عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

رضا أهل البيت^ فانٍ في رضا الله عزّ وجلّ

رضا أهل البيت^ فانٍ في رضا الله عزّ وجلّ

إنّهم^ أصبحوا لا يعملون الاّ وفق رضا الله وغضبه فقط فهم في مرحلة الفناء، وهذا المقام أسمى من مقام الكثرة؛ لأن يقولون: أن رضانا فانٍ في رضا الله وأنه لا يوجد إلا >رضا< واحد فقط وهو رضا الله عزّ وجلّ.

إنهم لا يقولون: لنا رضا وهو يطابق رضا الله سبحانه في كل شؤون حياتنا وأن رضانا في سير رضا الله الذي هو الرضا الحق؛ أنهم لا يقولون ذلك؛ لأنهم لا يرون شيئاً غير الحق ولا يريدون شيئاً إلا الحق فحياتهم ليس فيها سوى محور واحد وهو رضا الله سبحانه.

أما الذين بلغوا مرحلة التطابق بين رضاهم و رضا الله وغضبهم وغضب الله فأنّهم وإن بلغوا مرحلة الكمال الوسطى، ولكنهم ما يزالون في منأى عن التوحيد الأصيل الخالص وما تزال في نفوسهم حالة من الشرك، وهذه الحالة لا يراها إلا الذين بلغوا المراحل الرفيعة في الكمال، أما الذين هم في أدنى سلم الكمال، فإنهم ينظرون إلى من بلغوا مرحلة التطابق ليس باعتبارهم مشركين، وإنّما باعتبارهم مصاديق ومظاهر رائعة في التوحيد.

محورية النفس ومحورية الله

إن كثيراً من الناس هم في نظرنا موحدون ولكنهم في نظر القرآن الكريم ليسوا بذلك، بل أنهم مشركون، مثلهم مثل أولئك الذين لا ينفكّون يذكرون الله بألسنتهم ويسيرون وراء أهوائهم ورغباتهم.

إن هؤلاء أناس متلوّنون وليسوا بموحدين، ذلك أنهم عندما يذكرون الله بألسنتهم؛ لأن مصالحهم المادّية متناغمة مع أذكارهم وأن عبادتهم لله صادرة من أهوائهم وبسبب ذلك هم يعبدون ويذكرون ويسبحون ويهللون، هؤلاء جعلوا من أهوائهم ونفوسهم محاور عليها يتحركون، ومنها ينطلقون؛ لأنّه إذا صادفهم حكم إلهي يتعارض مع أهوائهم وما تشتهيه أنفسهم إذا هم عن الحق يصدّون ويعرضون.

{وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ}([1]).

وهؤلاء في الحقيقة يريدون الله من أجل أنفسهم ولا يريدون أنفسهم أن تكون لله بعبارة أخرى هؤلاء يقولون بأصالة اللذة  النفسانية، فهم يلهثون وراء أهوائهم وما تريده أنفسهم فهم خلق لذائذهم يركضون.

{وَإِذا مَسَّ الإِْنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ}([2]).

إن هكذا أناس قد جعلوا من أنفسهم محوراً يتحركون حولها في كل شيء حتى في عبادتهم؛ لأن عبادتهم هنا تأتي في مسار حل مشكلاتهم الذاتية ومن أجل تحقيق لذائذهم الشخصانية وأن الله تبارك وتعالى في حياتهم مجرد أداة ووسيلة لتحقيق أهدافهم وليس هو سبحانه الهدف والغاية، هؤلاء ليسوا عبيداً لله وإنما هم تجار يبحثون عن الربح بكل وسيلة.

أما الذين جعلوا من الله محوراً لحياتهم ومسارهم وحركتهم فهؤلاء لا يعبدون الله خوفاً من عقابه ولا يعبدون الله طمعاً في ثوابه، بل أنّهم رأوا الله وأحبوه فجاءت حركتهم من أجل تحقيق رضاه عزّ وجلّ فهم لا يرون شيئاً سواه ولا يهدفون شيئاً إلا رضاه فهم يذكرون الله قياماً وقعوداً، وعلى جنوبهم.

