عربي
Friday 27th of September 2024
0
نفر 0

حوادث مشابهة لمرض النبي ومواقف مختلفة عن موقفهم مع النبي!!

حوادث مشابهة لمرض النبي ومواقف مختلفة عن موقفهم مع النبي!!

مرض أبي بكر

مرض أبو بكر مرضا شديدا قبل وفاته، فدعا عثمان بن عفان قبل وفاته بقليل ليكتب وصية أبي بكر، وتوجيهاته النهائية، وطلب من عثمان أن لا يسمع أحد بذلك، وعندما جلس عثمان بجانب فراش أبي بكر قال له أبو بكر: أكتب (إني قد وليت عليكم...) ثم أغمي عليه من شدة الوجع فكتب عثمان اسم عمر (إني قد وليت عليكم عمر) فلما أفاق أبو بكر من غيبوبته طلب من عثمان أن يقرأ عليه ما كتب، فقرأ عثمان، فسر أبو بكر وقال لعثمان (لو كتبت اسمك لكنت أهلا لها) (1).

لقد أتاح المسلمون لأبي بكر الفرصة ليكتب وصيته وتوجيهاته النهائية، وعاملوه أثناء مرضه بكل التقديس والاحترام، ولم يقولوا له أنت تهجر، ولا قالوا له: إن المرض قد اشتد به، ولا قالوا له: حسبنا كتاب الله، ولا كسروا بخاطره ولا أساؤوا كما أساؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

____________

(1) تاريخ الطبري ج 2 ص 429: وسيرة عمر لابن الجوزي ص 37، وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 85، وكتابنا النظام السياسي ص 159، وكتابنا المواجهة ص 540.

 

 


الموقف المناقض لعمر بن الخطاب

عندما أراد أبو بكر أن يكتب توجيهاته النهائية ووصيته كان عمر يجلس مع الصفوة التي اختارها أبو بكر لتشهد كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، وكان معه شديد مولى أبي بكر.

فكان عمر يقول: (أيها الناس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله إنه يقول: إني لم آلكم خيرا) (1).

قارن بربك بين موقف عمر وحزبه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أراد أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية أثناء مرضه، وبين موقف عمر وحزبه من أبي بكر يوم كتب أبو بكر وصيته وتوجيهاته النهائية!!!

لم يقل عمر إن أبا بكر قد اشتد به الوجع، مع أن وجع أبي بكر كان أشد من وجع الرسول!! ولم يقل عمر إن أبا بكر قد هجر كما قال ذلك لرسول الله مع أن أبا بكر قد أغمي عليه قبل أن يتم الجملة!! ولم يجمع عمر الجموع ويقتحم بيت أبي بكر، كما جمع الجموع واقتحم بيت النبي، واتفق مع ذلك الجمع الذي جمعه على ترديد (اللازمة) القول ما قال عمر، ولم يختلف الحضور ولم يتنازعوا، ولم يكثر اللغط واللغو، ولم تتدخل النساء، لقد وفرت زعامة بطون قريش المناخ الملائم لوصية وتوجيهات أبي بكر النهائية لماذا لأن أبا بكر وعمر وزعامة بطون قريش من حزب واحد وعلى خط واحد، أما رسول الله فليس من حزبهم ولا على خطهم!!

مرض عمر بن الخطاب وكتابة وصيته وتوجيهاته النهائية

طعن عمر بن الخطاب، قال طبيبه لا أرى أن تمسي، فما كنت فاعلا فافعله واشتد به المرض، وأخذ يتذكر ويتوجع فيقول: (لو أن لي ما طلعت عليه

____________

(1) تاريخ الطبري طبعة أوروبا ج 1 ص 2138.

 

 


الشمس لافتديت به من هول المطلع، الويل لعمر ولأم عمر إن لم يغفر الله لعمر)، وقال لابنه عبد الله: (ضع خدي على الأرض لا أم لك) (1).

ومع هذا فقد كتب عمر وصيته وتوجيهاته النهائية وعهد عمر للستة نظريا ولعثمان عمليا، وأمر بضرب عنق من يخالف تعليماته (2)!!

لقد كتب عمر أثناء مرضه ما أراد ولم يعترضه أحد، لم يقل أحد بأن المرض قد اشتد بعمر، ولم يقل أحد بأن عمر قد هجر كما ردد عمر وزعماء حزبه ومرتزقته هذا القول الفاحش أمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! ولم يقل أحد عندنا كتاب الله وهو يغنينا عن وصيتك يا عمر وعن توجيهاتك النهائية!!

