارفهم، وهم تفسير الكتاب، إن من يفعل ذلك فقد باء بالخسران المبين حتى لو أمضى حياته في الجهاد والجد والاجتهاد، وفعل ما فعل من أعمال الخير فإن كل هذا لا ينفعه أبداً([34])، ويبقى في ضلاله سادراً إلى أن يكون من الهالكين.
أجل أن الإنسان إذا ما أراد الهداية والنجاة من الضياع والضلال وإذا ما أراد أن يكون لجهاده ثمار ويقطف من حديقة عمره الأزهار، وإذا ما أراد أن يتقبل الله منه ويغفر له ويشكر له سعيه فعليه أن يتمسك بالثقلين كتاب الله عز وجل وعترة رسوله’، وقد تواتر الحديث عن رسول الله’ وقوله:
>إنّي تارك فيكم الثقلين ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما<([35]).
([12]) وسائل الشيعة 13/242 باب 18 حديث 17652، وجاء في الروايات: >ما خلق الله تعالى بقعة في الأرض أحب إليه منها ـ وأومأ إلى الكعبة ـ ولا أكرم على الله عز وجل منها لها حرّم الله بالأشهر الحرم في كتابه يوم خلق السماوات والأرض<.
([21]) الكافي: 2/188 باب إدخال السرور على المؤمنين، حديث 1، وسائل الشيعة: 16/349، باب 24 حديث 41733.