نتائج الانفصال عن أهل البيت^
قال تعالى: {... أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ}([1]).
إن من لا يطيع الراسخين في العلم ومن لا يطيع أولي الأمر فإنه بمثابة متمرد على الله ورسوله وهذا ما تؤكده روايات الفريقين على حدّ سواء.
والآن نحاول أن نتعرف على مصير أولئك الذين يبتعدون عن مسار أولي الأمر والراسخين في العلم.
وانطلاقاً من قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ} فإن الإيمان والحب لله أهل البيت واجب ومقابل هذا فإن قطع العلاقة معهم والانفصال عنهم سيكون حراماً ومن يتورط في القطيعة مع أهل البيت سيبوء بالخسران المبين قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَْرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}([2]).
والتأمل في الآية الكريمة: {... أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ} يقودنا إلى إدراك أنه لا حكم وحاكم يمثل خطاً موازياً امتداداً طولياً لحكم الله وقيادة رسوله’ ولذا فإن حكومة أبي بكر كانت فلتة وهي قولة قالها عمر بن الخطاب: عندما قال
كانت بيعة أبي بكر فلتة وقانا الله شرّها([3]).
هذا من جهة ومن جهة أخرى أن وصايا النبي’ تؤكّد أن أهل البيت هم عدل القرآن وهم أهل الذكر وأن عدم أتباعهم والسير في طريقهم يقود إلى الهلكة، ولذا فإن القطيعة مع أهل البيت^ هو قطع الرحم الرسول’ وهو إثم كبير ومعصية خطيرة.
أحاديث هامّة حول صلة الرحم
عن الإمام أبي الحسن× قال: إن رحم آل محمد’ معلق بالعرش يقول: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني وهي تجري في كل رحم([4]).
وعن عمرو بن جميع قال: كنت عند أبي عبدالله الصادق× مع نفر من أصحابه فسمعته يقول: أن رحم الأئمة^ من آل محمد’ ليتعلق بالعرش يوم القيامة وتتعلق بها أرحام المؤمنين تقول يا رب صل من وصلنا واقطع من قطعنا. قال: فيقول الله تبارك وتعالى: >أنا الرحمن وأنت الرحم شققت اسمك من اسمي، فمن وصلك وصلته ومن قطعك قطعته ولذلك قال رسول الله’: الرحم شجنة من الله تعالى.
وعن أبي بصير عن أبي عبدالله الصادق× قال: سمعته يقول: أن الرحم معلقة بالعرش يقول: اللهم صل من وصلني وأقطع من قطعني وهي رحم آل محمد وهو قول الله عز وجل {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}([5]).
وجاء في تفسير الإمام العسكري× في تفسير آية البقرة: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ} المأخوذ عليهم بالربوبية ولمحمد بالنبوّة ولعلي بالإمامة {مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} من الأرحام والقرابات أن يتعاهدوهم وأفضل رحم وأوجبهم حقاً رحم محمد’ فإن حقهم بمحمد’ كما أن حق قرابات الإنسان بأبيه وأمه ومحمد أعظم حقاً من أبويه (أبوي الإنسان المسلم) كذلك حق رحمه أعظم وقطيعته أفظع وأفضح وقد أحتج بذلك الإمام علي× على المهاجرين والأنصار في إحدى المناسبات وخلص إلى هذه النتيجة في قوله: >فإذا حقُّ رسول الله’ أعظمُ من حق الوالدين، وحق رحمه أيضاً أعظم من حق رحمهما، فالويل كل الويل لمن قطعها، والويل كل الويل لمن لم يعظم حرمتها<([6]).
الخاتمة
إن معرفة حقيقة أهل البيت أمر يفوق السعة الوجودية للإنسان ذلك أنهم عدل القرآن الكريم، فكما أن القرآن الكريم تقرأه الأجيال وفي كل عصر له قراءة تختلف عن عصر، فإن أهل البيت بلغوا من السمو والكمال ما يجعلهم متجددين في كل عصر، فكل جيل ينظر إلى هذه الرموز من زاوية تختلف فيكتشف في تجربتهم الإنسانية ويغرف من فيض معارفهم الجديد والمزيد.
