عربي
Thursday 2nd of May 2024
0
نفر 0

>الَّذي نَوَّرَ قُلُوبَ الْعارِفينَ بِذِكْرِهِ<

>الَّذي نَوَّرَ قُلُوبَ الْعارِفينَ بِذِكْرِهِ<

 

الذكر:

 الله الذي ازال الظلمة وغبار الظلمات من قلوب العرفاء ونور قلوبهم بذكره.

وربما نستطيع القول بأن معنى الذكر في هذه الجملة، هو القرآن الكريم، كما هو الحال في كثير من الآيات التي عبر عنها بالذكر:

Pإِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَO([1]).

فلذا المعنى هو: تسليم العرفاء لكتاب الله سبحانه وتعالى بتوفيق منه، ووفقوا في معرفة مفاهيمه الملكوتية، وبعد حصول هذه المعرفة قاموا بتطبيق أوامره، وعن هذا الطريق أزالوا ظلمات الجهل وظلم النفس والكفر، وأناروا قلوبهم بنور ملكوت القرآن، وعلى وقع هذا النور الإلهي عاشوا بين الناس:

P...وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ...O([2]).

ومن بركة هذا النور؛ وصلوا إلى اليقين، ومن آثار هذا اليقين، تحلوا بالأخلاق الحسنة، وبعناية الله تبارك وتعالى، فقد رُزقوا الحياة الطيبة:

{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}([3]).

 

القرآن الكريم؛ مركز العرفان:

القرآن الكريم، هو النور الإلهي مثلما يشهد القرآن لنفسه؛ بهذا المعنىP... وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناًO([4]).

يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

>فَاِذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْكُمُ الْفِتَنْ لِقَطْع اللّيلِ الْمُظْلِم فَعَلَيْكُمْ بِالْقُرآن<([5]).

فالقرآن الكريم؛ نور الحياة؛ وذخر الآخرة؛ وشفيع يوم المحشر، والمنقذ من العذاب؛ ووسيلة رشد وتكامل الإنسان.

القرآن الكريم؛ يجلب المعرفة، والنور، والكرامة، والأصالة، والشرف، وسعادة الدنيا والآخرة للإنسان.

ان الارتباط الحقيقي بالقرآن، يصنع من الإنسان عارفا حماسياً؛ وحكيماً كبيراً، وسالكاً واصلاً.

يقول صدر المتألهين الشيرازي في كتابه العظيم >أسرار الآيات<:

نحمدك يا من بيده ملكوت السماوات والأرض، ويا من الأشياء إليه في حركة شوقاً إليه. يا حقيقة الحياة ويا مقوّم الموجودات، هدفنا أنت والغاية من صلاتنا وصومنا أنت، أنت المقوّم للوجود ومنبع الخير والبركة، ومصدر الإشراق، ونهاية الأشواق، ومدبّر الأمور، وذاتك النور، وواهب الحياة للعالم، وخالق الأرض والسماء.

بحق أنوار كلماتك المباركة ساعدنا، ونوّر قلوبنا بأسرار وآيات كتابك الشريف، وطهّر نفوسنا من ظلماتها، وأخرجنا من ظلمات العالم إلى رؤية أنوارك، ولقاء اشراق نورك، ومجالسة المقرّبين لك، ومصاحبة سكان ملكوتك، وارفعنا مع ملائكتك الذين لا يغفلون عن تسبيحك لحظة، واحشرنا مع الأنبياء والصديقين (عليهم السلام)، خصوصاً مع النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي بعثته رحمة للخلائق أجمعين، وأهل بيته الطاهرين عليهم أفضل صلاة صلاة المصلّين واطهر سلام المسلّمين.

فبعد هذه المقدمة؛ يقول العبد الحقير والمحتاج لكرم الله سبحانه وتعالى محمد الملقب بصدر الدين:

Pهذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَO([6]).

Pقُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَO([7]).

هذه أنوار العلوم الإلهية، وأسرار المسائل الربانية والمقصود النهائي للقرآن الكريم؛ مستفيضة من آيات كتابه المنير الذي أرسله الله سبحانه وتعالى بلطف عنايته بخلقه لهم.

هذه الأنوار هي المفاتيح التي بواسطتها؛ يُفتح أبواب الجنة والرضوان وتظهر كنوز الخزائن الرحمانية، ونشاهد جواهر وخفايا الملكوت، ويكشف لنا أنوار عالم الجبروت؛ يعني عالم العقول؛ التي تقر فيها العيون، وهي شفاء لصدور المؤمنين والموحدين.

نور القرآن:

يقول الفيلسوف العظيم للعالم الإسلامي في >أسرار الآيات< مرة أخرى في القاعدة الرابعة:

إنّ أحدى أسماء القرآن هو النور، لأن القرآن نور عقلي وبواسطته يُكشف لنا أحوال المبدأ والمعاد؛ وعن طريقها تُعرف حقائق الأشياء وتُدرك، وبواسطة ذلك النور، في يوم القيامة؛يهدي الإنسان، ويسلك به طريق الجنة، كمال قال تعالى:

Pما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلاَ الإِْيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍO([8]).

نعم، يُنوّر القلب بواسطة القرآن، ونور العبادة هذا، هو من ذلك الإيمان واليقين بالله واليوم الآخر وملائكته والأنبياء والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) والوجه الآخر له هو العمل الصالح والأخلاق الحسنة.

ويبين صدر المتألهين في حديث متين جداً، الفرق الشاسع بيننا نحن أسير عالم المادة، وبين العرفاء الحقيقيين فيقول:

هو أنّه نحن وأمثالنا؛ لا نرى من القرآن سوى كتابته السوداء، لأننا نعيش في دنيا الظلمة والظلام؛ وكل شيء فيه، هو امتداد لعالم المادة.