أنّهم يعيشون في ملكوت الله ليس لهم حبيب إلا الله وهم في صلاة متصلة؛ لأن قلوبهم تدور حول الله وتطوف.

{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ}([3]).

إن أهل البيت^ وخاصّة في مرحلة رضا الله وغضبه قد اتحدوا مع الذات المقدسة، فهم أسوة للناس جميعاً وبخاصّة أصحاب الضمائر الحيّة من الذين أضاءت قلوبهم أنوار الحق.

إن الأئمة الأطهار والعترة الأبرار هم كسائر البشر في نفوسهم كما في نفوس الناس، حب وكره، شهوة وغضب رغبة وامتناع ولكنهم جعلوا من قواهم النفسانية تحت تصرف عقولهم النورانية في مسار توحيدي خالص فكانوا مصداقاً تاماً وتجسيداً كاملاً لكلمة التوحيد >لا إله إلا الله< فهم في رضاهم وغضبهم تعبيراً عن رضا الله وغضبه وجماله وجلاله وولاؤهم لله عزّ وجلّ وبرائتهم من أعدائه سبحانه.

وقد حدد القرآن المجيد معيار الولاء والبراءة التوحيدي فكان أهل البيت المثل الأعلى والقدوة في ذلك والأئمة للناس من الذين يريدون سلوك الطريق إلى الحق؛ ذلك أن سيرتهم إلهية، فكل شيء يفعلونه إنّما هو لله وفي سبيل الله وتحقيقاً لرضاه، قد دخل حب الله في قلوبهم فملأ عليهم أنفسهم فكل ما فيهم لله وقد وقف الشيطان عاجزاً عن أغوائهم مستسلماً لإرادتهم هي التي إرادة الحق تبارك وتعالى.

قال الرسول الأكرم’: >كان شيطاني كافراً فأعانني الله عليه حتى أسلم بيدي<([4]).

أهل البيت^ ومقام التسليم

إنّها الحقيقة ساطعة في مسيرة وسيرة أهل البيت وهي حالة التسليم لله عزّ وجلّ وهو تسليم لم يحصل جبراً، بل اختياراً تاماً أن حالة التسليم في حياتهم واضحة تماماً وضوح الشمس.

التسليم آخر مقام السالكين

يقال أن من بين ألف منزل معنوي يطويها السالك إلى الله فإن منزل التسليم هو آخر منزل، وعندما يلج السالك مقام التسليم، فإنه حالته تشبه حالة الميت في يد >الغسّال<، إنها حالة استسلام كامل وتسليم تام في رحاب الرب تبارك وتعالى رب الأرباب ومالك الملوك وخالق الوجود.

ويقال: إنه من النادر جداً أن يبلغ السالك هذه المرحلة مهما بذل من جهد وقام بالرياضات أنه منزل رفيع جداً وهو منزل خاص بالأنبياء والأئمة والأولياء.

ويروى عن سيدنا وإمامنا الحسين الشهيد قوله: «إنّا أهل بيت نسأل الله فيعطينا، فإذا ما أراد ما نكره فيما يحبّ رضينا»([5]).

وعن العلاء بن كامل أنه كان جالساً عند الإمام الصادق× فخرجت امرأة من حجرة تنوح (جزعاً) فنهض الإمام فردّها ثم عاد فجلس وهو يسترجع قائلاً: إنا لله وإنا إليه راجعون< ثم قال: إنا لنحب أن نعافى في أنفسنا وأولادنا وأموالنا، فإذا وقع القضاء فليس لنا أن نحبّ ما لم يحبّ الله لنا<([6]).

وقال الإمام الباقر×: >ندعوا الله فيما نحب، فإذا وقع الذي نكره لم نخالف الله عزّ وجلّ فيما أحب<([7]).

وعن قتيبة الأعشى قال: >أتيت أبا عبدالله× أعود أبناً له، فوجدته على الباب، فإذا هو مهتم حزين فقلت: جعلت فداك كيف الصبي؟.

فقال: والله إنّه لما به ثم دخل فمكث ساعة ثم خرج إلينا وقد أسفر وجهه، وذهب التغيّر والحزن قال: (الأعشى) فطمعت أن يكون قد صلح الصبيّ فقلت: كيف الصبي جعلت فداك؟

فقال: لقد مضى لسبيله.

