عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

أهل البيت^ في الزبور

أهل البيت^ في الزبور

دولة بقية الله^

في القرآن الكريم آيات عديدة تشير إلى العصر المضيء الذي ينتظر البشرية ومن ذلك قوله تعالى:

{وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}([1]).

والروايات في ذلك مستفيضة جداً حول أن دولة الحق هي آخر الدول وهي آخر المطاف في حركة الإنسانية.

«دولتنا آخر الدول»([2]).

وهذه النبوءة لا يقتصر ذكرها والتبشير بها على القرآن الكريم، إنما هي نبوءة ورد وبشرت بها كتب السماء ومنها زبور سيدنا داود× قال سبحانه وتعالى:

{وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ}([3]).

وفي هذه الآية الكريمة بشارة واضحة وإشارة صريحة إلى أن المستقبل المشرق هو نهاية المطاف في حركة التاريخ، حيث تكون السيادة الكاملة للإنسان الصالح، وحينئذ تزاح وإلى الأمد ظلمات الظلم وحروب العدوان وشرور الإنسان؛ ومفردة الميراث تعني انتهاء دور الأشرار ونهايتهم حيث يرث الأرض الصالحون من عباد الله.

ونجد هذه الآية يتكرر ذكرها في المزمور (37) من زبور داود× فهناك بشائر بما ينتظر الإنسان الصالح من مستقبل شرق:

>لا تبتئس من الشريرين([4]) .

إنهم كالأدغال تقطع بسرعة([5]) على الله توكل وابتهج (3،4) واطمئن إليه وانتظر ...<([6]).

ثم يستمر المزمور قائلاً: > (9) لأن الشريرين ينقطعون واما المتوكلين فهم من سيرثون الأرض (10).

مدّة وينعدم الشرير كلما تبحث عنه لا تجده (11) أما المتواضعون الذين يرثون الأرض فهم مبتهجون لكثرتهم وسلامتهم (12) الشرير على خلاف الصادق أفكاره مذمومة ويعض على نواجذه (13) الله يسخر منه؛ لأن يرى يومه قادماً (14) الشريرين شهروا سيوفهم وسددوا سهامهم ليصيبوا المظلوم والمسكين وسوف تتكسر أقواسهم (16) صديقون قليلون أفضل جداً من شريرين كثيرين وأن الله هو ركن الصديقين (18) الله يعلم أيام الصالحين وميراثهم سيكون أبدياً (19) لن يكونوا في زمان بلا خجل.

وفي أيام القحط سيشبعون (20) لكن الأشرار سيهلكون. وأعداء الله مثل شحوم الحملان فانون، بل هم مثل دخان مبدد (22)؛ لأن المتبركين بالله سيرثون الأرض، أما لعنائه فسينقطع دابرهم (29) الصديقون الوارثون للأرض أبداً يسكنون فيها (34) ألجأ إلى الله وألزم طريقه سيورثك الأرض العالية وسترى ذلك عند انقطع الأشرار (38) أما العاصون فمستأصلون وعاقبة الشريرين الانقطاع.



 

 

 

مناقب أهل البيت كما يرويها العارفون

كثيرون هم الذين كتبوا وألفوا في أهل البيت^ من فلاسفة وحكماء ومتكلمين ومحدثين ومؤرخين وفقهاء وأدباء، فلا تجد من هؤلاء وأولئك من تحدث أو كتب وألف عن عظماء التاريخ الإسلامي وشخصياته ألا هو يقف بإجلال أمام رموز أهل البيت^ وشخصياتهم الربانية.

غير أن العرفاء هم أكثر الناس حديثاً وأكثرهم وعياً لمنزلة أهل البيت^،وكيف لا وهم المؤهلون أكثر من غيرهم في الغوص في مكنونات علومهم وطوايا شخصياتهم وما تنطوي عليه وجوداتهم من أسرار وأسرار.

من أجل ذلك رأيت أن أفرد فصلاً مستقلاً في ما قالوا وكتبوا عن أهل البيت^. جدير ذكره أن معظم ما سيرد في هذا الفصل مختص بالعرفاء من أهل السنة لسببين:

الأول: أن منزلة أهل البيت وما قيل فيهم^ لا يقتصر على اتباعهم وشيعتهم، بل أن هناك من المذاهب  الإسلامية الأخرى من شاركهم في ذلك، فهناك من علماء السنة وعرفائهم خاصّة من عشق أهل البيت وانبهر بمجدهم الأخلاقي والإنساني.

الثاني: أن مقالاتهم في أهل البيت تنطوي على حقائق جديرة بالتأمل وتؤكد أن ما ذكر عن أهل البيت من كرامات ومناقب ليس من نسج الخيال، وإنما هي حقائق ساطعة تؤكد فضلهم وإنها جزء لا ينفك من المسلمات التاريخية؛ هذه الحقائق التي ظلت تقاوم العواصف الهوجاء من سموم المحرّفين والوضاعين.

ولقد أراد كثيرون أن يعصفوا بهذه الحقائق ليكون مآلها مقبرة من مقابر التاريخ المندثرة والدراسة لكن حقيقة أهل البيت ظلت قوية تستعصي على كل المأجورين ووعاظ السلاطين.

وما سنذكره في هذا الفصل إنما هو غيض من فيض مما قاله أولئك العرفاء.

أبو الفضل الميبدي والخواجة عبدالله الأنصاري

يروي أبو بكر النقاش عن إمام المسلمين علي المرتضى أنه سئل من قبل جهودي (يهودي) قائلاً: أسألك عن آية في كتابكم أشكلت علي فمن أجابني على ذلك وفسرها لي أسلمت.

