عربي
Saturday 7th of December 2024
0
نفر 0

معنى النفاق لغةً واصطلاحاً

معنى النفاق لغةً واصطلاحاً

أصل لفظة (النفاق)

تعني لفظة النفاق: إخفاء الكفر وإظهار الإيمان. جاء استعمال النفاق بهذا المعنى لأوّل مرة في القرآن، حيث إنّ العرب قبل الإسلام لم يستخدموه بهذا المعنى. كتب ابن الأثير ما يلي: وهو اسم لم يعرفه العرب بالمعنى المخصوص، وهو الذي يستر كفره ويظهر إيمانه.([1])

يحتمل أربعة جذور لغوية لهذا المعنى الخاص بالنفاق:

 الإحتمال الاوّل:

 اُخِذَ من مادّة (نَفَق)، بمعنى ذهب وهلك. (نفقت الدابة) تعني انعدام وهلاك الحيوان.

إنّ تناسب هذا المعنى مع النفاق يتأتّى من حيث إنّ المنافق ولأجل نفاقه هو بمنزلة الميت الذي يهلك.

الإحتمال الثاني:

وهو الذي قد اُخِذَ من معنی (نفقت السلعة إذا راجت وكثر طلابها)، فتستعمل كلمة نفق. وعلى هذا الأساس، فأنّ العلاقة بين الأصل اللغوي وبين المفهوم الاصطلاحي للنفاق هي أنّ المنافق يروّج في الظاهر للإسلام.

الاحتمال الثالث:

إنّ لفظة (نفق) تكون قد اُخِذَت من معنى النفق تحت


الأرض. (النفق سرب في الأرض له مخلص إلى مكان).

الاحتمال الرابع:

هو الذي اُخِذ من مادّة (النافقاء). ففأرة الصحراء تعدّ لِجُحرها طريقين: واحد في العلن، يسمى (القاصعاء)، والآخر كان يعدّ مخفياً يسمّى (النافقاء)، ففي أثناء إحساسها بالخطر تسلك طريق القاصعاء، وتهرب من طريق النافقاء.

وبناءً على هذا الاحتمال في جذر لفظة النفاق، فالمنافق على صلة دائمة بطريقين للخروج، ولا ترسخ قدمه فى الإيمان ولا يثبت هو عليه، مع أنّ طريقه الحقيقي هو الكفر، لكنّه بإعلانه الإسلام يدفع الخطر عن نفسه.

كِلا الاحتمالين الأولَين - يعني اشتقاق النفاق من نفق التي هي بمعنى الهلاك أو الترويج - لا يصادق عليهما اللغويون، ولذا يجب أن يُصرف النظر عنهما. أمّا ما يتعلق بأيّ الاحتمالين من الثالث والرابع يمثّل الجذر الأصلي، فسيكون بحاجة إلى مناقشة أكثر.

من خلال كل احتمالات هذه النقطة، يتضح وبشكل قطعي وجود عنصرين في معنى (النفاق): عنصر ذو الوجهين، وعنصر التستر.

معنى النفاق في القرآن والروايات

يُستعمل النفاق في القرآن والروايات بمعنيين:

1 ـ المعنى الأول للنفاق في القرآن والروايات هو التظاهر بالإسلام، وفي الباطن يحمل الكفر. يعبّر عن هذا النفاق بالنفاق العقائدي، وأنّ مقصود القرآن في كلّ المواضع الّتي استعمل فيها لفظة «النفاق» هو هذا المعنى الّذي يُعبّر عن الشخص الذي هو في الظاهر يدافع عن الاسلام، بينما يكون في الحقيقة كافراً!

تُبيّن الآية الاُولى من سورة المنافقين هذا المعنى:

{إذَا جَاءَكَ المُنافِقُونَ قَالُوا نَشهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشهَدُ إنَّ المُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ}([2])

وفي سورة النساء يتم تسجيل الحالة الباطنية للمنافقين على هذا النحو:

{وَدُّوا لَو تَكفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً}([3])

وعلى هذا الأساس فمن الممكن أن يكون بين المسلمين أشخاصٌ تظاهروا بالإسلام بشكل بحت، وهم في الباطن لا يعتقدون بالدين ولا بأحقية محتواه، أمّا ما هو غرضهم من هذا العمل؟ فسيأتي الکلام فيه عند بحث تاريخ النفاق. وكان عمل هذه المجموعة من الأفراد هو النفاق، ويُقال عنهم منافقون. ويقيناً فاسلام بعض الأشخاص الذين أسلموا إبّان فتح مكة مثل أبي سفيان هو من هذا القبيل.

