عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

حب أهل البيت أجر الرسالة

حب أهل البيت أجر الرسالة

ولم يسأل النبي’ على أجر الرسالة بأمر الله عز وجل إلا حب أهل بيته {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}([1]).

وفي هذا سرّ صلة الرحم فمن لا يفعل ذلك كيف يتأتى له أن يطلب الشفاعة من رسول الله؟

والمودة هو الحب الثابت للإنسان وعمله: >كل ما يفعله المحبوب محبوب<.

وحب أهل البيت دليل على حب الرسول’ وهو واجب على كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة.

ونختم هذا الفصل بما جاء في كتاب ينابيع المودّة >سليمان بن إبراهيم القنوزي 1220 ـ 1294م< من شعر لمحيي الدين بن عربي:

فلا تعدل بأهل البيت خلقاً



 

فأهل البيت هم أهل الشهادة

فبغضهم من الإنسان خسرٌ

 

حقيقي وحبّهم عبادة

ثقافة أهل البيت^

إشارة

في هذا الفصل قبس من ثقافة أهل البيت الإنسانية، حيث نقتطف من تلك الحدائق الغنّاء بعض تلك الورود والأزهار والثمار، وإن سيرتهم^ تجسّد سمو الأخلاق ونبل الصفات:

إنهم بحق ملائكة هذا الكوكب ومعجزات الخَلْق الإلهي العظيم والخُلُق الإنساني الكريم.

أخلاق أهل البيت^

أهل البيت هم قمم إنسانية شماء في الخلق النبيل وهم بحق شموس تسطع في سماء الله ومن أجل هذا اصطفاهم الله ليكونوا قدوة للناس وأسوة.

وهذه سيرتهم وما أثر عنهم وهذه مواقفهم وكلماتهم وتجربتهم الإنسانية تعكس مجدهم الأخلاقي وإنسانيتهم.

أضواء من أخلاق النبي الأكرم

المال المبارك

عن الإمام الصادق× قال: جاء رجل إلى رسول الله’ وقد بلي ثوبه فحمل إليه أثني عشر درهماً، فقال: يا علي خذه هذه الدراهم فاشتر لي ثوباً ألبسه، قال علي×: فجئت إلى السوق فاشتريت له قميصاً بأثني عشر درهماً وجئت به إلى رسول الله’ فنظر إليه فقال: يا علي غير هذا أحبّ إليّ، أترى صاحبه يقيلنا؟ قلت لا أدري، فقال: انظر، فجئت إلى صاحبه فقلت: إن رسول الله’ قدكره هذا يريد ثوباً دونه (غيره) فأقلنا فيه، فردّ عليّ الدراهم وجئت (بها) إلى رسول الله’ فمشى معي إلى السوق ليبتاع قميصاً فنظر إلى جارية قاعدة على الطريق تبكي، فقال لها رسول الله’: >ما شأنك؟ قال: يا رسول الله أن أهل بيتي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم حاجة فضاعت فلا أجسر أن أرجع إليهم، فأعطاها رسول الله’ أربعة دراهم، وقال: أرجعي إلى أهلك، ومضى رسول الله’ إلى السوق فاشترى قميصاً بأربعة دراهم، ولبسه وحمد الله، وخرج فرأى رجلاً عرياناً يقول: من كساني كساه الله من ثياب الجنة، فخلع رسول الله’ قميصه الذي اشتراه وكساه السائل، ثم رجع إلى السوق فاشترى بالأربعة دراهم التي بقيت قميصاً آخر فلبسه وحمد الله ورجع إلى منزله، وإذا بالجارية قاعدة على الطريق فقال لها رسول الله’: >مالك لا تأتين أهلك؟ قال: يا رسول الله إنّي قد أبطأت عليهم وأخاف أن يضربوني، فقال رسول الله’: مرّي بين يديّ ودلّيني على أهلك؛ فجاء رسول الله’ حتى وقف على باب دارهم، ثم قال: السلام عليكم يا أهل الدار: فلم يجيبوه، فأعاد السلام فلم يجيبوه، فأعاد السلام فقالوا عليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال لهم: مالكم تركتم أجابتي في أول السلام والثاني؟ قالوا: يا رسول الله سمعنا سلامك فأحببنا أن تستكثر منه، فقال رسول الله’: إن هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها، فقالوا: يا رسول الله هي حرّة لممشاك، فقال رسول الله’: الحمد لله، ما رأيت أثني عشر درهماً أعظم بركة من هذه، كسا الله بها عريانين واعتق بها نسمة.