إنما قوبل عمر بكل التوقير والتقديس والاحترام ونفذت وصيته وتعليماته النهائية حرفيا كأنها كتاب منزل من عند الله بل وأكثر!! فهل لعمر وأبي بكر قداسة عند القوم أكثر من رسول الله!! وبأي كتاب قد أنزل الله بأن الاثنين أولى بالاحترام والطاعة من رسول الله؟!

لن تجرؤ على القول بأن فعلهما هذا يستحق اللوم على الأقل لأن العامة والخاصة من أولياء الخلافة التاريخية الذين أشربوا ثقافة التاريخ سيدفنوك حيا إن فعلت ذلك!! فهم يعتقدون أن الولاء للخلفاء جزء لا يتجزأ من الولاء لله، فلو قمت الليل وصمت النهار أبدا، وكنت غير موال للخلفاء، لأحلوا سفك دمك حتى بالأشهر الحرم!! فمن الممكن أن يخطئ النبي بعرفهم فهو بشر!! لكن من غير الجائز أن تقول أن أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو غيرهم قد أخطأ!! أولياء الخلافة التاريخية يعتقدون أن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم قد فعلوا ذلك برسول الله لحكمة

____________

(1) الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري والطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 64، وكتابنا الخطط السياسية ص 367 - 369، وكتابنا المواجهة ص 511 وما فوق.

(2) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 347 وأنساب الأشراف للبلاذري ج 5 ص 18، وتاريخ الطبري ج 5 ص 23.

 

 


كانت خافية على الناس!! أو فعلوا ذلك (اجتهادا) وبالتالي فإنهم - الخلفاء - مأجورون أجرا واحدا على إهانتهم لرسول الله وعقوقهم له ومعصيتهم لأوامره!!

إن هذا لهو البلاء المبين!! فمع أن معاوية قد هلك، وزال ملكه إلى غير رجعة، إلا أنه ما زال للآن يحكم الأكثرية الساحقة من المسلمين من خلال ثقافة الانحراف التي أوجدها، وأرسى قواعدها، وجذورها في نفوس المسلمين، وزينها لهم، فتوارثها المسلمون جيلا بعد جيل، فإنا لله وإنا إليه راجعون، لأن هذه ليست مصيبة فحسب بل إنها أكبر المصائب!!

فما قيمة سنة الرسول عند من يعاملون الرسول أثناء مرضه بهذه المعاملة القاسية والغاشمة!!

لم يصدف طوال التاريخ البشري

لم يصدف طوال تاريخ البشر أن عومل ولي أمر سواء أكان نبيا، أو خليفة، أو ملكا، أو واليا أو عاملا وهو مريض بالقسوة والجلافة والظلم الذي عاملوا به رسول الله أثناء مرضه.

ولم يصدف طوال التاريخ السياسي للمسلمين أن اعترض المسلمون على أي خليفة أو وال أو عامل أو مسلم أراد أن يكتب وصيته أو توجيهاته أثناء مرضه بل على العكس فقد اعتبروا أن كتابة الوصية، وإصدار التوجيهات النهائية، والاستخلاف حق للخليفة القائم وواجب عليه.

قال ابن خلدون الذي أشرب ثقافة التاريخ، وآمن بفلسفة معاوية وأساتذته: (إن الخليفة ينظر للناس حال حياته وتبع ذلك أن ينظر لهم بعد وفاته ويقيم لهم من يتولى أمورهم من بعده) (1)!!

____________

(1) مقدمة ابن خلدون ص 127.

 

 


ولكن ابن خلدون لا يعترف بهذا الحق لرسول الله، لأن الرسول ليس خليفة! لقد اخترع ابن خلدون هذا الحق خصيصا للخلفاء الذين أشرب ثقافتهم، في الوقت الذي كان فيه يجهل تاريخ الرسول، وتاريخ الإسلام وثقافتهما الحقيقية!! لقد أعلنوا في ما بعد بكل صراحة أن مكانة الخليفة أعظم من مكانة النبي (1) وتمت مكافأة من جهر بهذه الآراء الفاسدة، فتقلدوا أعظم مناصب دولة الخلافة التاريخية!! فهل بعد هذا العجب من عجب!!

ألا بعدا لهم كما بعدت ثمود!!