أثبتت الأحداث بعد الرسول خاصة في زمن عثمان أنّ إسلام هؤلاء كان تكتيكياً، وفيما بعد تابعوا  نفس طريق الكفر، عبر التغلغل التدريجي في سدّة الخلافة والتستّر تحت غطاء الإسلام.. ووصل الأمر بأبي سفيان في عهد عثمان أن جاء عند قبر حمزة وقال: >يا حمزة! إنّ الإسلام الذي كنّا نقاتل وإلى الأمس بسببه فاليوم يُتَلاعب به كالكرة بيد صبياننا.([4])

وفي الأيام الاُولى من خلافة عثمان، وفي مجلسٍ كان يضمّ عناصر الحزب الاموي بشكل صرف توجّه أبو سفيان إلى الحاضرين، وقال: والآن، بعد تيمٍ وعديٍّ (إشارة إلى عشيرة أبي بكر وعمر) ها قد آلَت الخلافة إليكم، تلاقفوها تلاقف الصبيان للكرة، واختاروا لها الدرجة من بني اُمية، فهذه الخلافة هي نفس تلك الحكومة والرئاسة البشرية، واعلموا أنّي لا أؤمن بجنة ولا نار.([5])

وعندما تّولى أبو بكر الخلافة، كان أبو سفيان يريد ـ عبر تحريك الإمام عليّ× ـ أن يثير الاختلاف بين المسلمين بذريعة غصب الخلافة، ولكنّ أمير المؤمنين× كان يعرفه فلم يقبل دعوته، وقال: «لقد كنت منذ اليوم الأوّل عدوَّ الإسلام والمسلمين!»، فكان منه أن مدّ يده لبيعة نفاق، فردّ يده، وأعرض بوجهه عنه.([6])

وعلى أيِّ حالٍ، فممّا لا شكّ فيه أنّ أبا سفيان كان من جملة الأشخاص الّذين لم يكن قد رسخ الإسلام في قلبه وروحه، وكان يظهر الإسلام فقط.

2 ـ ثاني معنى للنفاق، والذي استُعمل في الروايات: النّفاق الأخلاقي. يعني عدم الالتزام بأحكام الدين. إنّ الشخص الذي يردّد شعار  التديّن لكنه لا يطبّق أوامر الدّين، هو مُبتلى بالنفاق الأخلاقي. ([7])

 بالطبع فإنّ النفاق الأخلاقي يكون في آنٍ بُعداً فردياً، وفي آنٍ آخر بُعداً اجتماعياً.

إن الشخص الّذي لا يُبالي بأحكام وقيم الفرد الإسلامية فإنّه يبتلی بالنفاق الأخلاقي الفردي، والشخص الّذي لا يراعي الأحكام الاجتماعية وحقوق أفراد المجتمع كما أمر بها الإسلام، فإنّه يُبتلى بالنفاق الأخلاقي الاجتماعي.

  ولأجل بيان أنواع النفاق الأخلاقي الفردي، نكتفي بنقل بعض الروايات عن الائمة^.

يقول الإمام عليّ×: « أظهَرُ النَّاسِ نِفاقاً مَن أمَرَ بٍالطَّاعَةِ وَلَم يَعمَل بِهَا وَنَهى عَنِ المَعصِيَةِ وَلَم يَنتَهِ عَنها»([8])

ونُقِلَ عن الإمام الصادق× عن الرسول أنّه قال: «ما زادَ خُشوعُ الجَسَدِ عَلى مَا فِي القَلبِ فَهُوَ عِندَنا نِفاقٌ».([9])

يقول الإمام السجاد× فيما يتعلق بالنفاق الأخلاقي: «إنَّ المُنافِقَ يَنهى وَلا يَنتَهِي، وَيَأمُر بِمَا لاَ يَأتِي... يُمسي وَهَمُّهُ العِشاء وَهُوَ مُفطِرٌ، وَيُصبِحُ وَهَمُّهُ النَّوم وَلَم يَسهَر.»([10])

وطبقا للروايات المتقدمة وغيرها المتظافرة في هذا الإطار، فإنّ العالِم بلا عملٍ، والشخص المرائي يُعدّ كلاهما من الأشخاص الّذين ابتلوا بالنفاق الأخلاقي الفردي.

لقد نُقِلَت عن المعصومين^ روايات كثيرة أيضاً، تدور حول النفاق الأخلاقي الاجتماعي، فنورد بعضاً منها:

يقول الإمام السجاد×: «إنّ المُنافِقَ... إن حَدَّثَكَ كَذِبَكَ، وَإن ائتَمَنتَهُ خَانَكَ، وَإن غِبتَ اغتابَكَ، وَإن وَعَدَكَ أخلَفَكَ.»([11])

يقول الرسول الأكرم فيما يتعلق بأوصاف النفاق الأخلاقي: «أربَعٌ مَن كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنافِقٌ وَإن كَانَت فِيهِ وَاحِدَةٌ مِنهُنَّ كانَت فِيهِ خَصلَةً مِنَ النِّفاقِ: مَن إذا حَدَّثَ كَذِبَ، وَإذا وَعَدَ أخلَفَ، وَإذا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإذا خَاصَمَ فَجَرَ.»([12])

يقول الإمام علي×:«كَثرَةُ الوِفَاقِ نِفاقٌ.»([13])          

من البديهي أنّ الإنسان المؤمن يتأصّل في الموضع الحقّ، والشخص الّذي يحتلّ هكذا موضع لا يستطيع أن يساند الجميع، أو حتّى اُولئك الّذين يقومون في الموضع الباطل. وبعبارة اُخرى: المؤمن لا يُماشي رغبات الجمهور الباطلة.