من خصائص النبي

عن الإمام الباقر×: >قال رسول الله’ خمس لست بتاركهن حتى الممات: لباس الصوف، وركوبي الحمار مؤكفاً، وأكلي مع العبيد، وخصفي النعل بيدي، وتسليمي على الصبيان لتكون سنّة بعدي<([2]).

يهودي يؤمن برسالة النبي

عن الإمام الكاظم× عن آبائه^ عن أمير المؤمنين× قال: >إن يهودياً كان له على رسول الله’ دنانير فتقاضا، فقال له: يا يهودي ما عندي ما أعطيك، فقالك فإني لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني: فقال: إذا أجلس معك، فجلس معه حتى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله’ يتهددونه ويتوعدونه، فنظر رسول الله أليهم؛ فقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا يا رسول الله! يهودي يحبسك؟!، فقال’: >لم يبعثني ربي عزّ وجلّ بأن اظلم معاهداً ولا غيره، فلما علا النهار، قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة: محمد بن عبدالله مولده بمكة ومهاجره بطيبة، وليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب، ولا متزيّن بالفحش ولا قول الخناء، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وهذا مالي فأحكم فيه بما أنزل الله، وكان اليهودي كثير المال([3]).

يقترض ويسد حاجة الفقراء

عن الإمام× عن أبيه الباقر×، قال: جاء إلى النبي’ سائل يسأله، فقال رسول الله’: هل من أحد عنده سلف؟ فقام رجل من الأنصار من بني الجبلي (أو الحبلي)، فقال: عندي يا رسول الله، قال: فأعط هذا السائل أربعة أوساق تمر، قال: فأعطاه، قال: ثم جاء الأنصاري بعد إلى النبي’ يتقاضاه فقال له’: >يكون إن شاء الله، ثم عاد إليه فقال: يكون إن شاء الله، ثم عاد إليه الثالثة، فقال: يكون إن شاء الله فقال (الأنصاري): قد أكثرت يا رسول الله من قول: يكون إن شاء الله، قال: فضحك رسول الله، وقال: هل من رجل عنده سلف؟ قال: فقام رجل فقال له: عندي يا رسول الله، قال: وكم عندك! : قال: ما شئت، قال: فاعط هذا ثمانية أوسق من تمر، فقال الأنصاري: إنما لي أربعة يا رسول الله؟ قال رسول الله: وأربعة أيضاً<([4]).

يأكل مع المساكين

وعن الإمام الصادق عن أبيه الباقر‘: >إن المساكين كانوا يبيتون في المسجد على عهد رسول الله’، فافطر النبي’ مع المساكين الذين في المسجد ذات ليلة عند المنبر في برمة (قدر من حجر)، فأكل منها ثلاثون رجلاً، ثم ردّت إلى أزواجه شبعهن <([5]).

