أهل البيت^ في الكتب السماوية
أهل البيت^ رؤية قرآنية
لاشك في أن أعظم وأكمل مصداق لما ورد في القرآن الكريم من آيات حول الإيمان والجهاد والهجرة والإخلاص واليقين والأخلاق الحسنة، والعمل الصالح والعبادة وصلاة الليل والوفاء، والكرم والسخاء، وكل الصفات الإنسانية السامية، إنما هم أهل البيت^، وهذا ما نراه جليّاً في سيرتهم وما ورد عنهم من أخبار منثورة في كتب الشيعة و السنة على حدّ سواء.
وهناك العديد من الكتب لدى الفريقين حول موضوع ما نزل من الآيات القرآنية الكريمة في حق علي× وفي حق أهل البيت^.
فالقرآن الكريم يصرّح بشأن منزلة النبي’ الذي هو جدار أهل البيت وأساسه وأصله، أما ما ورد في حق أهل البيت فقد ورد على شكل إشارات واضحة بيّنة.
والقرآن الكريم يخاطب بالدرجة الأولى ذوي الألباب والعقول وأصحاب الفكر من الذين يشرق النور في باطنهم ويضيء الحق والإنصاف في نفوسهم، وهذا الصنف من الناس سرعان ما يدركون أن القرآن الكريم، في هذه الآية أو تلك أنما يعني أهل بيت النبوّة وأنه لا يمكن تأويل هذه الآية أو تلك إلا بأهل البيت^ وأنهم هم المصداق الأكمل فيما يعنيه القرآن الكريم.
وقد صرّح القرآن الكريم بأن تفسير القرآن وتأويله لا يقدر عليه إلا من له في العلم قدم راسخ وباع طويل، ومن آتاه الله الحكمة
والعلم والعقل:
{وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}([1]).
وقال الإمام الصادق× بشأن هذه الآية الكريمة:
«نحن الراسخون في العلم ونحن نعمل تأويله»([2]).
ملامح من شخصية النبي’ في القرآن الكريم
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ...}([3]).
وقد جاء في الروايات أن صلوات الله على النبي’ هي رحمة خاصّة من قبل الله عزّ وجلّ خصّ بها النبي’ وأن صلاة الملائكة هي مدح وثناء أو طلب له من لدن الله عزّ وجلّ([4]).
وقد بلغ من شأن النبي’ حدّا جعل بيعة الناس له بيعة مع الله عزّ وجلّ وعهد وميثاق.
{إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ}([5]).
طاعة الله ورسوله
يصرح القرآن بأن طاعة الله والرسول ستقود الإنسان إلى الفوز في الدنيا والآخرة:
{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً}([6]).
كما أن القرآن يعلن بأن طاعة الله والرسول ستؤدي بالإنسان إلى أن يكون رفيقاً للأنبياء يوم القيامة، وإن الله عزّ وجلّ سوف يحشره مع الصديقين والشهداء.
{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً}([7]).
كما أن طاعة النبي’ تعدّ طاعة لله، وفي هذا دلالة واضحة على أفضلية النبي’ على سائر المخلوقات وأن طاعته سبب في دخول الجنة و الخلاص من النار والعذاب الأليم:
{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً}([8]).
كما أن طاعة النبي’ سبب في شمول الرحمة الإلهية للإنسان:
{وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}([9]).
عن بشر بن شريح البصري، قال: ما يقول فيها قومك قال: قل: يقولون >يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله<([10]).
قال: لكنّا أهل البيت لا نقول ذلك، قال: قلت: فأي شيء تقولون فيها؟
قال: نقول: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى}([11]) الشفاعة والله الشفاعة والله الشفاعة والله<([12]).
وجاء في رواية أخرى أن زيد الشهيد نجل الإمام السجاد سئل عن قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى} قال: إن رضا رسول الله’ إدخال الله أهل بيته وشيعتهم الجنّة<([13]).
أهل البيت في القرآن الكريم
إن آية التطهير([14]) في القرآن الكريم تعلن بشكل صريح نقاء أهل البيت وطهرهم، وهناك من الآيات ما يعزز كون هذه الآية إنما تخصّ أهل البيت وحدهم دون غيرهم.