____________

(1) تاريخ ابن كثير ج 10 ص 7 - 8، وسنن أبي داود ج 4 ص 209 - 210 ح 4642، ومروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 147، والعقد الفريد ج 5 ص 51 - 54، وتاريخ الطبري ج 5 ص 21.

 

 


موقف عمر وقادة التحالف عندما تيقنوا من وفاة الرسول!!

عندما توفي الرسول يبدو أن ذلك النفر من أبناء قريش المهاجرين لم يكونوا كلهم متواجدين في المدينة، فقد كان أبو بكر غائبا في السنح، وكان أبو عبيدة غير موجود أيضا، وكانت مهمة عثمان أن يكون قريبا من المسجد ومعه بنو أمية، لمراقبة آل محمد وأهل بيت النبوة!!

وعمر نفسه لم يكن متأكدا من وفاة الرسول، لذلك أخذ معه المغيرة بن شعبة، ليتأكد من وفاة الرسول، وعندما دخل كشف الثوب عن وجه رسول الله، ويروي أولياؤه أنه قد قال: واغشياه ما أشد غشي رسول الله!!

كان عمر بحاجة إلى شئ يشغل به الناس ريثما يتجمع ذلك النفر من المهاجرين ثم ينطلق بهم ليقود جموع التحالف ويستولي على ملك النبوة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع، ويضع المؤمنين أمام أمر واقع! لقد اهتدى عمر إلى ما يشغل به الناس فرفع شعار أن الرسول لم يمت، ولكنه ذهب لملاقاة ربه كما ذهب موسى!!!

ويروي أولياؤه أن رفيقه وحليفه المغيرة بن شعبة الذي اصطحبه معه ليتأكدا معا من وفاة الرسول قد قال: (مات والله رسول الله) فقال له عمر:

كذبت، ما مات رسول الله، ولكنك رجل تحوسك فتنة، ولن يموت.

 

 


رسول الله حتى يفني المنافقين (1).

وأخذ عمر يقول: (إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي، إن رسول الله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى عن قومه وغاب أربعين يوما، والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي وأرجل من يزعمون أنه مات) (2) (ومن قال بأنه مات علوت رأسه بسيفي) (3) فتلى عليه من في المسجد (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)) (4).

قال العباس بن عبد المطلب: (إن رسول الله قد مات وإني رأيت في وجهه ما لم أزل أعرفه في وجوه بني عبد المطلب عند الموت، ثم قال:

هل عند أحدكم عهد من رسول الله في وفاته فليحدثنا؟ قالوا: لا، فقال العباس: اشهدوا أيها الناس إن أحدا لا يشهد على رسول الله بعهد عهد إليه في وفاته) (5).

ومع هذا فلم يتوقف عمر، بل استمر في الكلام حتى أزبد شدقاه (6).

وجاء أبو بكر من السنح وتلا قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) فقال عمر لأبي بكر: هل هذه الآية في كتاب الله؟! فقال أبو بكر نعم عندئذ سكت

____________

(1) راجع على سبيل المثال مسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 219، ومعالم المدرستين ج 1 ص 113.

(2) تاريخ الطبري ط أوربا ج 1 ص 1818.

(3) تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 164.

(4) الطبقات لابن سعد ج 2 ص 57، وكنز العمال ج 4 ص 53 الحديث رقم 1092، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 243، وابن ماجة الحديث 627.

(5) الطبقات لابن سعد ج 2 ف 2 ص 57، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 243، والسيرة الحلبية ج 3 ص 390 - 391، وكنز العمال ج 4 ص 53 الحديث رقم 1092، والتمهيد للباقلاني ص 192 - 193.

(6) أنساب الأشراف ج 1 ص 567، والطبقات لابن سعد ج 2 ف 2 ص 53، وكنز العمال ج 4 ص 53، وتاريخ الخميس ج 2 ص 185، والسيرة الحلبية ج 3 ص 392.

 

 


عمر!!!! (1) أنت تلاحظ أن الخليفة لا يدري إن كانت هذه الآية من القرآن الكريم، وأنت تلاحظ أن من في المسجد قد تلوا عليه هذه الآية قبل مجئ أبي بكر، ولكنه لم يتوقف عن الكلام والادعاء بأن الرسول لم يمت، لأنه قد خشي أن يبيت الناس في الأمر قبل قدوم أبي بكر، لذلك افتعل هذا الموقف ليشغل الناس حتى يحضر أبو بكر وأبو عبيدة، بدليل أنه بعد حضور أبي بكر بدقائق غادر وإياه المكان وذهبوا إلى سقيفة بني ساعدة ومعهم أبو عبيدة، وهذا يؤكد أن ما فعله عمر كان تمثيلا وإلهاء للناس!!