هموم الأنبياء

عن الإمام الباقر× قال: كان على عهد رسول الله’ مؤمن فقير شديد الحاجة من أهل الصفة، وكان ملازماً رسول الله’ عند مواقيت الصلاة كلّها، لا يفقد في شيء منها، وكان رسول الله’ يرقّ له وينظر إلى حاجته وغربته، فيقول: يا سعد لو قد جاءني شيء لأغنيتك، قال: فأبطأ ذلك على رسول الله’ فأشتد غم رسول الله’ لسعد: فعلم الله سبحانه ما دخل على رسول الله’ من غمّه لسعد، فأهبط عليه جبرئيل ومعه درهمان فقال له: يا محمد إن الله عزّ وجلّ قد علم ما دخلك من الغم بسعد أفتحبّ أن تغنيه؟ فقال: نعم فقال له: فهاك هذين الدرهمين فأعطهما إياه، ومِرْة أن يتجّر بهما، قال: فأخذهما رسول الله’ ثم خرج إلى صلاة الظهر، وسعد قائم على باب حجرات رسول الله’ ينتظره، فلما رآه رسول الله’، قال: يا سعد أتحسن التجارة؟ فقال له سعد: والله ما أصبحت أملك مالاً أتّجر به، فأعطاه رسول الله’ الدرهمين وقال له: أتجر بهما وتصرّف لرزق الله تعالى؛ فأخذهما سعد ومضى مع النبي’ حتى صلّى معه الظهر والعصر، فقال له النبي’، قم فاطلب فقد كنت بحالك مغتماً يا سعد، قال: فأقبل سعد لا يشتري بدرهم شيئاً إلا باعه بدرهمين ولا يشتري شيئاً بدرهمين إلا باعة بأربعة، وأقبلت الدنيا على سعد؛ فكثر متاعه وماله وعظمت تجارته، فاتخذ على باب المسجد موضعاً وجلس فيه وجمع تجايره (تجارته) إليه وكان رسول الله’ إذا أقام بلال الصلاة يخرج وسعد مشغول بالدنيا لم يتطهر ولم يتهيأ كما كان يفعل قبل أن يتشاغل بالدنيا، فكان النبي’ يقول: يا سعد شغلتك الدنيا عن الصلاة فكان يقول: ما أصنع أضع مالي؟ هذا رجل قد بعته فأريد أن أستوفي منه، هذا رجل قد اشتريت منه فأريد أن أوفيّه، قال فدخل رسول الله’ من أمر سعد غم أشدّ من غمّه بفقره، فهبط عليه جبرائيل×، فقال: يا محمد إن الله قد علم غمّك بسعد، فأيما أحبّ إليك؟ حاله الأولى أو حاله هذه؟ فقال له النبي’: يا جبرائيل بل حاله الأولى؛ قد ذهبت دنياه بآخرته، فقال له جبرائيل: إن حب الدنيا والأموال فتنة ومشغلة عن الآخرة، قل لسعد: يردّ عليك الدرهمين اللذين دفعتهما إليه، فإن أمره سيصر إلى الحال التي كان عليها أولاً، قال فخرج النبي’: فمرّ بسعد فقال له: يا سعد أما تريد أن تردّ عليّ الدرهمين الذين أعطيتكهما؟ فقال سعد: بلى ومئتين، فقال له: لست أريد منك يا سعد إلا الدرهمين؛  فأعطاه سعد الدرهمين، قال فأدبرت الدنيا عن سعد حتى ذهب ما كان جمع وعاد إلى حاله التي كان عليها([6]).

بساطة بلا حدود

قيل للإمام الصادق× حديث يروى عن أبيك أنه قال: ما شبع رسول الله من خبز برّ (حنطة) قط أهو صحيح؟ فقال: لا ما أكل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم خبز برّ قط ولا شبع من خبز شعير قط([7]).

ذروة العبودية

عن أبي بصير عن أبي عبدالله الصادق× قال: كان رسول الله’ يأكل أكل العبد ويجلس جلوس العبد ويعلم أنه عبد<([8]).

لقمة مباركة

قال الإمام الصادق×: مرّت امرأة بدوية برسول الله’ وهو يأكل وهو جالس على الحضيض، فقال: يا محمد والله أنك لتأكل أكل العبد، وتجلس جلوسه، فقال لها رسول الله’: ويحك أي عبد أعبد مني؟ قالت: فناولني لقمة من طعامك، فناولها، فقالت: لا والله إلا التي في فمك، فأخرج رسول الله’ اللقمة من فمه فناولها، فأكلتها، قال أبو عبدالله× فما أصابها داء حتى فارقت الدنيا([9]).

الحلم

عن أنس بن مالك قال: أن النبي’ أدركه إعرابي فأخذ بردائه، فجبذه (جذبه) جبذة (جذبة) شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله’ وقد أثرت به حاشية الرداء من شدة جبذته (جذبته) ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله’ فضحك وأمر له بعطاء([10]).

وعنه أيضاً قال: صحبت رسول الله’ عشر سنين وشممت العطر كلّه فلم أشم نكهة أطيب من نكهته وكان إذا لقيه واحد (أحد) من أصحابه قام معه فلم ينصرف حتى يكون الرجل (هو الذي) ينصرف عنه وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناولها إياه فلم ينزع عنه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع عنه([11]).

وعنه أيضاً قال: كان رسول الله’ إذا فقد الرجل من أخوانه ثلاثة أيام سأل عنه، فإن كان غائباً دعا له وأن كان شاهداً زاره وأن كان مريضاً عاده([12]).