ويروى عن عبدالله بن جعفر أنه قال: كنت عند معاوية ومعنا الحسن والحسين صلوات الله عليهما، وعنده عبدالله بن عباس فالتفت إليَّ معاوية، فقال: يا عبدالله ما أشدّ تعظيمك للحسن والحسين، وما هما بخير منك ولا أبوهما بخير من أبيك، ولولا أن فاطمة بنت رسول الله’ لقلت ما أمّك أسماء بنت عميس بدونها<.
وجاء في جواب عبدالله وهو طويل ما يهمنا في هذا الموضوع: >يا معاوية أن عمر بن الخطاب أرسلني في إمرته إلى علي بن أبي طالب× إني أريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إلينا ما كتبت من القرآن، فقال: تضرب والله عنقي قبل أن تصل إليه قلت: ولم؟ قال: إن الله يقول: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}([15]) يعني لا يناله كلّه إلا المطهرون أيّانا نحن عنى الذين أذهب الله عنّا الرجس وطهرنا تطهيرا، وقال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا}([16]).
فنحن الذين اصطفانا الله من عباده ونحن صفوة الله ولنا ضرب الأمثال وعلينا نزل الوحي<([17]).
وعن المنقري عن يحيى بن سعيد العطار، قال: سمعت أبا عبدالله× يقول في قول الله تبارك وتعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ}([18]) قال: علي وفاطمة‘ بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ}([19]) قال الحسن والحسين‘<([20]).
وجاء في تفسير مجمع البيان عن سلمان الفارسي، وسعيد بن جبير وسفيان الثوري، إن البحرين علي وفاطمة والبرزخ هو محمد’ واللؤلؤ والمرجان هما الحسن والحسين([21]).
وجاء في رواية حول تفسير الشفع في سورة الفجر المباركة هما الحسن والحسين، وأن الوتر أمير المؤمنين علي×([22]).
وجاء عن الكليني في كتابه الشريف الكافي، وهو من أبرز كتب الشيعة الحديثية المعتبرة وفي القسم المتعلق بكتاب الحجّة أن أهل البيت^ هم مصداق أولي الأمر والأئمة الذين يهدون بأمر الله، وهم أهل الذكر والراسخون في العلم، وأهل العهد الذي جاء في قوله تعالى: لا ينال عهدي الظالمين.
وهناك ما يربوا على الثلاثمئة مورد ورواية تفيد بأن المراد من القربى هم أهل البيت^ والأئمة الأطهار ولا يقتصر الأمر على كتب الشيعة وإنما توجد أيضاً روايات في كتب السنة تفيد بذلك([23]).
وجاء في السورة المباركة >النور< قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالآْصالِ}([24]).
حيث تتضمن إشارة واضحة إلى أهل البيت^ الذين إذن الله عزّ وجلّ أن يرفعوا ويكونوا أهل الذكر.
وفي بيوت أهل البيت^ يرتفع ذكر الله عزّ وجلّ وتختلف الملائكة ويسطع نور الله الذي هو نور السموات والأرض.
وجاء عن أنس بن مالك وبريدة قالا: قرأ رسول الله’ قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ـ إلى قوله ـ الْقُلُوبُ وَالأَْبْصارُ} فقام رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله قال’: بيوت الأنبياء فقال أبو بكر: يا رسول الله هذا البيت منها ـ لبيت علي وفاطمة‘ ـ (أي مشيراً إلى بيت علي وفاطمة ـ قال’: نعم من أفاضلها([25])، وعلى هذا فإن أهل البيت^ هم أهل الذكر وأهل التسبيح وأهل العبادة الخالصة وأهل الخدمة الخالصة لعباد الله وهم أهل المناجاة بالأسحار وأهل الصلاة في الليل والنهار.
