تزكية النفس مقدمة العصمة
وعلى هذا فإن الإنسان يمكنه بالرياضة الشرعية وتهذيب النفس وتزكيتها أن يصل إلى مقام العصمة، وإذن فإن العصمة لا تنحصر في الأنبياء والأئمة، بل إنها شرط للنبوّة والإمامة.
وعلى هذا الأساس فإن غير المعصومين يمكنهم أن يبلغوا مقام العصمة وغاية الأمر أن كل بنيّ وإمام هو معصوم ولكن ليس كل معصوم هو نبي أو إمام.
يمكن لأي إنسان أن يهذب نفسه ويزكيها وأن يصونها من ارتكاب الخطأ والنسيان والاشتباه وغير ذلك أي في ما يقوده إلى العصمة في العلم والعمل، ويمكن للمرء قبل وصوله سن البلوغ أن يبدأ السير في هذا الطريق حتى إذا وصل سن البلوغ كان على درجة قريبة من العصمة، وإذا ما حدث وارتكب الإنسان في مسيرته بعض الأخطاء، فإنه هو الآخر يمكنه أن يسلك ذات الطريق في تربية نفسه وتهذيبها ليصبح معصوماً.
العصمة من الخطأ العلمي
من الممكن لمن ينهل من علم وتربية الأولياء الإلهيين أن يبلغ مقام العصمة فيكون مصوناً من الخطأ في المسائل والقضايا العلمية:
{إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً}([1]).
والفرقان قوّة تمكن الإنسان من التمييز بين الحق والباطل وبين الصواب والخطأ، وإذن فإن الإنسان وفي ظل تربية أولياء الحق وبالتزام التقوى في جميع الأمور أن يصل مرحلة يكون وفاروقاً محضاً فلا يفهم الأمور خطأ ولا يحفظ خطأ ولا يسلك الطريق الخطأ، ربما يجهل بعض الأمور ولكن الأمور التي يدركها فإنه يدركها بشكل صحيح ويحفظها بشكل صحيح ويطبقها في حياته بشكل صحيح.
والسبب في قول البعض أن الإنسان الفاروق ربما يجهل جزءً من الأمور؛ أن مبعث ذلك هو أن العصمة هي كسائر الكمالات الوجودية لها درجات ومراتب وإذن فمن الممكن أن يجهل المعصوم بعض الأشياء.
وعلى كل حال فإن الإنسان يمكنه من خلال جدّه واجتهاده وسعيه ورياضته النفسية ومن خلال التزكية والتهذيب أن يبلغ درجة العصمة في العلم والعمل ويستثمرها في حياته.
الانحصار في النبوّة والإمامة
انطلاقاً مما ورد ندرك أن العصمة ليست أمراً انحصارياً، وإنما الأمر الانحصاري لا يمكن أن يدركه أحد مهما جدّ واجتهد وأخلص هو مقام النبوّة الرفيع ومرتبة الإمامة السامية.
{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ}([2]).
إن عدد الأنبياء وبناءً على ما ورد في الروايات يبلغ مئة وأربعة وعشرين ألف نبي وأن عدد الأئمة بعد النبي الأكرم محمد’ هم إثناء عشر إماماً فقط وهذا العدد لا ينقص ولا يزيد، إنّما الشئ الذي يتيسر الحصول عليه وبلوغه هو العصمة فباب الوصول إلى هذه المرتبة الرفيعة مفتوح للجميع فالسيدة فاطمة الزهراء÷ لم تكن نبيّة ولا إماماً ولكنها كانت معصومة، وهكذا بالنسبة للسيد مريم البتول لم تكن نبيّة ولم تبلغ مرتبة الإمامة، لكنها كانت معصومة ويعتقد كثير من العارفين أن السيدة زينب قد بلغت مرتبة العصمة، وإن سيدنا العباس بطل كربلاء هو الآخر قد نال هذا الشرف العظيم، وكذا علي الأكبر نجل الإمام الحسين الشهيد× وهؤلاء لم يكونوا أئمة ولا أنبياء.