في سنة 9هـ وجه رسول الله’ علي بن أبي طالب في سريّة إلى بلاد طي في ربيع الآخر فأغار عليهم وسبى، وكان في السبي أخت عدي بن حاتم الطائي، فأتوا بهم النبي’ فصفّوا له فقالت أخت عدي وكان أسمها سفانة: يا رسول الله، نأى الوافد، وانقطع الوالد وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة، فمنّ علي منّ الله عليك يا رسول الله! قال: من وافدك؟ قالت: عديّ بن حاتم، قال’ الذي فرّ من الله ورسوله؟ قال: فمنّ علي وكان رجل إلى جنبه ترى أنه علي’ قال (علي): سليه حملاناً ـ فسألته، فأطلقها النبي’ وكساها وأعطاها نفقة وأرسلها إلى قومها، فلما رأت عديّاً قالت له: لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها.

قال عدي: يا أخيّة لا تقولي إلا خيراً فوالله مالي عذر.

وبعد أيام سأل عدي أخته عن النبي’ قائلاً: ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟

قالت: أرى والله أن تلحق به سريعاً، فإن يكن الرجل نبياً فالسابق إليه له فضيلة، وأن يكن ملكاً فلن تذلّ في عز اليمن وأنت أنت قال عدي: والله إن هذا للرأي.

فانطلق عدي بن حاتم وقدم على رسول الله في المدينة فدخل عليه وهو في المسجد فسلّم عليه.

فقال’: من الرجل؟ قال: عدي بن حاتم، فنهض رسول الله’ فانطلق به إلى بيته.

وفي الطريق لقيته امرأة ضعيفة كبيرة السن فاستوقفته، فوقف لها يقول عدي راوياً ما حصل: فوالله أنه لعامد بي إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته، فوقف لها طويلاً تكلّمه في حاجتها، فقلت في نفسي والله ما هذا بملك، ثم مضى رسول الله حتى دخل بيته فتناول وسادة من آدم محشوّة ليفاً، فقذفها إليّ قالت: لا بل أنت، فجلست وجلس رسول الله’ بالأرض قلت في نفسي: والله ها هذا بأمر ملك. ثم قال: أيه يا عدي بن حاتم، ألم تك ركوسياً؟ قلت: بلى، قال: أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع؟ قلت: بلى، قال: فإن ذلك لم يكن يحلّ لك في دينك، قلت: أجل والله، وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يُجهل ـ ثم قال النبي’: لعله يا عدي بن حاتم إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم (المسلمين).

فوالله ليوشكنّ المال يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعله إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم، فوالله ليوشكنّ أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف إلا الله، ولعله إنما يمنعك من الدخول فيه إنك ترى أنّ الملك والسلطان في غيرهم، وإيم الله يوشك أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت.

ويقول عدي بن حاتم: فأسلمت.

ثم كان يحدث فيما بعد: مضت الثنتان وبقيت الثالثة والله لتكوننّ. قد رأيت القصور البيض من ارض بابل قد فتحت، ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف شيئاً حتى تحج وإيم الله لتكوننّ الثالثة ليفيضنّ المال حتى لا يوجد من يأخذه([13]).

وقد أصبح عدي بن حاتم فيما بعد في الطليعة من أصحاب الإمام علي× المخلصين للرسالة، وقد وقف إلى جانبه  في محنته والحروب التي خاضها في الجمل وصفين والنهروان، وقد أصيبت إحدى عينيه في الجمل، كما فقد أولاده الثلاثة (طريف، وطارف، وطرفة) شهداء في معارك الحق ضد الباطل.

عن جرير بن عبدالله أن النبي’ دخل بعض بيوته فامتلأ البيت، ودخل جرير فقعد خارج البيت، فأبصره النبي’ فأخذ ثوبه فلفّه فرمى به إليه وقال: إجلس على هذا، فأخذ جرير (الثوب) فوضعه على وجهه وقبّله.

وعن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول الله’ وهو متكئ على وسادة فألقاها إليّ، ثم قال: يا سلمان ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراماً له إلا غفر الله له([14]).