وسكر الفؤاد من كأس حبك
يا من بدأ وجودي باسمك
ذكرك أضاء فؤادي وروحي
وأساس روحي وإيماني
وينيــــــــــر ذكرك قلبي
وبلقعي من ذكرك يستحيل إلى روض
يا من هو بدء العالم ومنتهاه
ويا من هو الظاهر والباطن الخفي
ويا إيها الكريم والغفور والودود
مالك الملك وكل الغيب والشهود
ويا من برحمته قام العالـــم
ويا أيها الرحيم والحـــــكيم و الحاكم
قلبي يرفرف نحــــــــوك
أطرق باب لطفك وكرمك
وأطرق بابك كالشحـــــاذ
وكالبائس المسكين أقف عند بابك
أملي ورجائي بكرمــــــك
دائم الذكر في الدرب إليــــــــــــك
إن مجدي في العالمين عبوديتي
أجل عبوديتي هي رمز وجودي([26])
إن أهل البيت هم المصداق الواضح والساطع للحقائق العالية في قوله تعالى: {رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَْبْصارُ}([27])
أجل أن هواجسهم تنصبّ في ذلك اليوم مع أنهم في المرتبة العليا من حيث العبادة والتقوى والإيمان الراسخ إلى حدّ اليقين والدرجة الرفيعة في الأخلاق وفي الصفات الإنسانية.
أهل البيت في التوراة والإنجيل
لقد أخبر القرآن الكريم في عدة من الآيات الكريمة بأن أوصاف النبي الأكرم’ قد ورد ذكرها في الكتب السماوية السابقة وبخاصة التوراة والإنجيل، وكان اليهود والنصارى يترقبون ظهوره، ذلك أنهم يجدون في التوراة ويجدون في الإنجيل العلامات التي تسبق ظهوره قد تحققت الواحدة بعد الأخرى.
إذن كانوا ينتظرون ظهوره ليؤمنوا به وينتصروا على أعدائهم من خلال ذلك.
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُْمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالإِْنْجِيلِ}([28]).
وجاء في حديث لأمير المؤمنين علي×: >إن يهودياً كان له على رسول الله’ دنانير فتقاضاه فقال له: يا يهودي ما عندي ما اعطيك. فقال: فإنّي لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني، فقال’: إذن أجلس معك فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله’ يتهددونه ويتواعدونه فنظر رسول الله’ إليهم فقال: ما الذين تصنعون به؟ فقالوا يا رسول الله يهودي يحبسك؟! فقال؟: >لم يبعثني ربّي عزّ وجلّ بأن أظلم معاهداً ولا غيره، فلما علا النهار، قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإني قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبدالله مولده بمكة ومهاجرة بطيبة، وليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب (صخاب) ولا متزيّن بالفحش ولا قول الخناء، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
وهذا مالي فأحكم فيه، بما أنزل الله، وكان اليهودي كثير المال([29]).
{وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}([30]).
أهل البيت^ في التوراة
>وقال الله لإبراهيم: وأما أنت فتحفظ عهدي، أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم ...
وأما إسماعيل فقد سمعت قولك فيه، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً، أثني عشر رئيسياً يلد وأجعله أمة كبيرة.
فأخذ إبراهيم إسماعيل أبنه<([31]).
وروى برنابا عن المسيح عيسى بن مريم× ما نصّه:
>يا معلم قل لنا: بمن صنع هذا العهد فإن اليهود يقولون: بإسحاق، والإسماعيليون يقولون: بإسماعيل؟
أجاب يسوع: ابن من كان داود؟ ومن أي ذرية؟ أجاب يعقوب (السائل) من اسحاق؛ لأن اسحاق كان أبا يعقوب، ويعقوب كان أبا يهوذا الذي من ذريته داود.
فحينئذ قال يسوع: ومتى جاء رسول الله فمن نسل من يكون؟
أجاب التلاميذ: من داود، فأجاب يسوع: لا تغشوا أنفسكم؛ لأن داود يدعوه في الروح رباً، قائداً هكذا: قال الله لربّي (سيدي): أجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئاً لقدميك، يرسل الرب، قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك، فإذا كان رسول الله الذي تسمونه: مسيا، ابن داود، فكيف يسميه رباً؟ صدقوني ـ لأني أقول لكم الحقا ـ : أن العهد صنع بإسماعيل لا بإسحاق.