قال الإمام: وأية آية؟ قال: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}([7]) فإن كنتم على الصراط المستقيم فلم الشك ولم تطلبون من الله ذلك فإن كان عندكم الحق فعمّ تبحثون؟

قال الإمام أن قوماً من أنبياء الله وأوليائه سبقونا إلى الجنة وبلغوا السعادة الأبدية، ونحن نسأل من الله عز وجل أن يهدينا إلى ما هداهم إليه وأن يرزقنا الطاعة التي رزقها إياهم وبلغوا بها الجنّة؛ وأسلم الرجل([8]).

وروي أن علياء المرتضى دخل الدار فرأى فاطمة والحسن والحسين يبكون فسأل: ما يبكيكم يا قرة العين؟

قالت فاطمة: الجوع وقد مضى عليهما يوماً لم يأكلا شيئاً، وكان قدر على النار فقال علي: وما في القدر؟ قالت فاطمة: لا شيء سوى الماء أعللهما به.

فحزن علي وكان عليه رداء فخلعه وانطلق به إلى السوق فباعه بستة دراهم واشترى بها طعاماً، فإذا بسائل ينادي: >من يقرض الله


يجده مليّاً وفيّاً< فما كان من علي إلا أن يعطيه الطعام كلّه وأخبر


فاطمة بما فعل. فقالت فاطمة: وفقك الله يا أبا الحسن ولم تزل في خير.

وذهب علي إلى مسجد رسول الله يصلّي فرأى أعرابياً ينادي على ناقة وقال لعلي: يا أبا الحسن ابتع مني هذه الناقة فقال علي: لا أملك ثمنها فقال الإعرابي: بعتك إياها إلى أن تصيب غنيمة أو يخرج عطاؤك من بيت المال، فاشترى علي الناقة بستين درهماً وساقها، فجاء إعرابي آخر وقال: أتبيعني الناقة؟ قال، نعم، بكم؟ قال: بمئة وعشرين درهماً قال: بعتك إياها، فباعها وعاد إلى البيت وأخبر فاطمة ثم ذهب في طلب الأعرابي.

فرآه المصطفى وسأله: يا علي إلى أين؟ فأخبره علي بكل ما جرى، فسرّ رسول الله بذلك وهنأه وقال: يا علي: إن ذلك الأعرابي الذي باعك الناقة هو جبرائيل، وإن الذي اشتراها منك ميكائيل، وتلك الناقة من نوق الجنّة، وذلك القرض الذي أقرضته الله وقد قال عزّ وجلّ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً}([9])([10]).

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً}([11]).

وقد نزلت فيه حق علي كانت عنده أربعة دراهم، ولم يكن لعياله شيء غيرها فتصدّق بدرهم في الليل وتصدّق بالآخر في النهار وتصدق بالثالث سرّاً وتصدّق بالرابع علانية فامتدحه الله عزّ وجلّ وأنزل فيه قوله تعالى([12]).

أصحاب المباهلة خمسة؛ المصطفى والزهراء والمرتضى والحسن والحسين لما خرجوا إلى البريّة فنشر النبي رداءه عليهم وقال:

>اللهم هؤلاء أهل بيتي<.

فهبط  الأمين جبرائيل فقال: يا محمد وأنا من أهلك<

فال رسول الله’: > يا جبرائيل وأنت منّا<.

وعاد جبرائيل إلى السماء يباهي ويفتخر قائلاً: من مثلي؟

وأنا في السماء طاووس الملائكة وفي الأرض من أهل بيت محمد’<([13]).

علي المرتضى ابن عم المصطفى زوج سيدة القيامة فاطمة الزهراء، الذي هو حارس الخلافة معزّ الأولياء، صنو العصمة والنبوّة، معدن العلم والحكمة، ومن كان الإخلاص والصدق واليقين، والتوكل والتقوى والورع شعاره ودثاره، وهو حيدر الكرار، صاحب ذي الفقار، سيد المهاجرين والأنصار.

ومن قال له المصطفى في يوم خيبر:

«لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله<.

فتشوق كل الصحابة إلى رؤية من يتسلم راية الإسلام وراية النصر >لا إله إلا الله< ترى من سيكون ذلك الصدّيق؟

فلما طلع الصبح قال النبي’: أين علي؟ قيل: يا رسول الله هو يشتكي عينيه.

فأرسل وراءه فلما جاء وضع لسانه المبارك في عينيه فشفيتا واستزاد نوراً في بصره وسلمه النبي’ راية النصر والفتح([14]).

ويروى أن الحسين بن علي رأى إنساناً فقال له: ابن من تكون فقال: أنا فلان بن فلان فقال الحسين يا حيّاك الله أنا من مدّة أطلبك فقد رأيت في كتاب أبي أن لأبيك دراهم على أبي فأنا أقضي ذمته الآن بدفعها إليك فأعطاه دراهم بهذه الذريعة([15]).

وفي قصّة زواج فاطمة الزهراء÷ أن المصطفى جاء إلى المسجد يوماً وفي يده غصن ريحان فقال لسلمان: يا سلمان انطلق فادع لي علياً، فانطلق سلمان إلى علي وقال له: أجب رسول الله فقال علي: يا سلمان كيف رأيت رسول الله قال: يا علي: تركته مسروراً غاية السرور منطلق الأسارير كالبدر التمام والشمعة المضيئة، فجاء علي إلى المصطفى فلما رآه أعطاه غصن الريحان وكان زكي الرائحة، قال: يا رسول الله ما هذه الرائحة الزكية؟ قال: يا علي أنه مما نثرته الحوريات في الجنة في زواج ابنتي فاطمة، قال: مع من يا رسول الله؟ قال: معك يا علي، فأني كنت جالساً في المسجد فجاء ملاك لم أر في مثل أوصافه فقال أسمي محمود ومقامي في السماء الدنيا، فكنت في المقام المعلوم لي وقد مضى ثلثا الليل لما سمعت نداءً من أطياف السماوات: يا ملائكة الله المقربين ويا أيها الروحانيون والكروبيون اجتمعوا في السماء الرابعة فلما اجتمعوا ومعهم سكان المقعد الصدق، وأهل الفراديس العلى في جنات عدن، جاء النداء يا مقربي الحضرة والملك أقرأوا: سورة {هَلْ أَتى عَلَى الإِْنْسانِ}.