فقلت: جعلت فداك لقد كنت وهو حي مهتماً حزيناً، وقد رأيت حالك الساعة وقد مات، غير تلك الحال فكيف هذا؟!.

فقال: إنّا أهل بيت إنّما نجزع قبل المصيبة، فإذا وقع أمر الله رضينا بقضائه وسلّمنا لأمره<([8]).

وروى إبراهيم بن سعد قال: سمع علي بن الحسين× واعية في بيته وعنده جماعة، فنهض إلى منزله ثم رجع إلى مجلسه فقيل له: أمن حدث كانت الواعية؟.

قال: نعم.

فعزّوه وتعجبوا من صبره!.

فقال: إنا أهل بيت نطيع الله عزّ وجل فيما نحب ونحمده فيما نكره<([9]).

أهل البيت^ ومقام العصمة ([10])

ما هي العصمة؟

العصمة حالة خاصّة وشهود وملكة تمنع الإنسان من ارتكاب الذنب، وتصونه من الوقوع في الخطيئة وتسدّ عليه جميع دروب الوسوسة، وعلى هذا الأساس يمكن أن نعدّ العصمة أمراً معرفياً ووجودياً، وهذه المعرفة يجب أن تصل مستوى الشهود والأمر الوجودي من الكمال الرفيع الذي يحققه الإنسان في حركته الجوهرية التكاملية بتوفيق من الله وتسديد.

إن العصمة من أبرز مدارج الكمال المعرفي والوجودي والعلمي والعملي والتي تترك آثاراً هامّة في جميع أبعاد حياة المعصوم وشؤونه ومسيرته.

العصمة العلمية والعملية

إنّ بعض أوجه الكمال مرتبط بمرحلة علمية وبعضها الآخر هي أمر سلوكي وعملي، ومثالاً على ذلك العدالة، فهي ملكة سلوكية عملية في الإنسان والتي لا علاقة لها بالبعد الشهودي والعملي في الإنسان.

إن هذه الملكة الهامّة تصون الإنسان من ارتكاب الذنب عمداً أو سهواً، ولكن ملكة العصمة تحفظ الإنسان وتمنعه من الوقوع في الخطأ والخطيئة والجهل والنسيان والمغالطة في التفكير، وإذن فإن المعصوم مصون من الوقوع في  الخطأ سواء على صعيد العلم أو على صعيد العمل.

فالمعصوم لا يقع في الخطأ والخطيئة ولا يرتكب الذنوب هذا على صعيد السلوك، أما على صعيد إبلاغ الشريعة فهو أيضاً مصون من الوقوع في الخطأ في عملية التبليغ.

إن حقيقة الشهود ترتبط بالعقل النظري؛ والورع عن ارتكاب الذنوب، مرتبط بالعقل العملي، بالرغم من أن منشأ عصمة العقل العملي، هي المعرفة والعقل النظري والشهود، فليس العصمة العملية غير مرتكزة على العصمة العملية، إذ ليس من المعقول أن يكون الإنسان معصوماً في عمله وغير معصوم في علمه، ذلك أنه إذا لم يدرك الحلال والحرام والقبيح والجميل والطاهر والنجس، فإنه عاجز عن أن يكون معصوماً في مقام العمل.

عصمة أهل البيت^

إنّ أهل البيت واستناداً إلى مفاد الآيات القرآنية والروايات معصومون في مرحلتي العقل النظري والعقل العملي، يعني أنهم يعلمون الحقائق نقية من الشوائب ويدركونها بشكل صحيح وصائب، وهم أيضاً يجسدونها بشكل صحيح في حياتهم وسيرتهم وسلوكهم، كما أنّهم يبلغونها إلى الناس بشكل صحيح، ونقي كما هي في إدراكاتهم الصافية ونفوسهم المشرقة، وإذن فليس في الحرم الآمن لفهمهم ثمة مكان لجهل قصوري أو جهل تقصيري أو سهو وخطأ ليتسلل إلى سلوكهم، وليس في الحرم الآمن لعقلهم العملي مجال للخطيئة والعصيان سهواً ونسياناً أو عمداً وعن قصد سابق وإرادة.