حينئذ قال التلاميذ: يا معلم هكذا كتب في كتاب موسى: أن العهد صنع بإسحاق؟ أجاب يسوع متأوهاً: هذا هو المكتوب، ولكن موسى لم يكتبه، ولا يشوع، بل أحبارنا الذين لا يخافون الله.
الحق أقول لكم: أنكم إذا أعملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون خبث كتبتنا وفقهائنا؛ لأن الملاك قال: يا إبراهيم سيعلم العالم كله كيف يحبك الله؟ ولكن كيف يعلم العالم محبتك لله؟ حقاً يجب عليك أن تفعل شيئاً لأجل محبة الله.
أجاب إبراهيم: ها هو عبدالله مستعد أن يفعل كل ما يريد الله.
فكلم الله حينئذ إبراهيم قائداً: خذ ابنك بكرك إسماعيل واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة، فكيف يكون إسحاق البكر، وهو لما ولد كان إسماعيل ابن سبع سنين؟<([32]).
وجاء في التوراة قول الله عزّ وجلّ لإبراهيم: >ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض<([33]).
وقال المسيح× للحواريين: > الحق أقول لكم أن كل نبي متى جاء فإنه إنما يحمل لأمة واحدة فقط، علامة رحمة الله، ولذلك لم يتجاوز كلامهم الشعب الذي أرسلوا إليه، ولكن رسول الله متى جاء يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم يده، فيحمل خلاصاً ورحمة لأمم الأرض الذين يقبلون تعليمه. وسيأتي بقوّة على الظالمين. ويبيد عبادة الأصنام، بحيث يخزي الشيطان؛ لأنه هكذا أوعد الله إبراهيم قائلاً: أنظر، فإني بنسلك أبارك كل قبائل الأرض، وكما حطمت يا إبراهيم الأصنام تحطيماً، هكذا سيفعل نسلك<([34]).
وقال الملاك الهاجر: >ها أنت حبلى فتلدين ابناً، وتدعين اسمه إسماعيل؛ لأن الرب قد سمع لمذلتك<([35]).
ولما أرادت هاجر أن تسكن بعيداً عن سارة ناداها ملاك الله بقوله: >لا تخافي لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو، قومي أحملي الغلام وشدّي يدك به، لأني سأجعله أمّة عظيمة<([36]).
ويقول السيد المسيح×: >صدقني يا برنابا أن الله يعاقب على الخطيئة مهما كانت طفيفة عقاباً عظيماً؛ لأن الله يغضب من الخطيئة، فلذلك لما كانت أمي وتلاميذي الأمناء الذين كانوا معي أحبوني قليلاً حباً عالمياً، أراد الله البر أن يعاقب على هذا الحب بالحزن الحاضر، حتى لا يعاقب عليه بلهب الجحيم. فلما كان الناس قد دعوني الله وابن الله، على أني كنت بريئاً في العالم أراد الله أن يهزأ الناس بي في هذا العالم بموت يهوذا، معتقدين أنني أنا الذي مت على الصليب لكيلا تهزأ الشياطين بي في يوم الدينونة.
وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله. الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله<([37]).
وجاء في إنجيل برنابا يتحدث عن وفد جاء إلى عيسى× ليسألوه عن هويته، خاصّة وأنهم ينتظرون ظهور نبي بشر به موسى× يقول برنابا: >فإن رؤساء الكهنة تشاوروا فيما بينهم ليتسقطوه بكلامه، لذلك أرسلوا اللاوبيين وبعض الكتبة يسألونه قائلين:
من أنت؟ فاعترف يسوع وقال: الحق أني لست مسيا فقالوا: أأنت أيلياء أو أرمياء أو أحد الأنبياء القدماء؟ أجاب يسوع: كلا. حينئذ قالوا: من أنت نشهد للذين أرسلونا؟ فقال حينئذ يسوع أنا صوت صارخ في اليهودية كلها يصرخ: أعدوا طريق رسول الرب...<.