وحينئذ جاء الأمر إلى شجرة طوبى أن أنثري الجنان على زواج فاطمة الزهراء من علي المرتضى.

فاهتزت طوبى ونثرت في الجنان الجواهر واللؤلؤ والحلل، ثم جاء الأمر أن يصنعوا منبراً من اللؤلؤ تحت شجرة طوبى.

فارتقى أحد الملائكة المنبر ومجّد الله وسبّحه وصلّى على الأنبياء، وحينئذ جاء النداء من الجبار الله ذي الجلال القادر على الكمال: يا جبرئيل ويا ميكائل أنتما الشاهدان على معرفة فاطمة وأنا الله ولي فاطمة ويا كروبيين ويا روحاني السماء أشهدوا على أني زوجت فاطمة الزهراء من علي المرتضى.

فبشر حبيبي وأخبروه بهذا العقد في السماء فأتمم هذا العقد في الأرض.

فدعا المصطفى المهاجرين والأنصار وقال لعلي: هكذا كان الحكم في السماء وأني زوجتك فاطمة على أربعمئة درهم أفتقبل؟ قال علي: يا رسول الله قبلت، قال رسول الله: بارك الله فيكما([16]).

وقال ابن عباس: دعاني علي في ليلة من الليالي وكانت ليلة مقمرة فقال لي: ما تفسير الألف من الحمد؟

قلت: أنك لأعلم مني.

فحدثني عن ذلك ساعة من الليل ثم حدثني عن تفسير اللام ساعة أخرى ومثل ذلك عن تفسير الحاء والدال، فما فرغ من حديثه حتى انفلقت عمود الفجر الصادق من المشرق فقال علي:لو شئت لأوقرت سبعين بصراً يقول ابن عباس: أن علمي في علم علي كالغدير الصغير في البحر([17]).

عطار النيسابوري

ذِكْر ابن محمد جعفر الصادق×

ذلك سلطان الملّة المصطفوية، ذلك برهان الحجة النبوية، ذلك العامل الصديق، ذلك عالم التحقيق، ذلك ثمرة فؤاد الأولياء، ذلك فلذة أكباد الأنبياء، ذلك (سليل على و وارث النبي، ذلك العارف العاشق، جعفر الصادق.

ولقد قلنا أن ذكر الأنبياء والصحابة يستلزم كتاباً مستقلاً وهذا الكتاب ذكر لأحوال الأولياء بعدهم وللتبرك نبدأ بالصادق؛ ولأنه من أهل البيت وحديث طريقته عنه أكثر وما روى عنه هو أكثر وهم جميعاً متساوون، وذكره ذكر لهم.

أفلا ترى أن قوماً مذهبهم مذهبه ومذهبهم أثنا عشر إماماً يعني الواحد أثنا عشر والأثنا عشر واحد: كان شيخ الإلهيين وكان إماماً للمحمديين طليعة أهل الذوق وإمام أهل العشق ومقدّم العباد ومكرم الزهاد، وصاحب التصنيف في الحقائق وتفسير اللطائف وأسرار التنزيل.

ونقل عن الباقر الكثير.

وأعجب من قوم في خيالهم أن أهل السنة والجماعة لهم سبيل غير سبيل أهل البيت.

وأني لأقول ما أعرف واعرف أن من آمن بمحمد ولم يؤمن ببنيه فليس بمؤمن بمحمد ... أما ترى الشافعي في حبه أهل البيت يتهم بالرفض ويحبس في ذلك وله شعر فيه هذا البيت.

لو كان رفضاً حب آل محمد  فليشهد الثقلان أني رافضي

وقد روي أن داود الطائي جاء إلى الصادق وقال: يابن رسول الله عظني فإن قلبي أسودّ ... وأن لكم الفضل على الخلائق والموعظة واجبة عليكم.

قال: يا أبا سليمان أني أخشى أن يأتيني جدّي يوم القيامة ويقول لي: لم لم تتبع الحق؟ كل أمرء رهن بعمله يومئذ.

فبكى داود وقال: اللهم إن هذا من ماء النبوّة وتركيب طبيعته من أصل البرهان والحجة، جدّه الرسول وأمه البتول فمن يكون داود وهو بعلمه معجب؟!

وجاء في سيرته أن بعضهم رآه مرتدياً حلّة خز غالية فقالوا له: يا بن رسول الله! ليس هذا من زي أهل بيتك فكشف لهم ما تحت الخزّ من ثوب خشن وقال لهم:

>هذا للحق وهذا للخلق<([18]).

ذِكْر الإمام محمد الباقر×

ذلك حجة أهل المعاملة: ذلك برهان أرباب المشاهدة، ذلك إمام أولاد النبي والمختار من أحفاد علي، ذلك صاحب الباطن والظاهر، أبو جعفر محمد الباقر رضي الله عنه، قيل أن كنيته أبو عبدالله ويدعى الباقر.

خصّ بدقائق العلوم ولطائف الإشارات وله كرامات مشهورة وآيات باهرة وبراهين ظاهرة.

وقد ورد عنه أنه قال في تفسير هذه الآية: { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ}([19]) كل ما يمنعك من رؤية الحق فهو طاغوت، فانظر إلى ما يحجبك فاسع إلى كشف الحجاب فإنك تبلغ الكشف الأبدي، فكل محجوب ممنوع وكل ممنوع لا ينبغي له أن يدّعي القرب([20]).