وعن الإمام الصادق× قال: إن رسول الله’ أتته أخت له من الرضاعة، فلما أن نظر إليها سرّ بها وبسط رداءه لها فأجلسها عليه، ثم أقبل يحدثها ويضحك في وجهها ثم قامت فذهبت، ثم جاء أخوها فلم يصنع به ما صنع بها، فقيل: يا رسول الله صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل؟! فقال: لأنها كان أبرّ بأبيها منه([15]).

ويعفو عن ألدّ أعدائه

وفي فتح مكة وقد جاء النبي’ أكثر من عشرة آلاف مقاتل وفتحت مكة أبوابها، وكان النبي، قد عانى ما عانى من قريش فهل فكر النبي’ بالانتقام؟ كلا لقد دخل مكّة في غاية التواضع، ولما سمع هتاف أحد القادة: اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة، أمر بتنحيته وأمر أن يهتف: اليوم ترعى المرحمة.

ولما كسر النبي الأصنام واجه قريش قائلاً: ماذا ترون أني فاعل بكم؟

وماذا تقولون وماذا تظنّون؟

قالوا: نقول: خيراً ونظنّ خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم.

هنالك قال النبي’: إني أقول كما قال أخي يوسف: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}

اذهبوا فأنتم الطلقاء.

وعن النبي’ عن الشاعر المعروف كعب بن زهير بن أبي سلمى وطالما هجا النبي فجاءه فدخل عليه وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، هذا مقام العائذ بك أنا كعب بن زهير ثم أنشد قصيدته الشهيرة، >بانت سعاد<.

وجاء فيها: نبئت أن رسول الله أوعدني

الوعد عند رسول الله مأمول

فوهبه النبي’: بردته([16]).

ولما ارتداها جاء إعرابي فقال للنبي’ هبني هذه الجبة فخلعها من فوره وأعطاها للإعرابي([17]).

ولما مرض عبدالله هذا عاده النبي’ وقد طلب عبدالله من النبي أن يعطيه قميصه ليضعه مع أكفانه واستجاب النبي’ لذلك ولما مات حضر جنازته واستغفر له وصلى عليه وقدم التعازي لأبنه المؤمن، وقد هزّت هذه المواقف المئات من أتباع ابن أبي ورسخت من إيمانهم برسالة النبي’([18]).

هكذا كان رسول الله

وهذه آداب النبي’ كما جاء في الأخبار: كان’ أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم، لم تمس يديه يد امرأة لا تحلّ، وكان أسخى الناس، لا يثبت عند دينار ولا درهم (لا يستقر في بيته ولا يبيت عنده) فإذا بقي عنده شيء وجنه الليل لا يأوي إلى منزله حتى يوصله إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامة فقط، من يسير ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله، ولا يُسأل شيئاً إلا أعطاه، ثم يعود إلى قوت عامة فيؤثر منه، وربما احتاج قبل انقضاء العام.

وكان يجلس على الأرض وينام عليها ويأكل عليها وكان يخصف النعل ويرقع الثوب، ويفتح الباب، ويطحن مع الخادم إن أعيا.

ولا يتقدمه مطرق (أي أنه أكثر الناس إطراقاً إلى الأرض حياءً) والإطراق السكوت وإرخاء العينين إلى الأرض.

وسُئلت السيدة عائشة ما كان النبي’ يصنع إذا خلا؟

قالت يخيط ثوبه ويخصف نعله ويصنع ما يصنع الرجل في أهله. وعن عمر بن الخطاب قال: إن رجلاً أتى النبي’ وسأله أن يعطيه فقال’ له: ما عندي شيء ولكن ابتع عليّ (أي اشتر ما تحتاج وأنا أسدد فيما بعد) فإذا جائنا شيء قضينا، قال عمر: فقلت: يا رسول الله ما كلفك الله ما لا تقدر عليه!؟

قال: فكره النبي’ مقالة عمر؛ فقال الرجل: انفق ولا تخف من ذي العرش إقلالاً، قال: فتبسم النبي’ وعرف السرور في وجهه.

وعن ابن عباس: أن عمر بن الخطاب دخل على النبي’، وهو على حصير قد أثر في جنبيه، فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشاً؟

فقال النبي’: ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف (حار) فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها.