وعلى هذا فإن بلوغ هذه المرحلة وهي النزاهة التامة من ارتكاب الخطأ والخطيئة أو العصمة أمر يسر للجميع وهي وإن كانت هبة إلهية أيضاً فإنّها مفتوحة للجميع، حيث يمكن للإنسان أن يصل مرحلة النزاهة من ارتكاب الخطأ في العلم والعمل، ومن ثم بلوغ درجة العصمة.
{وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ}([3]).
وهذا السؤال والطلب ليس لسانياً إنما هو تعبير عن الاستعداد للتسامي والرقي الروحي، فإن كل محاولة للتنزّه والتقرّب الى الله لن تبقى دون جواب واستجابة، وعندما يطلب الإنسان وذلك بلسانه ويوافقه تطلّع حقيقي في القلب والنفس والروح، فإن الله عزّ وجلّ لابد وأن يستجيب لهذه الإرادة الخيّرة في أعماق الإنسان ولابدّ أن يحصل على المقام الذي يستحق.
اكتساب العصمة
يتوجب أن نلتفت بعمق إلى أن العصمة ملكة اختيارية في مرحلتين علمية وعملية، وإن تحقق العصمة ليس أمراً تكوينياً وجعلياً، بل أنها فضيلة تكتسب في ظلال توفيق خاص من الله عزّ وجلّ وإذن لا يمكن أن نقول أن المعصوم عندما لا يرتكب ذنباً فليس له ثواب.
إنّ المعصوم كما وصفه القرآن الكريم هو إنسان مسلح بـ >برهان من ربه< هذا البرهان الذي يتجلى في صورة ملكة تبلورت في داخل شخصيته ومن خلال هذه الملكة فإن المعصوم يقاوم عدوه في الباطن، حيث رغباته وغرائزه وميوله السلبية محددة وحبيسة في إطار من التقوى والورع.
ومن هنا فإن المعصوم وإن أراد التلذذ بارتكاب الذنوب ولكن بسبب التنكيل والردع فإن نفسه لا تجرأ على مجرّد التفكير في الذنب وارتكابه ذلك أن النور الذي يسطع في باطنه يكشف له عاقبة عمله فيراه على حقيقته البشعة.
حقيقة الإثم في عين المعصوم
إن السالك الواصل والمعصوم العارف، يرى كنه وباطن وحقيقة ونتيجة الذنب والمعصية والإثم.
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً}([4]).
أجل إن باطن وحقيقة هذا الأكل الحرام هو نار مشتعلة، وهذه هي الصورة الحقيقية للذنب التي يراها بوضوح الإنسان المصون من الخطأ فكراً وسلوكاً، فهو لا يفكر أبداً بارتكاب الذنب أبداً.
كما أن حقائق الأشياء مشهودة لديه بوضوح تام وهذا ما يجعله في مأمن من الوقوع في الخطأ.
يقوم الإمام أمير المؤمنين علي× في نهج البلاغة بعد أن يذكر قصته مع أخيه عقيل الذي طلب أكثر من حقه: >وأعجب من ذلك طارق([5]) طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها، كأنما عجنت بريق حيّة أو قيئها، فقلتُ: أصِلَةٌ أم زكاة أم صدقة؟ فذلك محرم علينا أهل البيت، فقال: لا ذا ولا ذاك، ولكنّها هدية، فقلت: هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟ أمختبط أنت أم ذو جِنّة أم تهجر؟<([6]).
إنّ هذا الإمام المعصوم رأى الرشوة في صورتها الحقيقية وعلى خلاف ما أدّعاها المرتشي بزعمه أنها هدية، رآها في تلك الصورة المريعة التي إذا ما رآها الإنسان على هذه الصورة، فإنه سوف يفرّ منها ويولّي عنها رُعباً، ومن هنا فإن المعصوم يرى حقائق الأشياء وعلى أساس هذه الرؤية يتصرف.