وهذه هي إرادة الحق أن يُذهب عن أهل بيت نبيه’ الرجس ويطهر علمهم ومعرفتهم، وكذا عملهم وسيرتهم ويعصمهم عن الخطيئة والخطأ في عملهم وعلمهم.

الحاجة للمعصوم في فهم المعارف

هناك توصيات وتأكيدات على عدم قراءة القرآن وإدراك معانيه وتلقي معارفه إلا من خلال أهل البيت^، ذلك أنهم معصومون ومصانون عن الخطأ في الفهم وإدراك المعرفة الحقّة والحكمة الإلهية.

إن غير المعصوم لابد وأن يرتكب خطأ في الفهم والقراءة وسوف ينجم عن هذا الخطأ في الفهم إلى أن يتحول إلى سلوك خاطئ، بمعنى آخر هو الوقوع في الخطيئة.

وبسبب هذا الضعف في الرؤية والعجز في تلقي الحقيقة لدى البعض فقد صدرت عنهم سلوكيات ومواقف خاطئة، واعتورت سيرتهم الخطيئة ووقعوا في مشكلات وأخطاء فظيعة، وكانوا يبتعدون عن الحقيقة فوصلوا إلى مستوى مخيف من الانحطاط والضلال، إنهم شنّوا الهجوم على جبهة الحسين بقصد القرب! وشهروا السيف على الإمام الحق.

ولقد كان الخوارج من هذه الفئة الضالة من البشر وقد وصفهم الإمام أمير المؤمنين× بالنسّاك الجهلة.

ومن الممكن أن يكون بعضهم وفي جزء من سلوكه بمأمن من الخطأ، وربما توفرت الإرادة لديه في ترك المعصية، ولكن وبسبب الرؤية الخاطئة والتلقي الضعيف لديه، ورجوعه إلى مرجعية ليست بمصونة عن الخطأ، وتوجهه نحو أعمال خاطئة تخرجه عن حريم الدين كهجومه على المؤمنين واستباحة دمائهم ما أوجب قتالهم على أمير المؤمنين×.



([1]) سورة النور: الآية 48.

([2]) سورة يونس: الآية 12.

([3]) سورة آل عمران: الآية 191.

([4]) تاريخ بغداد: 3/331.

([5]) مقتل الخوارزمي: 1/147.

([6]) الكافي: 3/262 باب الصبر والجزع، ح13، وسائل الشيعة: 3/276، باب85 ح3640، بحار الأنوار: 47/49، باب4، ح78.

([7]) كشف الغمة: 2/150، حلية الأولياء: 3/187.

([8]) الكافي: 3/225، باب الصبر والجزع: ح11، وسائل الشيعة: 3/275، باب85 ح3639، بحار الأنوار: 47/49 باب4 ح76.

([9]) المناقب: 4/165، كشف الغمة: 2/102، حلية الأولياء: 3/138، بحار الأنوار:46 باب5 ح84.

([10]) إنّ مقولة إحدى أبرز المسائل التي طرحت في تاريخ مبكر من حضارة الإسلام، وقد بحث بشكل مفصل جداً، وما تزال حتى اليوم في طليعة القضايا الكلامية الرئيسية، وقد توسع البعض بمفهوم العصمة فيما ذهب آخرون إلى تحديد هذا المفهوم<.

وفي هذا الفصل يحاول المؤلف أن يفتح آفاقاً جديدة جديرة بالدراسة والاهتمام، وإذا وفق المؤلف في تقديم أفكار جديدة في مسألة العصمة، فإنه سيعدّ ذلك أغلى وسام حصل عليه. المؤلف.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

اعلام الشيعة ایام الحسن (ع)
فضل زيارة الإمام الرضا ( عليه السلام )
أدوار السيدة زينب (عليها السلام) ومهامها
اوجه التشابه بين وصي موسى (عليه السلام) ووصي محمد ...
خصائص النبیّ فی القرآن الکریم
عبادة الإمام زين العابدين (عليه السّلام) ومنزلته ...
من معاجز الإمام الهادي عليه السّلام
اليمن ودورها في عصر الظهور
أشعار في حق الإمام علي ( عليه السلام )
السيدة زينب عليها السلام - في محراب العبادة

 
user comment