وعن أبي عبدالله الصادق× قال: أن رسول الله وعد رجلاً إلى الصخرة فقال: أنا لك هاهنا حتى تأتي، فاشتدت الشمس عليه، فقال له أصحابه: يا رسول الله لو أنك تحولت إلى الظل قال’: وعدته هاهنا.

وعن أبي رافع قال: سمعت رسول الله’ يقول: إذا سميتم (أبنائكم) محمداً فلا تقبحوه (قول الرجل لابنه قبحك الله) ولا تجبهوه (أي لا تردّوه عن حاجته) ولا تضربوه بورك بيت فيه محمد ومجلس فيه محمد ورفقة فيها محمد.

وعن ابن عباس: أن رسول الله’ توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعاً من شعير أخذها رزقاً لعياله.

وكان يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة أو يسميه، فيأخذه فيضعه في حجره تكرمة لأهله، فربما بال الصبي عليه، فيصيح بعض من رآه حين بال فيقول’: لا ترزموا بالصبي! فيدعه حتى يقضي بوله ثم يفرغ له من له من دعائه ثم يفرغ له من دعائه أو تسميته، ويبلغ سرور أهله فيه، ولا يرون أنه تأذى ببول صبيهم (أي لا يلاحظون عليه أية علامة من علامات الإستياء)، فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعد ذلك.

ودخل رجل المسجد وهو جالس وحده فتزحزح له فقال الرجل: في المكان سعة يا رسول الله فقال’: إن حق المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس إليه أن يتزحزح له.

عن الإمام الصادق× عن آبائه^: إن رسول الله’ كان يأتي أهل الصفة، وكانوا ضيفان رسول الله’، كانوا هاجروا من أهليهم وأموالهم إلى المدينة، فأسكنهم رسول الله’ صفّة المسجد وهم أربعمئة رجل يسلّم عليهم بالغداة والعشيّ، فأتاهم ذات يوم فمنهم من يخصف نعله ومنهم من يرقع ثوبه، ومنهم من يتفلّى، وكان رسول الله’ يرزقهم مداً مداً من تمر في كل يوم، فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله التمر الذي ترزقنا قد أحرق بطوننا، فقال رسول الله’: أما أني لو استطعت أن أطعمكم الدنيا لأطعمتكم، ولكن من عاش منكم بعدي فسيغدى عليه بالجفان ويراح عليه بالجفان، ويغدو أحدكم في قميصه ويروح في أخرى، وتنجدون بيوتكم كما تنجد الكعبة، فقام رجل فقال: يا رسول الله أنا على ذلك الزمان بالأشواق فمتى هو؟ قال’: زمانكم هذا خير من ذلك الزمان، أنكم إن ملأتم بطونكم من الحلال توشكون أن تملؤوها من الحرام([19]).

عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: علمت في غزوة الخندق أن رسول الله’ مقوى (جائع) لما رأيت على بطنه الحجر، فقلت يا رسول الله هلّ لك في الغداء؟ قال’ فما عندك فقلت عناق وصاع من شعير، فقال: تقدم وأصلح ما عندك، قال جابر: فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير، وذبحت العنز وسلختها، وامرتها أن تخبز وتطبخ وتشوي فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله’، فقلت: بأي وأمي أنت يا رسول الله قد فرغنا، فأحضر مع من أحببت، فقام إلى شفير الخندق ثم قال: يا معشر المهاجرين والأنصار أجيبوا جابراً، وكان في الخندق سبعمئة رجل، فخرجوا كلهم، ثم لم يمر بأحد من المهاجرين والأنصار إلا قال: أجيبوا جابراً، قال جابر: فتقدمت وقلت لأهلي: قد والله أتاك رسول الله’ بما لا قبل لك به، فقالت: أعلمته أنت بما عندنا؟ قال: نعم. قالت: فهو أعلم بما أتى، قال جابر، فدخل رسول الله’ فنظر في القدر ثم قال: أغرفي وأبقي، ثم نظر في التنور ثم قال: أخرجي وأبقي، ثم دعا بصحفة فثرد فيها وغرف، فقال: يا جابر أدخل علي عشرة عشرة، فأدخلت عشرة فأكلوا حتى نهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار أصبعهم، ثم قال: يا جابر عليّ بالذراع، فأتيته بالذراع فأكلوه، ثم قال: أدخل عشرة فأدخلتهم حتى أكلوا ونهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم، ثم قال علي بالذراع فأكلوا وخرجوا، ثم قال: أدخل علي عشرة فأدخلتهم فأكلوا حتى نهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم، ثم قال: يا جابر عليّ بالذراع، فأتيته. فقلت يا رسول الله كم للشاة. لقد جئتك لقد أتيتك بثلاثة، فقال: أما لو سكت يا جابر لأكل الناس كلهم من الذراع، قال جابر: فأقبلت أدخل عشرة عشرة فيأكلون حتى أكلوا كلهم وبقي والله لنا من ذلك الطعام ما عشنا به أياماً ([20]).