وليس من قبيل الصدمة أو التفجع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه قبل سويعات فقط من وفاة الرسول، كان عمر بن الخطاب قد جلب أركان حزبه، واقتحم بهم منزل الرسول، وقال للرسول أمامهم، (أنت تهجر - أي لا تعي ما تقول - ولسنا بحاجة إلى وصيتك، ولا إلى توجيهاتك النهائية لأن عندنا القرآن وهو يكفينا ويغنينا عنك!! فقط قبل سويعات معدودة كسر بخاطر الرسول، واستخف بمقام النبوة، وجرأ أركان حزبه على أن يقولوا للرسول، أنت تهجر!!، وأحدث وحزبه، اللغط واللغو، وافتعلوا الخلاف والتنازع بين يدي رسول الله وفي منزله، ورفعوا أصواتهم فوق صوته!!! وقبل أن يعلم بوفاة النبي كان يحرض الناس على عدم الخروج في جيش أسامة، ويشكك الناس بشرعية تأمير الرسول لأسامة، وحتى بعد أن تيقن من وفاة الرسول كان يحرض الخليفة الأول على عزل أسامة، لأن تأمير الرسول لأسامة عمل غير صائب!!

فما الذي حدث حتى ينقلب عمر هذا الانقلاب خلال سويعات فيمثل دور المصدوم وعدم المصدق بأن الرسول قد مات!!! كل هذه الأمور

____________

(1) سورة آل عمران، الآية 144، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ف 2 ص 54، وتاريخ الطبري ج 1 ص 1817 - 1818، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 343، والسيرة الحلبية ج 3 ص 392، وابن ماجة الحديث 1627.

 

 


تكشف بأن العملية كلها تصنع وتمثيل، لإشغال الناس، وإلهائهم حتى يتجمع ذلك النفر من حلفائه المهاجرين، بدليل أنه بعد دقائق من حضور أبي بكر وأبي عبيدة خرج الثلاثة معا واتجهوا إلى سقيفة بني ساعدة تاركين وراءهم رسول الله لم يجهز ولم يدفن!! كل هذا يؤكد بأن إحساس عمر بن الخطاب بالصدمة والفجيعة كان مفتعلا.

عمر وذلك النفر من المهاجرين لم يشاركوا بتجهيز النبي ولم يحضروا دفنه!!!

إن أبسط حقوق الرسول على عمر بن الخطاب وذلك النفر من المهاجرين أن يشاركوا بتجهيز الرسول وأن يحضروا دفنه، خاصة وأن أبا بكر وعمر قد نالا شرف مصاهرة الرسول، ولكن الثابت ثبوتا يقينيا بأن عمر وأبا بكر وذلك النفر من المهاجرين لم يشاركوا بتجهيز الرسول ولم يحضروا دفنه، بل استغلوا فرصة انشغال آل محمد بتجهيز الرسول ودفنه، فاستولوا على ملك النبوة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع، ثم وضعوا أهل بيت النبوة والفئة القليلة المؤمنة أمام أمر واقع لا طاقة لهم بدفعه، لأن زعامة بطون قريش، والمنافقين، وكافة القوى التي حاربت رسول الله قبل انتصاره، وقفت وراء ذلك النفر من المهاجرين لا حبا بذلك النفر، ولكن نكاية برسول الله وأهل بيت النبوة وإرغاما لأنوفهم وبالمناسبة فهل كان بوسع سفلة قريش أن يقتحموا بيت الرسول وأن يقولوا أمامه أنت تهجر - أي لا تعي ما تقول - لو لم يكن عمر بن الخطاب هو الذي قادهم وقال للرسول أمامهم أنت تهجر ولا حاجة لنا بكتابك!!!

وهل كان بوسع أحد من سفلة قريش ومن كل القوى المهزومة أن يتجرأ على المساس بالترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي لولا ذلك النفر من بطون قريش المهاجرين!! لقد كان الكل راضيا، وخاضعة أعناقهم لما أنزل الله، وقد سقنا قول معاوية برده على رسالة محمد بن أبي بكر:

 

 


لقد كنا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا وفضله مبرزا علينا...) لقد هيج ذلك النفر مشاعر المسلمين ضد الترتيبات الإلهية، وجرأ الناس على انتهاكها!!