أبو القاسم القشيري

ومنهم أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي، كان من المشايخ الكبار مجاب الدعوة يستشفى بقبره يقول البغداديون قبر معروف ترياق مجرب، وهو من موالي علي بن موسى الرضا رضي الله عنه مات سنة مائتين، وقيل سنة إحدى ومائتين، وكان أستاذ سري السقطي، وقد قال له يوماً إذا كانت لك حاجة إلى الله فأقسم عليه بي، سمعت الأستاذ أبا علي الدفاف& يقول كان معروف الكرخي أبواه نصرانيين، فسلّموا معروفاً إلى مؤدبهم وهو صبي فكان المؤدب يقوله قل ثالث ثلاثة، فيقول: بل هو أحد فضربه المعلم يومأً ضرباً مبرحاً فهرب معروف فكان أبواه يقولان ليته يرجع إلينا على أي دين يشاء فنوافقه عليه، ثم أنه أسلم على يدي علي بن موسى الرضا ورجع إلى منزله ودق الباب فقيل من بالباب فقال: معروف فقالوا: على أي دين جئت فقال: على الدين الحنفي، فأسلم أبواه.

ويروى عن معروف أنه قال: كنت ماراً بالكوفة فوقفت على رجل يقال له ابن السماك، وهو يعظ الناس فقال في خلال كلامه: من أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه بجملة ومن أقبل على الله بقلبه، أقبل الله برحمته إليه بجميع وجوه الخلق إليه، ومن كان مرّ ومرّة فالله يرحمه وقتاً ما فوقع كلامه في قلبي، فأقبلت على الله تعالى وتركت جميع ما كنت عليه إلا خدمة مولاي علي بن موسى الرضا وذكرت هذا الكلام لمولاي، فقال: يكفيك بهذا موعظة إن اتعظت([21]).

ومرّ الحسين بن علي بصبيان يأكلون كسرات خبز فدعوه فجلس يأكل معهم ثم دعاهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم، وقال إن لهم اليد الطولى؛ لأنهم دعوني إلى كل ما يملكون([22]).

وقيل سأل شقيق البلخي جعفر بن محمد (الصادق) عن الفتوة فقال: ما تقول أنت؟ فقال شقيق: إن أعطينا شكرنا وإن منعنا صبرنا، قال جعفر: الكلاب عندنا بالمدينة كذلك تفعل.

فقال شقيق: يا بن بنت رسول الله ما الفتوة عندكم؟ فقال: إن أعطينا آثرنا وإن منعنا شكرنا<([23]).

وقيل أن رجلاً بالمدينة من الحاج توهم أن هميانه قد سرق فخرج فرأى جعفر الصادق فتعلق به ، وقال: أخذت همياني، فقال: أيش كان فيه؟ ، فقال: ألف دينار، فأدخله داره ووزن له ألف دينار، فرجع الرجل إلى منزله ودخل بيته فرأى هميانه في بيته، وقد كان توهم أنه سُرق، فخرج إلى جعفر معتذراً، ورد عليه الدنانير، فأبى أن يقبلها وقال: شيء أخرجته من يدي لا استردّه. فقال الرجل: من هذا؟ فقيل: جعفر الصادق([24]).

وقد جاء في الأثر أن الجنة تشتاق إلى ثلاثة! علي وعمار وسلمان رضي الله عنهم أجمعين([25]).

ورد في أن أمير الاخبار المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه دعا غلاماً له فلم يجبه، فدعاه ثانياً وثالثاً، فلم يجبه، فقام إليه فرآه مضطجعاً، فقال: أما تسمع يا غلام؟ فقال: نعم. قال: فما حملك على ترك جوابي؟! فقال: أمنت عقوبتك، فتكاسلت فقال×: فأمض فأنت حرّ لوجه الله.

الغزالي

يروي أبو الحسن المدائني: أن الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر رضوان الله عليهم أجمعين أنطلقوا إلى الحج فلما كانوا في الصحراء تخلفوا عن ا لقافلة وقد أخذ منهم الجوع والعطش مأخذه فبينا هم على هذه الحال إذلاحت لهم خيمه فاتجهوا  إليها فوجدوا أمرأة عجوز من أهل البادية فسألوها طعاماً فقالت: ما عندي شيء إلا هذه الشاة فليذبحها أحدكم.

فلما أكلوا وأرادوا الإنصراف قالوا لها: نحن نفر من قريش فأسألي عنا في المدينة لنجزيك على إحسانك، ثم انصرفوا فلما عاد زوجها وعرف ما حصل غضب غضباً شديداً وقال: ليس عندنا شيء غير هذه الشاة فتطعميها قوماً لا تعرفينهم؟!

ومضى زمن على ذلك وقد أمحلت البادية فإذا المرأة العجوز وزوجها يقدمان المدينة وكانا يقتاتان مما يجمعانه من بعر الإبل ويجمعانه ويبيعانه.

وذات يوم دخلت المرأة العجوز زقاقاً فيه بيت الحسن وكان الحسن جالساً في الباب فعرفها ولم تعرفه فقال لها: ألم تعرفيني يا أمة الله؟ قالت: لا . قال: أنا من النفر الذين قريتيهم في وقت كذا وكذا.

ثم أمر لها بألف شاة وألف دينار ثم أرسلها مع غلام إلى أخيه الحسين فقال لها: ما وهبك أخي ؟ قالت: ألف شاة وألف دينار فأمر لها بمثل ذلك<.

وقال رسول الله لفاطمة: ابشري فأنت سيدة نساء أهل الجنة قالت: وآسية امرأة فرعون ومريم أم عيسى، قال: أن آسية سيدة نساء عالمها، ومريم سيدة نساء عالمها وأنت سيد نساء العالمين، وأنت في بيت من قصب لا لغب فيه ولا نصب، ثم قال: وقد زوجتك ابن عمي وهو سيد في الدنيا وسيد في الآخرة<([26]).