وإذن فإن المعاصي والذنوب يراها المعصوم في صور مخيفة ومنفرة فهي نار شديدة مشتعلة، أو أفاعي سامّة وغير ذلك من الصور المخيفة والمنفّرة.
الشاهد ليس غافلاً
يصف الإمام أمير المؤمنين علي× الملائكة ويبين تحقق العصمة في وجوداتها ففي صفات الملائكة عدم السهو والنسيان، وعدم السقوط في حبائل الشيطان.
«لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان ولا غفلة النسيان»([7]).
القدرة على ارتكاب الذنب لدى المعصوم
من الخطأ أن يتصور المرء أن المعصوم هو معصوم جبراً يعني أنه يفتقد تماماً القدرة على ارتكاب الذنب، والحقيقة أن المعصوم قادر على ارتكاب الذنب، لكنه لا يرتكب الذنوب، بعبارة أخرى أن عدم صدور الذنب عن المعصوم ليس ذاتياً لا يوجد امتناع ذاتي في عدم صدور الذنب من المعصوم، ولا هو مستحيل عقلاً، ولكنه مع كل ذلك لا يرتكب الذنب ولا حتى يخطر في باله ذلك.
وعلى أية حال فإن ملكة العصمة سواء في العلم أو في العمل لا تعني أبداً القضاء على القوى الإنسانية والغرائز البشرية؛ لأن كل منها يمكن الاستجابة له عن طريقين: الحلال والحرام، وكذا استخدام القوى الآدمية من سمع وبصر و ... فحاسة السمع يمكن أن يسمع بها الإنسان الموسيقى الإنسانية وما تزخر به الطبيعة من أصوات وأنغام جميلة أخاذة، وكذا البصر يمكن للإنسان أن يرى به المناظر الخلابة وغيرها من الحواس إن تحطيم وتدمير هذه القوى ليس بالأمر الصحيح ولا بالصائب، بل هو مستحيل في الغالب، ولذا فإن كل قوة من قوى الإنسان يمكن استخدامها وتوظيفها في طريق الحلال.
إنّ المعصوم يمكنه ومن خلال ضبط النفس وتهذيبها أن يصل إلى مرحلة بحيث ينأى تماماً عن ارتكاب الذنب وألا يخطر في باله مع الاحتفاظ بكل قواه الآدمية والبشرية، وكما أشرنا سابقاً كيف أن قوتي الشهوة والغضب تستحيلان في النهاية إلى صورة التولّي والتبرّي.
إن المعصوم يسعى جاهداً ومن خلال رياضته لنفسه وتهذيبها وتزكيتها أن يستعصي على ارتكاب الذنب، ولكن ارتقاؤه الروحي سيولّد لديه قوّة وقدرة تكوّن عنده حالة من الامتناع العرضي([8]).
أهل البيت في ذروة العصمة
قال رسول الله’ حول مسألة عصمة أهل البيت^:
«أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون»([9]).
وقال’:
«إنّا أهل البيت قد أذهب الله عنّا الفواحش، ما ظهر منها وما بطن»([10]).
و«الأوصياء لا ذنوب لهم، لأنّهم معصومون مطهرون»([11]).
إن السيدة الزهراء والإمام علي× وأحد عشر كوكباً منها هم أناس بلغوا مرتبة الكمال والعصمة، وقد عرفهم الناس وآمن الكثير من المسلمين بعصمتهم وأن الله سبحانه اصطفاهم ليكونوا حجته على الناس وهم يؤكدون على عصمتهم في حواراتهم واحتجاجاتهم مع الناس وأن الله سبحانه طهرهم من كل رجس ومن كل إثم ومعصية، وأنّهم عباد الله المخلصين لا يخدعهم الشيطان ولا يزلّهم وأن الله جعلهم حجة على الناس ومحجة لهدايتهم.
أهل البيت أحباء الحق
طهر الذات علّة الحب
إنّ طهر أهل البيت^ وخلوّ وجودهم من العيوب والنقائص وتحلّيهم بالصفات الإيجابية والتي بلغت الأوج في شخصيتهم هي السبب في محبوبيتهم لدى الحق تبارك وتعالى.