وما يعنينا في هذا المقام هو التأكيد على أن عمر بن الخطاب الذي افتعل الصدمة والفجيعة عندما سمع بوفاة الرسول، وأبا بكر وذلك النفر من أبناء بطون قريش المهاجرين لم يشاركوا بتجهيز الرسول ولم يحضروا دفنه قال ابن سعد: (ولي وضع رسول الله في قبره هؤلاء الرهط الذين غسلوه العباس وعلي والفضل وصالح مولاه، (وخلى أصحاب رسول الله بين رسول الله وأهله فولوا أجنانه) (1).

وقال ابن عبد ربه: (ودخل القبر علي والفضل وقثم ابنا العباس وشقران مولاه ويقال أسامة بن زيد وهم تولوا غسله وتكفينه وأمره كله) (2).

وأن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن الرسول (3).

وقالت عائشة: ما علمنا بدفن الرسول حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء) (4).

هم يقولون: إنه صلى الله عليه وآله وسلم قد مرض في بيت عائشة، ومات فيه فأين كانت عائشة أم المؤمنين طالما أنها لم تعلم بدفن الرسول!!

____________

(1) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ف 2 ص 70، وفي البدء والتاريخ قريب منه، وكنز العمال ج 4 ص 54 و 60 وهذه عبارته: (ولي دفنه وأجنانه أربعة من الناس) ثم ذكر الذين ذكرناهم معالم المدرستين ج 1 ص 121.

(2) العقد الفريد ج 3 ص 61، وقريب منه تاريخ الذهبي ج 1 ص 321 و 324 و 326.

(3) كنز العمال ج 3 ص 140.

(4) سيرة ابن هشام ج 4 ص 344، وتاريخ الطبري ج 2 ص 452 و 455 وط أوروبا ج 1 ص 1833 و 1837، وابن كثير ج 5 ص 270، وابن الأثير في أسد الغابة ج 1 ص 34 في ترجمة الرسول، ومعالم المدرستين ج 1 ص 121.

 

 


وقال ابن سعد: (ولم يله إلا أقاربه، ولقد سمعت بنو غنم صريف المساحي حين حضر، وإنهم لفي بيوتهم) (1).

هذه الروايات رواها أولياء الخلفاء وهي تدل ضمنا على أنهم تركوا رسول الله جنازة في أيدي أهله وأقاربه، وذهبوا يستولون على ملك النبوة، ويتقاسمونه في غياب أهله الشرعيين!!

إذا كان هذا تعاملهم مع الرسول شخصيا صاحب الرسالة والسنة، فكيف يكون تعاملهم مع سنته!!

____________

(1) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 1 ف 2 ص 78.

 

 


سنة الرسول بعد موت الرسول

ربط الموضوع

رأينا في الفصل السابق بعض أفاعيل القوم مع رسول الله عندما أمرهم بالخروج في جيش أسامة، ورأينا نماذج من معاملتهم الغاشمة لرسول الله أثناء مرضه، ومعصيتهم له، واستهانتهم التامة بمقام النبوة المقدس (1) وإساءتهم البالغة لرسول الله وتماديهم بإيذائه، وافتعالهم للغو والاختلاف والتنازع بين يديه، وكيف كسروا بخاطره الشريف، وهو يجود بآخر أنفاسه الطاهرة، فكان آخر ما قاله لهم النبي، كما وثقنا (... إنهن - أي النساء - خير منكم) (2) (ما أنا فيه خير مما تدعوني إليه) (3) (قوموا عني فلا ينبغي عندي تنازع) (4).

وبعد أن نجحت زعامة القوم بتثبيط الناس عن الخروج في جيش أسامة، وتشكيك الناس في شرعية تأمير الرسول لأسامة، وبعد أن نجا بالحيلولة بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، غادرت منزل

____________

(1) كقولهم للنبي: (أنت تهجر!!) أي لا تعي ما تقول.

(2) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 243 - 244.

(3) راجع المراجع التي ذكرتها تحت عنوان تدخل النسوة... والعنوان الذي يليه في الصفحات العشرة السابقة.

(4) المصدر السابق.