كان علي بن الحسين إذا قام للوضوء أصفر لونه، فقيل في ذلك قال: إنكم لا تعلمون بين يدي من أقف؟؟

كان علي بن موسى الرضا إذا أراد دخول الحمام عهد إلى صاحب الحمام أن يخليه، وذات يوم أخلى صاحب الحمام المكان وغفل عن شخص كان فيه وكان من أهل القرى، وصادف أن رأى القروي علي بن موسى فظن أنه هندي من خدم الحمام فقال له: انهض وجئني بالماء ثم أمره أن يأتيه بطين فلما سمع صاحب الحمام صوت القروي خاف وهرب، فلما خرج الرضا قيل له أن صاحب الحمام خاف مما جرى، وخاف القروي لما رأى ذلك، فقال: لا تخف أنه ليس بذنب<([27]).

وكان علي بن الحسين في المسجد ذات يوم فدخل عليه أحد الناس وشتمه، فهمّ غلامه بالرجل فقال لغلامه أكفف يدك، ثم قال للرجل: ألك حاجة فأقضيها لك؟ فخجل الرجل مما بدر منه ثم أن علي بن الحسين كساه حلّة وأعطاه ألف درهم.

فكان الرجل إذا رآه قال: أشهد أنه ابن الأنبياء.

وروي أنه نادى غلامه فلم يجبه ثم ناداه فلم يجبه فجاءه فقال له: أما سمعت؟ قال: بلى سمعت قال: فمالك لم تجب قال الغلام: لأني أمنت عقوبتك. فقال الحمد لله الذي جعل غلامي يأمن عقابي([28]).

كان «بابا حسن» إمام الصلاة لشيخنا >أبو سعيد أبو الخير< وكان إمام المتصوفة في عهد شيخنا<.

وذات يوم كان يصلي الفجر فلما كان القنوت قال: >تباركت ربّنا وتعاليت صلَّ على محمد؛ ثم سجد.

فلما فرغ من الصلاة؛ قال شيخنا: لم تركت ا لصلاة على آل النبي ولم تقل: >اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد<؟ فقال بابا حسن: إن الأصحاب في خلاف على ذلك هل تجب الصلاة: على آل محمد في القنوت أو التشهد الأول أم لا، وقد تركت ذلك على سبيل الاحتياط.

فقال شيخنا: إننا لا نسير في موكب لا يكون فيه آل محمد([29]).

وقال شيخنا: إن رجلاً من الجهوديين (اليهود) جاء إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وقال: يا أمير المؤمنين إن الله ربنا جلّ جلاله الذي كان كيف كان؟ فأقبل عليه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وقال: إن الله بلا صفة ولا كيف وهو كما هو، هو الأول بلا أولية والآخر بلا آخرية الغايات دونه منقطعة؛ لأنه غاية الغايات: أفهمت يا يهودي أم لا؟ قال اليهودي: أشهد أن من قال غير هذا فهو باطل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله([30]).

قال شيخنا أبو سعيد+ : رأيت أن من صلّى على المصطفى في كل ليلة جمعة ألف مرة فإنه يراه عليه الصلاة والتحية في المنام.

ففعلنا ذلك ورأينا المصطفى وكانت فاطمة الزهراء جالسة عنده والمصطفى صلوات الله وسلامه عليه يمسح بيده المباركة على فرق رأسها الميمون، فلما أردنا أن نجلس عند الرسول، قال لنا: مه فإنها سيدة نساء العالمين([31]).

المستملي النخاري

علي بن أبي طالب، سِرّ العارفين وقد أجمعت الأمة على أن علي بن طالب هو أنفاس الأنبياء ومن كان كلامه كلاماً لم ينطق به أحد قبله ولم يأت به أحد بعده.

الحسن بن علي نتحدث عن بعض عمله فنقول: أنه سقي السم ست مرّات لم يؤثر به في خمسة منها وأثر به في السادسة، وجلس أخوه الحسين عند رأسه، وقال: ألا تخبر عمن سقاك السم يا أخي؟ فقال: يا أخي مما كان أبي علي غمازاً وما كانت أمي وما كان جدّي محمد المصطفى وما كانت جدّتي خديجة وما كان من أهل البيت غماز.

وأني لا أدخل الجنة يوم القيامة بعد غفران ربي حتى يهبني من سقاني السم.

ومن أخلاق الحسين: أنه كان يأكل طعامه وكانت جارية واقفة على رأسه فسقط الإناء من يدها فنظر إليها الحسين فقالت: (والكاظمين الغيظ)([32]).

فقال: عفوت عنك.

قالت: (والله يحب المحسنين)([33]).

قال: أنت حرّة لوجه الله تعالى.

وكيف نستقصي مناقب كان فلذة من نبي.

قال تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}([34]).

كان النبي مع علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء والحسن والحسين تحت الكساء فجاء جبرائيل، وقال: إذن لي يا محمد أن أكون معكم لأكون سادسكم<([35]).

أبو الحسن الجويري الغزنوي

باب في ذكر أئمة من أهل البيت... وأهل بيت النبي هؤلاء مختصون بالطهارة الإلهية وكل منهم قدوة الطائفة وقدوة الخاص والعام، وها أنا أبين سيرة بعضهم إن شاء الله.

منهم: فلذة المصطفى وريحانة فؤاد المرتضى، قرة عين الزهراء، أبو محمد الحسن بن علي ـ كرم الله وجهه ـ

له نظر كامل في هذه الطريقة وحظ وافر في دقائق العبارات ولما غلب القدريون وتشتت أهل الاعتزال كتب الحسن البصري إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما قائلاً:

سلام عليك يا بن بنت الرسول وقرّة عينه ـ رحمة الله عليكم وبركاته وانتم يا بني هاشم كالسفن السائرة في البحار والنجوم الساطعة، وأنتم علائم الهداية والأئمة من اتبعكم نجا كما نجا من ركب سفينة نوح فالذين نجوا من الغرق هم المؤمنون.