وقد وصفهم القرآن بأعلى الصفات وأكملها فهم الأطهار من كل رجس ومن كل عيب ونقص، ولهذا الطهر الذي يتجلّى في نفوسهم أمكنهم الوصول إلى حقائق الكتاب المكنون.
{لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}([12]).
وبسبب هذا الاتصال بالكتاب والحقائق المكنونة فيه أمكنهم وعي الوجود وما يجري في هذا العالم وقيامهم بكل أعمال الخير المحضة، وهذه الخصائص التي تميزوا وامتازوا بها تدل على أنّهم هم المخلصون الذين نشأوا في ظل التربية الإلهية الربّانية من دون واسطة؛ لأنّه سبحانه قد اصطفاهم واختارهم.
أحبّ الخلق إلى النبي’
ولمحبوبيتهم عند الله عزّ وجلّ كان أهل البيت^ أحب الخلق إلى النبي’؛ لأنّه صلوات الله عليه وآله لا يحب إلا ما يحبّه الله، وتولّي النبي وتبريه هو نفس تولّي الله وتبرّيه، وحب النبي’ ومودّته هي ذاتها حب الله عزّ وجلّ ومودّته.
وعلى هذا فإن أحب الخلق إلى النبي’ هم أهل بيته وهذه المحبوبية تدلّ على أنّهم صلوات الله عليهم هم أحب الخلق إلى الله عزّ وجلّ.
وقد روي عن أم سلمة:
قالت: >بينا رسول الله’ في بيتي إذ قالت الخادم: يا رسول الله إنّ علياً وفاطمة بالسدّة (الظلة على الباب من المطر أو ساحة البيت) فقال’: قومي فتنحّي عن أهل بيتي، قال: فقمت فتنحيت في البيت قريباً فدخل علي وفاطمة والحسن والحسين، وهما صبيان صغيران، فوضعهما’ في حجره وقبلهما واعتنق علياً بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى، وقبّل فاطمة، وقال: اللهم إليك أنا وأهل بيتي لا إلى النار فقلت: يا رسول الله وأنا معكم؟ قال’ نعم (وأم سلمة هنا مع أهل البيت وليست من أهل البيت)، وقد روت السيدة أم سلمة قصة نزول([13]) آية التطهير وقوله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}([14]).
وعن أمير المؤمنين علي× قال:
«أتى رجل النبي’ فقال: يا رسول الله أيّ الخلق أحب إليك؟ فقال رسول الله’: ـ وأنا جنبه ـ هذا وأبناه وأمهما، هم مني وأنا منهم وهم معي في الجنّة هكذا ـ وجمع بين أصبعيه»([15]).
طاعة أهل البيت سبب الحب
لا ريب في كل من أراد أن يبلغ هذا المقام يعني أن يكون محبوباً من قبل الله عزّ وجلّ لا بدله أن يسعى وفي ظل توفيق الله ورعايته إلى أن يطهر باطنه وأن يسمو بنفسه وروحه وأخلاقه، وهذا لا يتحقق إلا بإتباع النبي’، وقد جاء في القرآن الكريم أن النبي’ أمر أمته بذلك ودلاّهم على الطريق الصائب الذي يؤدي بهم إلى تحقيق الحب الإلهي.
{إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}([16]).
وقد بلغ النبي’ ما بلغ من حب الله له هو بسبب إتباعه الله وتسليمه له، ولهذا فإن من المؤكد أن النبي’ قد أبلغ أمته بأنّه عليهم أن يحبوا آل بيته حتى يحبهم الله ورسوله، يقول’:
«أحبّوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبّوني بحب الله، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي»([17]).
وجاء في رواية هامّة قوله’:
>من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنّهم عترتي، خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذبين بفضلهم القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم شفاعتي<([18]).