عن الإمام الصادق× أيتوني  بحطب، فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب! فقال’: فليأت كل إنسان بما قدر عليه فجاءوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول الله’: هكذا تجتمع الذنوب، ثم قال’، إياكم والمحقّرات من الذنوب فإن لكل شيء طالباً ألا وأن طالبها يكتب: {ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ}([21]).

وروي أنه سلم عليه غلام دون البلوغ وبش له وتبسم فرحاً بالنبي’ فقال’: يا فتى أتحبني؟ فقال: أي والله يا رسول الله. فقال له’: مثل عينيك؟ فقال: أكثر. فقال’: مثل أبيك؟ قال: أكثر. قال’: مثل أمك؟ فقال: أكثر. فقال’: مثل نفسك؟ فقال: أكثر والله يا رسول الله. فقال’: مثل ربك؟ فقال: الله الله يا رسول الله، ليس هذا لك، ولا لأحد فإنما أحببتك لحب الله. فالتفت النبي إلى من كان معه، وقال هكذا كونوا، أحبوا الله لإحسانه إليكم وإنعامه عليكم .



([1]) سورة الشورى: الآية 23.

([2]) الخصال: 1/271، ح13؛ وسائل الشيعة: 12/63، باب35، ح15652؛ بحار الأنوار:16/219 باب9 ح11.

([3]) الأمالي، الصدوق: 465، المجلس 71 ح6؛ بحار الأنوار: 16/216 باب 9 ح5؛ مستدرك الوسائل: 13/407، باب17، ح15741.

([4]) قرب الإسناد: 44؛ وسائل الشيعة: 9/435، باب 30 ح12422؛ بحار الأنوار: 16/218 باب 9 ح7.

([5]) قرب الإسناد: 69؛ بحار الأنوار: 16/219، باب 9، ح9.

([6]) الكافي: 5/312، باب النوادر: ح38؛ وسائل الشيعة: 17/401، باب14 ح22845؛ بحار الأنوار: 22/122، باب37 ح92.

([7]) بحار الأنوار: 16/216.

([8]) المحاسن: 2/456 باب51 ح386.

([9]) المحاسن: 2/457، باب51، ح388؛ بحار الأنوار: 16/225، باب9 ح31.

([10]) مكارم الأخلاق: 17؛ بحار الأنوار 16/230، باب 09 ح35.

([11]) المصدر السابق نفسه.

([12]) مكارم الأخلاق: 19؛ بحار الأنوار، 16/233 باب9 ح35.

([13]) طبقات أبي سعد: 1؛ السيرة النبوية: 4؛ البداية والنهاية: 5؛ تاريخ الطبري: حوادث سنة9هـ.

([14]) مكارم الأخلاق: 21؛ بحار الأنوار: 16/235 باب9، ح35.

([15]) الزهد: 34 باب5 ح88؛ بحار الأنوار: 16/281، ح126.

([16]) ناسخ التواريخ: 3/79.

([17]) شرف النبي: 69.

([18]) سورة الأنعام: الآية 95.

([19]) مستدرك الوسائل: 61/302.

([20]) بحار الأنوار: الآية 81/24.

([21]) وسائل الشيعة: 51/310.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

لا يضحي الإمام بالعدالة للمصلحة
ملامح عقيلة الهاشميّين السيّدة زينب الكبرى *
يوم الخروج وكيفيته
الجزع على الإمام الحسين (عليه السّلام)
الدفاعٌ عن النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم
أهل البيت النور المطلق
حديث الغدير ودلالته على ولاية أمير المؤمنين (ع)
عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي (عليه ...
عليٌ لا يحبّه منافق
سيرة الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)

 
user comment