فما تقوم يا بن الرسول ونحن في حيرة من القدر واختلاف في الاستطاعة لنعرف نهجك في هذا وأنتم ذرية النبي وعلمكم من علم الله الذي لا ينقطع وهو حافظكم.

فجاء الجواب أن العبد مخيّر فمن قال القدر (تفويض الناس) فهو كافر ومن قال أن المعصية من الله فهو فاجر، وهو مذهب أهل الجبر وأن الدين لا جبر ولا تفويض.

ورآه إعرابي فسبه وسب أمه، وأباه فنهض إليه وقال: يا إعرابي إن كنت جائعاً أطعمناك أو ظمآناً سقيناك، ثم ألتفت إلى غلامه وأمره أن يأتيه ببدرة دنانير فناولها إلى الأعرابي وقال: لوكان عندنا غير هذا أعطيناك.

فلما رأى الإعرابي ذلك قال: أشهد أنك ابن رسول الله. هذا من صفات الحليم، وقد جاء عن مشايخنا رضوان الله عليهم أن المدح والذم يتساوى عندهم وهم لا يغضبون ممن أساء إليهم.

وأما شمعة آل محمد سيد زمانه أبو عبدالله الحسين بن علي بن أبي طالب فهو محقق الأولياء وقبلة أهل البلاء وقتيل كربلاء.

وقد اتفق أهل هذه ا لقصة على صحة حاله لإظهار الحق، فلما رأى الحق مفقوداً شهر سيفه وجاد بنفسه شهادة في سبيل الله، ومناقبه أشهر من أن تخفى على الأمة.

وأيضاً وارث النبوّة وسراج الأمة، السيد المظلوم والإمام المحروم زين العباد وشمع الأوتاد أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أكرم وأعبد أهل زمانه وهو مشهور بكشف الحقائق ونطق الدقائق، وقد جاء أن الحسين لما قتل وقتل جميع ولده رضوان الله عليهم في كربلاء لم يبق غيره ليكون القيم على الضعفاء وكان عليلاً.

وكان أمير المؤمنين الحسين يدعوه علياً الأصغر.

وقد حمل على الإبل بلا وطا إلى دمشق وأدخل على يزيد بن معاوية أخزاه الله.

قال له رجل: كيف أصبحتم يا أهل بيت الرحمة؟

فقال: في جفاء من قومنا كما أصبح قوم موسى من قوم فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، لا نعرف نهاراً من ليل.

وجاء في الأخبار أن هشام بن عبدالملك بن مروان حج ذات مرّة فلما قام بالطواف وأراد استلام الحجر الأسود لم يستطع من شدّة ازدحام الخلق فوضع له منبر وجلس ينظر.

ثم جاء زين العابدين علي بن الحسين إلى المسجد الحرام وقد أشرق وجهه المقمر وفاح ثوبه ا لمعطر، فطاف حول البيت فلما أراد استلام الحجر الأسود انشق له الناس صفين تعظيماً وإجلالاً فاستلم الحجر وقبله.

فلما رأى أهل الشام ذلك سأل رجل من هشام: من هذا الذي انفرج له الناس صفين؟ فقال هشام: لا أعرفه وكان مراده ألا يعرفه أهل الشام فيولّونه ويزهدون فيه.

وكان الفرزدق الشاعر حاضراً فارتجل قصيدته قائلاً:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته



 

والبيت يعرفه والحل والحرم

فغضب هشام وأمر بسجنه في عسفان بين مكة والمدينة، فلما سمع زيد العابدين بذلك أرسل إليه أثني عشر ألف درهم، وقال: أعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به فردها وقال: يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضباً لله ولرسوله وما كنت لا رزأ عليه شيئاً : فردّها إليه، وقال، بحقيّ عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك، فقبلها([36]).

سعدي الشيرازي

وظل القمر غائباً جمال محمد



 

والسرو لا يكون باعتدال محمد

وقدر الفلك في كماله ليس شيئاً

 

إذا ما قيس في كمال محمد

موعد كل من أمرئ يوم القيامة

 

وليلة الأسراء ليلة الوصل لمحمد

آدم ونوح والخليل وموسى وعيسى

 

كلهم جميعاً في ظلال محمد

وعلى الأرض كادت السماوات تهوي

 

لتقبل فقط حذاء محمد

والشمس والقمر لا تشعان في أرض الحشر

 

ليس من نور سوى جمال محمد

سعدي أنت أردت العشق والغرام

فأعشق محمد وكفى وآل محمد([37])

كريم السحاب جميل النسيم



 

نبي البرايا شفيع الأمم

إمام الرسل وهادي السبيل

 

أمين الإله مهبط جبرائيل

شضيع الورى سيد البعث والنشر

 

إمام الهدى صدر ديوان الحشر

كليم والكون كله طوره

 

وكل الأنوار أشعة نوره

شفيع مطاع نبي كريم

 

قسيم جسيم نسيم وسيم

إلهي بحق بني فاطمة

 

فتجعل إيماني بهم خاتمة

فإن ترد دعوتي وما من قبول

 

سأمسك بكفي ثوب آل الرسول([38])

السيد حيدر الآملي& والشيخ محيي الدين بن عربي

جاء في التفسير الكلامي العرفاني الموسوم > المحيط الأعظم والبحر الخضم< لمؤلفه السيد حيدر الآملي رحمه الله.

أعلم أن أسرار وحقائق القرآن هي أسرار إلهية، وحقائق ربانية، هبطت من عالم القدس والطهر عن أرواح مقدسة طاهرة وذوات شريفة قال الله تعالى:

{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}([39]).

على هذا فليس لها هبوط وظهور إلا في النفوس الكاملة والذوات المطهرة من الذنوب والمعاصي، وهي الرجس والخبث الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى: {الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ}([40]).