معيار المحبوبية لدى الله
إذا ما أراد الإنسان أن يكون محبوباً عند الله فعليه أن يتبع النبي’ وآله^، وهذا الإتباع يقود الإنسان إلى الطهر المعنوي والنقاء الروحي شيئاً فشيئاً، وهو نقاء يتناسب مع سعته الوجودية وبالتالي يجعله محبوباً عند الله عزّ وجلّ، ويبلغ في النهاية مرحلة تكون فيها كل حركاته وسكناته ومسيرته وأخلاقه وصفاته في دائرة الحق.
ولا يمكن بلوغ هذه المرحلة إلا في سلوك طريق أهل البيت^ لأنّهم صلوات الله عليهم محيطين بأسرار الطريق وما فيها من منعطفات وحفر ومخاطر، فهم الدليل على صراط الله المستقيم إذا اشتبهت على الإنسان المسالك والدروب، بل أنّهم^ هم الصراط المستقيم الذي يأخذ بالإنسان إلى الحق والحقيقة وساحل الأمان.
إن المعيار في المحبوبية عند الله عزّ وجلّ هم هؤلاء الناس الذين وصلوا ذروة الكمال، وكانوا أحباء الله وأولياءه، ولقد علمونا أن نقتدي بهم ونقارن أنفسنا بسيرتهم حتى يتأتى لنا أن نكتشف هل أننا نحظى برضا الله سبحانه أم العكس.
إننا لا يمكننا الاتصال بالله مباشرة ولا يمكننا نكتشف معياراً يساعدنا في معرفة أنفسنا ومدى قربنا من الحق، ولهذا فإننا نقيس أنفسنا ونعرض أنفسنا على مظاهر الله وأسمائه، وهم النبي الأكرم’ وآل بيته الأطهار، فهم أحباء الله وخلفاؤه وحجّته البالغة على الناس، فعلينا أن نقارن أفكارنا ونوايانا وأخلاقنا وأعمالنا بهم^، وحينئذ نعرف الحقيقة ونعرف سيرتنا ومسيرتنا، ومدى انسجامها مع السيرة الباطنة والظاهرة لهم صلوات الله عليهم.
وعلى أية حال فإن أهل البيت^ ذوات محبوبة عند الله، ومن أراد أن يكون محبوباً عند الله فعليه أن يقتدي بسيرتهم ويتعلم من أخلاقهم، فهم السبب المتصل بين الناس ورب الناس وبهم ينبغي أن يتوسل الإنسان للوصول إلى الحق.
«فإنكم وسيلتي إلى الله وبحبكم وبقربكم أرجو نجاةً من الله»([19]).
هذا في حالة ارتفاعنا إلى هذا المستوى من الحب وإلى هذا المستوى من الاقتداء بأهل البيت^ أن حب أهل البيت^ ومودتهم هو أجر الرسالة الذي يطالبنا به سيدنا ونبينا محمد’، وهو بعد ذلك الطريق إلى تحقيق الحب الإلهي.
{قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً}([20]).
وعن الإمام الصادق× عن أبيه الباقر×، قال:
«جاء إعرابي إلى النبي’، فقال: يا رسول الله هل للجنة من ثمن؟ قال: نعم قال ما ثمنها؟ قال’: لا إله إلا الله، يقولها العبد مخلصاً بها، قال: وما أخلاصها، قال’: العمل بما بعثت به في حقه وحبّ أهل بيتي،قال: فداك أبي وأمي وأن حب أهل البيت لمن حقها؟ قال: إنّ حبّهم لأعظم حقها»
وهذا ما نجده متجلّياً في الحديث المشهور بسلسلة الذهب، المروي عن الإمام علي بن موسى الرضا×: >كلمة الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي ثم قال× بشروطها وأنا من شروطها<([21]).
وعلى هذا فإن من يفتقد الولاء لأهل البيت^ و المودّة لهم فإنه في الحقيقة يفتقد الإخلاص في توحيده، وسوف يتآكل توحيده شيئاً فشيئاً وتصبح أعماقه خاوية مظلمة من نور التوحيد وسيحشر يومئذ مع غير الموحدين.