وقد جاء في الروايات ما يؤكّد هذا المعنى قال رسول الله’:
>يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا<([7]).
ومن جهة أخرى يقول’: >من مات ولا يعرف إمامه، مات ميتة جاهلية<([8]).
ولذا فإن لكل إنسان جانباً يعرفه عن أهل البيت يختلف عن الآخر وبحسب سعته الوجودية فما يعرفه سلمان يختلف عمّا يعرفه أبو ذر.
روى الإمام جعفر الصادق× عن جدّه علي بن الحسين‘ قوله:
>والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخى رسول الله’ بينهما، فما ظنكم بسائر الخلق؟ إنّ علم العلماء صعب
مستصعب، لا يتحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرّب أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان فقال: وإنّما صار سلمان من العلماء، لأنّه امرؤ منّا أهل البيت، فلذلك نسبته إلى العلماء<([9]).
قال الإمام علي× لأبي ذر: >... يا أبا ذر إنّ سلمان لوحدّثك بما يعلم لقلت رحم الله قاتل سلمان ...<([10]).
الغلو يهدد الإيمان
ظل التشيع عبر تاريخه الطويل مهدداً من قبل الغلاة، ولهذا فإن الغلو والتطرف هو آفة الإيمان.
ومن هنا تصدّى أئمة أهل البيت لظاهرة الغلو وحاربوها بلا هوادة، وحتى في هذا العصر من العجيب أيضاً أن نرى تياراً للغلاة يعيش بيننا أن الغلو ينشأ من عاملين:
الأول: فقدان السعة الكافية لاستيعاب معارف أهل البيت^.
الثاني: طغيان العاطفة واحتلالها للعقل وهو مركز التفكير.
ولهذا قال رسول الله’: لعلي×: >لولا أن يقول فيك الغالون من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم؛ لقلت فيك قولاً لا تمرّ بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يستشفون به<([11]).
وسأل رجل من الإمام الباقر×:
>... ما الغالي؟ قال: قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا،
فليس أولئك منّا ولسنا منهم ...<([12]).
وقال الإمام الصادق×: >شيعتنا من ... لا يمدح بنا غالياً ...<([13]).
وقال أيضاً:
>... وأحبوا أهل بيت نبيكم حباً مقتصداً ولا تغلوا ...<([14]).
ولهذا فإن الإمام الصادق× كان يحذّر من خطر الغلاة وكان يدعو إلى المحافظة على الشباب من هذا التفكير الخاطئ يقول×:
>... أحذروا على شبابكم الغلاة لا يُفسدوهم، فإنّ الغلاة شرُّ خلق الله ...<([15]).
وقد تبرأ الإمام علي× من الغلاة يقول×: >... اللهم إنّي برئٌ من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهم أخذلهم أبداً، ولا تنصر منهم أحداً<([16]).
وفي حديث للإمام الرضا× يقول فيه: >... نحن آل محمد، النمط الأوسط الذي لا يُدركنا الغالي، ولا يسبقنا التالي ...<([17]).
ولهذا نمدّ أكفنا في الختام إلى الله عز وجلّ وندعوه قائلين:
>اللهم أحيينا حياة محمد وآل محمد، وأمتنا ممات محمد وآل محمد، وأرزقنا في الدنيا زيارة محمد وآل محمد، وفي الآخرة شفاعة
محمد وآل محمد، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد، واجعلنا من شيعة محمد وآل محمد<.
([3]) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/29؛ الصواعق المحرقة: 137؛ الاحتجاج: 1/256؛ بحار الأنوار: 30/125، باب 19، حديث 5.
([8]) الكافي: 2/19، باب دعائم الإسلام، حديث 6؛ وسائل الشيعة: 28/353، باب 10، حديث 34950؛ بحار الأنوار: 23/89، باب 4، حديث 35.