وهذه الأرواح الطاهرة والذوات الكاملة لا يبلغها أحد إلا الأنبياء والرسل وبعدهم هؤلاء الأئمة من أهل التوحيد الذين اتبعوهم بصدق وساروا على طريقهم.

ومن هنا قلنا ونقول: أن الراسخين في العلم وهم بشكل مطلق الأنبياء، ثم الرسل، ثم الأئمة، وبعدهم الأولياء وبعدهم العلماء وهم ميراث أهل التوحيد.

وعلى هذا فلا أحد غيرهم يدخل في زمرتهم كما تجد ذلك في كلام المشايخ الثقات، وفي هذا قال الله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}([41]).

وفي هذه الآية الكريمة إشارة إلى طهارة أهل البيت وتقدسهم ونزاهتهم من المعاصي والذنوب، ذلك أن هذا الرجس هو أحد اثنين إما أن يكون بمعنى الكفر والشرك أو بمعنى الذنب والفسق، فإن كان بالمعنى الأول وهو منتف بحكم طهارتهم وتنزههم.

وإن كان بالمعنى الثاني فإن كانوا غير منزهين عن هذا وأمثاله فالطهارة لا تصدق عليهم، لأن الذنب والفسوق من أسوأ النجاسات وأخبثها وأن الحق تعالى شهد لهم بالطهر والتنزّه، وعلى هذا فإن الضرورة تحكم بأنهم يجب أن يكونوا طاهرين ومطهرين وإلا استلزم الخلاف في كلام الله وهذا محال.

وأما مقالة مشايخ الصوفية فإن شخصهم الأعظم أبا عبدالله محمد بن علي المعروف بابن عربي في معرفة سرّ سلمان الذي ألحقه بأهل البيت إنّا روينا من حديث جعفر بن محمد بصادق عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسن بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عن رسول الله’ أنه قال: >مولى القوم منهم< وخرّج الترمذي عن رسول الله أنه قال: >أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته<، وقال تعالى في حق المختصين من عباده {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ} فكل عبد إلهي توجد لاحد عليه من حق المخلوقين، فقد نقص من عبوديته لله بقدر ذلك الحق فإن ذلك المخلوق يطلبه بحقه وله عليه سلطان به، فلا يكون عبداً محضاً خالصاً لله، وهذا هو الذي رجح عند المنقطعين إلى الله انقطاعاً عن الخلق ولزومهم السياحات والبراري والسواحل والفرار من الناس والخروج من ملك الحيوان فإنهم يريدون الحرية من جميع الأكوان ولقيت منهم جماعة كبيرة في أيام سياحتي ومن الزمان الذي حصل لي في هذا المقام ما ملكت حيواناً أصلاً، بل ولا الثوب الذي ألبسه فإني لا ألبسه إلا عارية لشخص معين أذن لي في التصرف فيه والزمان الذي أتملك الشيء فيه أخرج عنه في ذلك الوقت، إما بالهبة أو العتق إن كان ممن يعتق، وهذا حصل لي لما أردت التحقق بعبودية الاختصاص لله قيل لي لا يصح لك ذلك حتى لا يقوم لأحد عليك حجة قلت ولا لله إن شاء الله قيل لي وكيف يصح لك أن لا يقوم لله عليك حجة، قلت إنما تقام الحجج من المنكرين لا على المعترفين وعلى أهل الدعاوى وأصحاب الحظوظ لا على من قال مالي حق ولا حظ ولما كان رسول الله’ عبداً محضاً قد طهره الله وأهل بيته تطهيراً وأذهب عنهم الرجس، وهو كل ما يشينهم فإن الرجس هو القذر عند العرب، هكذا حكى القرّاء قال تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فلا يضاف إليهم إلا المطهر ولابد فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم فما يضيفون لأنفسهم الامن له حكم الطهارة والتقديس، فهذه شهادة من النبي’ سلمان الفارسي بالطهارة والحفظ الإلهي والعصمة، حيث قال رسول الله’: >سلمان منّا أهل البيت< وشهد الله لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم، وإذا كان لا ينضاف إليهم إلا مطهر ومقدس وحصلت له العناية الإلهية بمجرد الإضافة فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم فهم المطهرون، بل عين الطهارة، فهذه الآية تدل على أن الله قد شرك أهل البيت مع رسول الله في قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} وأي وسخ وقذر أقذر من الذنوب فطهر الله سبحانه نبيه’ بالمغفرة فما هو ذنب بالنسبة إلينا لو وقع منه’ لكان ذنبه في الصورة لا في المعنى؛ لأن الذم لا للحق به على ذلك من الله ولا منا شرعاً فلو كان حكمه حكم الذنب لصحبة ما يصحب الذنب من المذمّة ولم يصدق قوله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً فدخل في الشرفاء أولاد فاطمة كلهم ومن هو من أهل البيت، مثل سلمان الفارسي إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية من الغفران، فهم المطهرون اختصاصاً من الله وعناية بهم لشرف محمد’ وعناية الله به ولا يظهر حكم هذا الشرف لأهل النبي^ إلا في الدار الآخرة، فإنهم يحشرون مغفوراً لهم وأما في الدنيا فمن أتا منهم حداً أقيم عليه كاالتائب إذا بلغ الحاكم أمره وقد زنى أو سرق أو شرب الخمر، أقيم عليه الحدّ مع تحقق المغفرة. ولا يجوز ذمّه وينبغي لكل مسلم مؤمن بالله وبما أنزله أن يصدق الله تعالى في قوله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً، فيعتقد في جميع ما يصدر من أهل البيت أن الله قد عفا عنهم فلا ينبغي لمسلم أن يلحق المذمّة بهم ولا ما يشنأ اعراض من قد شهد الله بتطهيره وذهاب الرجس عنه لا يعمل عملوه ولا بخير قدموه، بل سابق عناية من الله بهم؛ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وإذا صح الخبر الوارد في سلمان فله هذه الدرجة فإنه لو كان سلمان على أمر يشنئون ظاهر الشرع وتلحق المذمّة لأهل البيت من ذلك بقدر ما أضيف إليهم وهم المطهرون بالنص فسلمان منهم بلا شك، فأرجو أن يكون عقب علي وسلمان تلحقهم هذه العناية، كما لحقت أولاد الحسن والحسين، وعقبهم وموالي أهل البيت فإن رحمة الله واسعة يا ولي، وإذا كانت منزلة مخلوق عند الله بهذه المثابة أن يشرف المضاف إليهم بشرفهم وشر منهم ليس لأنفسهم وإنما الله تعالى هو الذي اجتباهم وكساهم حلّة الشرف كيف يا ولي بمن أضيف إلى من له الحمد والمجد والشرف لنفسه وذاته فهو المجيد سبحانه وتعالى فالمضاف إليه من عباده الذين هم عبادة وهم الذين لا سلطان لمخلوق عليهم في الآخرة قال تعالى لإبليس (إن عبادي) فأضافهم إليه (ليس لك عليهم سلطان)، وما تجد في القرآن عباداً مضافين إليه سبحانه إلا السعداء خاصّة وجاء اللفظ في غيرهم بالعباد فما ظنك بالمعصومين المحفوظين منهم القائمين بحدود سيدهم الواقفين عند مراسمه فشرفهم أعلى وأتمّ وهؤلاء هم أقطاب هذا المقام ومن هؤلاء الأقطاب ورث سلمان شرف مقام أهل البيت فكان رضي الله عنه من أعلم الناس بما لله على عباده من الحقوق وما لأنفسهم والخلق عليهم من الحقوق وأقواهم على أدائها وفيه قال رسول الله’: «لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من فارس»، وأشار إلى سلمان الفارسي وفي تخصيص النبي’ ذكر الثريا دون غيرها من الكواكب إشارة بديعة لمثبتي الصفات السبعة؛ لأنّها سبعة كواكب فافهم سرّ سلمان الذي ألحقه بأهل البيت ما أعطاه النبي’ من أداء كتابته وفي هذا فقه عجيب فهو عتيقه’ ومولى القوم منهم والكل موالي الحق ورحمته وسعت كل شي وكل شيء عبده ومولاه، وبعد أن تبيّن لك منزلة أهل البيت عند الله وأنه لا ينبغي لمسلم أن يذمهم مما يقع منهم أصلاً فإن الله طهرهم، فليعلم الذام لهم أن ذلك راجع إليه([42]).