ثم ينتهي به القول×: >ولست أحب نفسي نظير الذين تقولون عنه؛ لأني لست أهلاً أن أحل رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول الله الذي تسمونه مسيا، الذي خلق قبلي وسيأتي بعدي، وسيأتي بكلام الحق ولا يكون لدينه نهاية<([38]).
وجاء في انجيل يوحنا على لسان السيد المسيح×: >إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزياً آخر يمكث معكم إلى الأبد.
إن أحبني أحد فليحفظ كلامي ... وأما المعزي الروح القدسى الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلت لكم<.
وترجمة المعزي باللغة العربية هي أحمد، كما أن باركيليط تعني الحمد وهي قريبة من أحمد.
{وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}([39]).
واقعة هامة جدا
وقد حصلت هذه الواقعة في الطريق إلى صفين عندما وصل جيش الإمام علي× مدينة الرقة التي اختارت الوقوف إلى جانب معاوية قال نصير بن مزاحم في كتابه وقعة صفين: >إن علياً× لما نزل على الرقة نزل على موضع يقال له: >البليخ< على جانب الفرات، فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي× إن عندنا كتاباً توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى بن مريم أعرضه عليك؟ قال: نعم فقرأ الرهب الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الذي قضى فيما قضى وسطر فيما كتب (وفي كتاب صفين: سطر فيما سطر) أنه باعث في الأميين رسولاً منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويدلهم على سبيل الله لافظ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة، بل يعفو ويصفح، أمته الحمادون الذي يحمدون الله على كل نشر وفي كل صعود وهبوط تذلّ ألسنتهم بالتكبير والتهليل والتسبيح وينصره الله على من ناواه، فإذا توفاه الله، اختلفت امته من بعده ثم اجتمعت فلبثت ما شاء الله ثم اختلفت، فيمرّ رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحق، ولا يركس في الحكم (في كتاب صفين ط مصر ولا يرتشي في الحكم) الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح والموت أهون عليه من شرب الماء على الظمآن.
يخاف الله في السر وينصح له في العلانية، ولا يخاف الله لومة لائمة فمن أدرك، ذلك النبي’ من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضوانه والجنّة.
ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإن القتل معه شهادة.
ثم قال (الراهب): أنا مصاحبك فلا أفارقك حتى يصيبني ما أصابك فكبر [علي]× ثم قال: الحمد لله الذي لم أكن عنده منسياً، الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار.
فمضى الراهب معه فكان فيما ذكروا يتغدّى مع أمير المؤمنين× ويتعشى حتى أصيب يوم صفين، فلمّا خرج الناس يدفنون قتلاهم قال×: أطلبوه، فلمّا وجده صلّى عليه ودفنه وقال: هذا منا أهل البيت وأستغفر له مراراً<([40]).
وما ورد في الرواية من كتاب الراهب يتطابق مع قوله تعالى في محكم كتابه: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}([41]).
آه لو كان لي قلباً كقلب ذلك الراهب المسيحي آه لو كان لي قلباً كذلك القلب الذي المفعم بحب آل محمد وعشقاً كذلك العشق لنموت يوم لا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم.
وها أنا أنظر بأسى إلى سنوات العمر وهي تنصرم، يعرفني الناس بـ >خادم أهل البيت< لكني أقول مخاطباً نفسي بلسان الحال والمقال:
تشتعل النار في أخمص قدميك إلى هامة رأسك
ويحترق في تلك النار وجودك
لقد نأيت بعيداً عن روض الوجود
وفقد أساس كونك والعدم
حائراً تدور محروما ًعن فيوضات الإله.
مثل كل الذين عصوا وأسودّت وجوهم.
لقد هوت داخل الحجب.