من أبرز أقسام النفاق الاجتماعي: أن يكون الشخص في تعامله الاجتماعي ومعاشرته للآخرين ذا وجهين، وذا لسانين. هذا الإنسان في حضور الشخص يمتدحه، ولكن في غيابه يذمّه ويلومه.

قول الحقّ والصدق والصراحة هي من خصوصيات المؤمنين، وتستثنى ضرورة قول الصدق فقط في الموارد الخاصة، من قبيل الحرب، والأسرار العسكرية، والإصلاح بين الأفراد أو المجاميع.

وبشكلٍ عامٍّ، فإنّ ضرورة الصدق تكون مستثناة في المواضع التي تتمثّل فيها المصلحة أهم ما في الأمر.([14])

يقول الرسول الأكرم فيما يتعلّق بعاقبة هذا النوع من النفاق: «مَن كَانَ لَهُ وَجهانِ فِي الدُّنيَا كَانَ لَهُ لِسَانَانِ مِن نَارٍ يَومَ القِيامَةِ([15])

ويقول الإمام الباقر× أيضاً في ذمّ هذه الصورة المعبِّرة عن النفاق الأخلاقي والتعريف بها: «بِئسَ العَبدُ يَكُونُ ذَا وَجهَينِ وَذَا لِسَانَينِ يُطرِي أخَاهُ شَاهِداً وَيَأكُلُهُ غَائِباً إن اُعطِيَ حَسَدَهُ وَإن اُبتُلِيَ خَذَلَهُ.»([16])



[1]. النهاية لابن الأثير، لفظة (نفق). وأيضاً: لسان العرب:، ج10 ص359.

[2]. المنافقون: 1.

[3]. النساء: 89.

[4]. قاموس الرجال ج10 ص 89 نقلاً عن شرح نهج البلاغة للخوئي.

[5]. الإصابة: ج4 / ص88.

[6]. تفسير سورة التوبة والمنافقين، الشيخ جعفر السبحاني: ص 267.

[7]. من اليقين أنّ هذه الحالات الأخلاقية هي جزء من الرذائل. أمّا أنّه هل اُطلق في الروايات على هذه الرذيلة بالنفاق أم لا ؟ فهذا موضوع يجب أن يتم ايضاحه. العلامة المجلسي في البحار، ج72 / ص 108، يقبل بهذا الرأي الّذي ينصّ على استعمال النفاق في الروايات بهذا المعنى. وعلاوةً على هذا، فإنّ في اُصول الكافي: ج2، يوجد باب تحت عنوان (صفة النفاق والمنافق) والّذي تدور أكثر أحاديثه حول النفاق الأخلاقي الفردي والاجتماعي. وهذا بنفسه، بإمكانه أن يدلّل على ان النفاق في الروايات قد استعمل بمعنىَ خاصٍّ، كنّا أشرنا إليه (النفاق الأخلاقي).

[8]. غرر الحكم: الحديث 3214.

[9]. اُصول الكافي: ج2: ص396.

[10]. المصدر السابق: ج 2 / ص 396.

[11]. المحجة البيضاء: ج5 ص282.

[12]. خصال الشيخ الصدوق: ص 254.

[13]. ميزان الحكمة: ج8 ص3343.

[14]. ولأجل الاطلاع على الموارد التي تستثنى فيها الغيبة والكذب يمكنكم مراجعة الكتب الّتي اُلِّفت في مجال الأخلاق، مثل جامع السعادات، والكتب الفقهية في بحث المكاسب المحرمة.

[15]. المحجة البيضاء: ج5 ص 280.

[16]. المصدر السابق: ص 282.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ماهية الصلاة البتراء والأحاديث الناهية عنها عند ...
وسوسة الشيطان
أين يقع غدير خُمّ؟
طبيعة الاستغفار في القرآن الكريم
حجر الاسود بدءه واستلامه
زيارة السيدة المعصومة عليها السلام
من تاريخ التشيع في الاندلس
ظلامات فاطمة الزهراء عليها السلام
دور النبي في حياة الأمة
قبسات من نهج البلاغة (الأخلاق) – الثاني

 
user comment