([1]) الأعراف: الآية 128؛ القصص: الآية 83، وتعني النهاية والإطلاق الموجود في الآية لا يحصر العاقبة في عالم الآخرة، بل أنها تشمل الدنيا، أيضاً ما يعني أن نهاية التاريخ البشري ستكون سيادة الإنسان الصالح، والإنسان المؤمن المتقي، وأن الإنسان لصالح هو الذي سيقود الإنسانية نحو شاطئ السعادة.

([2]) الإرشاد للمفيد: 2/384؛ بحار الأنوار: 52/332 باب27 ح58.

([3]) سورة الأنبياء: الآية 105.

([4]) وهو نظير قوله تعالى: {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} الأعراف: الآية 71.

([5]) زبور داود / المزمور /9.

([6]) زبور داود / المزمور /9.

([7]) سورة الفاتحة: الآية 6.

([8]) كشف الأسرار للمبيدي: 1/18.

([9]) سورة البقرة: الآية 245.

([10]) كشف الأسرار: 1/662.

([11]) سورة البقرة: الآية 274.

([12]) كشف الأسرار: 1/746.

([13]) كشف الأسرار: 2/151.

([14]) كشف الأسرار: 3/150 ـ 151.

([15]) المصدر السابق: 5/106.

([16]) كشف الأسرار: 7/49.

([17]) المصدر السابق: 10/686.

([18]) تذكرة الأولياء: 20.

([19]) سورة البقرة: الآية 256.

([20]) تذكرة الأولياء: 125.

([21]) الرسالة القشيرية: ذكر معروف الكرفي ص9 ـ 10 ط دار الكتاب العربي.

([22]) المصدر السابق: 223.

([23]) الرسالة القشيرية: 263.

([24]) الرسالة القشيرية: 263.

([25]) الرسالة القشيرية: 582..

([26]) كيمياء السعادة: 2/186.

([27]) كيماء السعادة: 2/414.

([28]) كيماء السعادة: 321.

([29]) أسرار التوحيد: 1/204.

([30]) أسرار التوحيد: 1/248.

([31]) أسرار التوحيد: 1/268.

([32]) سورة آل عمران: الآية 134.

([33]) سورة آل عمران: الآية 134.

([34]) سورة الأحزاب: الآية 33.

([35]) شرح تعرق: 1/199 ـ 200.

([36]) كشف المحجوب: 85 ـ 95.

([37]) كليات سعدي: 714.

([38]) كليات سعدي: 203.

([39]) سورة الواقعة: الآيات 77 ـ 79.

([40]) سورة النور: الآية 26.

([41]) سورة الأحزاب: الآية 33.

([42]) الفتوحات المكية: 1/ الباب 29 في سرّ سلمان الذي ألحقه بأهل البيت.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ملامح عقيلة الهاشميّين السيّدة زينب الكبرى *
يوم الخروج وكيفيته
الجزع على الإمام الحسين (عليه السّلام)
الدفاعٌ عن النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم
أهل البيت النور المطلق
حديث الغدير ودلالته على ولاية أمير المؤمنين (ع)
عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي (عليه ...
عليٌ لا يحبّه منافق
سيرة الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)
خطيب جمعة بغداد: ما احوجنا اليوم لفهم مشروع ...

 
user comment