 

 


الرسول، وتركته يلفظ آخر أنفاسه، وأخذت تستعد للخطوة الثالثة وهي الاستيلاء على ملك النبوة، وبعد أقل من ساعة من خروج زعامة القوم من منزل النبي، بلغها أن النبي قد مات، فافتعلت الصدمة، وتصنعت الفجيعة، لتشغل الناس، وتلهيهم، حتى يتكامل جمع تلك الزعامة لتمضي قدما بتنفيذ مخططها المرسوم.

 

 


 

 

 


الباب الرابع
سنة الرسول بعد موت النبي

 

 


 

 

 


الفصل الأول
نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم

استنكار الترتيبات التي أعلنها الرسول لعصر ما بعد النبوة!

عند معالجتنا لموضوع من يخلف النبي، ومن يبين القرآن، ويبلغ السنة بعد موت النبي أو قتله قلنا: إن هذا الموضوع قد نال عناية الله تعالى والجزء الأكبر من اهتمام الرسول لأن من يخلف النبي هو حجر الأساس لنظام الحكم الإسلامي، وقد أثبتنا بالدليل القاطع والبرهان الساطع، بأن الله تعالى قد اختار الإمام علي بن أبي طالب ليكون أول إمام يخلف النبي بعد موته، واختار أحد عشر إماما آخرين من ذرية النبي ومن صلب علي ليتعاقبوا على خلافة الإمام علي بعد موته أو قتله، يتولى كل واحد منهم الإمامة بعهد ممن سبقه، وأمر الله رسوله أن يبين ذلك للمسلمين خاصة، وللناس عامة، فصدع الرسول بأمر ربه، وطوال عهد النبوة الزاهر وهو يبين ذلك بمختلف وسائل البيان، ويؤكده بكل طرق التأكيد، ويثبت صواب هذا الترتيب الإلهي بمختلف وسائل الإثبات، لأن هذا الموضوع هو العمود الفقري للأحكام الإلهية، وتمكن الرسول من إقناع المسلمين بصواب

 

 


الترتيبات الإلهية لعصر ما بعد النبوة المتعلقة بمن يخلف النبي، فمعاوية بن أبي سفيان طليق وابن طليق، وقائد كبير من قادة جبهة الشرك يصرح علنا بما يلي: (لقد كنا وأبوك معنا في حياة من نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا، وفضله مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده... فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه، على ذلك اتفقا واتسقا...) (1) فإذا كانت هذه قناعة معاوية وهو أحد رؤوس الشرك السابقين وابن رأس الأحزاب وأبرز أئمة الكفر، فكيف تكون قناعة الشخص العادي!! لقد رضي الجميع بالترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي ولما وصل الرسول إلى هذه النتيجة المباركة، وبعد عودته من حجة الوداع، جمع الأكثرية الساحقة من المسلمين في مكان يدعى (غدير خم) وأعلن أمامهم بأنه سيموت بعد عودته إلى المدينة، وأنه قد خلف فيهم خليفتين (كتاب الله وعترة النبي أهل بيته)، وأن الهدى لن يدرك إلا بالتمسك بهذين الثقلين، وأن الضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بهذين الثقلين، ثم سأل المسلمين ألست وليكم ومولاكم والأولى بكم؟ فأقر المسلمون بذلك، ثم أعلن الرسول (من كنت الأولى به ووليه ومولاه، فهذا علي بن أبي طالب هو الأولى به ووليه ومولاه ثم أجلس رسول الله الإمام عليا في مكان خاص، وتوجه بعمامته، ثم كلف المسلمين بأن يبايعوه بالولاية من بعد النبي، فبايعه الجميع، وبعد أن تمت البيعة نزلت آية الاكمال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وهكذا حسمت مسألتي القيادة والقانون بعد موت النبي) (2) وقد حذر رسول الله المسلمين بأنهم إن لم يتبعوا هذه الترتيبات، فإن أبواب الفتن ستفتح، وأن عرى الإسلام كلها ستنقض عروة بعد عروة

____________

(1) مقطع من رسالة معاوية لمحمد بن أبي بكر راجع وقعة صفين لنصر بن مزاحم ط القاهرة 1382 ه‍ ص 118 - 119، ومروج الذهب للمسعودي ط 1385 ج 3 ص 11.

(2) لقد وثقنا كل كلمة في باب خاص من هذا الكتاب تحت عنوان (من يبين القرآن ومن يبلغ السنة، ومن هو مرجع المسلمين بعد وفاة نبيهم)، فارجع إلى توثيقنا إن شئت.