أعرجاً أعمى في لجّة من السراب
تعيش أوهاماً وجدالاً
وأنت لا تدري أين في أين
قد تخلفت وحيداً
ففيم تنتظر وقد رحلت القافلة
أليس لك شغل في هذا العالم
أليس لك من الأزل نصيراً
غارقاً في هموم الدنيا قد فقدت وعيك
فأنت سكران ضعيف
غافلاً أنت عمن فتن روحك
وعن النار التي شبت بمنزلك
أطلق تغريدة لأجل الحبيب
لتحلق بك إلى درب الجلال
ولو خلصت شفاهك الباسمة
لانبعثت الروح في وجودك ([42]).
([2]) الكافي:1/213، باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة: ح1؛ وسائل الشيعة:27/178، باب13، ح36، 33؛ بحار الأنوار: 23/198، باب10، ح31؛ تفسير الصافي: 1/247.
([14]) قوله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} سورة الأحزاب: الآية 33.
([23]) انظر: مستدرك الحاكم: 2/172؛ ذخائر العقبى: 25/138؛ مجمع الزوائد: 7/101؛ الصواعق المحرقة: 258/272؛ أسد الغابة: 5/367؛ نور الأبصار: 112؛ فضائل الصحابة: 2/669؛ تفسير الدر المنثور: 6/7؛ تفسير ابن كثير:4/169؛ تفسير القرطبي: 5841؛ تفسير الكشاف:2/331.
([38]) إنجيل برنابا: 42: 4 ـ 10 وخلق قبلي أي نبه الله على مجيئه من قبل ولادتي، وفي مروج الذهب (ج1ص32 ـ 33) يقول المسعودي: >وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب× أنه قال: >إن الله حين شاء تقدير الخليقة وذرء البرية وابداع المبدعات، نصب الخلق في صور كالهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته، فأساح نوراً من نوره فلمع ونزغ قبساً من ضيائه، فسطع. ثم اجتمع النورفي وسط تلك الصور الخفية فوافق ذلك صورة نبينا محمد’ فقال الله عز من قائل أنت المختار المنتخب وعندك مستودع نوري، وكنوز هدايتي من أجلك أسطح البطحاء، وأمرج الماء، وأرفع السماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار وأنصب أهل بيتك للهداية وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي، واجعلهم حجتي على بريتي والمنبهين على قدرتي ووحدانيتي ثم أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبية والأخلاص والوحدانية؛ فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر الخلق انتخاب محمد وآله، وأراهم أن الهداية معه والنور له والإمامة في آله، تقديماً لسنة العدل وليكون الإعذار متقدماً، ثم أخفى الله الخليقة في غيبة، وغيبها في مكنون علمه ثم نصب العوامل وبسط الزمان، ومرج الماء وأثار الزبد وأهاج الدخان فطفا عرشه على الماء فسطح الأرض على ظهر الماء، وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالاستجابة، ثم أنشأ الملائكة من أنوار إبدعها، وأرواح اخترعها، وقرن بتوحيده نبوة محمد’ فنهرت في السماء قبل بعثته في الأرض، فلما خلق آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصّه به من سابق العلم من حيث عرّفه عند استنباكه إياه اسماء الأشياء، فجعل الله آدم محراباً وكعبة وباباً وقبلة أسجد إليها الأبرار والروحانيين الأنوار ثم نبه آدم على مستودعه، وكشف له عن خطر ما أئتمنه عليه، بعدما سماه إماماً عند الملائكة فكان حظ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا ولم يزل الله تعالى يخبئ النور تحت الزمان إلى أن فضل محمد’ في ظاهر الفترات، فدعا الناس ظاهراً وباطناً وندبهم سرّاً وإعلاناً، واستدعى× التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذرّ قبل ا لنسل، فمن وافقه وقبس من مصباح النور المقدّم اهتدى إلى سرّه واستبان واضح أمره ومن أبلسته الغفلة استحق السخط، ثم انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع في أئمتنا؛ فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض، فبنا النجاة، ومنا مكنون العلم، وإلينا مصير الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج، خاتمة الأئمة، ومنقذ الأمة، وغاية النور، ومصدر الامور فنحن أفضل المخلوقين وأشرف الموحدين وحجج رب العالمين، فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا وقبض على عروتنا<