ولست أعني بالمادة، ذلك الشيء الذي له أبعاد وأجساد واعداد وأضداد وهيولى، وبما أن الإنسان لا يستطيع ان يدرك الأشياء إلا إذا كانت في قدرة واستطاعة إدراكه، فلا يعتبر الحس من ضمن المحسوسات، ولا الخيال جزء من التخيّلات، ولا العقل من المعقولات. وبعبارة أخرى كل نوع يستطيع أن يفهم ويدرك ذي نوعه، إذن فالنور لا يستطيع احد ان يفهمه إلا النور يقول الله سبحانه وتعالى:

P...وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍO([9]).

ولذلك، فنحن لا نستطيع ان نرى إلا الخطوط السوداء لكتابة القرآن الكريم؛ بعيوننا السوداء هذه، وعندما نخرج من هذا العالم المجازي، ومن هذه المدينة التي يعيش سكانها في ظلمة، وهم ظالمين، ونهاجر إلى الله سبحانه وتعالى، ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونقطع الفيافي من أجل الوصول لهدفنا، ويدكننا الموت ويخلّصنا من هذه الأطوار التي بعضها على أشكالٍ حسية، وخيالية، و وهمية و عقلية، ونقطع أملنا من ما سوى الله، ونتوجّه إلى وجودنا الحقيقي الذي هو نفس نور وأشعاع الإلهي للوجود الحقيقي، ونذوب في وجود كلام، حيئنذٍ؛ يحيينا الله سبحانه وتعالى بعد موتنا، ويوصلنا من عالم العدم إلى عالم السمو، ومن عالم الفناء إلى عالم البقاء، ومن الموت إلى الحياة، يعني تلك الحياة الثابية والباقية التي تعتمد في بقائها، ببقاء الله سبحانه وتعالى.

بعد ذلك، فلن نرى الكتابة السوداء للقرآن الكريم، وإنمانشاهد ونرى النور الخالص؛ الذي لا يدنّسه الظلام،  ونجد يقيناً خالصاً ليس فيه شك أو ترديد ونتصف ونكون كما قال الله سبحانه وتعالى:

P...وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مسْتَقِيمٍO[10].

P...وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماًO.

الإمام علي (عليه السلام) هو القرآن الناطق:

في هذه اللحظة نقرأ الآيات الإلهية من النسخة الأصلية، من الإمام المبين والذكر الحكيم، والذي عنده علم الكتاب،  ألا وهو أمير المؤمنين (عليه السلام)، فيقول الله سبحانه وتعالى:

Pوَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌO([11]).

لهذا السبب نطق بكلام ـ الذي كان السبب في نطق الإمام ـ فقال:

>انا النقطة تحت الباء، وأشار إلى صدره وقال: اعلموا ان هنا علماً جماً، لو أصبتُ له حمَلة<([12]).

 ويجب ان ننتبه بأن الفسق والعصيان، والكفر والرياء، والشرك، وكدورة وضيق القلب، وأي نوع من الظلم والفساد، والفحشاء والمنكر؛ إنّما هو  نتيجة ظلام وغفلة القلب عن الله جل وعلا.

ويجب على الإنسان؛ أن يحفظ قلبه من الوقوع في الغفلة، عن طريق إطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى، والأنبياء (عليهم السلام)، والعمل بالقرآن الكريم، والاقتداء بالرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم)،  والأئمة الأطهار (عليهم السلام).

هذه الحقائق هي سبباً في ضياء القلب وتنويره، وإيقاظ الروح من الغفلة، وحدوث وإيجاد النور في القلب.

 لأن القلب يُضاء بذكر الله سبحانه وتعالى، ويغلب ذلك النور على جميع حركات وسكنات الإنسان، وبعد هذا، إثر ممارسة العمل والتقوى، يصبح النور في ذات الإنسان، فيصبح عارفاً كاملاً وسالكاً خبيراً.

لذا إذا كان تعريف الذكر في مقدمة الجملة من خطبة الكتاب بمعنى القرآن الكريم، يكون المعنى بأن الله جل وعلا نوّر قلوب العارفين؛ بنور قرآنه المجيد، أما إذا كان بمعنى التوجّه والانتباه، أو بمعنى الصلاة، أو بمعنى الأوراد المذكورة في كتب الأدعية، فإننا نرجع إلى نفس المعنى القرآني له مرة أخرى، ذلك لأن القرآن الكريم يحتوي على جميع الحقائق.




([1]) الحجر (15): 9.

([2]) الأنعام (6): 122.

([3]) النحل (16): 97.

([4]) النساء (4): 174.

([5]) الكافي: 2/599، كتاب فضل القرآن، حديث 2.

([6]) آل عمران (3): 138.

([7]) يوسف (12): 108.

([8]) الشورى (42): 52.

([9]) النور (24): 40.

([10]) الشورى (42): 52.

([11]) الزخرف (43): 4.

([12]) أسرار الآيات: 46، الحاشية.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

النعم ومسؤليت الانسان
5. محذرا من العرفان بالجميل للمباركة
مراحل عبادة العارفين:
الطاقة الوجودية لأهل البيت^
8. سوء الاصراف بالنعم
النفس ومراحلها السبعة:
أهل البيت النور المطلق
التوسل بأهل البيت
>الَّذي نَوَّرَ قُلُوبَ الْعارِفينَ بِذِكْرِهِ<
الخوف من سوء العاقبة

 
user comment