 

أولها نقضا الحكم وآخرها نقضا الصلاة (1) وسيلي الأمر من بعده رجال يطفئون السنة ويحدثون البدعة (2).

بعد عودة الرسول إلى المدينة، مرض كما أخبر، ومات في مرضه دون أن تتبدل هذه الترتيبات أو تتغير، وكان الناس على يقين بأن الإمام والخليفة من بعد النبي هو علي بن أبي طالب!! وبما أن الإمام أو الرئيس العام هو أس النظام السياسي وحجر أساسه كما أوضحت السنة النبوية بفروعها الثلاثة القول والفعل والتقرير، فإن سلطة النبي ستنتقل سلميا إلى الإمام علي بعد وفاة النبي، حيث يتولى هذا الإمام المؤهل قيادة الأمة، وتبليغ السنة، وبيان القرآن وبالكيفية التي أعده الله ورسوله لتحقيقها، ولهذا الإمام الاستعانة بمن يراهم من أهل القوة والأمانة، وعصمة الإمام علي، أي اعتصامه المؤكد بالله، والتزامه التام بطاعته، هي الضمانة الإلهية بعدم الانحراف أو إساءة استعمال السلطة أو الصلاحيات الهائلة المعطاة له، بمعنى آخر فإن الإمام شأنه شأن كل الأئمة الشرعيين محصن أو (مطعم) إلهيا ضد الخطأ والانحراف، تماما كما (حصن الرسول وطعم) لأن الإمام هو القائم مقام النبي وهو المؤدي عنه كافة الأحكام الشرعية، وقد تولت السنة النبوية المباركة بيان هذه الناحية وإثباتها.

لذلك لم تكن هنالك مشكلة بموت النبي، لأن الإمام عليا قد تم تتويجه وتمت مبايعته حال حياة النبي كولي وكإمام وكخليفة شرعي للنبي، فهو ولي عهده شرعيا أو رسميا، فإن تأكدت وفاة النبي بأية لحظة فسيحل محله آليا ولي عهده، كانت الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول وأكدها طوال عصر النبوة الزاهر محكمة تماما، وقد حرص الرسول على إقناع

____________

(1) صحيح البخاري كتاب الحج ج 1 ص 322، وصحيح مسلم ج 7 ص 18، راجع نماذج من تحذيرات الرسول.

(2) رواه أحمد الفتح الرباني ج 29 ص 23 وقال حديث صحيح.

 

 


المسلمين بسلامتها وصوابها، ونجح بالفعل في إقناعهم بذلك والحصول على رضاهم التام بها فحتى أبو سفيان إمام الكفر سابقا وولداه معاوية ويزيد وهم من قادة جبهة الشرك كانوا راضين ومقرين بسلامة وصواب هذه الترتيبات الإلهية، أما الفئة الصادقة المؤمنة فقد كانت ترى أن هذه الترتيبات المتعلقة بمن يخلف النبي أحكام إلهية أساسية، ملزمة، ولا تستقيم أمور الدين والدنيا إلا بها، والقوى التي حاربت وقاومت رسول الله قبل نصر الله والفتح كانت ترى أن هذه الترتيبات من القوة والأحكام بحيث لا يمكن نقضها، لذلك كانت أعناق تلك القوى خاضعة لهذه الترتيبات، لأنها قد اعتبرت أن القبول بهذه الترتيبات جزء لا يتجزأ من الإسلام، وأن الله هو الذي أمر بها، فهي أحكام إلهية، وأن مهمة الرسول كانت مقصورة على بيان هذه الأحكام، فالتفكير العام والقناعة الظاهرة لكافة القوى التي حاربت الرسول وقاومته ثم اضطرت لدخول الإسلام مشابه تماما لتفكير وقناعة القلة المؤمنة في هذه الناحية بالذات!!

 

 


0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حوار معاصر مع عبد الله الرضيع عليه السلام
ماهية الصلاة البتراء والأحاديث الناهية عنها عند ...
علماء الشيعة والتشبيه
محطات قدسيّة .. في عالم النور
زيارة أم البنين عليها السلام
دعاء الليلة العاشرة من شهر رمضان المبارک
يوم المباهلة
شفاء النفوس من خلال الهدى القرآني
أدب الصلاة على النبي (ص)
مرقد السيدة زينب الكبرى (س)

 
user comment